Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شركات الطاقة الكبرى تعود للاستثمار في النفط والغاز

انحسار المبادرات الخضراء يعكس فتور الالتزام البيئي عالمياً

وصلت الولايات المتحدة إلى أكبر منتج للنفط في العالم بنحو 13 مليون برميل يومياً (غيتي)

ملخص

لم تكن الضغوط على شركات الطاقة من السياسات الحكومية فحسب، بل زادت الضغوط من أكثر من جهة، كان أهمها ضغوط المساهمين المتحمسين لمكافحة التغيرات المناخية والحد من الانبعاثات الكربونية. وأصبحت هناك صناديق استثمار تشترط التحول إلى الطاقة الخضراء لتضع أموالها في الشركات.

قبل دخول الرئيس الأميركي دونالد ترمب البيت الأبيض مطلع هذا العام، بدأت شركات الطاقة الكبرى في التخلي عن "الاندفاع" في مشروعات التحول في مجال الطاقة نحو مصادر منعدمة الانبعاثات الكربونية، وعادت إلى الاهتمام بنشاطها الأساس، وهو إنتاج النفط والغاز.

ليس الأمر إذاً أن موقف ترمب، الذي لا يرى أن أزمة التغير المناخي حقيقية، ويعارض جهود مكافحة التغيرات المناخية باعتبارها "مؤامرة" للنيل من ريادة أميركا الصناعية، هو السبب الوحيد، وإنما وضع أسواق الطاقة الفعلي الذي جعل الشركات تحول توجهها.

في البداية، وحتى قبل صدور "اتفاق باريس" لمكافحة تغيرات المناخ عام 2015، اتجهت بعض شركات الطاقة نحو الاستفادة من هذا التوجه الجديد خشية أن تفوتها الفرصة، وبدأت بعضها منذ عام 2009 إما شراء شركات إنتاج طاقة خضراء، كمزارع توربينات الرياح وغيرها، أو إضافة إدارات في الشركة للطاقة النظيفة إلى جانب أقسام نشاطها الأساس في النفط والغاز.

بعد اتفاق باريس، وتعهدات الحكومات خفض الانبعاثات الكربونية، وقرارات بعض الدول بالوصول إلى "صفر كربون" بحلول منتصف القرن الحالي، أصبح "التحول في مجال الطاقة" سمة المرحلة.

وذلك بمعنى التخلي التدرجي عن الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز) لمصلحة الطاقة من مصادر متجددة خضراء مثل الشمس والرياح والوقود الحيوي والهيدروجين وغيرها.

الضغوط على الشركات

لم تكن الضغوط على شركات الطاقة من السياسات الحكومية فحسب، بل زادت الضغوط من أكثر من جهة، كان أهمها ضغوط المساهمين المتحمسين لمكافحة التغيرات المناخية والحد من الانبعاثات الكربونية. وأصبحت هناك صناديق استثمار تشترط التحول إلى الطاقة الخضراء لتضع أموالها في الشركات.

ذلك طبعاً إضافة إلى الإعلام والرأي العام، الذي شكل ضغطاً في سياق حملات مكافحة التغيرات المناخية وجهود الناشطين في ذلك السياق.

ولعبت وكالة الطاقة الدولية دوراً مهماً في دفع الشركات نحو التحول من الاستثمار في النفط والغاز إلى الاستثمار في الطاقة المتجددة، وذلك من خلال تقاريرها وتصريحات مديرتها التي كررت التحذير من أن الطلب العالمي على النفط وصل إلى ذروته وسيأخذ في التراجع، وهو ما لم يحدث في الواقع.

كل تلك الضغوط على الشركات دفعت نحو التحول في مجال الطاقة، لتكتشف الشركات الكبرى في العامين الأخيرين أن تلك الاستراتيجية أضرت بها وبمساهميها، فتعود مجدداً للتركيز على نشاطها الأساس من النفط والغاز.

ففي فترة "التحول في مجال الطاقة" حاولت الشركات الكبرى أن تصبح "شركات كهرباء" أكثر منها شركات طاقة، أي أقرب لشركات الخدمات التي توزع الطاقة على المستهلكين.

في النهاية، أدركت غالب الشركات الكبرى أنها تخسر من الناحيتين: فلا هي استطاعت أن تصبح شركات توزيع وتوصيل خدمات، ولا هي حافظت على عملها الذي راكمت فيه الخبرة، أي إنتاج النفط والغاز.

ونشرت صحيفة "الفايننشال تايمز" تحقيقاً مطولاً بنهاية الأسبوع عن نهاية "التحول في مجال الطاقة"، ركزت فيه على مثالين هما شركتا "بريتش بتروليم" (بي بي) وشركة "شل".

من المهم أيضاً الإشارة إلى أن هناك ضغوطاً مالية لها علاقة بأسواق الطاقة، مع انهيار أسعار النفط في 2014، مما جعل الشركات تتجه نحو مشروعات الطاقة المتجددة لتحقيق عائدات وأرباح لمساهميها، إلا أن كل ذلك تغير بعد حرب أوكرانيا عام 2022، إذ إن أسعار النفط عادت للاعتدال والاستقرار من ناحية، وأدى الحظر الأوروبي على استيراد النفط والغاز من روسيا إلى بروز طلب جديد على الوقود الأحفوري من ناحية أخرى.

الشركات الأميركية ونظيراتها

في وقت كانت تتسابق شركات الطاقة الكبرى في أوروبا وغيرها نحو "التحول في مجال الطاقة"، كانت شركات الطاقة الأميركية الكبرى تعمل على زيادة إنتاج النفط والغاز، حتى وصلت الولايات المتحدة إلى أكبر منتج للنفط في العالم بنحو 13 مليون برميل يومياً.

كما زادت من صادراتها إلى نحو 4 ملايين برميل يومياً، لتصبح من بين كبار مصدري النفط.

وزادت الشركات أيضاً من إنتاج الغاز، والغاز الطبيعي المسال، الذي أصبحت تصدره بكميات كبيرة إلى أوروبا لتعويض غياب الغاز الروسي، محققة مئات المليارات من العائدات.

المثير أن كل ذلك حدث قبل تولي إدارة ترمب، أي خلال إدارة الرئيس السابق جو بايدن، التي كانت تتزعم جهود التحول في مجال الطاقة والابتعاد عن الوقود الأحفوري وتشجيع الاستثمار في الطاقة الخضراء والمتجددة.

لكن الواضح أن سياسة حكومة بايدن كانت في واد، بينما شركات الطاقة الأميركية الكبرى في واد آخر، وحين أفاقت نظيراتها من الشركات الأوروبية والعالمية الأخرى على حقيقة أن الشركات الأميركية هي المستفيد من الإبقاء على نشاط النفط والغاز، كانت مشروعات التحول قد كلفت تلك الشركات الكثير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بحسب تقرير "الفايننشال تايمز"، فإنه بالنسبة إلى شركتي "بي بي" و"شل" ارتبطت مشروعات التحول برئيسي الشركتين السابقين، وما إن تركا منصبيهما حتى عادت الشركتان إلى مسارهما الأصلي بالتركيز على النفط والغاز.

حين تولى برنارد لوني رئاسة "بي بي" مطلع عام 2020، استأجر شركة "ماكينزي" ليضع مستشاروها خطة إعادة هيكلة كاملة للشركة.

لم يستشر لوني أياً من المديرين التنفيذيين للشركة في خططه، ولم يطلعهم حتى على ما قامت به "ماكينزي" إلى أن أعلن ذلك، مما صدم كبار المسؤولين في الشركة، وقال لوني وقتها، "سوف أقوم بهدم نموذج الأعمال الحالي لأنه ليس صالحاً، وسأقوم ببناء نموذج أعمال جديد على أنقاضه".

التحول والرجوع عن التحول

في ذلك الوقت كانت "شل" العملاقة تعمل على خطط التحول في مجال الطاقة منذ ستة أعوام في ظل إدارة بن فان بيردن، ووقتها تلقت الشركتان المديح من الحكومات والإعلام وبعض صناديق الاستثمار مثل "بلاك روك"، التي تبنت إطاراً استثمارياً لمكافحة التغيرات المناخية.

في وقت اندفعت فيه "بي بي" نحو "التحول في مجال الطاقة"، كان التغيير في "شل" بطيئاً إلى حد ما، لذا حين تم التخلي عن تلك السياسات لاحقاً كان الضرر الأكبر على "بي بي"، ويقول الرئيس الحالي للشركة موراي أوشينكلوس، "كان التفاؤل في شأن التحول السريع في غير محله، وقد مضينا إلى أبعد الحدود وبسرعة، وستظل هناك حاجة إلى النفط والغاز لعقود مقبلة".

أنهى أوشينكلوس كل التغييرات التي قام بها لوني، وبالطبع أدى ذلك إلى تسريح مئات العاملين الذين تم تعيينهم ضمن التحول، وخسرت "بي بي" الكثير، خصوصاً أن خطط لوني، التي وضعتها "ماكينزي"، كانت سبب قلق ليس في الأسواق فحسب، وإنما لغالب المديرين التنفيذيين في الشركة. فقد حذر معظمهم من أنه لا يمكن للشركة أن تتخلى تماماً عن نشاطها في مجال النفط والغاز، لأن الوصول إلى "صفر كربون" يعني التوقف عن الإنتاج، وكان ذلك مستحيلاً.

في المقابل، لم تكن "شل" تستهدف التوقف عن إنتاج النفط والغاز لمصلحة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، وإن زادت استثماراتها مثلاً في مجال الغاز بشراء مجموعة "بريتش غاز" عام 2015 مقابل 52 مليار دولار.

لكن سياسة التركيز على "إنتاج الكهرباء" من مصادر أقل انبعاثات كانت تغييراً في الشركة بعيداً من نشاطها الأساس، وهو إنتاج النفط والغاز.

مع تولي وائل صوان رئاسة "شل" عام 2023، بدأت الشركة في تغيير نهج الرئيس السابق بيردن والعودة إلى الاستثمار في النشاط الأساسي لها، بالتالي تم التراجع عن الاستثمارات الكبيرة في مجال مصادر الطاقة المتجددة.

وكانت الشركتان قد أنفقتا كثيراً على خطط التحول، ووصلت تلك الاستثمارات إلى ذروتها عام 2022، إذ أنفقت "بي بي" نحو 4.9 مليار دولار، أي تقريباً ثلث استثماراتها، على الطاقة المتجددة، بينما كانت استثمارات "شل" عند 4.3 مليار دولار، أي نحو خمس استثماراتها الإجمالية.

يضاف إلى ذلك أن "بي بي"، في ظل قيادة لوني، كانت قد تعهدت باستثمار نحو 55 مليار دولار إضافية في مصادر الطاقة المتجددة ما بين 2023 و2030، إلا أن كل ذلك توقف الآن.

من المهم الإشارة إلى أن هذا التغير في استراتيجيات شركات الطاقة الكبرى يتزامن مع تراجع نسبي لدول العالم عن الالتزام بأهداف المناخ التي تضمنتها اتفاقية باريس، وإن كانت بعض الشركات تركز الآن على "تقليل انبعاثات الكربون" من نشاطها الأساس بدلاً من الاستثمار في البدائل الخضراء.

اقرأ المزيد

المزيد من البترول والغاز