Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الثوار نقيض السلطة لا "الطائفة 19" في حكومة

لا ألغاز في بلد صغير مثل لبنان ولا شيء بالصدفة

ما يحتاج إليه لبنان المأزوم نقدياً ومالياً واقتصادياً وسياسياً هو حكومة إنقاذ وطني (غيتي)

من اختار الأكاديمي في الجامعة الأميركية الدكتور حسان دياب ليصبح رئيساً مكلفاً تأليف الحكومة بعد استقالة الرئيس سعد الحريري؟ وما هو الخيار الفعلي أمامه في عملية التأليف، بصرف النظر عن كلامه الناعم.

لا ألغاز في بلد صغير مثل لبنان. ولا شيء بالصدفة. فالأجوبة تسبق الأسئلة على ألسنة الجميع. وليس بـ"القرعة" اختير من بين عشرات الأسماء في اللائحة التي قدمها إلى المسؤولين رئيسا الجامعتين الأميركية واليسوعية.

من اختار الوزير السابق للتربية الوطنية في حكومة اللون الواحد عام 2014 بعد إسقاط حكومة الحريري هو الفريق الذي سماه في الاستشارات النيابية الملزمة لرئيس الجمهورية: "الثنائي الشيعي" حزب الله وحركة أمل، والتيار الوطني الحر. ومن يدافع عن الخيار هو الطرف الذي هاجم لائحة رئيسي الجامعتين بحجة أنها جزء من التدخل الأميركي والأوروبي المرفوض في الشأن اللبناني. وما جعل اللهجة تختلف هو "احتجاج" خصوم أميركا بأن الزائر الأميركي لبيروت وكيل وزارة الخارجية دايفيد هيل لم يعترض على الخيار. إذ هو مارس مثل المسؤول الفرنسي في الخارجية "دبلوماسية" الادعاء أن تأليف الحكومات شأن لبناني خالص، مع أن تاريخ التدخل معروف. كذلك مطالبتنا به عندما يغيب.

ولا فرق في الجدل، سواء كان الدكتور دياب التقى سلفاً بالذين رشحوه لتوضيح الخيارات أو جرى نفي لقاء حزب الله به. وهو يستطيع الاستعانة بتعليق ساخر للرئيس الأوكراني الحالي فولوديمير زيلينسكي.

ففي عام 2014 كان زيلينسكي يعمل ممثلاً في موسكو عندما ضمت شبه جزيرة القرم ودخلت قواتها حدود بلاده. وكان تعليقه المعبر الساخر "إن الجنود الروس لم يتحركوا إلى داخل أوكرانيا بل وقفوا على الحدود، لكن الحدود هي التي تحركت إلى أمام". والناس ترى أن الذين كان مطلوباً شعبياً تأليف حكومة لا تضم أياً منهم، هم الذين يتولون "طبخة" الحكومة العتيدة التي يراد لها أن تبدو كأنها حكومة "اختصاصيين مستقلين".

ذلك أن ما يحتاج إليه لبنان المأزوم نقدياً ومالياً واقتصادياً وسياسياً، هو حكومة إنقاذ وطني قادرة على إجراء الإصلاحات المطلوبة لتنال ثقة الشارع الثائر و"المجموعة الدولية لدعم لبنان" المستعدة لتقديم المساعدات عبر برنامج مؤتمر "سيدر" ومن خارجه.

لكن الأولوية عند الفريق الذي اختار الدكتور دياب هي لحكومة ترضي في الشكل، المجتمع الدولي وتحول دون "عزلة" لبنان، وتغطي في الجوهر، بقاء السلطة والامتيازات في أيدي القوى النافذة. فالإصلاحات الجذرية التي يطلبها الشعب تضرب مصالح التركيبة السياسية وتكبل أيدي الفاسدين وناهبي المال العام.

والانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج هو "قبلة الموت" بالنسبة إلى الذين أثروا على حساب الشعب من دون أن يفعلوا أي شيء سوى استخدام السلطة، وإن كان باب النجاة للشعب من المأزق العميق الحالي. فلا حياة لنظام المحاصصة الطائفية من دون الاقتصاد الريعي. ولا مجال لبناء اقتصاد متطور في نظام سياسي مختلف.

ومن هنا كان الخوف الكبير من الثورة الشعبية السلمية المستمرة التي دخلت شهرها الثالث، فالثورة الشعبية العابرة للطوائف والمذاهب والمناطق هي "الخطر الأكبر" على أمراء الطوائف.

وهم واجهوا الثورة بمزيج من "الاحتواء والاعتداء". الاحتواء عبر الادعاء أن مطالب الثورة هي مطالبهم، ومن ثم تقسيم الثوار بين عفويين أبرياء وبين خبثاء ينفذون "مؤامرة" أميركية - عربية، صهيونية". والاعتداء من خلال الهجوم بالعصي والحجارة على الثوار، وتكسير الخيم وإحراقها، ومنع الندوات الفكرية بحجة أنها من جماعة "التطبيع" مع العدو الإسرائيلي" أو من جماعة الترويج لوصفات صندوق النقد الدولي. فضلاً عن "الاندساس" في صفوف الثوار واستخدام العنف لتشويه وجه الثورة والدفع إلى صدام مع القوى الأمنية.

ومن حسن الحظ، أن هناك موانع وضوابط وحسابات تحول دون الانزلاق في لبنان إلى ممارسة الأسلوب الإيراني العنيف ضد المتظاهرين في إيران والعراق، حيث مئات القتلى وآلاف الجرحى والمعتقلين.

ومن باب الاحتواء ما ظهر من دعوات إلى مشاركة الثوار في الحكومة واعتبارهم "الطائفة الـ19". فالثورة هي النقيض، لا مجرد عامل إضافي يشارك في السلطة. وما تطلبه هو إعادة تكوين السلطة عبر انتخابات نيابية مبكرة على أساس قانون انتخاب عادل، تمهيداً للعبور إلى الدولة الوطنية المدنية. وكالعادة، فإن السلاح الأقوى ضد أي حراك مدني عابر للطوائف هو استخدام العصبيات الطائفية. وما كان أمراً قليل الدلالات، أن يردد المعتدون على الثوار هتاف "شيعة شيعة"، وأن يأخذ الدفاع عن سعد الحريري طابع تهميش أهل السنّة والجماعة.

كان سينيكا يقول: "الازدهار يلطّف المزاج". لكن سبب المزاج الشعبي الغاضب في لبنان والعراق ليس فقط التردي الاقتصادي والاجتماعي، بل أيضاً اندفاع النافذين في "التنمر" السياسي و"التغول" المالي.

وحكومة، مهما تكن، لا تكفي لتلطيف المزاج، إن لم ترفع منسوب الغضب.

المزيد من آراء