ماذا تبقّى لـ "داعش في سوريا والعراق؟ وهل ما تبقّى له ينسحب على خطر إرهابه أم أن مقدار المساحة الجغرافية التي يسيطر عليها في سوريا والعراق، مهما صغر أو كبر، لا ينسحب على ما يشكله هذا التنظيم الإرهابي من تهديد وخطر؟ أسئلة بلا جواب واضح ومحدد على الرغم من كثرة التحاليل والتأكيدات التي حسمت أن "داعش" إلى زوال والمسألة إلى نهايته باتت تقاس بالأشهر لا بل بالأيام.
وفي جديد التقديرات تقرير للتحالف الدولي بقيادة واشنطن التي توقعت انتهاء المعارك مع داعش خلال أسبوع، وأن تنظيم داعش يسيطر حالياً على أقلّ من واحد في المئة من مساحة "الخلافة" التي أعلنها على مناطق سيطرته السابقة في سوريا والعراق المجاور. وقال نائب القائد العام للشؤون الإستراتيجية والمعلوماتية اللواء في الجش البريطاني كرستوفر كيكا، في بيان نشره التحالف الدولي "نستمر في الضغط على من تبقى من إرهابيي داعش لحصارهم في رقعة صغيرة، تعادل حالاً أقل من واحد في المئة من مساحة "الخلافة" الأصلية". ويحاول مقاتلو التنظيم، وفق كيكا، "الفرار من خلال الاختباء بين النساء والأطفال الأبرياء الذين يحاولون الفرار من القتال"، لكنه شدد على أن "هذه التكتيكات لن تنجح".
والجدير ذكره أن قوات سوريا الديموقراطية، المؤلفة من فصائل كردية وعربية تدعمها واشنطن، تمكنت على إثر هجوم بدأته في سبتمبر (أيلول) الماضي، من التقدم داخل الجيب الأخير للتنظيم في شرق سوريا، وباتت تحاصره ضمن مساحة تقدر بأربعة كيلومترات مربعة قرب الحدود العراقية. وبات وجود "داعش" حالياً يقتصر على مناطق صحراوية حدودية بين سوريا والعراق، وتمكنت قوات سوريا الديموقراطية، وفق التحالف، من "تحرير ما يقارب 99,5 في المئة من الأراضي الخاضعة لسيطرة داعش" في سوريا. وفي مؤتمر صحافي في باريس، أكد المتحدث باسم هيئة الأركان الفرنسية باتريك شتايغر الخميس 7 فبراير (شباط) أن قوات سوريا الديموقراطية أوقفت قبل بضعة أيام عملياتها القتالية "من أجل اعادة تنظيم صفوفها وتعزيز مواقعها".
مقاتلو داعش "الأجانب"
وبعد إعلانه تأسيس "الخلافة" في سوريا والعراق، انضم عشرات الآلاف من المقاتلين، بينهم أجانب، الى صفوف "داعش"، قبل أن يتقلص عددهم تدريجاً على وقع هجمات عسكرية في البلدين، وتعتقل قوات سوريا الديموقراطية مئات من الإرهابيين الأجانب الذين تشتبه في انتمائهم الى "داعش"، وتطالب بلدانهم باستعادتهم لمحاكمتهم لديها، في حين تبدي دولهم تحفظاً إزاء هذا الملف. وتدرس فرنسا التي كانت تعارض استعادة هؤلاء حالياً خيارات عدة لإخراج العشرات، بينهم نساء وأطفال، من مراكز الاعتقال والمخيمات في سوريا.
تنظيم "داعش" لم يُهزم في سوريا
في سياق متصل، طالبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية بضرورة اعتماد "الشفافية" عند نقل أي من الإرهابيين الأجانب المشتبه في انتمائهم الى تنظيم "داعش" وأقاربهم إلى خارج سوريا. وقال مدير برنامج مكافحة الإرهاب في المنظمة نديم حوري لوكالة الصحافة الفرنسية في مدينة عامودا شمال شرقي سوريا، "نود بالتأكيد أن نكون حاضرين (أثناء عمليات النقل) أو في الأقل يجب أن يتسم الأمر ببعض الشفافية". وعلى الرغم من الخسائر المتلاحقة التي مُني بها التنظيم الإرهابي، لا يزال يشكل مصدر تهديد حقيقي، وفق محللين، وغالباً ما يتحرك في المناطق التي طُرد منها، عبر "خلايا نائمة" تضع عبوات أو تنفذ عمليات اغتيال أو خطف أو تفجيرات انتحارية تستهدف مواقع مدنية وأخرى عسكرية.
وافاد تقرير لفريق مراقبي عقوبات الأمم المتحدة بأن تنظيم "داعش" لم يُهزم في سوريا، ولا يزال التنظيم الإرهابي الأكثر خطراً هناك، وأشار الفريق، في تقريره المقدم إلى مجلس الأمن، إلى وجود ما بين 14 و18 ألف مقاتل من التنظيم في سوريا والعراق، بينهم نحو 3 آلاف مقاتل أجنبي، وذكر أن "تنظيم داعش لم يهزم بعد في سوريا، لكنه لا يزال يواجه ضغطاً عسكرياً شديداً في ما تبقى له من أراض في معقله شرق البلاد، ويُظهر تصميماَ على المقاومة وقدرة على شن هجمات مضادة". وتابع التقرير أن التنظيم تقلص إلى مجموعة متشتتة، وهو "يعطي توجيهات لبعض المقاتلين بالعودة إلى العراق للالتحاق بالشبكة هناك"، بهدف "الصمود وتعزيز الصفوف والارتداد في المنطقة المركزية"، وتوقع التقرير أن يكون بإمكان داعش أن يعيد التركيز على العمليات الإرهابية في الخارج، لكن القيادة المركزية للتنظيم تفتقد في الوقت الراهن القدرة على إدارة هجمات دولية.
خلايا "نائمة" في العراق
العراق احتفل بالذكرى الأولى لانتصاره على داعش، بعد إعلان الحكومة العراقية انتصارها على التنظيم في ديسمبر (كانون الأول) عام 2017 بعد ثلاث سنوات على الحرب الشرسة، التي قتل فيها عشرات الآلاف وشُرد مئات الآلاف، وتحولت مدن وأحياء كاملةً إلى أنقاض، إلا أن هذا النصر الباهظ الثمن لم يُزل المخاوف من خطر عودة "داعش"، وهذا ما كان اعلنه رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي الذي أوضح أن هناك جيوباً للتنظيم وخلايا نائمة هنا وهناك، مبيّناً أن العمل جارٍ على معالجة الأمر وأن هذه المهمة هي أممية وليست عراقية فحسب، باعتبار أن الإرهاب أممي ولا مناص من اعتماد مصدات دولية على مختلف الصعد لاستئصاله.
ترمب متفائل ولكن؟
هذه الأجواء والأرقام والتقارير بشأن أخطار داعش التي تحذّر أخطار تناقض تماماّ توقعات الرئيس الأميركي دونالد ترمب باستعادة المناطق التي لا تزال تحت سيطرة التنظيم الإرهابي خلال أسبوع، وقال ترمب أمام أعضاء التحالف الدولي ضدّ إرهاب "داعش" الذين اجتمعوا في واشنطن إنّ "الجنود الأميركيّين وشركاءنا في التحالف وقوّات سوريا الديموقراطيّة حرّروا على الأرجح جميع المناطق التي يُسيطر عليها تنظيم داعش في سوريا والعراق"، وأضاف "سيتمّ الأسبوع المقبل الإعلان رسمياً أنّنا سيطرنا على مئة في المئة من "أرض الخلافة""، وتابع "فلول، هذا كلّ ما بقي لدينا، فلول، لكنّ الفلول يُمكن أن تكون بالغة الخطورة".
وكلام الرئيس الأميركي يناقض بدوره تقويم مدير الاستخبارات الأميركية دان كوتس، الذي اعتبر أن تنظيم "داعش" يشكل "تهديداً قوياً في الشرق الأوسط والغرب. كما ان موافقة مجلس الشيوخ الأميركي الإثنين 4 فبراير (شباط) بغالبيّة كبيرة على تعديلٍ ينتقد قرار ترمب سحب القوّات الأميركيّة من سوريا وأفغانستان، تؤشر إلى المعارضة الكبيرة في صفوف الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه الرئيس الأميركي. وعبّر هذا التعديل "عن شعور مجلس الشيوخ بأنّ الولايات المتّحدة تُواجه حاليّاً تهديدات من مجموعات إرهابيّة تعمل في سوريا وأفغانستان، وبأنّ انسحاباً متسرّعاً للولايات المتّحدة يُمكن أن يعرّض التقدّم الذي تمّ إحرازه، وكذلك الأمن القومي، للخطر".
وهنا لا بدّ من التذكير أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أقرّ خلال اجتماع وزراء خارجيّة الدول الأعضاء في التحالف الدولي ضدّ "داعش" بأنّ "هذا التنظيم لا يزال يُشكّل تهديداً خطيراً"، مضيفاً "من مسؤوليّة جيلنا أن نضع حدّاً له"، وجدّد بومبيو دعوته الدول الأخرى إلى مشاركة أكبر في الجهد المالي لهذه المعركة، لافتاً إلى نقص يناهز 350 مليون دولار على صعيد حاجات التمويل لإرساء الاستقرار في العراق هذا العام. معلوم أن صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية نقلت عن مسؤولين أميركيين تأكيدهم أن الجيش الأميركي يستعد لسحب كل قواته من سوريا نهاية شهر أبريل (نيسان) المقبل.
وأمام ما تقدّم، فإن "داعش" ما زال حاضراً بقوة بإرهابه، على الرغم من خسائره الفادحة، والسؤال: ماذا بعد الانسحاب الأميركي؟ وهل يعود إرهاب هذا التنظيم إلى ما كان عليه سابقاً؟ وهل دخلت محاربة "داعش" في محاور سياسات الدول الكبرى؟ الجواب الوحيد الأكيد أن شعوب البلدان التي ظهر فيها هذا التنظيم هي دائماً التي تدفع الثمن.