Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البنوك التونسية في مرمى الانتقادات بعد تعليق القروض الطويلة الأمد

البعض رأوه تحدياً من "لوبيات المصارف" لمشروع رئيس الجمهورية الاجتماعي

يشير بعض المتخصصين إلى أن الخطوة تعوق حصول التونسيين على قروض الإسكان (أ ف ب)

ملخص

ورد قرار المصارف بتعليق القروض ذات الآجال المتجاوزة 15 عاماً بفائدة ثابتة لتقليل الأخطار والضغوط على توزيع الأرباح على المساهمين

أفادت مصادر مصرفية في تونس بتوقف البنوك عن منح قروض تزيد مدة سدادها على 15 عاماً، مما أحدث ضجة رافقتها موجة من التساؤلات حول ارتباط ذلك بتنقيح القانون التجاري منذ أشهر الذي يوصي بخفض الفائدة للقروض، بهدف الضغط على كلفة الاقتراض.

وقال كاتب عام الجامعة العامة للبنوك والمؤسسات المالية وشركات التأمين بالاتحاد العام التونسي للشغل، أحمد الجزيري، إن مديري البنوك اتخذوا قراراً يمنع إسناد قروض تتجاوز مدة سدادها 15 عاماً من دون أن يعلنوا رسمياً عنه.

ووصف هذا القرار بـ"الأحادي الجانب" في إشارة منه إلى عدم التنسيق بخصوصه مع السلطة المعنية، وذكر أنه ينسحب على كل البنوك التونسية، مشيراً إلى أنه قرار خطر بسبب انعكاساته السلبية المنتظرة على الاقتصاد التونسي.

مخاوف المساهمين

ما أكدته مصادر مصرفية أخرى لوكالة "رويترز"، التي كشفت عن أن عدداً من البنوك التونسية علق منح القروض الجديدة التي يتجاوز أجلها 15 عاماً، في خطوة منها لتجنب تقلص الأرباح بسبب قانون جديد يدفع إلى خفض كلف الاقتراض، وهي خطوة قد تعوق حصول التونسيين على قروض الإسكان.

وكشف مسؤول في أحد البنوك الخاصة "تلقينا تعليمات شفهية بوقف منح القروض ذات الفائدة الثابتة التي تتجاوز آجال استحقاقها 15 عاماً".

التعليمات وردت شفهية لتجنب مكتوب قد يدفع السلطات المالية إلى فرض عقوبات على البنوك، وهو ما أكده مسؤولان مصرفيان آخران، وفسر أحدهما الهدف من ذلك بالقول "هو تقليل الأخطار المالية الناجمة عن الإقراض المنخفض الكلفة، مما يزيد الضغوط على البنوك وتوزيع الأرباح المتوقعة على المساهمين". 

وكانت الحكومة فرضت في 2024 من طريق تغييرات طاولت القانون التجاري (المجلة التجارية) قواعد إقراض جديدة تسمح بخفض أسعار الفائدة إلى 50 في المئة على بعض القروض ذات معدل الفائدة الثابت.

وحظي التنقيح بدعم خاص من رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي دعا إلى التزام البنوك تخفيض نسبة الفائدة على القروض، مما دفع الملاحظين إلى وصف تعليق إسناد القروض المتجاوزة مدة سدادها 15 عاماً بـ"تحد واضح من لوبيات المصارف" لنهج رئيس الجمهورية الاجتماعي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وينص الفصل 412 الجديد من المجلة التجارية في إحدى نقاطه على أن أي شخص تحصل على قرض تفوق مدة سداده سبعة أعوام، وجرى سداد ثلاثة أعوام منه بفائدة تتجاوز ثمانية في المئة، فبإمكانه تقديم طلب إعادة جدولة القرض، وإعادة الجدولة بناءً على فائدة مخفضة قد تصل إلى 50 في المئة.

خطوط تمويل صغرى قصيرة المدى

وينص في نقطة أخرى على تخصيص اعتمادات لا تقل عن ثمانية في المئة من أرباح السنة المحاسبية السابقة للبنوك لإنشاء خطوط تمويل صغرى قصيرة المدى لا تتجاوز عامين، بشروط ميسرة من دون فوائض أو ضمانات لفائدة المؤسسات الصغرى والمتوسطة.

وكان البنك المركزي التونسي دعا في الـ23 من يناير (كانون الثاني) الماضي البنوك إلى التزام من دون أجل، تطبيق الأحكام المذكورة والمتعلقة بالتخفيض في نسبة الفائدة الثابتة على القروض، وذكر البنك، في مذكرة وجهها للبنوك، أن هذه الأحكام نافذة وتستمد صبغتها الإلزامية من نص القانون.

لم يصدر عن الهيكل الممثل للبنوك والمؤسسات المالية في تونس أي تحفظ على هذه القرارات، بل أعلن المجلس البنكي والمالي (مستقل) في الـ25 من مارس (آذار) الماضي أن القطاع البنكي ملتزم التوجهات العامة للدولة، وأن نسبة الاستجابة للمطالب المتعلقة بالخفض من نسبة الفائدة الثابتة بلغت 93 في المئة.

وقال إنه يعالج بقية المطالب على أن تجرى الاستجابة لها في أقرب الآجال وأن البنوك بجميع صنوفها انتظمت في هذا الإجراء على رغم ما عده "عدم وضوح النص القانوني".

وفي إشارة إلى النقطة الخاصة بالتسهيلات الخاصة بتمويل المؤسسات قال إن البنوك، التي سجلت أرباحاً خلال السنة المحاسبية 2024، درست وحضرت لإطلاق خطوط تمويل صغرى بشروط ميسرة تسند لفائدة أصحاب المشاريع الصغرى في حدود ثمانية في المئة من أرباحها، لكن لم يشر المجلس البنكي إلى قروض من دون فوائد وضمانات كما ورد بالقانون.

وذكر المجلس أن البنوك ترصد التمويلات للشركات الصغرى والمتوسطة لحثها على الاستثمار، وتضع على ذمتها قروض الاستغلال والتصرف لتحسين قدرتها التنافسية لتمكينها من اقتحام الأسواق الخارجية، وتعزيز الصادرات في ظل توفر السيولة المصرفية الكافية.

ووعد المجلس بمواصلة تقديم منتجات جديدة لفائدة الشركات الصغرى والمتوسطة التي تواجه صعوبات جراء تراجع رقم تعاملاتها مع دعم الاستثمار وخلق مواطن الشغل، مشيراً إلى منظومات شركات الاستثمار ذات رأس مال تنمية وإسناد القروض الميسرة.

وفي حديثه عن القروض المخصصة للأشخاص الطبيعيين، ذكر المجلس أن البنوك تسند قروض الاستهلاك وقروض السكن، وبين أن البنوك أسهمت في تمويل موازنات الدولة وذلك عبر الاكتتاب في القروض الوطنية وسندات الخزانة.

تقلص الأرباح 14 في المئة

ورأت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني أن ضغوطاً بسبب قواعد الإقراض الجديدة ستنعكس بالسلب على أرباح البنوك التونسية، وتوقعت أن تنخفض أرباح أكبر 10 بنوك في تونس بنسبة 14 في المئة خلال 2025، إذ ينتظر أن تتسبب في إضعاف صافي الربح في أكبر 10 بنوك بنحو 170 مليون دينار (56 مليون دولار) في السنة الحالية، وهو ما يمثل 11 في المئة من صافي أرباحها في النصف الثاني من 2024.

أما بخصوص منح قروض من دون فوائد بإجمال ثمانية في المئة من صافي دخلها للشركات الصغرى والمتوسطة فقدرت وكالة "فيتش" أن يؤدي ذلك إلى خسائر بنحو 50 مليون دينار (16.5 مليون دولار) من الإيرادات المرتبطة لعام 2025 للبنوك الكبرى، ما يقدر بثلاثة في المئة من صافي أرباح النصف الأول من 2024، لكنها استبعدت أن يؤثر ذلك في التصنيف الائتماني لهذه البنوك.

وأشار المتخصص في المحاسبة أنيس وهابي في حديث إلى "اندبندنت عربية " أن التأثيرات في مداخيل البنوك ستكون بديهية بمقتضى الإطار القانوني الجديد، وبتطبيقه ستنخفض الأرباح من سداد هذه القروض الممنوحة بنسب الفائدة الثابتة وربما تصل إلى النصف، مما دفع إلى تعليق منح القروض بنسب فائدة ثابتة، وأضاف "بالنظر إلى مذكرة صادرة سابقاً عن البنك المركزي التونسي، التي تفيد بأن القروض التي يتجاوز أمد سدادها 15 عاماً تصبح نسبة فائدتها ثابتة بصفة آلية، إذ علقت البنوك منح القروض الجديدة التي يتجاوز أجلها 15 عاماً، وهدفها تجنب خفض الأرباح، وهي مؤسسات مالية تبحث عن جني الأرباح ولن يستقيم مطالبتها بإسداء خدمات مالية من دون مقابل مما قد يؤدي إلى تكبدها خسائر". ودعا الوهابي إلى مراجعة التنقيح الذي لم يأخذ في الاعتبار كثيراً من الجوانب التي تخص أصناف الاقتراض وبالتحديد المخصصة للسكن، إذ يمنح كثيراً من القروض من بنك الإسكان على سبيل المثال بفوائد مدروسة على أساس طبيعتها الاجتماعية والتنموية، ولم يراع التنقيح الجديد نسبة الفائدة المنخفضة في حدود سبعة في المئة، ومن ثم سقف الأرباح المنخفض للغاية.

القروض الوحيدة

وستنعكس تداعيات التنقيح بصفة مباشرة على التونسيين الراغبين في قروض سكنية وفق الوهابي، بحكم أنها القروض الوحيدة التي تتجاوز مدة سدادها 15 عاماً وفوائدها ثابتة عكس القروض الموجهة للمؤسسات أو القروض الاستهلاكية، وهو ما سيؤدي إلى الأثر العكسي للقانون الجديد الذي علل نواب البرلمان سعيهم إلى تنقيحه بتقديم تسهيلات للحصول على مسكن.

وعن خطوط التمويل لفائدة أصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة في حدود ثمانية في المئة من أرباح البنوك، قال الوهابي إن الحكومة لم تنشر مذكرة تطبيقية في شأنه مستبعداً عدم تعاون المؤسسات المالية في هذا الإطار.

في حين رأى عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منير حسين أن القانون ملزم وهو يخص بالتحديد القروض السكنية، على أن يجرى وجوباً امتناع البنوك عن منح القروض بالسقف المذكور، إذ يحيل التعليق في حال التأكد منه إلى معارضة هذا المشروع التنموي.

اقرأ المزيد