Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عبور الحدود خطير ولكنه أقل خطورة من البقاء في الديار

مراسلة الإندبندنت تتحدث مع المهاجرين الذين ما زالوا يريدون المخاطرة بكل شيء عبر الشاحنات لمباشرة حياة جديدة في بريطانيا

تقوم الشرطة الفرنسية بعمليات إخلاء روتينية للمناطق التي تنام فيها أسر المهاجرين (هيومن رايتس أوبزرفر)

حاول سلمان وأسرته عبور القناة الإنجليزية ثلاث مرات على أمل أن ينجحوا في الوصول إلى السواحل البريطانية. وفي كل مرة كان المواطن العراقي مع زوجته وأطفاله الثلاثة – أصغرهم في سن الرابعة- يجبرون على العودة من حيث أتوا.

والآن، ومع تدهور الطقس الذي جعل عبور البحر أكثر صعوبة، انتقلت الأسرة إلى الشاحنات، فصارت تفضي كل ليلة في محاوِلة ركوب إحداها، أملا بالوصول في نهاية المطاف إلى المملكة المتحدة.

يعرف سلمان، ابن الثانية والأربعين، أن مخاطر التسلل في شاحنة قد تكون قاتلة، شأن المخاطر التي واجهها 39 شخصاً عُثر عليهم جثثاً في منطقة أسيكس البريطانية هذا الأسبوع، لكنه ومثل أولئك الذي يقيمون في مخيمات مؤقتة شمال فرنسا بعد هروبهم من الاضطهاد، لا يجد أمامه خيارات أخرى.

وقال سلمان، وهو واقف أمام خيمته على أرض معشوشبة تحت طريق سريع في مدينة دنكيرك شمال فرنسا، بينما كان أطفاله يلعبون كرة القدم قريبا منه: "إنه خطير، لكن البقاء في العراق أخطر... نحن نريد فقط أن نعبر".

وثمة مئات آخرون – بينهم كثير من العائلات مع أبناء صغار- في نفس المخيم، الذي يبعد 30 ميلا عن كاليه الفرنسية حيث قال عمال الإغاثة إن الأحوال هي أسوأ ما شهدته أعينهم، مع تكثيف السلطات من إجراءاتها الأمنية.

وفي هذا السياق، تردد بعض الجمعيات الخيرية المعنية بالمهاجرين، أن هؤلاء الأشخاص مستميتون للوصول إلى المملكة المتحدة، ويمكن أن يدفعوا إلى عصابات التهريب إلى حد الـ 10 آلاف جنيه إسترليني لـ "عبور مضمون" إلى بريطانيا، بواسطة شاحنة أو زورق يعبر القناة الإنجليزية. وغالبا ما تمكث شبكات إجرامية في المخيمات المرتجلة، ويُقال أن تأثيرهم كبير في اختيارات اللاجئين المستميتين للخلاص.

وتشير التقارير إلى أن تدهور الظروف بالنسبة إلى المهجَّرين في منطقة الشرق الأوسط زاد من الطلب، دافعاً إياهم للمخاطرة أكثر من أجل العبور إلى بريطانيا. وقضى أربعة أشخاص خلال مساعيهم المستميتة لعبور القناة الإنجليزية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، بينما جاء خبر موت 39 شخصاً في بلدة غرايز، هذا الأسبوع ليسلط الأضواء على مخاطر تهريب البشر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتجدر الإشارة إلى أن العدد الإجمالي للأشخاص الذين يحاولون عبور القناة الإنجليزية للوصول إلى المملكة المتحدة يزيد عن 3 آلاف شهرياً، إذ أظهرت أرقام وزارة الداخلية البريطانية أن أكثر من 35 ألف محاولة عبور حال دونها حراس الحدود في شمال فرنسا وبلجيكا فحسب السنة الماضية.

ينام سلمان وأسرته حالياً في محمية طبيعية ببلدة "غراند- سينث، في دنكيرك، حيث الظروف حسبما وصفتها جمعيات خيرية، أسوأ ما شهدته، بالنسبة إلى اللاجئين في المنطقة. فحتى الآونة الأخيرة، لم يكن الوصول إلى مياه الشفة ممكناً، ما أجبر كثيرين على شرب الماء من بحيرة قريبة منهم.

ويقول العاملون في القطاع الطبي إن معدلات تدهور الصحة العامة وانتشار الأمراض عرفت ارتفاعاً كبيراً بين مجموعات المشردين منذ الشهر الماضي، حين أجبروا على الانتقال إلى المحمية الطبيعية إثر إخلاء جماعي واسع لم يسبق له مثيل من مركز رياضي (جيم)، كان يوفر لهم ملاذاً ومرافق الصرف الصحي.

ويرى نشطاء يدعمون اللاجئين أن زيادة العداء تجاههم جاءت بعد انتخاب العمدة الجديد، مارتيال بيارت، الذي حل محل داميين كاريم في يوليو(تموز) الماضي، والذي قيل إنه يتبنى أسلوبا أقل "إنسانية" تجاه المشردين.

واستقال عشرة أعضاء في مجلس بلدية غراند-سينث احتجاجاً على إخراج اللاجئين من المركز الرياضي، بمن فيهم داني والين الذي قال إنه "يعارض تماماً" قرار إلغاء الإجراءات السابقة المتخذة لصالح المهاجرين.

وأضاف والين: "نحن لم نرَ من قبل قراراً سيئاً إلى هذا الحد، فالسلطات لم تقم أبدا بإجراءات راديكالية كهذه من قبل، تقضي بمصادرة الشرطة المخيمات وترْك الأطفال تحت المطر ومنع الجمعيات الخيرية من توزيع الطعام والملابس... هؤلاء الأفراد يحتاجون إلى المساعدة. نحن لا يمكننا تركهم على هذه الحال مُعدمين. إنه أمر مثير للغضب".

أما كلو لوريو، منسقة برنامج "أطباء العالم" فقالت إن الوضع في مدينة دنكيرك، "بالغ السوء أكثر من وقت مضى"، وصارت هذه الجمعية الخيرية تعالج الآن ما بين 40 و60 شخصاً في المجمَّع يومياً من مشاكل صحية- وتضاعف العدد عما كان عليه قبل 6 أسابيع.

وأوضحت كلو أن "الأحوال تكون سيئة للغاية حين لا يكون بإمكانك الحصول على مياه، ولا تستطيع أن تعتني بنظافتك الشخصية، والجروح تصبح قذرة، وأنت تصبح أكثر عرضة للأمراض ويصبح شفاؤك أصعب... الأسبوع الماضي لم تتوفر مياه صالحة للشرب، فكانوا يشربون من ماء البحيرة. هم بحاجة على الأقل إلى مرافق صحية وحمامات دُش. وحين تُرفع عنك خيماتك كل يوم، لا يبقى لديك ملاذاً من أحوال الطقس، فالجو هنا بارد ورطب وهذا ما يزيد من الإصابة بالالتهابات".

وأشارت لوريو إلى أن الإخلاءات المتواصلة تؤدي إلى تدهور سريع في الصحة العقلية، وفي هذا الصدد قالت إن اللاجئين "متعبون وشديدو التوتر. فهم لا يستطيعون أن يأخذوا قسطاً من الراحة، وفي حال تنقل دائم. نحن نرى ردود أفعال الأطفال السيئة، فهم يعانون من فرط النشاط. إنهم متوترون، وبعضهم يُلحق الأذى بنفسه، إنهم مضطربون".

وفي السياق نفسه، رددت كلير ميلو، الأمينة العامة لجمعية خيرية معنية باللاجئين تدعى "سلام"، الآراء نفسها التي تؤكد على أن الأمور أسوأ مما كانت عليه في الماضي، وقالت "نحن نتراجع إلى حال عرفناها قبل عشر سنوات، لكن حينها كان عدد المهاجرين ما بين 30 و70، أما الآن فهناك نحو 500 شخص... إنهم يحضرون الشاي من ماء البحيرة. إنه أمر مخيف لأن حضور الشرطة كبير. فهم يأتون أكثر من مرة أسبوعياً. أصبح الجو أكثر برودة، والمطر لا ينقطع. الناس مرضى. إنه وضع غير إنساني تماماً".

وعلى بعد 30 ميلاً في كاليه، (حيث عدد العائلات قليل قياساً إلى عدد الشباب والقاصرين من دون مرافقة)، تتفاقم الامور مع الشرطة التي تقوم على نحو متواصل بفض أي تجمع يشبه المخيم.

وقال أحمد البالغ من 15 عاماً، وهو جاء من أفغانستان إلى فرنسا لوحده هرباً من اضطهاد المتطرفين في بلده، وآملا بالالتحاق بعمه المقيم في بريطانيا: "عليّ اتباع الطريق غير الشرعي، فليس هناك سبيل آخر".

وفي سبيل مواصلة محاولته اليائسة الوصول إلى بريطانيا ولم شمله بقريبه، يعيش هذا المراهق في ظروف مزرية جنباً إلى جنب مع عشرات القاصرين غير المصحوبين براشد من أسرهم. قال أحمد معلقاً: "ليس هناك طعام أو ماء... الشرطة تأتي وتأخذ أي شيء. إنها تأخذ ستراتنا وترش علينا (الماء)".

ومن جانبها أشارت مادي ألن، المديرة الميدانية لجمعية "مساعدة اللاجئين" الخيرية إلى أن تشديد الإجراءات الأمنية للحؤول دون محاولة عبور القناة الإنجليزية بطريقة غير شرعية دفع الأفراد كي يحاولوا القيام برحلات خطيرة".

وقالت في هذا الصدد: "الإجراءات الأمنية في كاليه ودنكيرك أصبحت أكثر تشدداً ولذا فإن الناس يسلكون طرقاً بديلة. وهذا الوضع سيستمر إذا ما واصلت السلطات جعل الطرق غير النظامية والأكثر أمناً أكثر خطورة وأصعب". 

وفي المقابل، قالت وزارة الداخلية البريطانية إن الأشخاص الذين أجبروا على ترك أوطانهم يجب أن يطلبوا الحماية في أول بلد آمن يدخلونه، وإنها عرضت طرقاً شرعية لأولئك الذين منحوا اللجوء في بلدان أوروبية أخرى أو لديهم أقارب في المملكة المتحدة.

© The Independent

المزيد من تحقيقات ومطولات