Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"سردية تحرير اليمن" في بيان وزير الدفاع السعودي... "عودا على بدء"

الرياض ترسم خطوطاً حمراء جديدة في حضرموت والمهرة على خطى الموقف الأول ضد الحوثي يوم إطلاق "عاصفة الحزم"

الأمير خالد بن سلمان في إحدى طلعاته الجوية بالمقاتلات (بندر الجعلود - رويترز)

 

ملخص

يعكس موقف الوزير قلقاً سعودياً متزايداً من أن تؤدي التحركات العسكرية الأحادية إلى تهميش مكونات جنوبية أخرى، خصوصاً في حضرموت، وتحويل الجنوب من ركيزة استقرار إلى ساحة صراع داخلي يعيد إنتاج الفوضى.

في مشهد يعيد إلى الواجهة بدايات الأزمة اليمنية يمثل البيان الصادر من وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان صباح اليوم السبت محطة مفصلية في مسار الحرب والسلام في اليمن. فقد جاء البيان رداً مباشراً على العملية العسكرية التي أطلقها المجلس الانتقالي الجنوبي تحت اسم "المستقبل الواعد" للسيطرة على محافظتي حضرموت والمهرة ليحمل في طياته ما هو أبعد من مجرد إدانة عسكرية عبر إعادة ضبط شاملة لـ"سردية التحرير" التي تقودها الرياض منذ عام 2015.

هذه السردية التي تأسست على رفض فرض الأمر الواقع بالقوة لا تميز بين انقلاب الحوثيين في صنعاء عام 2014 أو محاولات فرض وقائع جديدة في الجنوب من داخل معسكر الشرعية نفسه. وبذلك وجدت الرياض نفسها أمام مشهد أحوجها لتجديد مواقفها بالأمس "عوداً على بدء"، لتعيد تأكيد ثوابتها في استعادة الدولة اليمنية لا تقاسمها، فقيادتها التي أعلنت قبل عقد "عدن" خطاً أحمر عند استهداف الحوثي لها، لا تتردد في إخضاع حضر موت للمنطق نفسه، طالما تعرضت لتهديد مماثل، حتى وإن جاء من نيران يفترض بها أن تكون صديقة.

شرعية التحالف: استعادة الدولة لا تفكيكها

استهل الأمير بيانه بالتذكير بالأساس القانوني والسياسي لتدخل التحالف العربي، قاطعاً الطريق أمام أي تفسيرات تحاول شرعنة السيطرة الجغرافية خارج إطار الدولة اليمنية. وقال في بيانه "استجابة لطلب الشرعية اليمنية قامت المملكة بجمع الدول الشقيقة للمشاركة في تحالف دعم الشرعية بجهود ضخمة في إطار عمليتي (عاصفة الحزم وإعادة الأمل) في سبيل استعادة سيطرة الدولة اليمنية على كامل أراضيها، وكان لتحرير المحافظات الجنوبية دور محوري في تحقيق ذلك".

يعيد بذلك وضع "تحرير الجنوب" في سياقه الطبيعي بوصفه جزءاً من مشروع استعادة "الكل اليمني"، لا بوصفه مقدمة لمسار انفصالي، وتكشف التناقض الجذري بين الرؤية السعودية التي ترى في عدن عاصمة موقتة لكل اليمنيين، وبين تحركات المجلس الانتقالي الأخيرة في سيئون والغيضة، التي تقرأ في الرياض ودول في الإقليم والعالم على أنها تقويض مباشر للجهود الموحدة في مواجهة المشروع الإيراني.

قضية الجنوب العادلة والمغامرة العسكرية

وبينما يوجه المجلس الانتقالي اتهاماته للحكومة اليمنية بتجاهل المطالب الجنوبية أعاد البيان السعودي التذكير بأن الرياض كانت الراعي الأول للقضية الجنوبية، ولكن عبر الأدوات السياسية لا العسكرية.

وأكد وزير الدفاع أن "المملكة تعاملت مع القضية الجنوبية باعتبارها قضية سياسية عادلة لا يمكن تجاهلها أو اختزالها في أشخاص، وقد جمعت كافة المكونات اليمنية في مؤتمر الرياض لوضع مسار واضح للحل السياسي الشامل، إضافة إلى أن اتفاق الرياض كفل مشاركة الجنوبيين في السلطة وفتح الطريق نحو حل عادل لقضيتهم يتوافق عليه الجميع من خلال الحوار دون استخدام القوة".

يعكس هذا الموقف قلقاً سعودياً متزايداً من أن تؤدي التحركات العسكرية الأحادية إلى تهميش مكونات جنوبية أخرى، خصوصاً في حضرموت، وتحويل الجنوب من ركيزة استقرار إلى ساحة صراع داخلي يعيد إنتاج الفوضى.

من التحذير السياسي إلى الفعل العسكري

لم يبق التحالف موقفه في الإطار السياسي فحسب، بل انتقل إلى مستوى أكثر حدة على الصعيد العسكري. فقد أعلن المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف، اللواء تركي المالكي، أن التحركات الأخيرة جاءت مثل سابقتها قبل 10 سنين "استجابة للطلب المقدم من رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي في شأن اتخاذ إجراءات فورية لحماية المدنيين بمحافظة حضرموت نتيجة للانتهاكات الإنسانية الجسيمة والمروعة بحقهم من قبل العناصر المسلحة التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي".

ووضع المالكي خريطة طريق واضحة تقوم على خفض التصعيد، مؤكداً أن الهدف هو "استمراراً للجهود الدؤوبة والمشتركة للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في خفض التصعيد وخروج قوات الانتقالي وتسليم المعسكرات لقوات درع الوطن وتمكين السلطة المحلية من ممارسة مسؤولياتها".

وفي أخطر عبارات البيان حسم المتحدث باسم التحالف طبيعة الرد المتوقع حين شدد على أن "أي تحركات عسكرية تخالف هذه الجهود سيتم التعامل المباشر معها في حينه بهدف حماية أرواح المدنيين وإنجاح الجهود السعودية - الإماراتية".

وجاء التعليق اليمني سريعاً حين أوضح العليمي أن بلاده تثمن "الاستجابة العاجلة من قيادة القوات المشتركة لتحالف دعم الشرعية في اليمن، لطلبنا باتخاذ إجراءات فورية من أجل حماية المدنيين في محافظة حضرموت بموجب توصيات مجلس الدفاع الوطني، وبما يفضي إلى استعادة الأمن والاستقرار، وصون السلم الأهلي، والمركز القانوني للجمهورية اليمنية".

التنمية في مواجهة فوضى السلاح 

لم يكن التصعيد محصوراً في الإطار المحلي، إذ أبدت الولايات المتحدة قلقها من "التحركات الأحادية في جنوب اليمن"، معتبرة أن السيطرة العسكرية على الموارد في حضرموت تقوض الجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب وتخدم وكلاء إيران. وفي موقف علني أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك روبيو على حسابه في "إكس" دعم بلاده الكامل لدعوة السعودية إلى خفض التصعيد والعودة إلى اتفاق الرياض إلى جانب مواقف أوروبية ودولية وأممية عدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في السياق ذاته حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن ما يجري يمثل "منزلقاً خطراً يهدد بنسف سنوات من المفاوضات"، مؤكداً أن المجتمع الدولي لا يعترف إلا بالحكومة اليمنية الشرعية وسلطتها على الموارد السيادية في كامل الأراضي اليمنية.

وفي مقابل الحشود العسكرية حول حقول النفط والموانئ استحضرت الرياض خطاب التنمية بوصفه البديل الاستراتيجي عن منطق القوة. وأكد الأمير خالد بن سلمان أن بلاده "باركت قرار نقل السلطة الذي أتاح للجنوبيين حضوراً فاعلاً في مؤسسات الدولة، وقدمت دعماً اقتصادياً ومشاريع ومبادرات تنموية وإنسانية أسهمت في تخفيف المعاناة عن الشعب اليمني الشقيق".

وأضاف بنبرة تحذير واضحة أن "المملكة وأشقاؤها في التحالف قدموا التضحيات بأبنائهم وإمكاناتهم، وكان حرص المملكة الدائم أن تكون هذه التضحيات من أجل استعادة الأرض والدولة، لا مدخلاً لصراعات جديدة، حيث أدت الأحداث المؤسفة منذ بداية ديسمبر 2025 في محافظتي حضرموت والمهرة إلى شق الصف في مواجهة العدو".

المجلس الانتقالي يبرر السيطرة

في المقابل يرفض المجلس الانتقالي الجنوبي توصيف تحركاته بالانقلاب أو الانتهاكات. ففي بيان مقتضب صدر أمس الـ27 من ديسمبر (كانون الأول) برر المجلس عملياته بأنها "استجابة لنداءات شعبية"، تهدف بحسب قوله إلى مكافحة الإرهاب، وقطع خطوط الإمداد الحوثية، وضمان عائدات الموارد للمواطنين الجنوبيين. وأكد انفتاحه على التنسيق مع الرياض، لكنه شدد على أن "إرادة الشعب الجنوبي لا تقبل المساومة"، محذراً من أن أي استهداف لقواته "لا يخدم الشراكة".

يختتم المشهد برسالة سعودية لا تحتمل التأويل. فقد دعا خالد بن سلمان المجلس الانتقالي الجنوبي إلى "تغليب صوت العقل والحكمة في هذه المرحلة الحساسة والاستجابة لجهود الوساطة السعودية الإماراتية لإنهاء التصعيد وخروج قواتهم من المعسكرات في المحافظتين وتسليمها سلمياً لقوات درع الوطن والسلطة المحلية".

وبذلك تضع التطورات الأخيرة اليمن أمام مفترق طرق واضح: إما العودة إلى المسار السياسي وتفادي "فرض الأمر الواقع على حضرموت والمهرة"، وإما المضي في مغامرة قد تعزل الجنوب سياسياً وتفتح الباب على مواجهة غير محسوبة.

يأتي ذلك وسط مناشدات سياسية وشعبية للانتقالي العودة إلى منطق الدولة في وقت يخشى فيه المراقبون انتكاسة في جهود التهدئة وتطور الأعمال العسكرية إلى حرب أهلية بين الجنوبيين أنفسهم.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل