Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ويلزي اشتهر بفضل معادة البريكست واقتحام شاشات التلفزة

يحارب الفاشية ويقاومها براية البقاء في الاتحاد الأوروبي

بمكبر صوت وقبعة علم الاتحاد الاوروبي ووشاحة، صار الويلزي ستيف براي شخصية إعلامية عامة في بريطانيا (غيتي)

إنها الساعة 11 صباحاً قرب منتزه "كوليدج غرين" في "ويستمنستر". لم تمضِ سوى عشرين دقيقة على مصاحبتي ستيف براي، لكنه تلقى خلالها أكثر من عشرة طلبات لالتقاط صور "سيلفي" مع المارّة، فيما طلب منه شخصان توقيعه. كذلك أسرّ لبري أحد عناصر الشرطة أثناء مروره بجانبه، بأن يواصل عمله المفيد.

وفي أوقات عادية، ربما تُستَغرَبْ تلك المجموعة من ردود الأفعال إزاء تاجر كهل يختصّ بالعملات النقدية ويتحدّر من منطقة "بورت تالبوت". ولكن في أوقات عادية، لم يكن تاجر العملات النقدية الكهل من "بورت تالبوت" ليشتهر بسبب تكرار اقتحامه البث المباشر لنشرات الأخبار معتمراً قبعة بألوان الاتحاد الأوروبي ومُلتَحِفاً علم المملكة المتحدة.   

ولم يكن ليكتسب لقب "رجل أوقفوا بريكست" بعد تعليقه حياته الخاصة لمدة سنتين كي يهتف يومياً شعارات مناصرة للبقاء في "الاتحاد الأوروبي" عبر مكبّر صوت يبلغ حجمه 3 أقدام ويرفع لافتات تؤيد البقاء في "الاتحاد الأوروبي" في خلفية البث التلفزيوني المباشر.

وفي أوقات عادية، يكون من شبه المؤكّد أنّ سلوكاً كهذا، لا سيما بجوار البرلمان، لن يلقَ الترحاب من جانب المارة من أفراد الطبقة العليا. "ثابر يا ستيف"، جملة قالها له في وقت لاحق اللورد ستراسبيرغر بعد أن توقف ليتجاذب أطراف الحديث معه. وبحسب براي، "هذا يحصل كل يوم... والتشجيع متواصل".

وفي توقيت مثالي، يمرّ شاب قربنا متحدثاً على جوّاله، ويلاحظنا ونسمعه يخاطب متحدّثه عبر الهاتف "أنا في "ويستمنستر"... رأيت لتوّي ذاك الأحمق الذي يحمل مكبّراً لسلصوت".

ينظر براي برهة إلى مكبّر الصوت المذكور الذي ما زال ممسكاً به، ثم يعترف "يوجّهون لي كمية لا بأس بها من هذه التعليقات أيضاً". وما يلبث أن يضع المكبّر أمام فمه من دون أن يبالي بما سمعه توّاً، ويصدح بهتاف "أوقفووووووا بريييييكست".

وصادف أن اليوم الذي قضيته مع ذلك الرجل البالغ من العمر 50 عاماً كان نهار الأربعاء، وبعد الأسبوع المنهك الذي عاشه، يتصرف براي بهدوء نسبي. إذ يردعه ورود أخبار عاجلة عن العثور على 39 جثة داخل شاحنة في "إيسكس"، عن التلويح بلافتاته وراء مقدمي نشرات الأخبار. ويلفت إلى أنه لا يريد "التلويح باللافتات حين يتحدثون عن وقوع أعداد كبيرة من الوفيات".

في الحالات كلها، تظل رفقته ممتعة، ويكون لطيفاً دائماً ويشبه إلى حدٍّ ما الشخصية النافرة التي كان عليها الراحل اللورد ساتش (الذي التصق باسمه لقب الصارخ)، ربما بسبب ملابسه. ونادراً ما تفارق السيجارة ثغره، ويعِد بأنه "(سيقلع) عن التدخين عندما يتراجعون عن المادة 50".

ويتصدر براي لائحة الأشخاص الذين يمكن اعتبار أنهم عاشوا "بريسكت جيد" ومنهم هيلاري بن وآدم فليمينغ...الأخير هو ذلك المتقاعد الذي صوت لصالح الانفصال وسط تهليل الجميع.

ربّما جعلت مقاطعة براي يومياً البثّ التلفزيوني لقنوات "بي بي سي" و"آي تي في" و"سكاي نيوز" وغيرها، عدواً لطواقم الأخبار في "ويستمنستر"، أو حتى أزعجت كثيرين من مناصري بريكست، لكنها تسببت في الوقت ذاته بإضحاك ملايين من الناس المحتاجين إلى بعض الفرح.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وصلت شهرته الجديدة إلى حد أنه لم يعد قادراً على السير في شوارع لندن من دون أن يوقفه الناس، سواء مناصرو الانفصال أم البقاء، رغبة بالحديث (أو الجدال) معه. ويوضح، "يحدث هذا إذا كنت أرتدي الزيّ. وكل ما عليّ أن أفعله كي لا يعود أحد يلاحظ وجودي يتمثّل في أن أنزع قبعتي. يشبه ذلك ما يفعل كلارك كينت (الشخصية السرية في قصص "سوبرمان") مع نظّارته".

ومن المناسبات التي يعتزّ بها جداً، تشويشه على كلام مارك فرانسوا الذي بدا عليه الإحباط خلال مقابلته مع قناة "بي بي سي" في وقت سابق من الشهر الجاري. وجاء ردّ نائب المحافظين غير المتحضّر كلياً عليه عبر نعته بـ"الأحمق".

ومن دواعي فخره أيضاً ظهوره خلف كريس غرايلينغ حين تبيّن أنّ وزير النقل آنذاك أعطى عقوداً تتعلق ببريكست إلى شركة عبّارات لا تملك... عبّارة! رفع براي حينها مجسّماً لقاربٍ كي يراه المشاهدون بشكل واضح. وكتب عليه كلمة "إس إس كارثة".

وبرز مثل عن مثابرته، عندما بنت "بي بي سي" منصة يبلغ حجمها 15 قدماً في المنتزه، كان هدفها إجمالاً ألّا يظهر براي في اللقطات التلفزيونية. وردّ على القناة عبر صناعته عاموداً يبلغ طوله 15 قدماً كي تظهر لافتاته في الصورة.

ووفق كلمات الجدّ براي الذي لديه حفيد واحد، "سمعت أنهم أنفقوا 10 آلاف جنيه استرليني لصنع هذه المنصة. كلّ ما فعلته أنا هو الدخول إلى متجر "سكروفيكس" وشراء ماسورتين ووصلتين مقابل 2.49 جنيه استرليني. وأنجزتُ المهمة".

في المقابل، تجدر الإشارة إلى أنّ مقدمي النشرات لا يبدو عليهم القلق جرّاء وجوده. إذ دافعت أنيتا ماكفاي خلال البثّ المباشر عن حقّه في التظاهر فيما تُسلّم عليه لورا كوينسبرغ وفكتوريا ديربيشاير أحياناً، وفق روايته. وإذا سألته عن كاي بيرلي، يجيبك "تقلب عينيها امتعاضاً".

في وقت لاحق من النهار، يمّر قربنا مصوّر تلفزيوني يكون في طريقه لبدء فترة عمله المتأخرة، ويصيح "كان أداؤك جيداً البارحة خلال نشرة العاشرة مساءً يا ستيف". وهذه الأيام، يشكّل براي واحداً من عشرات المتظاهرين ممن يؤيدون بريكست أو يعارضوه، الذين يجتمعون يومياً حول منتزه "كوليدج غرين". فقد أصبح ذلك المكان أشبه بالسيرك.

إحدى المتظاهرات اسمها إلسبيث ويليامز، عاشت في إسبانيا نحو عقدين من الزمن لكنها أتت إلى لندن في يناير (كانون الثاني) كي تقوم بحملتها بدوام كامل. وتخبرني متظاهرة اخرى أنها انفصلت عن زوجها لأنهما يختلفان بالرأي حول الاستفتاء ثم تقول لي "حسناً، إضافةً إلى أنه حقير".

وعلى الرغم من اختلاط الأعلام والأناشيد وبعض مقلّدي بوريس جونسون الذين يأتون بين الحين والآخر، يظل وجود براي هو الأساسي، ربّما لأنه أول الوافدين إلى هذه الساحة. أسأله إن كان يعتبر نفسه غريب الأطوار، فيحار للحظات ثم يجيب "كلّا" فيما القبعة ما زالت على رأسه ومكبر الصوت قرب رجله. أيَّا كان الأمر، يحب براي مناصرو البقاء في الاتحاد الأوروبي.

وتروي ويليامز الآنفة الذكر عن سيرها بجانبه خلال مسيرة "ليصوّت الشعب" التي جرت في عطلة نهاية الأسبوع المنصرم، وعن اقتراب الناس منه لتحيّته باستمرار. وتشير المترجمة البالغة من العمر 52 عاماً  إلى إحساسها كأنها "بصحبة المغني ميك جاغر". ويخبر براي نفسه أن أحدهم وضع ذراعه حول كتفيه في يومٍ من الأيام وقال له "زوجتي تحبك جداً". ثم يتذكر أن ذلك الشخص "لم يكن سوى بوب جيلدوف. وقال لي "تستحق الميدالية الأوروبية. لست أكيداً من وجود ميدالية أوروبية ولكن عموماً "حسناً يا بوب. شكراً لك"".

أغامر بقولي له إن هذا المستوى من الشعبية ربّما يرشّحه في نهاية المطاف للمشاركة في برناج تلفزيون الواقع أنا شخصية مشهورة. وأحياناً، يُطرق بعض الوقت ثم يسأل "في الأدغال؟ لا بدّ أن كل مناصري الانسحاب سيصوّتون عندها لإجباري على تناول خصي الكنغر".

ربّما يكون محقاً. فبراي ليس محبوباً من الجميع، بالطبع. إذ أصدرت الشرطة أمراً بمنعه من استخدام مكبّرات الصوت الآلية، فيما أشار معلّقون أنّ انتقاده المستمرّ لمناصري بريكست ربّما دفع ببعض المعتدلين للإنضمام إلى صفوف  مناصري الانسحاب.

واليوم، يطرح عليه أحد المارة السؤال التالي "هل أنت ذاك الرجل المزعج الذي يزعق؟" قبل أن يتناوب كل منهما على الكلام مدة خمس دقائق، من دون أن يتناقشا فعلياً. ويخبرني براي بعدها، "أتفاعل مع معظم الأشخاص. هذا الرجل لا بأس به لكن يأتيك آخرون من جماعة "نحن من فاز بحربين عالميتين وكأس عالم في كرة القدم". لا أتعاطى مع هؤلاء".  

مؤخراً، سحقت مجموعة ممن يسمّيهم ناشطي اليمين المتطرف، مكبر الصوت خاصته. "وصلت كلفة إصلاحه إلى 40 جنيهاً. وهو مبلغ أعتقد أنني أنفقته في المكان المناسب. وأعتبر أنه أصبح يحمل إصابة حرب الآن".

وفي شهر يوليو (تموز)، حاصرت مجموعة من مناصري تومي روبنسون سيارة براي وبدأت بتحطيمها. وكانت تلك المجموعة موجودة في وسط لندن لمرافقة زعيمها أثناء اقتياده إلى السجن بتهمة احتقار المحكمة. والآن، بات لدى براي سترة مضادة للطعن لكنه يميل إلى عدم ارتدائها. ويهزّ بكتفه مقللاً من أهمية الموضوع "لا معنى من الخوف. عليك أن تواصل محاربة الفاشيين".

هذه الحياة بكل تفاصيلها بعيدة كل البعد عن حياته قبل بريكست. وقبل استفتاء العام 2016، لم ينشط يوماً في المجال السياسي، بل أكثر من ذلك أنه لم يكوّن آراء سياسية كذلك. ويعلق على ذلك، "لم أدرك كمية الخطأ في البلد. وهذا الأمر فتح عيوني".

في سبتمبر (أيلول) 2017، غضب من صفقة تيريزا ماي المتعلّقة بمنح مليار جنيه استرليني نقداً مقابل أصوات "الحزب الوحدوي الديمقراطي" في شمال إيرلندا، لدرجة أنه قاد سيارته إلى لندن كي يعيش على الطرقات لمدة أسبوع ويتفادى بالتالي دفع الضرائب للدولة. في آخر يومين له في العاصمة، قرّر في اندفاعة مفاجئة، الذهاب إلى "ويستمنستر" حاملاً علميّ المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي ووقف خارج مبنى البرلمان قرابة 12 ساعة. ثم عاود الكرّة بعد ذلك، أي الوقوف من السابعة صباحاً إلى العاشرة مساء تقريباً، في كل يوم فتح فيه البرلمان أبوابه. لماذا؟ يجيب "بسبب العدالة الاجتماعية. سيحطّم بريكست مجتمعات كثيرة، لذا علينا أن نتخذ موقفاً منه. أنا أخدم بلادي. عندما أظهر كل يوم على الأخبار أبيّن للناس الذين يشاطرونني الشعور أنهم ليسوا وحدهم".

في المقابل، لم يتوقع براي أن يبقى في ذلك المكان كل تلك المدّة. فقد ظنّ أنّ غباء فكرة بريكست واضح إلى درجة أن المشروع لن يستمرّ حتماً أكثر من شهرين. ويشرح ذلك، "اعتقدت أنني سأعود إلى منزلي بحلول عيد الميلاد". لوهلة قصيرة، يبدو عليه التعب. يتناول سيجارة أخرى ويقول "هذا عملٌ شاق. ومتواصل".

عاش خلال السنة الأولى على مدّخراته، ويلفت إلى أنه حصل على الدعم المالي من الناس منذ ذلك الحين. يقدّم له مناصروه مساهمات مالية عبر صفحته الشبكية التي تحمل اسم "الحركة الأوروبية للتحدي" (سوديم).

ويتشارك حالياً شقة خالية من الأثاث في وسط لندن مع أربعة متظاهرين آخرين لكن خلال فترة الـ 26 شهراً التي قضاها هنا، عاش في 14 مكان مختلف وقضى بعض الليالي في سيارته.

وذات مرّة، انتقل إلى منزل مجاور لمنزل جايكوب ريس موغ. بعد أن رأى ابن النائب يلوّح له يوماً من النافذة، أطلق صيحة مرحة عبر مكبر الصوت. ويضيف براي "بدأ بالتهليل. ربما الفتى مناصر للبقاء في الاتحاد الأوروبي في السرّ".  

أمّا عائلته الخاصة فموضع خلاف. إذ حلّ بعد وجفاء بينه وبين ابنته الوحيدة وحفيده. وكذلك يناصر والديه الانسحاب ويبدو أن علاقته بهما أصبحت متوترة. ويعلق على ذلك، "تعرف كيف هو الوضع مع الآباء. دائم الصعوبة".

وعلى الرغم من هذا، لا يرغب بتغيير أي شيء. ففي هذا المكان وقع في الحب، بسبب علم الاتحاد الأوروبي، بصحافية سابقة في قناة "بي بي سي"، ونشأت بينهما علاقة منذ سنتين. ويتساءل "أنا، من تركت المدرسة في عمر الخامسة عشر، وهي خرّيجة جامعة كامبريدج. كيف كنا لنلتقي في ظروف مختلفة؟"

والأهم أنه مقتنع بأن ما يفعله هو الصواب. في نهاية النهار، أسأله عن رأيه في أنّ الصراخ أثناء حديث الضيوف على شاشات التلفزيون يعتبر أمراً غير لائق فلا يبدو عليه الاكتراث، ويرد "مناصرو بريكست يتفوهون بالهراء من دون أن يتصدّى لهم أحد. أنا أصحّح هذا الخطأ".

عندما أتساءل عن احتمال تقويضه مبدأ الاتفاق الأساسي في الديمقراطية، لا يقلقه أي شكّ بذاته بل يجيب "استند الاستفتاء إلى جملة من الأكاذيب".

وسيظل براي على هذا المنوال إلى أن يتوقف بريكست. ماذا لو لم يتوقف؟ يجيب "لا أخطّط لهذا الأمر، تماماً كما لا أخطط لاصطدام نيزك بكوكب الأرض". في كل الأحوال، عندما ينتهي كل هذا الموضوع، يخطط براي لمواصلة حملاته بشكل من الأشكال. ربما ينتقل بعد هذا إلى الدفاع عن التمثيل النسبي.

ويختتم بالإشارة إلى أنه "قبل هذه الأمور كلها، عشت حياة مملّة. عملت وحدي ولم تكن لديّ حياة اجتماعية، ولا شيء فعلياً. لو اعتبرنا أنّ هذه الفوضى أتت بنتيجة جيدة واحدة، فإنها تتمثّل في اجتماع الناس. معاً، نستطيع أن نجعل هذا البلد مكاناً أفضل".ش

© The Independent

المزيد من منوعات