ملخص
بعد دخول المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام والازدهار حيز التنفيذ، عادت داليا لتعيش إلى جانب الخط الأصفر، وحينها وجدت بيتها بطوابقه الثلاثة كومة من الركام والحجارة. تطلق تنهيدة وتقول "لم يكتفِ الجيش الإسرائيلي بإزهاق أرواحنا بالفقد والهدم للبيت، إنما وصلت بشاعته إلى سرقة الركام".
ما إن دارت آلة الحرب في غزة حتى أحالت منزل داليا إلى كومة من الحديد والحجارة، حزنت السيدة كثيراً على بيتها الذي لم تسكنه سوى شهر واحد قبل اندلاع القتال بين "حماس" وإسرائيل، لكنها أصيبت بالقهر عندما سرق الجيش ركام عمارتها السكنية وحرمها حتى الأنقاض.
خلال ليلٍ حالك السواد على مدينة رفح أصيبت أذنا داليا بطنين، وعندما فتحت النافذة وجدت جرافات الجيش الإسرائيلي من بعيد تجرف ركام منزلها وتنقله بواسطة شاحنات إلى تل أبيب.
صحراء بلا ركام
بعد دخول المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام والازدهار حيز التنفيذ، عادت داليا لتعيش إلى جانب الخط الأصفر، وحينها وجدت بيتها بطوابقه الثلاثة كومة من الركام والحجارة. تطلق تنهيدة وتقول "لم يكتفِ الجيش الإسرائيلي بإزهاق أرواحنا بالفقد والهدم للبيت، إنما وصلت بشاعته إلى سرقة الركام".
تتحجر دمعة في عين داليا وتضيف "أتابع صفحة النشطاء الاجتماعيين المتخصصين بنشر الصور الجوية لقطاع غزة، وصُعقت حين لم أشاهد معالم حارتنا وبيوتنا، ما شاهدته صور لصحراء قاحلة جرداء بلا أي ركام، يكسوها الرمل الأصفر فقط".
دمرت إسرائيل في حربها على القطاع جميع المباني داخل غزة الشرقية، حيث قاد الجيش حملة هدم واسعة نفذتها قواته وشركات المعدات الثقيلة، وهو ما أكدته صحيفة "هآرتس" العبرية، التي ذكرت ضمن تقرير لها أن الجيش الإسرائيلي استعان بشركات وبمقاولين، ودفع 1400 دولار عن كل منزل يُهدم داخل قطاع غزة.
في محصلة القصف وعمليات الهدم التي نفذتها إسرائيل داخل غزة، تحوّل القطاع إلى تلال كبيرة من الركام يقدر وزنها وفق تقرير البنك الدولي بنحو 80 مليون طن، وهو رقم ضخم أكبر مما خلفته حرب الموصل في العراق التي بلغ حجم ركامها نحو 11 مليون طن، وأضخم مما خلفه زلزال هايتي من ركام بلغ نحو 15 مليون طن.
على نفقة إسرائيل
يعد الركام مصدراً اقتصادياً ضخماً، وفي حال استثمرته السلطات الفلسطينية فقد يوفر لها ملايين الدولارات، ويساعد في إعادة بناء غزة بعد تدويره أو استخدامه ضمن مشاريع تنموية.
لكن يبدو أن إسرائيل تريد أن تستثمر في اقتصاد الركام، إذ بمجرد أن طلبت منها الولايات المتحدة تحمّل المسؤولية العملية والاقتصادية عن إزالة الأنقاض داخل قطاع غزة، وافقت تل أبيب على الفور.
قبل أيام أرسلت الإدارة الأميركية رسالة إلى إسرائيل طلبت فيها من تل أبيب إزالة الأنقاض من غزة على نفقتها الخاصة، استعداداً لإعادة بناء غزة الحديثة.
وبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، وافقت إسرائيل مبدئياً على الطلب الأميركي، على أن تبدأ في المرحلة الأولى بإزالة الأنقاض من مدينة رفح جنوب القطاع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في شهادات خاصة لـ"اندبندنت عربية" أكد شهود أنهم وثقوا قيام معدات ثقيلة وشاحنات إسرائيلية بإزالة الركام، إذ كانت تدخل للقطاع وتعود محملة بركام البيوت.
يرفض المجتمع العربي والدولي دفع كلف عملية إزالة الأنقاض من قطاع غزة، ويطالب إسرائيل بالقيام بهذه المهمة المعقدة التي قد تستمر أعواماً، وتصل كلفتها الإجمالية إلى أكثر من مليار دولار.
قبل البدء في إعادة بناء غزة ضمن المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار تعد إزالة الأنقاض شرطاً أساسياً، وكان من المفترض أن تتولى السلطة الفلسطينية هذه المهمة بتمويل من الأمم المتحدة، لكن مصالح تل أبيب الاقتصادية عرقلت ذلك.
وأثناء الحرب حاولت دول كبيرة شراء ركام غزة وأبرزها الصين، لكن لم يكن ذلك ممكناً بسبب توتر الأوضاع الأمنية، إذ تعد الأنقاض استثماراً جيداً نظراً إلى حجمها الموجود داخل غزة. وبتدخل أميركا وطلبها من إسرائيل إزالة الركام تكون منحت تل أبيب ملايين الدولارات من وراء ما دمرته آلة حربها.
ورغم أن إسرائيل ستضطر إلى إزالة الدمار على نفقتها الخاصة، فإن حجارة غزة ستعود إلى تل أبيب بالدولارات، أما داخل منطقة رفح التي بدأت شركات متخصصة تعمل هناك فإن الولايات المتحدة تسعى إلى البدء بإعادة بناء المنطقة، وفق نموذج الرئيس الأميركي لإعادة البناء، بما قد يدفع سكاناً من مناطق أخرى في القطاع إلى الانتقال إليها، على أن يعاد إعمار المناطق التي تُخلى خلال مراحل لاحقة، مما يساعد في تنفيذ رؤية "ريفييرا الشرق الأوسط".
مخالفة قانونية
من ناحية الغزيين فإنهم يشعرون بالغضب إزاء إزالة أنقاض بيوتهم من خلال الجيش الإسرائيلي وليس بأياديهم، مما يحرمهم فرص عمل ومشاريع تطوير وبناء واستثمارات.
من ناحية قانونية، تعد إزالة إسرائيل أنقاض غزة سرقة ومخالفة للاتفاقات الدولية، فبحسب المادة 33 من اتفاق جنيف الرابع، والمادة 47 من لائحة لاهاي، فإنه يحظر النهب تماماً، سواء كان يتعلق بالأموال العامة أو الخاصة. وأن المادة (8/2/ب/16) من نظام روما الأساس للمحكمة الجنائية الدولية تصنف النهب ضمن جرائم الحرب.
يقول رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني صلاح عبدالعاطي "ما قامت به السلطات الإسرائيلية من سرقة الركام والأنقاض في رفح وشمال قطاع غزة، لاستخدامها في مشاريع إنشائية أو صناعية، يعد جريمة لها أبعاد قانونية وإنسانية وبيئية خطرة، وفيها تدمير ممنهج وسلب للممتلكات الفلسطينية حتى بعد تسويتها بالأرض".
ويضيف "نقل الركام من غزة إلى إسرائيل يعد انتهاكاً للسيادة الفلسطينية، ويحرم الغزيين من إعادة إعمار بيوتهم بمواردهم المحلية، إذ إن هذا الركام يعد مادة أساس لإعادة التدوير والبناء".
وينوه عبدالعاطي إلى أن إزالة إسرائيل الركام بصورة ممنهجة قد يقصد به إخفاء الأدلة المادية على جرائم الحرب، مما يشكل عرقلة للعدالة الدولية.