Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا عاد الحوثي لاستهداف المنشآت المدنية جنوب السعودية؟

محاولات إيرانية يائسة لتنشيط الجبهة اليمنية بعد تلقيها ضربات موجعة في "الرأس والأطراف"

مبنى المستشفى الذي استهدف في مدينة الحرث التابعة لمنطقة جازان السعودية.

قبل أن تستهدف مليشيا الحوثي مستشفى مدنياً في منطقة جازان جنوب السعودية أمس، كانت التطورات في المنطقة كفيلة بالدلالة على محاولات إيران ووكلائها تنشيط الجبهة اليمنية، بعد أن تلقى النظام الإيراني ضربات موجعة في الرأس والأطراف في كل من طهران وبغداد وبيروت بل حتى كربلاء، لدرجة أن النظام شبهها بـ"الحرب العالمية" ضده.

وجاء العدوان الحوثي الذي انقطع منذ أشهر، بعد أيام من ذكر مسؤولين أميركيين أن بارجة تابعة لبحريتهم صادرت قبل أسبوعين أجزاء من صواريخ يعتقد بأنها تعود لإيران في خليج عمان، وذلك في وقت تضغط إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب على طهران للحد من أنشطتها الإقليمية.

وقال المسؤولون، الذين تحدثوا إلى وكالة "أسوشيتد برس" شرط عدم الكشف عن هوياتهم، إن مدمرة الصواريخ الموجهة "فورست شيرمان" احتجزت قارباً صغيراً الأسبوع الماضي قبل أن تعتليه مفرزة من خفر السواحل وتعثر على أجزاء الصواريخ، وفق ما نشرت "اندبنت عربية" في حينه. وأضاف المسؤولون أن طاقم القارب الصغير نُقل إلى خفر السواحل اليمني، وأن أجزاء الصواريخ في حيازة الولايات المتحدة حالياً.

ونقلت الوكالة المسؤولين الأميركيين أكدوا أن تلك هي المرة الأولى التي يصادرون فيها أجزاء صواريخ متقدمة بهذا القدر وهي في طريقها إلى اليمن. وذكر المسؤولون أن الواقعة توضح استمرار تهريب الأسلحة المخالفة للقانون للحوثيين.

هل هو رد إيراني على قمة الخليج؟

لكن هذا السياق ليس وحده الذي يفسر التصعيد الحوثي على الرغم من إبدائهم في وقت سابق رغبة بإيقاف الهجمات الصاروخية، وسط أنباء دولية تتحدث عن تسريع وتيرة التفاهمات حول الملف اليمني، انطلاقاً من اتفاق الرياض، الذي أنهى الصراع بين الجنوبيين والشماليين، وخلص إلى تقاسم للسلطة والنفوذ في البلاد، والتوحد خلف حكومة الشرعية برئاسة عبد ربه منصور هادي. فهناك جانب آخر من التفسير  جاء على قناة "المسيرة" التابعة للحوثي، التي تبنت تنديد الإيرانيين ببيان القمة الخليجية في الرياض أمس (الثلاثاء)، حيث أعلن الخليجيون بمن فيهم قطر القريبة من طهران توحدهم في وجه إيران، وأن أي عدوان ضد أي دولة في المجلس هو عدوان صريح على البقية. فهل كان التصعيد الحوثي في جزء منه  رداً على القمة الخليجية؟

ومع أنه يصعب القطع حتى الآن بعلاقة التردد القطري في المصالحة التي كان يتوقع أن تشهدها القمة الخليجية الماضية بالضغوط الإيرانية وكذلك التركية على الدوحة، إلا أن التقارير التي كشفت في وقت سابق وضع القطريين في الصورة قبل العدوان على السفن الخليجية في مضيق هرمز، يجعل الربط بين التصعيد الجديد ورسائل طهران ووكلائهما إلى الرياض والخليج أمراً غير مستبعد. هذا على الرغم من رصد المحللين تبدل لهجة قناة "الجزيرة" المملوكة لقطر نحو المتمردين الحوثيين، ضمن منظومة الوعود التي قيل إنها قطعتها سراً للرياض ومجموعة الرباعية (السعودية والامارات والبحرين ومصر) التي تقاطعها، لإنهاء الأزمة، ومن ضمن تلك الوعود التخلي عن دعم جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في دول المجموعة.

كاتيوشا على مستشفى

وكان المتحدث الإعلامي للمديرية العامة للدفاع المدني في منطقة جازان السعودية المقدم يحيى عبدالله القحطاني أعلن أن "فرق الدفاع المدني باشرت مساء أمس، عدداً من البلاغات بسقوط شظايا مقذوفات عسكرية (كاتيوشا) اطلقتها عناصر المليشيا الحوثية من داخل الأراضي اليمنية على مستشفى الحرث العام، ومرافق مدنية بالقرب من المستشفى يرتادها المواطنون والمقيمون مما نتج عن ذلك تضرر السور الخارجي للمستشفى". مؤكداً عدم  أي أضرار بشرية.

ويرى رئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية الدكتور محمد السلمي، أن الضربات التي تلقاها النظام الإيراني داخل مناطق نفوذه بما في ذلك إيران، دقت مسماراً محورياً في نعش النظام، خصوصاً أن الانتفاضات في المدن الإيرانية والعراق ولبنان، تزامنت مع اتفاق الرياض الذي أسس لوئام بين كل الأطراف اليمنية. وتبعاً لذلك يعتقد المحلل السعودي أن طهران ستحاول الضغط ما أمكنها ليستمر النزيف اليمني الذي لا تبالي به، بقدر ما تهتم بخدمة أغراضها السياسية والايدولوجية.

وقال " تعرض ايران الآن الى ضغوطات كثيرة على المستوى الداخلي والخارجي بدأ تحقيقها من المظاهرات في العراق ثم امتدت الى لبنان ثم بعد ذلك الى الداخل الإايراني، وان كانت هدف نسبياً لكنها من المتوقع ان تستمر بين الفترة الأخرى، هذه الضربات حقيقة تهز التواجد الإيراني في المنطقة وتؤثر سلباً بلا شك على حضورها في دول المنطقة العربية وخاصة في العراق ولبنان".

واعتبر أن الجبهة اليمنية ليست خارج هذا الصراع وليست خارج هذه الضغوطات، حيث ان "هناك محاولات لإبعاد ايران عن الجبهة اليمنية وهناك محاولات لحل الأزمة الإيرانية مع الحوثيين وهذه بلا شك إن نجحت، ستكون مسماراً جديدا في النعش الإيراني، فالمتوقع والحال كذلك ان تستمر هذه الضغوطات ويستمر الترنح الإيراني"، مؤكداً في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن النظام مهما حاول على المدى المتوسط والبعيد لا يستطيع أن يخرج من عقبات ومن تبعات العقوبات الأمريكية، التي رأى أنها ستستمر ومتوقع أن نشهد عقوبات أخرى أيضا على بعض القطاعات الإيرانية الداخلية التي ربما تزيد من غضب الشعب الداخلي تجاه النظام.

صرف الأنظار عن الداخل الإيراني؟

ورجح أن  إيران تحاول ان تخرج من أزمتها بأساليب مختلفة من بينها "توجيه الأنظار إلى الخارج بعمل ربما إرهابي جديد في المنطقة" عبر وكلائها مثل الحوثي، غير أن ذلك لا يعتقد السلمي أنه سيخفف وطأة الضغوط على النظام، فالمتوقع أن تكون الفترة القادمة صعبة على النظام الإيراني بما يجعله في حالة أكثر سوءاً، "ومن المتوقع ايضا ان يلجأ النظام الى المزيد، ربما من محاولات كسب بعض الاموال  من الجيوب، حتى وإن كان عدد كبير من الشعب الإيراني يعيش تحت خط الفقر، وهذا  في نظري أهم الادوات التي تؤثر على الحضور الإيراني في المنطقة، وهي التي دفعت الإيرانيين للانتفاض".

ومع أن المليشيات الحوثية لها حساباتها الخاصة، المرتبطة بمحاولة تحسين شروط تفاوضها مع قوى التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن، إلا أن مصالح طهران مقدمة بالنسبة إليها على مصالح اليمن في تقدير المحللين اليمنيين مثل الزميل محمد جميح، بما يجعل استهدافها السعودية في مثل هذا الوقت مؤشر على إشارة إيرانية، خصوصاً بعد انقلاب جبهة العراق ولبنان رأساً على عقب، إلى جانب إيران التي هبت الرياح الشعبية فيها عكس ما يشتهي نظامها الحاكم، فجاءت لتفرض احتمالات جديدة على الأرض أدت بقائد "الباسيج" إلى اعتبارها "حربا عالمية حقيقية طاولت البلاد".

وشكلت مع موازين أخرى ضربات موجعة للتمدد الإيراني خارج نطاقها الجغرافي في ساحات العراق ولبنان، كما طوقها التجمع الدولي لحماية المضائق من الارتهان لمزاج السلاح ولغة التهديد، فيما تئن جيوب شعبها وبطونهم الخاوية تحت وطأة ممارسات اقتصادية تخنق الشعب وتفقره كل يوم.

موجات من الرفض الشعبي والإجراءات الدولية والمواقف أنتجت واقعا جديدا يحاسب إيران بقوة على أفعالها، ويعرض عليها فواتير الدم المسكوب في مختلف البلدان التي جعل منها نظام ولاية الفقيه وقودا لأطماعه من خلال ميليشياته المسلحة.

وتفاقمت حدة التظاهرات التي طالت 28 محافظة و100 مدينة، ما أدى بأجهزة النظام إلى قطع الاتصال بالانترنت في البلاد، وحملت بالمقابل وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين إلى فرض عقوبات على وزير الاتصالات الإيراني محمد جواد جهومي.

وواجهت إيران مصيرها المحتوم عقب إعادة الرئيس الأمريكي ونالد ترامب فرض العقوبات عليها، الأمر الذي أدى لتوجه إيران لركود اقتصادي وانخفاض الصادرات الإيرانية وتدهور الريال الإيراني، بالإضافة إلى ارتفاع كلفة المعيشة وارتفاع التضخم.

اهتزاز الحضور الإيراني

ويوضح الكاتب  محمد السلمي أن إيران تتعرض الآن لضغوطات كبيرة على المستوى الداخلي والخارجي بدأت من المظاهرات في العراق ثم انتقلت إلى لبنان ثم امتدت إلى الداخل الإيراني، وإن كانت قد هدأت نسبيا بسبب القمع الواسع لها فمن المتوقع أن تتجدد بين فينة وأخرى، لافتا إلى أن هذه الضربات تهز التواجد الإيراني في المنطقة وتؤثر سلبا على حضورها في دول المنطقة العربية.

ويبين أن إيران تواجه تحديات اقتصادية قوية خصوصا من الجانب الأمريكي، عبر فرضها عقوبات تخنق تحركاتها، وبعد أن تأكدت الحكومة الإيرانية أنها لا يمكنها التخفف منها،  لجأت إلى جيوب المواطنين الإيرانيين حيث رفعت أسعار الوقود، وإن كان المواطن الإيراني في الوقت الراهن يحاول أن يعيد النظام أو يضغط عليه للتراجع عن هذه الزيادات التي تقدر بنحو 300% على الوقود وخاصة البنزين إلا أنها يبدو أنها لجأت للخيار الأخير.

التخلص من فوضى اليمن

وفي أحدث بوادر تغير نبرة الديبلوماسية الإيرانية عقب الهزات المتتابعة التي منيت بها الجمهورية الإسلامية، جاءت تصريحات وزير الشؤون الخارجية والممثل الدائم السابق لجمهورية إيران الإسلامية لدى الأمم المتحدة جواد ظريف بالقول إن "إیران لا تری جدوی فی استمرار الحرب و الحصار علی الیمن وترحب بالحلول السلمیة وتشجع جمیع الأطراف للمضي قدما فی هذا المجال وتدعم المبادرات التی تنادي بالحوار لیعود الیمن سعیدا".

اتجاه ناتج عن خسائر كبيرة على الصعيد اليمني، تكللت بجهود الرياض التي أنتجت اتفاق الرياض، والذي جرت فيه مصالحة الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، فيما تشير الدلائل على انخفاض الضربات الجوية لقوات التحالف على اليمن بنسبة 80%.

تزايد رقعة الفقر

وتستدعي تقارير صحافية ارتفاع رقعة الفقر والحرمان في الجمهورية الإيرانية، التي تتضارب الأرقام بشأنها لكنها تتحدث عن عشرة ملايين إلى خمسة عشر مليون فقير، وتنسب إلى المستشار الإقتصادي الإيراني علي عسكري أن 20% من الإيرانيين أو ما يصل إلى 15 مليون شخص يصنفون تحت خط الفقر المطلق في 2008م.

واتجهت إيران في آخر مآزقها الاقتصادية إلى دوامة خفض التضخم، في انموذج يذكر بما شهدته الإكوادور من انتفاضة شعبية الجأت الحكومة إلى إلغاء قرارها، كما أجهض التشيليون مراسيم رفع أسعار بطاقات المترو بعد وقفات احتجاجية غيرت الكيان السياسي في البلاد.

تطويق دولي

لم تلحظ إيران في خضم توسعها تغيرا محوريا شهده الخليج، حيث كان الموقف الأمريكي المتذبذب تجاهها يشهد تغيراّ كليا مع استفحال دورها في المنطقة. ويوثق الباحث شموئيل سيجف بعض آثار التخوف من التوترات في منطقة الخليج، حيث شهد عام 1979م تبلور موقف أمريكي ضمن زيارة وزير الدفاع الأمريكي حينها هارولد براون، يوصي بضرورة وجود أمريكي طبيعي في منطقة الخليج العربي، وتشكيل قوة انتشار سريع تهب لنجدة دول صديقة في المنطقة ما أدى لتشكيل قوة الانتشار السريع الأمريكية عام 1980م، وعملت حينها سلسلة من المناورات المشتركة مع الجيش المصري.

ويسرد سيجف أن الولايات المتحدة اقترحت في الثمانينات تشكيل قوة بحرية متعددة الجنسيات لحماية مضيق هرمز، لكنه قوبل ببرود من قبل الدول الغربية الحليفة لها، كما أنها كانت تعارض انهيار إيران وترفض احتلال الأراضي بالقوة.

وحملت التطورات في الخليج ما يعاكس ذلك الواقع تماما، حيث أعلن في التاسع من يوليو تموز تشكيل تحالف أمني عسكري لحماية أمن الملاحة البحرية في مضيقي هرمز وباب المندب، وأطلق على لسان رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال جوزيف دانفورد عقب سلسلة من الهجمات على ناقلات نفطية وإسقاط إيران طائرة استطلاع أمريكية قرب هرمز، وقد انضمت السعودية مؤخرا إلى التحالف الدولي الذي تغطي عملياته مضيق هرمز وباب المندب وبحر عمان والخليج العربي.

ويبدو أن إيران لم تعد بعيدة المنال بعد تغير الموقف الأمريكي تجاه تشكيل القوات كما أنها لن تستطيع صبرا تجاه تضخم الذات الإيرانية إلى مختلف المناطق، ما يستدعي السيناريو الليبي الذي حمل الناتو على تغيير نظام بأكمله في وقت قياسي.

يطرح الدكتور فاضل طلال العامري خيارات تضع الحد للتغول الإيراني حيث يرى أن الخيار الأفضل هو السعي إلى تغيير السلطة المتعصبة من الداخل ومشاركة الإيرانيين أنفسهم بإنقاذ بلادهم من دمار اسع لا يعرف أثره في المستقبل.

ويؤكد في كتابه "الطريق إلى الحرب" أن خيارات المستقبل ليس بيد دول الخليج العربي، وإنما ستكون بيد أمريكا وإسرائيل، وعندها ستكون المنطقة في خيارين أحلاهما مرّ، مضيفا أن ترك إيران لحالها سيؤدي إلى توسعها وتدخلها في المنطقة إلى ما لا نهاية، وإن ضربت إيران عسكريا بواسطة أمريكا وإسرائيل فإن الفوضى ستعم المنطقة ويصعب السيطرة على الآثار التي ستحدث بعد ذلك.

استبعاد الحلول الوسطى

ويشير السلمي إلى أنه مع تزايد الاضطرابات التي شهدتها المدن والمحافظات الإيرانية سيواجه النظام الإيراني قلقا أكبر مع اهتزاز ثقة الشعب في جدوى وعوده وتحركاته، مشيرا إلى ان النظام لجأ لرفع الأسعار كونه السبيل الوحيد لإبقاء الاقتصاد متماسكا، رغم زعمه دفع بعض التعويضات للمجتمع، لكنها لا تتناسب مع الارتفاعات والعوائد التي وعد بها وتقدر بنحو 4 إلى 8 دولارات شهريا، وهو الأمر الذي لا يفيد مع الارتفاع الكبير.

أما محاولات تحسين مأزق النظام الراهن عبر الجبهة اليمنية عبر تنشيطها عسكرياً، فإنه على الأرجح سيواجه بطريق مسدود، بعد أن قرأ محللون خليجيون المباحثات التي تمت حتى الآن بعد اتفاق الرياض بين السعودية وعمان والمبعوث الدولي ومجلس الأمن، على أنها انطلاقة لقاطرة الحل الذي يصعب أن يتوقف إلا في صنعاء، إن لم يكن بتفاهم سياسي، زعمت طهران أنها تؤيده، فإن خيارات التعامل الأخرى دائماً على الطاولة.

المزيد من تحقيقات ومطولات