Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تنظيم الإخوان الدولي غرباً وعرباً

صورة لأميركيين يحتفلون بعيد الفطر خارج أحد مساجد حي بروكلين في نيويورك. (أ.ف.ب وغيتي)

بعد صعود الإسلام السياسي بالفترة المسماة "الربيع العربي" في مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، حيث هزَّ بلداناً عربيةً عدّة وأسقط أنظمتها السياسية: تونس، ومصر، وليبيا، واليمن من جهة، والتدخل في محاولات لانقلابات أو اضطرابات داخلية: الإمارات، والبحرين، والسعودية من جهة أخرى. ناهيك عن الكلام عن الأوضاع المدمرة في سوريا والعراق بممارسات الأحزاب والحركات الدينية السياسية.
لعبت "جماعة الإخوان المسلمين" دوراً بارزاً في تلك الفترة الحالكة بعد عقود من السنين لم يصلوا فيها إلى السلطة. 

إن هذا التحرك الإخواني الواسع والسريع في المحيط العربي، لم يأتِ من انطلاقة ذاتية خالصة، بل عبر قوة خارجية كبيرة لها يد طولى وخفيّة بدأت بالتخطيط والتحريك. وهكذا كُشف عن دراسة سرية مشتركة بين البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي، وكذلك وزارة الخارجية، ما بين سبتمبر (أيلول) 2010 إلى فبراير (شباط) 2011، حيث توضح دعم الرئيس الأميركي باراك أوباما (2009- 2017) للإخوان المسلمين بهدف تغيير الأنظمة في العالم العربي (شمال إفريقيا والشرق الأوسط). 

بموجب القانون الأميركي المتعلق بـ"حرية المعلومات"، فإن المجموعة البحثية "مجموعة الشرق الاستشارية" في واشنطن، قد حصلت على حزمة من الوثائق التي تكشف أحداثها عن وجود ثمان وتسعين رسالة إلكترونية بين إدارة أوباما ومجلس الأمن القومي ووزارتي الخارجية والداخلية عن العمل التحضيري لاستيلاء الإخوان المسلمين على السلطة. ويشير تقرير المجموعة إلى أن البيت الأبيض راجع على مدى ستة أشهر آفاق حكم الإخوان المسلمين في البلدان العربية. ولقد ترأست عملية المراجعة هيئةُ التحرير في مجلس الأمن القومي، وهم كل من: دنيس روس، وسامانتا باور، وغايل سميث، وبن رودس، ومايكل ماكفول. واستُهلت العملية بتوقيع الرئيس باراك أوباما على أمر رئاسي لإجراء دراسة موسومة (بي، أس، دي 11)، خلال شهر أغسطس (آب) 2010، حيث يُجرى تقييم حكومي شامل لآفاق الإصلاح السياسي والدور المحتمل للإخوان المسلمين في أنحاء العالم العربي كافة.
هذا وشارك في عملية المراجعة العشرات من المسؤولين التابعين لإدارة أوباما ومجلس الأمن القومي ومكتب وزارة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ومكتب التحولات في الشرق الأوسط ومكتب المستشار الكبير للمجتمع المدني والديموقراطيات الناشئة وهيئة التخطيط لسياسة الوزارة ومكتب الديموقراطية وحقوق الإنسان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويكشف التقرير أيضاً أن المراجعة الشمولية المتأنية تجاه الإخوان المسلمين توصلت إلى أن الإخوان المسلمين حركة مرشحة لكي تساندها الولايات المتحدة في كامل منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط. ونتيجة لذلك، وبتوجيه من الرئيس باراك أوباما، كثّف الدبلوماسيون الأميركيون اتصالاتهم مع كبار القادة في حركة الإخوان المسلمين، وأعطوا مساندة نشطة لسعي الجماعة للوصول إلى السلطة في بلدان مهمة، مثل مصر وليبيا وتونس وسوريا، انطلاقاً من بداية 2011 الذي بدأ فيه "الربيع العربي".
وهكذا تجد في زيارة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلنتون للعاصمة الهنغارية بودابست في 30 يونيو(حزيران) 2011، ترحيبا بالحوار مع الإخوان المسلمين، خصوصاً في مصر. وكانت ورقة المناقشة الموسومة "الإخوان المسلمون: أسئلة وأجوبة"، تحتوي على نقاط عدة أشارت فيها إلى أن الولايات المتحدة مستعدة للتحاور مع "كافة الأطراف الملتزمة بنبذ العنف". ولقد وجهت هيلاري مدحاً خاصاً لإخوان مصر لـ"إشراكهم المرأة" في العمل السياسي. ومن بين الأسئلة التي أجابت عليها هيلاري أنه "لا توجد أي موانع قانونية أميركية ضد التعامل مع الإخوان المسلمين، فالحركة منذ زمن طويل نبذت العنف كوسيلة لتحقيق التغيير السياسي في مصر، ولا تعتبر واشنطن الحركة تنظيماً إرهابياً أجنبياً".

ولكن جماعة الإخوان المسلمين استخدموا العنف بعد إطاحتهم من السلطة في 3 يوليو (تموز) 2013. فبدلًا من أن تكون هناك مراجعة حقيقية لدواعي عزلهم، بغية تصحيح المسار السياسي ومعالجة أسباب الإخفاق في الحُكم؛ فإنهم توجهوا نحو العنف المسلح ضد السلطة القائمة، وارتكاب جرائم إرهابية بقتل المدنيين، وحشد أتباعهم ومناصريهم في مظاهرات تؤدي إلى مصادمات، واتباع سلوكية شلّ الجامعات، وخلق الأزمات والتحركات المضادة، وبتفعيل التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ضد النظام الحاكم، وعدم اعترافهم بنتائج انتخابات 3 يونيو(حزيران) 2014، بدعوى أن الشرعية كانت لهم. 
ومن المعلوم أن الشرعية في أية دولة في العالم تمارس النهج الديموقراطي، فإن شرعيتها تقترن بالنتائج الحاصلة واقعياً وليس فقط بالالتزام النظري بإكمال الفترة الزمنية المحددة لها قانونياً، ثم إن الشعب هو مصدر الشرعية أصلاً، ولقد خرج عموم الشعب في تظاهرات مناوئة لحُكم الإخوان الذين خطفوا الثورة والدولة، وحاولوا تغيير الهوية الوطنية. فعلى سبيل الذكر لا الحصر، عندما تعهد الرئيس المعزول محمد مرسي (2012- 2013) أن يحل العديد من المشكلات خلال المئة يوم الأولى من حُكمهِ، ومنها المرور والأمن والوقود والنظافة والخبز وغيرها، فإنه لم يفِ بوعده تماماً، حيث أنجز القليل وترك الكثير. فقد كان الاهتمام بترسيخ السلطة الإخوانية داخلياً، وتعزيز صلتها بالإخوانية الدولية خارجياً، أكثر من إبداء الأولوية بخدمة الشعب وثورته.

إن التاريخ السياسي للإخوان المسلمين، سواء في مصر أو في أي بلدٍ عربي آخر، لم يشهد حُكماً إخوانياً قط. إذ كانوا إما في صفوف المعارضة الداخلية وفق الحدود المرسومة من قِبل السلطة، أو وجودهم في المنفى وما يترتب على ذلك من حياة لا تتصل مباشرة بالدولة وبالشعب. وبما أن معظم سنوات الإخوان كانت في المعارضة الخارجية، لذا فإن خبرتهم الداخلية لم تحفل بالنجاح بل فشلت، وازداد هذا الفشل جراء تناقضاتهم المتقلبة بين أقوالهم وأفعالهم، والتي انتهت بعزلهم من السلطة.

وجراء المخطط "الأوبامي" الأميركي الذي شاركت فيه جماعة الإخوان المسلمين، والذي انتهى بفشل الإسلام السياسي على الساحة العربية، جراء ممارسات العنف وعمليات الإرهاب أو الانقلاب؛ فإن دولاً عربية مثل المملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية، والإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، قد اتخذت قرارها الرسمي باعتبار جماعة الإخوان المسلمين "حركة إرهابية". أما سوريا فقد اتخذت هكذا قرار ضد الإخوان المسلمين منذ العام 1982. ناهيك عن سلطات لها نفس الموقف مثل الحكومة الشرعية اليمنية، والسلطة الفلسطينية، وقوى أخرى في العراق، وليبيا، والجزائر وغيرها. 

إن الوضع العام للإخوان المسلمين على الساحة العربية في حالة تراجعية تدميرية، إلا أن وضعهم العام بالعالم الغربي في حالة جيدة ومستقرة، ولم يتعرض التنظيم الدولي للإخوان المسلمين لانكماش أو تقلص، على الرغم من التحقيقات الغربية مع القيادات الإخوانية الدولية، ومنهم الملياردير يوسف ندا، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية، بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، والتي قادت إلى الكشف عن تشابك العلاقات الواسعة والخفية في تحويل الأموال من الشركات والمؤسسات الاستثمارية والعقارية والائتمانية التابعة للإخوان ودعمهم لتنظيمهم الدولي. 

أما الأسباب التي تجعل العالم الغربي مستمراً في إيواء واحتضان جماعة الإخوان المسلمين، ولا يتخذ قراراً ضد وجودهم أو تحركاتهم، رغم أن الأحداث أثبتت ارتكابهم للعنف، إما مباشرةً أو من خلال الجماعات المتطرفة التي تتمخض عنهم أصلاً؛ فيمكننا أن نوجز أهم  تلك الأسباب وفق الشكل التالي: 
أولاً: العلاقة القديمة التي تربط  بين جماعة الإخوان المسلمين وبين بعض دول الغرب، بخاصة بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، تجعل الطرفين في حالة حرص على ديمومة هذه العلاقة التليدة، سيما وأن سببية هذه العلاقة ما زالت موجودة، وذلك بمجابهة التيارات القومية والأنظمة الوطنية التي لا تتلاءم مع السياسات الغربية.
ثانياً: يُعتبر عامل الاستفادة والتوظيف لكلا الطرفين الإخواني والغربي بصيغة مستمرة ومتواصلة، خصوصاً عندما تحول وجود الإخوان بالغرب من حالة مؤقتة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي إلى وضع دائم منذ مطلع السبعينيات، وما صاحب ذلك من تغيير وتبديل في أدبيات وتنظيمات الهيكل الداخلي للإخوان المسلمين. فعلى سبيل الذكر لا الحصر، فإن "دار الإسلام" قد تبدلت إلى "دار الدعوة"، وهي "الغرب"، حيث الانطلاق بالدعوة منه، مستغلين مشكلة الأخلاق التي يعاني منها العالم الغربي، وبدأوا يطرحون أنفسهم على أنهم الجماعة المعتدلة ذات النهج الوسطي. وكذلك يريد الغرب قدر الإمكان الاستفادة من الإخوان المسلمين في منظومة المعلومة، سواء داخل البلدان الغربية أو العربية أو الإسلامية.
ثالثًا: في الوضع المالي الهائل لدى التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، حيث ما يزال يتم التكتيم والتعتيم عليه إعلامياً، إلا ما هو ظاهر منه، كما في "مصرف التقوى" الذي يعود إلى يوسف ندا وعلي غالب همت، اللذين أسساه عام 1988؛ ومقره في جزر البهاما، كملاذ ضريبي آمن. وشركة "الاستثمار الأوروبي" التي تأسست عام 1994، وتم تسجيلها في بريطانيا عام 1996 على أنها منظمة "مستقلة لا سياسية ولا ربحية". والهدف من هذه الشركة توفير الخدمات المالية والاستثمارية لـ"اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا"، من خلال مشاريع متعددة في أوروبا. وهذا الاتحاد يضم أكثر من ألف جمعية إخوانية متنوعة وموزعة في ثمان وعشرين دولة أوروبية. ومما تمتلكه شركة الاستثمار الأوروبي الكثير من العقارات، وفي بلدان عدة، مثل بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، واليونان، ورومانيا وغيرها. وبلا ريب فإن هذه الأموال الإخوانية الهائلة تبقى ضمن المدى الغربي عملياً وحياتياً.
    
رابعًا: إن فشل الإسلام السياسي الذي قاده جماعة الإخوان المسلمين في ما سماه الغرب بالربيع العربي، وكانت الولايات المتحدة الأميركية هي المُخطط لهذا الحراك؛ فإن حرية التحرك والاستمرار الوجودي للإخوان المسلمين في العالم الغربي، يعني أن صلة التخطيط والتنفيذ ما بين الغربي والإخواني لن تنقطع. إن هذه الصلة جزء رئيس من أجزاء تكوينات العلاقة التاريخية ما بين حركة جماعة الإخوان المسلمين والغرب، منذ تأسيس الجماعة عام 1928.

على الرغم من تلك الأسباب المذكورة آنفاً، أو غيرها، فمهما تمسك الغرب بالإخوان المسلمين، ومهما تمتع الإخوان المسلمون بوجودهم في العالم الغربي، وإذا وظف واستغل بعضهما الآخر سياسياً وعلى مدى عقود من الزمن، فإن الوضع  الإخواني في العالم العربي، وبالذات في الدول التي قررت رسميا اعتبار الإخوان المسلمين حركة إرهابية، بالإضافة إلى سلطات وقوى عربية أخرى، فإن الإخوان في وضع تدميري يُعتبر الأشد والأقوى في تاريخهم السياسي. لذا فإن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، والذي تقوده الآن تركيا بمعيّة قطر وقيادات إخوانية مصرية، فإنه لن يجذب ميلان الكفة لصالح الإخوان في العالم العربي. ولعدة أسباب، أهمها أن تجربة الإسلام السياسي في بلدان عربية عدة آلت إما إلى الفشل الذريع أو إلى تراجع انكساري، فالإخوان المسلمون وبقية الأحزاب الدينية السياسية في العراق أنموذجاً؛ حيث أعطت أسوأ وأردأ وأحلك صورة عن الإسلام السياسي، منذ قدومهم تابعين لاهثين خلف قوات المحتل الأميركي، وملتفين بعباءة صفوية إيرانية، أوصلت الوضع العراقي إلى الحضيض جراء الفساد المالي والإدراي وفقدان الأمن والأمان والسعي إلى تمزيق النسيج الاجتماعي على اُسس طائفية بغيضة ومقيتة.

هذا سبب، والآخر يتصل بدول عربية، سيما الإقليمية الكبيرة مثل السعودية ومصر، فعندما تُدرج جماعة الإخوان المسلمين على  قائمة الإرهاب، فإن العرب غير الغرب إذا ما نظرنا إلى مستقبلية الإخوان المسلمين في المنطقة، لأن الجذر يتصل بالواقع العربي، لا الإيواء الغربي، وشتان بين الاثنين بالتطلع نحو المستقبل.     

المزيد من آراء