بهدف استراتيجي طويل الأمد، تتحرك إسرائيل في تعاملها مع الفلسطينيين عبر إضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية، ووقف العمليات المسلحة من قطاع غزة مقابل "تفاهمات" مع حركة "حماس".
فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعمل وفق استراتيجية معلنة تهدف إلى فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، لنسف أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة على خطوط عام 1967. فهو من جهة يواصل الضم "الزاحف الصامت" للضفة الغربية إلى إسرائيل وفرض عقوبات اقتصادية ضد السلطة الفلسطينية، ومن جهة أخرى يعمل على إبرام اتفاقيات تهدئة طويلة الأمد مع حركة "حماس" مقابل تخفيف الحصار عن غزة.
غداً... استكمال النقاش
وفي خطوة تحمل الكثير من الدلالات، قرر المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر، الأحد الماضي، اقتطاع 40 مليون دولار من أموال المقاصة الفلسطينية بسبب دفع السلطة الفلسطينية رواتب الأسرى، كما استعرض "البنود الأساسية للتسوية" مع "حماس"، التي توصلت إليها إسرائيل مع الحركة خلال مباحثات غير مباشرة بوساطة مصرية.
ومن المقرر أن يعود مجلس الوزراء الإسرائيلي يوم غد الأربعاء 1 يناير (كانون الثاني)، لاستكمال النقاش حول العلاقة مع حركة "حماس".
وقال الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، إنه "بينما تُجرى حوارات حول التهدئة في غزة، تُمنع عنا الأموال وتُقضم الأرض في الضفة. هناك تُصنع تفاهمات للتهدئة وتفاهمات للسكوت"، مؤكداً أن القيادة الفلسطينية تعمل على التوصل إلى "حل وطني" يقوم على أساس إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
مشروع "دويلة غزة"
لكن حركة "فتح" التي يترأسها عباس، كانت أكثر وضوحاً من زعيمها، وهاجمت "حماس" وقالت إنها تعمل على "تكريس مشروع دويلة غزة ومبدأ الانفصال النهائي عن فلسطين"، متهمة الحركة بالانخراط مع "ترمب ونتنياهو" في تمرير صفقة القرن، مقابل ضمانات وتفاهمات "واهية".
وأشارت حركة فتح إلى أن تلك التفاهمات تهدف إلى استمرار "حماس" في حكم "دويلة غزة مع ميناء ومطار في البحر المتوسط تحت إشراف الأمن الإسرائيلي وبالتنسيق معهم".
وأضافت "حماس تأسست بدعم أجهزة الأمن الإسرائيلية ورعايتها لتكون بديلاً عن منظمة التحرير الفلسطينية"، مؤكدة أن "لا هدف لها سوى هدم البيت الفلسطيني من الداخل وتقويض الوطنية الفلسطينية".
بيان "توتيري"
ولم يتأخر رد حماس كثيراً، والذي وصف بيان فتح بـ"التوتيري"، وبأنه يهدف إلى "التغطية على تهرّب عباس من استحقاق الانتخابات وتراجعه عن هذا المسار الوطني".
وطالب المتحدث باسم الحركة، حازم قاسم، قيادة فتح بوقف ما سمّاه "خطابها اللامسؤول الذي يهدف إلى تسميم الأجواء الوطنية"، مشيراً إلى أن فتح "ترتكب خطأً وطنياً فادحاً عندما تقابل خطاب حماس الوطني والإيجابي، بهجوم إعلامي توتيري يستند إلى مجموعة من الأكاذيب".
بدوره، يرى عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الأمين العام لحزب "الشعب"، بسام الصالحي، أن إسرائيل تعمل على "تكريس مشروعها القائم على التعامل مع الفلسطينيين كتجمعات سكانية، وليس كحقوق وطنية سياسية".
وأضاف الصالحي لـ"اندبندنت عربية"، أن إسرائيل تعمل حالياً على إحياء مشروعها القديم المسمى "غزة أولاً"، وفصلها عن الضفة لضرب أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية.
وأشار إلى أن "إسرائيل أصبحت تتعامل مع السلطة الفلسطينية ككيان مسؤول عن إدارة شؤون الفلسطينيين المحلية، وليس كجسم سياسي يهدف إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة".
وأوضح أن إسرائيل تتفاوض بشكل غير مباشر مع "حماس" لمعالجة القضايا الإنسانية في غزة، وليس القضايا السياسية، مستغلة تعاطف العالم مع الفلسطينيين في القطاع.
استراتيجية جديدة
وطالب الصالحي بصياغة استراتيجية جديدة بعد فشل السلطة الفلسطينية في إقامة دولة عبر المفاوضات والاتفاقيات، ونقل الشعب الفلسطيني من الاحتلال إلى الاستقلال وتقرير مصيره.
والاستراتيجية الجديدة، بحسب الصالحي، "تقوم على الانتفاضة الشعبية ضد إسرائيل ومقاطعتها محلياً وعربياً وعالمياً، وعلى إعادة الاعتبار لوحدة الشعب الفلسطيني".
"إسرائيل بإجراءاتها السياسية والاقتصادية وضمها الضفة، تعمل على إبقاء السلطة الفلسطينية معلقة من دون أن تسقط ومن دون أن تقيم دولة فلسطينية"، بحسب المحلل السياسي، محمد هواش، الذي قال إن "تل أبيب تدفع باتجاه أن تعمل السلطة الفلسطينية كبلدية كبيرة لإدارة الشؤون المحلية للفلسطينيين من دون حلول سياسية".