Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ذوو الإعاقة في السودان... مأساة منسية وسط نيران الحرب

عمليات البتر تتزايد في المستشفيات بسبب نقص الخدمات الصحية

تزايدت معدلات الإصابات والإعاقات الدائمة وسط المدنيين الذين تعرض معظمهم للإهمال بسبب تكدسهم في معسكرات النزوح من دون رعاية (أ ف ب)

ملخص

أعلنت ممثلة مبادرة "ممرات آمنة" فاطمة قاسم أن "أوضاع الأشخاص ذوي الإعاقة ازدادت تعقيداً خلال الحرب في السودان، فهم يعانون النزوح غير الآمن والتشرد والقتل، فضلاً عن تفاقم حالتهم الصحية بسبب غياب الخدمات، إذ إنهم لم يدرجوا في خطط الاستجابة الإنسانية، بما في ذلك الدواء، وإعادة التأهيل والتعليم، إلى جانب الإهمال وسوء المعاملة ما يجعلهم من أكثر الفئات هشاشة وتضرراً".

مع اتساع رقعة الصراع بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، تضاعفت أعداد المعاقين في السودان، إذ لا تزال عمليات البتر مستمرة بسبب حدة المعارك العسكرية، التي تحصد أعضاء المصابين بمعدلات كبيرة داخل المستشفيات القليلة، التي تكافح لتقديم الخدمات الصحية في ظل انهيار النظام الصحي، مما يعكس حجم المأساة التي يعيشها ذوو الإعاقة، المقترنة بفقدان الأمل وغياب الدعم.

وسط هذه الظروف تتفاقم معاناة أصحاب الإعاقات السمعية والبصرية والذهنية والحركية بشكل كارثي بسبب الإصابات المباشرة، إذ يُعتبرون من أكثر الفئات المحتاجة إلى أساسيات الحياة من مأوى وغذاء وعلاج ودواء، فضلاً عن مراكز التعليم والتأهيل وانعدام سبل الوصول الآمن مع نقص الدعم النفسي والاجتماعي وانتهاكات جسيمة لحقوقهم، لا سيما أن الحرب دمرت أكثر من 120 مركز تأهيل في ولايتي الخرطوم والجزيرة.

وبحسب الإحصاءات، فإن عدد المعاقين في السودان يقدر بنحو 1.4 مليون شخص، ومع طول أمد الحرب، بات هؤلاء، خصوصاً الموجودين في إقليمي دارفور وكردفان منهم، في طور أن يصبحوا شريحة مهملة ومنسية نتيجة التحديات الماثلة التي تواجههم.

آلام ومعاناة

تقول ابتسام، والدة الطفلة سارة سيف الدين التي تسكن مدينة أم درمان، "ابنتي ذات الـ 15 سنة فقدت ساقيها تحت ركام منزلنا الذي دمره القصف الجوي في مدينة أم درمان، ومع اشتداد القتال نزحنا إلى مدينة عطبرة وأقمنا في أحد معسكرات الإيواء، لكنه للأسف يفتقد أبسط مقومات الحياة لإنسان طبيعي ناهيك عن طفلة معاقة".

وتابعت "في هذا المركز لم نتحصل على الرعاية والاهتمام، بل أن الوضع مزري للغاية، لا سيما أن أصحاب الإعاقات من النازحين، بخاصة تلك الحركية، يتقاسمون الكرسي المتحرك، بينما هناك من يُنقل على قطع من الخشب، فضلاً عن انقطاع الكهرباء والمياه، علاوةً على الدواء، وبسبب المعاناة الممتدة أصبح جسم ابنتي يحمل ندوب الحرب القاسية، وفي كثير من الأحيان تشكو لنا آلامها، فهي لم تعرف من طفولتها سوى الألم المبكر".

ولفتت والدة الطفلة إلى أنه "خلال إقامتنا كان المركز يستقبل عشرات المعاقين في أوضاع تتشابك فيها خيوط قسوة الحرب العبثة لتعكس حجم معاناتهم الصحية والنفسية، وفي الوقت ذاته تكشف أنهم في آخر أولويات الاستجابة الإنسانية".

رهائن صراع

في السياق، قال أحمد المتوكل، الذي يقيم في مركز تأهيل بولاية البحر الأحمر، "تعرضت لإصابة بالغة في ساقي اليمنى بسبب قصف عشوائي طاول منزلنا ومواقع عدة في منطقة شرق النيل، وتفاقمت الإصابة في ظل تدمير المستشفيات وخروجها عن تقديم الخدمات، وأصبحت أشكو من التهاب الجرح حتى بُترت ساقاي، إذ لم يكن أمامي خيار بعد اجتياج مدينة ود مدني حيث كنت أتلقى الرعاية من خلال مراكز التأهيل، سوى النزوح إلى ولاية البحر الأحمر، لكن المؤسف أن واقع المصابين في مناطق النزاع تضاعف بسبب حدة المعارك وأصبح أكثر قتامة مما توقعت".

وأردف المتوكل، "أوضاع المعاقين تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، إذ لا تتوافر الخدمات المطلوبة للتخفيف من معاناة هذه الفئة، ولا توجد جهات مسؤولة تتفقدهم وتهتم بحاجاتهم، مما زاد معاناتهم من جسدية إلى نفسية". وزاد أنه "بعد تضاعف أعداد المعاقين جراء العمليات العسكرية التي يصر طرفَي الصراع على تصعيدها، فضلاً عن غياب المؤسسات مع التمييز الاجتماعي، أصبحت هذه الشريحة مجرد رهينة لهذا الصراع اللعين في ظل الافتقار إلى مراكز العلاج وعدم تقديم ما يكفي من التأهيل".

مشقة السفر

محمد عبدالله (45 سنة)، وهو أحد سكان مدينة الفاشر، قال "عشنا فترة الحصار الخانق على مدينة الفاشر الذي أفرز فصولاً وحشية لنحو 18 شهراً، فضلاً عن العيش تحت وابل من الرصاص والقصف المدفعي والصاروخي، وفي إحدى الأيام العصيبة تعرضت لإصابة بالغة بشظايا في ساقي اليسرى، لكن الشيء المؤسف أنه في ظل انعدام العلاج في هذه الأوضاع الحرجة واستهداف 'الدعم السريع' للمستشفيات القليلة تحولت إصابتي إلى إعاقة دائمة، والآن أتوكأ على عصا أثناء المشي".

وأضاف عبدالله "عند توغل قوات 'الدعم السريع' في الفاشر، وبينما المواطنون يركضون في كل الاتجاهات سيراً على الاقدام بحثاً عن الأمان، وحين كانت القوات تطلق النار على الفارين لم يكن أمامي خيار غير النزوح وأنا أعاني شدة الألم إلى حد لم أستطع التقدم خطوة، وكنت أزحف على الأرض، وأحياناً يحملني أبنائي على أمل بلوغ مركز إنساني في معسكر طويلة حتى أحصل على العلاج".
وأوضح صاحب الإعاقة أن "أفراد أسرتي قرروا مواصلة النزوح إلى مخيمات الدبة بعد الاستراحة من أهوال هروبنا من الفاشر، على رغم مشقة السفر وكلفة النزوح، ويبدو أنه الخيار الأمثل حتى أتمكن من تلقي الرعاية الطبية بصورة دائمة ومن ثم الانضمام إلى مراكز التأهيل في الولاية الشمالية".

موجة بتر

وكشف المتطوع بمستشفى النو في أم درمان، أمين عبد القادر، أن "المستشفى كان يستقبل منذ بدء الصراع نحو 6 حالات بتر في اليوم في ظل قصف جوي لا يفرق بين الأطفال والنساء وكبار السن، إذ إن الكارثة أظهرت الأرقام المخيفة التي ضاعفت أعداد المصابين بإعاقات دائمة".
وواصل عبد القادر أن "المأساة لم تقف عند الإصابات الجسدية، بل تمتد إلى غياب التأهيل، مما يعرّض المصابين الجدد لمضاعفات خطيرة، لا سيما أن مستشفى النو كان يعاني ضغطاً كبيراً نتيجة تكدس الجرحى في أروقة المستشفى".
ونبه المتطوع إلى أن "الحرب في دارفور وكردفان بالتأكيد ستؤدي إلى المزيد من الإصابات وتصاعد موجات النزوح بحثاً عن الرعاية الصحية، مما يستدعي الأمر وقف استهداف المدنيين عشوائياً وحماية الأرواح".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هشاشة وتضرر

من جانبها، أوضحت ممثلة مبادرة "ممرات آمنة" فاطمة قاسم أن "أوضاع الأشخاص ذوي الإعاقة ازدادت تعقيداً خلال الحرب، فهم يعانون النزوح غير الآمن والتشرد والقتل، فضلاً عن تفاقم حالتهم الصحية بسبب غياب الخدمات، إذ إنهم لم يدرجوا في خطط الاستجابة الإنسانية، بما في ذلك الدواء، وإعادة التأهيل والتعليم، إلى جانب الإهمال وسوء المعاملة ما يجعلهم من أكثر الفئات هشاشة وتضرراً".

وواصلت قاسم، أن "مبادرة ممرات آمنة انطلقت من داخل هذه المجتمعات الضعيفة لمساندتهم وتقديم الدعم منذ بدء الصراع وحتى الآن في ظل غياب الاستجابة الرسمية، بخاصة للذين أصيبوا جراء العمليات العسكرية أثناء الحرب".

واستطردت المتحدثة، "معلوم أن أوضاع هذه الفئات لا تسمح النجاة بمفردهم خصوصاً المعاقين حركياً مع انعدام الوسائل المتاحة لهم، إذ هناك أعداد كبيرة لم يتمكنوا من النزوح واستهدُف بعضهم بتهم التعاون مع الجيش، واعتُبروا عبئاً على المجتمع وتمت تصفيتهم، مما يزيد التهديد على حياتهم".

وأشارت ممثلة المبادرة إلى أن "هناك تنسيقاً بين المبادرات التي انتظمت في عدد من الولايات الآمنة التي قصدها المعاقون للعلاج والتأهيل لتوفير متطلباتهم في ظل عدم تنفيذ اتفاقات حقوقهم التي تنص على ضرورة ضمان سلامتهم أثناء النزاعات المسلحة، وهو ما لم يطبَّق بالشكل اللازم حتى في الولايات الآمنة".

حقوق مهضومة

من جهته، يرى الحقوقي محمد الفاضل أنه "من الضروري الالتفات إلى حقوق المعاقين من الجهات الرسمية، فضلاً عن أهمية تفعيل مراكز التأهيل بخاصة بعد الهدوء النسبي والعمل على إعادة تطبيع الحياة والعودة غير المسبوقة للمواطنين، بمن فيهم المعاقون الذين كانت مناطقهم بؤر ساخنة للصراع".
ولفت الفاضل إلى أن "أعداد ضحايا القصف ترتفع بسبب استمرار الحرب في نحو 70 في المئة من مناطق البلاد، وأصبحت تفوق الأرقام الرسمية في ظل غياب إحصاءات دقيقة، فالواقع الذي صار إليه هؤلاء المعاقون نتيجة الإصابات يقتضي تبني خطط لضمان وصولهم للخدمات الأساسية، إذ إن نقص الرعاية الصحية وشح الأدوية يشكلان تحدياً معقداً، مما أدى إلى وفيات وسط المصابين".

ومضى الحقوقي بالقول إن "مراكز الإيواء التي لجأ إليها المعاقون غير مهيأة ولا تناسب حجم حاجاتهم ولا تراعي حساسية أوضاعهم الصحية والإنسانية، مما فاقم من معاناتهم، لذلك لا بد من الالتفات لهذه الفئة بخاصة من جانب الدولة والمنظمات الدولية".

مبادرات وآليات

وفي دارفور، التي تواجه حرباً طويلة الأمد منذ عام 2003، فضلاً عن تفاقم الأوضاع مع الحرب الحالية، تزايدت معدلات الإصابات والإعاقات الدائمة وسط المدنيين الذين تعرض معظمهم للإهمال بسبب تكدسهم في معسكرات النزوح من دون رعاية.

ويقول المتحدث باسم منسقية النازحين واللاجئين آدم رجال، إن "المصابين جراء العمليات العسكرية أصبحوا في تصاعد مستمر بسبب فظاعة الحرب في دارفور، وهم الآن يعيشون في المخيمات من دون رعاية، فضلاً عن مواجهتهم شظف العيش والشقاء الذي يكابدونه، وتلاحقهم المضاعفات والشعور بالوصمة والنظرة الدونية في المجتمع، مما أفرز مشكلات نفسية حادة ومزمنة، إضافة إلى أنهم باتوا شريحة مهملة من الدولة بسبب عدم تبني أوضاعهم، لا سيما أنهم مصابو حرب".

ونوه رجال إلى أنه "لا بد من مبادرات وتفعيل آليات جديدة تحد من التدهور المريع الذي يتعرض له الأشخاص ذوو الإعاقات في دارفور والعمل الجاد على دمجهم في المجتمع".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات