Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصين أمام مفترق طرق في احتجاجات هونغ كونغ

يستطيع العالم أن يدفع هذه الأزمة باتجاه الحل... كيف؟

متظاهرون يرفعون علم يدعو لحرية هونغ كونغ (أ.ف.ب) 

نادراً ما تخلو نشرات الأخبار اليومية من صور المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية في هونغ كونغ. لكن هناك خطر في أن يعتاد الناس على هذه الصور ثم يقللون من أهميتها باعتبارها صراعا أجنبيا ليس لنا مصلحة فيه. بيد أن علينا ألا ننسى أن منطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة لجمهورية الصين الشعبية كانت مستعمرة بريطانية لمدة 150 عاماً حتى سلّمناها في عام 1997.

لعل من المغري أن يراقب المرء باستمتاع  الحرج الشديد الذي يعاني منه النظام الاستبدادي في بكين. وتُعتبر الاحتجاجات في هونغ كونغ دليلاً يتكرر يومياً على أن غالبية الـ 7 ملايين صيني الذين يعيشون هناك  لا يريدون الاندماج  مع الفردوس  المجاور، عندما يصل الوضع الحالي لهونغ كونغ كمنطقة شبه منفصلة إلى نهايته القانونية، وأنهم لن يقبلوا القيود التي يفرضها عليهم الجهاز التنفيذي غير الكفء وغير المنتخب والموالي للصين. والحق أن السياسات الأميركية والبريطانية  لم تعد تبدو فظيعة لجهة وهنها وعجزها عن التأثير بالمقارنة مع أداء السياسة الصينية.

لا مناص للحزب الشيوعي الصيني من الشعور بالحرج. فالتدخل عسكرياً لاستعادة النظام سيكون الخيار الأسوأ. وعلى الرغم من أن النظام لا يتورع كثيرا عن استخدام العنف عند الضرورة، إلا أنه لن يٌضيِّع بإرادته ما بقي له من سلطة أخلاقية وينسف الصورة الإيجابية التي بناها في آسيا وإفريقيا بالتوازي مع مبادرة "الحزام والطريق".  كما أن الانتقادات، التي لاتكاد تكون مسموعة  حاليا  بشأن قضايا الأقليات في شينجيانغ، والتبت ستزيد حدة. ومن ناحية أخرى، ستتبدّد نهائياً أي أوهام بقيت في تايوان حيالَ الاندماج السلمي مع الصين. وفي هذا الصدد يمكن استخلاص  أوجه تشابه مقلقة بين ما يجري في هونغ كونغ وبين تدخلات الاتحاد السوفييتي في المجر وتشيكوسلوفاكيا والتي كانت عقيمة في نهاية المطاف.

لكن ينبغي على العالم الغربي الحرص على ألا يكون متعجرفاً جداً. إن محاضرات حقوق الإنسان قد تتمتع ببعض الصدقية لو صدرت عن باراك أوباما، أو حتى عن بوش الأب أوالإبن، ولكنها ستكون هزلية إذا جاءت من  رئيس أميركي يحتقر نشطاء حقوق الإنسان في الولايات المتحدة أو في الخارج. من جهتهم، البريطانيون أقل وقاحة، لكنهم أقل أهمية أيضاً. ولنا أصدقاء جدليين مشتركين مع الأميركيين، في أماكن مثل السعودية ومصر والفيلبين والعراق، ممن تبدو القوات شبه العسكرية في هونغ كونغ بالمقارنة معهم وكأنها نموذج يحتذى للشرطة المجتمعية المسالمة التي تتجنب استعمال العنف نهائياً. أما بالنسبة للديمقراطية، فيجب أن نتذكر بتواضع أنه مهما كانت فوائد الحكم الاستعماري البريطاني بالنسبة لهونغ كونغ، فإن الديمقراطية لم تكن واحدة منها.

وحدهم المتفائلون السذّج صدّقوا أن الصين ستتطور، في سياق نموها، لتصبح نسخة آسيوية من الدول الاسكندنافية. لكن احتمال حدوث هذا الاحتمال ضعيف جدا. لطالما أدرك أصحاب المدرسة الواقعية، من نيكسون وكيسنجر إلى كوندوليزا رايس وهيلاري كلينتون، أن المطلوب هو الانخراط  بدلا من التحويل والاحترام المتبادل بدلاً من تحقيق الانسجام.

تكمن أهمية الانخراط مع الصين في كونها تتجه لاحتلال  صدارة  الاقتصاد العالمي (وهي بالفعل تُعتبر سلفاً أكبر اقتصاد في العالم، بناء على بعض المعايير) كما أنها تتحول إلى قوة عظمى. ومن مصلحتنا الجماعية إدخال  القوة العظمى الجديدة في نظام القواعد العالمية، بدلاً من عزلها وإذلالها. لقد أدى البريطانيون واجبهم في هذا المجال من خلال الانتقال المنظم للسلطة في هونغ كونغ، وإطلاق "عصر ذهبي" مبني على التجارة مع الصين بقيادة حكومة كاميرون، التي لعِبتُ فيها دوراً كوزير الخارجية للأعمال.

لا يمكن إنكار أن الصينيين كانوا شركاء بنّاءين بشكل عام حتى الآن. إنهم أكثر حساسية من ألمانيا، على سبيل المثال، حيال تداعيات الاختلالات المالية وأسعار الصرف المنخفضة على الدول الأخرى. كما أنهم مرتبطون على نحو أقوى بمؤسسات بريتون وودز، أي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية مقارنة بالولايات المتحدة (مع أنهم استغلوا بلا شك وضعهم "المتخلف" للاستفادة من هذه المؤسسات). ورغم أنهم يحرقون الكثير من الفحم، إلا أنهم على ما يبدو يدركون الحاجة إلى وضع قواعد عالمية للحد من انبعاثات غازات الدفيئة ولكبح ظاهرة الاحتباس الحراري، وذلك خلافاً للولايات المتحدة وروسيا وأستراليا، ودول أخرى. لقد تجاهل الصينيون الأحكام القانونية الدولية بشأن بحر الصين الجنوبي، لكن البريطانيين فعلوا الشيء نفسه بخصوص  جزر تشاغوس. وكان هناك احتمال كبير حتى عام 2016 أن تصبح الصين جزءاً أساسيا من المجتمع الدولي.

لكن ترمب غيَّر كل ذلك. ولا يُعتبر هوسُه، المقترن بالجهل الاقتصادي، بالتوازنات التجارية الثنائية سوى جزءٍ بسيط من القصة برمتها، وقد لعب الصينيون دور الطرف المتضرر بمهارة وضبط للنفس. إلا أن المشكلة الأكثر جدية والأساسية هي أن "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى" هي محاولة، تكاد لا تخفى على أحد، لمنع الصين من أن تصبح عظيمة مرة أخرى. ويُنظر إلى الاقتصاد الصيني العملاق والمرن والديناميكي حتى الآن على أنه مصدر تهديد للوظائف الأميركية وليس فرصة للتجارة والاستثمار ذات منفعة متبادلة. وخلف الاقتصاد تكمن مخاوف عسكرية ربما يعود تاريخها إلى بيرل هاربور واليابانيين. لذلك لم يتأخر الرئيس ترمب في إقحام ما يحدث في هونغ كونغ ضمن هذا الخطاب الأوسع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ينطوي هذا القلق الأميركي المفرط على مخاطر بالنسبة لبريطانيا التي كانت تطور علاقات ممتازة مع الصين، في الإطار الآمن للاتحاد الأوروبي. وستكون بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي مكشوفة أكثر، لذلك تسعى للحصول على صفقات تجارية لتبرير السياسة التجارية "المستقلة" حديثاً. سيقدم نظام ترمب لصديقه القديم بوريس جونسون صفقة معقولة على  الورق يمكن أن يتباهى بها، لكنه سيدفع لقاءها ثمناً ما. وقد يشمل هذا الثمن التخلي عن جزء من خدمة الصحة الوطنية واستيراد الدجاج الأميركي المغسول بالكلور؛ بيد أنه سيتضمن بالتأكيد التبعية للولايات المتحدة في التعامل مع الصين، ما سيجعل التسوية التي أعدتها تيريزا ماي بعناية بشأن هواوي من أولى الضحايا. 

هل لدى بريطانيا إذاً أي دور تقوم به غير التذمر وإطلاق تصريحات تنطوي على نوع من التعالي الأخلاقي الذي يتجلى في بيانات لدومينيك راب؟ بالتأكيد. في التسعينيات، روّج بادي أشدون زعيم الديمقراطيين الأحرار لفكرة منح اللجوء لسكان هونغ كونغ. وكما كان متوقعا، تعرضت الفكرة  للهجوم من خلال عناوين فظيعة أبرزتها وسائل الإعلام تحذّر من تدفق ملايين الصينيين على"جزيرتنا المكتظة". لكن يمكن لبريطانيا أن تأخذ زمام المبادرة في تقديم عرض لجوء لأولئك الذين يخشون الاضطهاد، إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي الأخرى والولايات المتحدة وسنغافورة واليابان وكوريا وتايوان والبرازيل وأستراليا وكندا ونيوزيلندا.

ستستفيد البلدان المستقبِلة من مهاجرين ذوي كفاءات عالية إجمالاً، وستنخفض دوافع الشغب لدى المتظاهرين إذا توفر لهم طريق للهروب. من جانبها، لا شك أن السلطات الصينية سترحب بسكان أكثر هدوءاً مع انخفاض عدد المستائين وانحسار ضوء الإعلام  المسلّط عليها في الوقت الراهن. لماذا لا نجرب هذا؟ سيظهر على الأقل أننا مهتمون.

وسواء تعامل الغرب مع المسألة بحساسية وعقلانية أم لا، فإن الكرة حالياً في ملعب السلطات الصينية. إذا اختاروا التعامل مع احتجاجات هونغ كونغ على أنها مجرد مشكلة تتعلق بالقانون والنظام، وتمثل تحدياً لسلطتهم من مثيري الشغب والمخرّبين، فسينجحون بلا شك على المدى القصير، لكنهم سيخسرون على المدى الطويل.

تستطيع السلطات الصينية تحديد هويات زعماء الاحتجاج وإسكاتهم، لكنها ستدفع ثمناً لذلك يتمثل  بتغريب الشتات الصيني وتنفيره، وخاصةً بين شباب البلد الأم المتعلمين القادرين على الوصول إلى المعلومات المتعلقة بالتطورات في هونغ كونغ. إن الصيغة القديمة المتمثلة في إجراء تحسينات مادية لتهدئة الصخب الناجم عن الإحباط السياسي، لم تعد قادرة على النجاح أبداً.

لذلك فإن المسؤولين الشيوعيين الصينيين الأذكياء، وهناك العديد منهم، سيدرسون كيفية الاستفادة من تجارب الدول الأخرى مثل سنغافورة في الحفاظ على سيطرة الحزب الواحد مع السماح بدرجة من الاختيار والتعددية. ولكي يستمر الجزء المتعلق بـ "بلد واحد" من المبدأ الدستوري "بلد واحد نظامان مختلفان،" يجب تطبيق هذه الدروس بشكل عاجل من خلال إدارة أكثر تمثيليةً في هونغ كونغ.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء