Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرائق لم يشهدها لبنان من قبل... تشعل نار "الطائفية" مجددا

نيران أتت على أكثر من ثلاثة ملايين شجرة فتحت باب التساؤلات حول "فضيحة الطائرات"

لم يكن ينقص لبنان إلا الحرائق المرعبة التي اندلعت في أكثر من منطقة وبلدة، والتهمت آلاف الهكتارات من جباله الخضراء، وهددت أرواح الأهالي وبيوتهم وسياراتهم التي لم تسلم من النيران التي أكلت الأخضر واليابس، فاضحةً مسلسل التقصير المستمر في أجهزة الدولة، وكاشفة انعدام الأمن الاجتماعي واهتراء كامل في الآداء المؤسساتي للدولة. هذه النيران المستعرة استدعت استنفار الجهات السياسية لطلب المساعدة من الدول القريبة، إذ بادر كل من قبرص واليونان وتركيا والأردن بالتحرك لمساعدة لبنان عبر إرسالهم خبراء وطوافات مختصة لعمليات إخماد الحرائق. وأكد وزير الدفاع القبرصي أن "طائرتين أردنيتين من طراز puma أخذتا الإذن للمرور في الأجواء القبرصية للتوجه الى لبنان، للمساعدة في إخماد الحرائق، إضافة الى طائرتين من طراز Canadair ذات الحمولة الكبيرة والفعالة، المتخصصتين بإخماد الحرائق، واللتين ستقلعان من اليونان إلى بيروت برفقة عربتي إطفاء و٣٠ عنصراً".

حرائق لم يشهدها لبنان

ووفق مصادر الدفاع المدني اللبناني، جرى إحصاء حوالى 136 حريقاً خلال الساعات الـ 24 الماضية، أتت على أكثر من ثلاثة ملايين شجرة. وكان لقرى قضاء الشوف في محافظة جبل لبنان الحصة الأكبر في الحرائق المندلعة منذ مساء الإثنين 14 أكتوبر (تشرين الاول) 2019، في وقت تعجز أكثر من 200 سيارة إطفاء وفرق الدفاع المدني اللبناني التي تعمل بأقصى قدراتها، عن إخماد النيران التي لم يسبق أن شهدها لبنان، في ظل غياب استراتيجية واضحة لمكافحة الكوارث الطبيعية.

وتسببت الحرائق بنزوح مئات العائلات من منازلهم في اتجاه مناطق آمنة بعدما طالت النيران منازلهم. وسجل الصليب الأحمر اللبناني الذي نصب مستشفيات ميدانية، عشرات حالات الإغماء وأسعف العديد من الإصابات ونقل بعضها الى المستشفيات المجاورة.


 نار "الطائفية" تشتعل أيضاً

وكما كل شيء في لبنان يُعطى بُعداً مذهبياً وطابعاً طائفياً، أثار كلام نائب التيار الوطني الحر ماريو عون عن انحصار الحرائق في المناطق المسيحية فقط، موجة انتقاد كبيرة من قبل سياسيين وإعلاميين وناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي هذا السياق استنكر عضو كتلة اللقاء الديمقراطي النائب بلال عبد الله في تصريحات لـ "اندبندنت عربية" كلام زميله عن انحصار الحرائق في المناطق المسيحية فقط، مستغرباً استخدام الكلام العنصري والطائفي واستغلال مآسي المواطنين، الذين يرون أملاكهم وبيوتهم تحترق أمام أعينهم، مصححاً لعون أن "الحرائق تشتعل في كل المناطق اللبنانية وتطال الشعب كله على مختلف انتماءاته ومذاهبه"، رافضاً تشويش الرأي العام.

وأبدى ارتياحه وسروره للتكاتف الذي تشهده المناطق ولاسيما قرى الشوف، قائلاً "رأينا متطوعي الدفاع المدني والصليب الأحمر والهيئة الصحية الإسلامية، هذا المشهد يكبّر القلب ويدل على أنه عند الأزمات الشعب اللبناني يتكاتف مع اختلاف أطيافه وبجميع تناقضاته".

وطالب عبد الله بضرورة إجراء تحقيقات فورية عن أسباب هذه الحرائق التي يمكن أن تكون مفتعلة، مضيفاً "الدولة عاجزة عن القيام بواجبها على الرغم من الجهود التي تضعها وزيرة الداخلية والبلديات وعناصر الدفاع المدني والجيش اللبناني، لأن هناك غياباً للتجهيزات والطائرات والخرائط التي تحدد منابع المياه في كل منطقة".

الاشتراكي يتهم التيار بالعنصرية والكراهية

من جانبها، ردت مصادر قيادية في الحزب التقدمي الاشتراكي بعنف على تصريحات النائب ماريو عون، واتهمته وتياره السياسي بافتعال الفتن بين اللبنانيين، مشيرة إلى أن "التيار الوطني الحر بات مدرسة في العنصرية والطائفية وبث روح الفرقة والكراهية بين اللبنانيين".

واعتبرت المصادر أن "التيار الوطني الحر يريد تغطية إخفاقاته السياسية وفشله بمعالجة أبسط أمور الناس وإخفاء الفساد الذي يمارسه في السلطة عبر تأجيج الطائفية واستخدام الخطاب المتطرف للعب على الوتر الطائفي، لأنه بات تياراً مفلساً سياسياً وأخلاقياً"، داعية إلى "فصل المسار الإنساني والمعيشي للمواطن اللبناني عن تناتش المصالح السياسية الضيقة".

وفي ردها على ادعاء عون، أشارت المصادر نفسها إلى أن "المواطن سليم أبو مجاهد الذي استشهد أثناء حاولته مساعدة الدفاع المدني على إخماد الحرائق، هو من الطائفة الدرزية، كما أن رئيس اللقاء الديمقراطي النائب تيمور جنبلاط أجرى اتصالاته مع الدول العربية لتأمين المساعدة اللوجستية المطلوبة"، وأضافت "بلدات بزال وفنيدق ومشمش السنية تلتهمها الحرائق كما بلدات النبطية وصور الشيعية". وطالبت المصادر النائب عون بالاعتذار من اللبنانيين عن الكلام المستغرب والمستهجن، معتبرة أن "ثمة فارق بين تمثيل الناس وهواجسهم وبين خداعهم والقول إن الحرائق تستهدف مناطق محددة".

كذلك اتهمت المصادر الاشتراكية رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل "بايقاف تعيين حراس الأحراج في مجلس الوزراء تحت ذريعة المساواة الطائفية"، قائلة "الاسوأ أنه جرى استنكار تعيين وتثبيت متطوعي الدفاع المدني واليوم لا نجدهم، وقد اتصل بهم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط مؤكداً استعداده تغطية أتعابهم على نفقته الشخصية".

ونتيجة التوتر والاحتقان الناتج عن كلام عون، طرد عدد من الشبان الغاضبين وزير المهجرين غسان عطاالله المحسوب على رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، خلال مشاركته في إحدى المناسبات في بلدة الدامور.

فضيحة الطائرات!

الفضيحة التي كشفت نيران الحرائق النقاب عنها، تمثلت في إهمال صيانة طوافات الإطفاء الثلاث من نوع "سيكورسكي" طرازS-70A، بقيمة حوالى 13 مليون دولار، وقُدمت كهبة للدولة، وتضمّنت الهبة ثلاث سنوات صيانة إضافةً إلى مليون دولار كبدل عن قطع غيار. وبعد انقضاء السنوات الثلاث، لم تكمل الدولة صيانتها ما تسبّب بإيقافها عن العمل تحت ذريعة الصيانة التي تكلف ما يقارب الـ 450 ألف دولار سنوياً، في حين يشير خبراء أن كلفة صيانة طوافات "السيكورسكي" ليست كبيرة نسبة لكلفة الأضرار التي تخلّفها الحرائق، والتي قُدرت حتى الساعة بحوالى 250 مليون دولار أي عشرات أضعاف كلفة الصيانة.

وقالت مصادر عسكرية إن "الطوافات الثلاثة كانت هبة ولم تكلف الدولة دولاراً واحداً، وشملت الهبة إضافة للصيانة لمدة ثلاث سنوات، تدريب الطيارين، وقد اختيرت المواصفات من قبل سلاح الجو في الجيش اللبناني، ثم أرسل دفتر الشروط إلى 21 شركة عالمية"، مؤكدة أن "الطوافات استعملت على مدى ثلاث سنوات وشاركت حتى عام 2013 بمكافحة ما يزيد عن 11 حريقاً وبفعالية".

العناية الإلهية

وفي وقت لا تزال مصلحة الأرصاد الجوية اللبنانية تحذر من استمرار خطر الحرائق خلال اليومين المقبلين، بسبب درجات الحرارة المرتفعة والرياح الشديدة الحارة المرافقة، أعادت بعض زخات المطر التي بدأت تتساقط مع بدء حلول الظلام، لا سيّما في المناطق التي تشتعل فيها الحرائق الكبيرة، الأمل في أن تساهم هذه "الرحمة الإلهية" بالإسراع في إخماد النيران، خصوصاً بعد إعلان بيان الجيش اللبناني أن "طائرات الإطفاء توقفت عن العمل مع حلول الظلام، وبسبب الظروف المناخية تستكمل العمليات عبر العناصر والإمكانيات المتوفرة، واذا استمرت الأمطار بالهطول فستساعدنا كثيراً".

المزيد من العالم العربي