Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المرحلة الانتقالية في اليمن (6)

كان حزب الإصلاح ومعه الجماعات السلفية هدفاً للحملة العسكرية التي قادها الحوثيون

لم يتمكن أحد من تخفيف التوتر بين الرئيسين هادي وصالح الذي بقي متصدراً المشهد العام (رويترز)

لم تمضِ أسابيع حتى أتمّ انصار الله (الحوثيون) سيطرتهم على المنطقة الجغرافية الممتدة من شمال اليمن في صعدة الى جنوب عمران قرب صنعاء، ونظر كثيرون الى الاحداث كما لو كانت تواصلاً لانتصار مسيرة التغيير التي بدأت بمطالب الشباب مطلع فبراير (شباط) 2011 لأنهم، حينها، لم يدركوا فداحة الحالة الاستثنائية التي صنع الحوثيون معالمها امام نظر الجميع مستعينين بالقوة وسيلة وحيدة لتنفيذ مخططهم النهائي، فبسطوا سيطرتهم على مجمل الجغرافيا الشمالية، اقصد شمال اليمن، بسرعة مذهلة، ولا يمكن ان يكون ذلك قد حدث من دون تعاون وتواطؤ من الرئيسين السابق والحالي، وان كان لكل منهما هدف مختلف حد التناقض.

كان حزب الإصلاح ومعه الجماعات السلفية هدفاً رئيسياً للحملة العسكرية التي قادتها ميليشيات أنصار الله للقضاء على تواجده الفكري ونفوذه السياسي في المناطق التي كان قد تمكن في الماضي من السيطرة عليها بتغاضي الدولة عن نشاطاته، ودعم إنشاء عدد من المعاهد التي تدرّس الفقه السني، والأفكار السلفية، وبمساعدة عدد من كبار المشايخ، وعلى رأسهم الشيح الراحل عبد الله بن حسين الأحمر، وكانت هذه المؤسسات تحصل على مساعدات خارجية من منظمات خليجية شبيهة وقريبة من دوائر الحكم في عواصمها.

لم يتمكن أحد من تخفيف التوتر بين الرئيسين هادي وصالح الذي بقي متصدراً المشهد العام، ولم يتمكن الأول من الاستفادة من رغبة معظم اليمنيين في طي صفة صالح وفي الوقت نفسه، تشبث بكل رجالات العهد السابق وأوصد ابوابه على القوى التي كانت تظن فيه صورة المنقذ والمخلص.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكانت مساحات الكراهية والنفور تتزايد بينهما ويغذيها خصوم الاثنين، وكان الخطأ الذي وقع فيه هادي هو انه لم يكن في حالة نفسية تساعده على الارتفاع الى مستوى القيادة وموقع الرئاسة، فخلط بين محاولة الابتعاد عن ظل صالح وفي الوقت نفسه عدم الوقوع كاملاً في ظل دائرة علي محسن الأحمر.

لم يدرك الرئيس هادي، وربما كان عاجزاً، أن اقتراب ميليشيا الحوثيين من صنعاء بعد اقتحام عمران واغتيال العميد القشيبي والاستيلاء على اللواء 310 الحصن الأخير للدولة في عمران، ثم إعلانه ان عمران (عادت الى حضن الدولة)، كانت كلها تشكل مؤشرات مسار احداث مدمرة لكيان الدولة ستعصف بها، كما عبرت عن جهل هادي ودائرته الضيقة بالتركيبة القبيلة والاجتماعية في المناطق  الشمالية، وفي خضم كل هذا، كانت الحكومة غائبة عن كل الاحداث، لان القرار بكل تفاصيله تركز في يد الرئيس ومدير مكتبه احمد بن مبارك والمبعوث الاممي جمال بنعمر الذي اصبح يمارس سلطة خارجة عن صلاحياته الممنوحة له من مجلس الامن، ولم يكن ذلك برغبة منه فقط، ولكن لأن الرئيس صار يلجأ اليه كعصا يرفعها ضد كل معارضيه ومنتقديه.

وواصلت ميليشيات (انصار الله) تحركها نحو العاصمة لكنها لم تقتحمها، بل مارست سياسة غير مسبوقة في اليمن، واستغلت غضباً شعبياً على امتداد البلاد بعد ان اتخذت الحكومة قراراً حكومياً أواخر شهر أغسطس (آب) 2014 برفع الدعم عن المشتقات النفطية، فقامت بإنشاء مخيمات في مدخل العاصمة الشمالي قرب وزارة الداخلية، وهو طريق حيوي يربط المدينة بمطارها وقريب من منزل الشيخ الراحل عبد الله بن حسين الأحمر، وحينها صرح المتحدث باسم الجماعة محمد عبد السلام انهم خرجوا الى جانب الشعب، في ما وصفه بـ (ثورته الشعبية المباركة) للمطالبة بحقوق (مشروعة وعادلة)، وطالبت الجماعة في بياناتها باستقالة الحكومة وإعادة الدعم الحكومي للمشتقات النفطية.

كان واضحاً ان الحوثيين انتقلوا من مربع الحديث عن المظلومية الى رفع شعارات براقة مستغلين معاناة المواطنين المعيشية وفشل الحكومة التي صار من الواضح ان الرئيس الراحل علي عبد الله يريد استغلال كل هذه الظروف لإسقاطها، وضاعف من الفوضى السياسية والامنية التي سادت تلك المرحلة، أن الرئيس هادي نفسه كان قد توصل الى قناعة بضرورة استبعاد محمد سالم باسندوة من رئاسة الحكومة وتكليف احمد بن مبارك بديلاً عنه، وعلى الرغم من ان ذلك يناقض بنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، إلا أن الأحزاب جميعها ومن ضمنها تلك التي رشحت باسندوة لرئاسة الحكومة أبدت الاستعداد للتخلي عنه، ومنحت الرئيس موافقتها على اقالته.

هكذا ظلت الأمور تسير في مسار شديد الانحدار من دون كوابح، ولم يعد للقوى السياسية أي دور في تحديد اتجاهاته، ولم يعد للحكومة أي دور يذكر في العملية السياسية، وتركزت كل السلطة والتأثير على الرئيس في يد مدير مكتبه احمد بن مبارك الذي كان واضحاً ان هادي لم يعد يثق الا به، وكانا معاً غير قادرين على فهم حقيقة ما يدور وتأثيراته على ارض الواقع، ودخلت البلد في حالة من الشلل، وبدأت وساطات لنزع فتيل الازمة وجرت مفاوضات كان الراحلان عبد الكريم الارياني وعبد القادر هلال ابرز من يقودها مع ممثلين عن الحوثيين، وتوصلوا بعد عناء الى ما عُرف بوثيقة (السلم والشراكة الوطنية)، وماطل الحوثيون في التوقيع عليها حتى استكملوا سيطرتهم على اهم المقار الحكومية واجبروا اللواء علي محسن الأحمر على الفرار الى خارج اليمن.

في يوم التوقيع نفسه على الوثيقة، حضر صباحاً الى دار الرئاسة قادة الأحزاب لينتظروا وصول ممثلي الحوثيين، وفي الوقت نفسه، كانت المعارك تدور داخل العاصمة للاستيلاء على كل المؤسسات الرسمية ومعسكرات الجيش ووضعها بعيداً عن سيطرة الدولة، ولم يكن لاي من الأحزاب أي قدرة على الرفض لان بنود (السلم والشراكة) كانت مفروضة من طرف تمكّن من انتزاعها بالقوة، واستبق باسندوة اقالته، وتوجه باستقالته الى الشعب مباشرة بعد ان أيقن انه سيكون إحدى ضحايا الاتفاق.

واستكملت ميليشيات الحوثيين تصفية كل المواقع التي سيطرت عليها، وبعدها وصل الى دار الرئاسة ممثل (أنصار الله) حسين العزي عضو المكتب السياسي للجماعة، ودخل الى القاعة مع الرئيس هادي وجمال بنعمر حيث كانت القيادات الحزبية في انتظاره، ووقع الجميع صاغرين ولم يتحفظ الا الأستاذ عبد الله نعمان القدسي الأمين العام للحزب الناصري بعد ان أصر على توقيع الملحق الأمني الذي لم يوقع الحوثيون عليه، وأصدر مجلس الامن بياناً يرحب فيه بالاتفاق.

كان مشهد التوقيع على الاتفاق كفيلاً بأن يعلم الجميع بأنه كان إقراراً بتهاوي المؤسسات وانتهاء دورها، وبدء مرحلة شاركت القيادات السياسية كلها في صياغة المسارات التي تلتها.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء