Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"كيف تصبح كرديا في خمسة أيام" لمروان علي

قد يكون كتاب  الشاعر الكردي السوري المقيم في المانيا  مروان علي «كيف تصبح كردياً في خمسة أيام» اشبه بمفاجأة  فهو يجمع بين عناصر عدة كاليوميات والمذكرات  ليكتب عن العالم من مرآة ذاته وعن ذاته في مرآة العالم. والكتاب الذي صدر  عن منشورات المتوسط - إيطاليا، ودار السويدي - الإمارات ،  يستعير لعبة العنوان من الكتب التي تحمل "وصفات" معروفة لكنه يحرف العنوان هنا محملا إياه رموزا ومشاعر وتاريخا شخصيا وجماعيا. انه كتاب يوميات يلائم فيه علي بين النصوص النثرية والشعرية، يوميات يؤرِّخ من خلالها للحظته الإنسانية التي تُكثِّف سنواتٍ من الترحال، لكنه ترحال من لا يترك الوطن وراءه، بل يحمل وطنه معه، ليمضي به في مدنٍ شتّى، كاشفاً أوراق هويته وانتمائه الحقيقي من خلال ما يكتب من كلماتٍ تمتزج بتراب الأرض والمطر ورائحة القمح عبر الحقول، بعرق الفلاحين في مواسم الحصاد، بمذاقاتٍ تُحيل على العائلة والمدرسة والبيت. فمروان علي  عمل في مهنٍ كثيرة، كسائق دراجة نارية، وسائق تراكتور، وعتال في مخازن الحبوب في القامشلي، وقد حمل على ظهره المئات من أكياس القمح، التي لم تغادره رائحتها إلى اليوم.

يتوزع الكتاب ظاهراً، على خمسةِ أيام، تمتدُّ في الزَّمن الشخصي الذي يتبنى ضمير المتكلِّم في فعل مكاشفة شفافة وجريئة لتفاصيل حياةٍ بأكملها، وفي الزمن العام او الجماعي. فالفصول الخمسة، أو الأيام الخمسة التي نقرأ صفحاتها المقتطعة من دفاتر ه الخاصة، نلتقي فيها بأشخاصٍ وأماكن وحكاياتٍ تشكِّلُ ذاكرة لا تتوارى، خلف صنعة الكتابة، بقدر ما تنحاز إلى البوح المجرَّد من بهرج اللغة، والمفعم بكل ما هو حميمي وصادق وإن بدا في الكثير من الأحيان على شكلِ قصائدَ من سطرين أو ثلاثة. لكنَّ المفاجأة تكمن في الوصفة التي يقدمها الشاعر للقراء حتى يصبحوا أكراداً في خمسةِ أيام، فهي ليست وصفاً سطحياً لعنوانٍ يبدو كشعار ، بل توظيف أدبي للحظة استعادية مضنية لصورٍ وعذابات وحنين قاتل الى أرض الوطن.

تحضر  مدن مثل كرصور و القامشلي وحلب، يحضر الشاعر شيركو، ولينين، وأغاثا كريستي، تحضر الحرب، كما الاشتراكية والديالكتيك، يحضر فرن الخبز، كما البيت الطّيني، وأضواء ماردين في الليل.. كلُّ هذا الحضور يغري القارئ  كي يتماهى مع الشخصية  الكردية وفي ظرفٍ لا يتجاوز زمن قراءة الكتاب، وفي خمسة أيامٍ مليئة بما يمكن أن يغفله القارئ ويسقط منه سهواً أو عنوةً، ولكن، تلتقطه يد الشاعر لتحوِّله إلى وثيقةِ ألمٍ إنساني، تجعل القارئ ينتمي إليها كنصٍ أدبي يستحق القراءة يقول علي : "في أوّل يوم ذهبتُ الى المدرسة، التفتُّ إلى أخي راكان الذي كان يجلس خلفي. وقلتُ له بالكردية: أنا جوعان، متى سنعود للبيت؟
ولم أرَ بعدها شيئاً، صفعة كبيرة كجبل، وقوية كانفجار نووي.
ِحْكِ عَرَبي وْلَكْ.. بكى أخي أيضاً، بكت الطاولة، بكت أمّي، بكت الحجارة البعيدة.
وحده أبي، أخذني في حضنه بعد أن أخبرتُه بالحكاية، أشعل لفافة تبغ، وقال: سيأتي يوم، ويتعلّم أطفالنا لُغتهم في المدارس، وفي درس الموسيقى ستحفظون أُغنيّات محمّد شيخو، وستستبدلون بقصائد سليمان العيسى قصائد جكرخوين"..

المزيد من ثقافة