Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الذهب... ممول الحرب وجدار حماية الاقتصاد الروسي

موسكو توسّع نشاطها في تجارة المعدن الأصفر في أفريقيا لسهولة نقله وتهريبه بعيداً من الأنظمة المالية الخاضعة للرقابة

مرتزقة "فاغنر" متهمون بالقتل والتعذيب في وسط أفريقيا للحصول على المعدن الثمين (أ ف ب)

ملخص

ارتفعت أهمية الذهب بالنسبة لموسكو بعد أن فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب الشهر الماضي قيوداً فعّالة على اثنتين من أكبر شركات النفط الروسية.

تعاني روسيا في ظل العقوبات وارتفاع معدلات التضخم ونقص العمالة، من ضغوط اقتصادية خانقة، ما دفعها للاعتماد على أحد أقدم السلع وأكثرها استقراراً لدعم اقتصادها خلال الحرب وهو الذهب. وفي قلب هذا السباق نحو المعدن النفيس، تُتَّهَم مجموعات المرتزقة الروسية بقتل وتعذيب مدنيين في قلب أفريقيا للسيطرة على مناجم الذهب.

دأبت موسكو على تخزين الذهب منذ ما يقارب العقدين، وأصبح المعدن الأصفر عنصراً مركزياً، إلى جانب النفط، في تمويل آلة الحرب الروسية. وبسطت الكيانات التي خلفت مجموعة "فاغنر" سيطرتها على مناجم في جمهورية أفريقيا الوسطى، إذ اكتسبت سمعة مرعبة بسبب العنف والقمع.

وتفيد تقارير أوردتها صحيفة "التليغراف" بأن عناصر روسية أقدمت قبل شهرين على قتل 10 من المنقّبين المحليين قرب منجم نداسيما وسط البلاد.

وبعد أسبوعين فقط، احتجزوا 10 آخرين داخل حاويات معدنية تحت شمس حارقة لعدة أيام، ما أدى إلى وفاة واحد على الأقل، ولم تكن هذه الاعتداءات الأولى منذ سيطرة "فاغنر" على المنجم واحتياطاته، التي تُقدَّر قيمتها بمليار دولار، عام 2021.

وفي بوركينا فاسو، حصلت شركة "نوردغولد" الروسية هذا العام على رخصة استغلال جديدة في موقع "نيو" إلى جانب منجمين آخرين تديرهما في البلاد. أما في مالي، فبدأت الحكومة العسكرية المدعومة من موسكو بناء مصفاة ذهب هذا الصيف بالتعاون مع مجموعة "يادران" الروسية، بطاقة إنتاجية تبلغ 200 طن سنوياً، لتصبح مركزاً إقليمياً للتكرير.

وتقول الصحيفة إن روسيا توسّع نشاطها في تجارة الذهب الأفريقي لسهولة نقله وتهريبه بعيداً من الأنظمة المالية الخاضعة للرقابة، علاوة على أن ذوبانه وإعادة تشكيله يسهّل تمويه منشئه وإدخاله في الأسواق السوداء، ما يجعله أداة مثالية للتعاملات التي تهدف إلى الالتفاف على العقوبات الغربية أو إجراء مشتريات دولية خارج النظام المالي التقليدي.

وارتفعت أهمية الذهب بالنسبة لموسكو بعد أن فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب الشهر الماضي قيوداً فعالة على اثنتين من أكبر شركات النفط الروسية.

الذهب وسيلة روسيا للأسواق الدولية

يقول الباحث في مؤسسة راند أوروبا، جون كينيدي، للصحيفة "لم يكن الذهب يوماً أكثر أهمية لروسيا. لطالما خزّنته بكثافة، ومنذ الحرب أخذت تستخدمه بفعالية. إنه عنصر حاسم لإدارة الضغوط الاقتصادية المتصاعدة… ووسيلة للوصول إلى الأسواق الدولية على رغم العزلة المالية".

وعلى رغم امتلاك روسيا احتياطات محلية ضخمة وإنتاجها أكثر من 300 طن سنوياً، فإن شهيتها للذهب زادت في الأعوام الأخيرة، وجعلها ذلك ركيزةً رئيسة في تدخلاتها في أفريقيا. في كثير من الحالات، حصلت موسكو على حقوق التعدين مقابل تقديم خدمات أمنية للأنظمة المحلية.

ويؤكد كينيدي أن الذهب بات "أولوية استراتيجية"، وأن تأمين مصادره يمثل امتداداً لطريقة بناء موسكو علاقاتها الدولية، خصوصاً مع تصاعد الضغط الغربي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومنذ 2006 حتى 2020، أضافت روسيا إلى احتياطاتها من الذهب أكثر من أي دولة أخرى، في إطار مساعٍ لتقليل الاعتماد على الدولار وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، وهي عملية تسارعت عقب عقوبات 2014 بعد ضمّ القرم، وبحلول 2022، أصبحت روسيا تمتلك خامس أكبر احتياطي ذهب رسمي في العالم، على رغم أن البيانات المتاحة ليست شفافة بالكامل.

كيف روسيا تستخدم الذهب في المدفوعات؟

مع سيطرة الحرب والعقوبات على المشهد الاقتصادي الروسي، تشير تقارير "راند أوروبا" إلى أن موسكو باتت تستخدم الذهب في المدفوعات المباشرة بين الدول، وأن الشركات الروسية تلجأ إلى ترتيبات من قبيل "ذهب مقابل سلع" و"ذهب مقابل أسلحة" و"ذهب مقابل سيولة". وذكر مركز الدراسات الدفاعية المتقدمة أن روسيا دفعت بالذهب لإيران مقابل مساعدتها في إنشاء صناعة مسيّرات جديدة، مقدّراً قيمة الصفقة بأكثر من 104 ملايين دولار. ويُعتقد أيضاً أنها استخدمت الذهب للدفع مقابل أسلحة من كوريا الشمالية، كذلك اعترف رئيس جهاز الرقابة المالية الروسي، يوري شيخانشين، بأن الشركات الروسية باتت تستخدم الذهب والعملات المشفرة في المدفوعات الدولية. وتشير تقارير إلى أن بعض المصارف الروسية التفّت على حظر شحن الدولار واليورو عبر تجارة الذهب في تركيا ودول أخرى.

وفي خطوة لافتة الأسبوع الماضي، أعلن البنك المركزي الروسي أنه بدأ بيع ذهب من احتياطاته لتمويل الموازنة الحكومية، وأصبح الذهب كذلك ملاذاً للمواطنين العاديين في روسيا. قال نائب وزير المالية أليكسي مويسيف في سبتمبر (أيلول) الماضي، إن الذهب أصبح يؤدي "وظائف مماثلة للنقد"، بما في ذلك في عمليات غسل الأموال والاتجار بالمخدرات.

ويبقى حجم الذهب الذي تنتجه روسيا من أفريقيا غامضاً، لكن تقديرات منظمة الشفافية الدولية في روسيا تشير إلى أن ما لا يقل عن 2.5 مليار دولار من الذهب نُقِل من أفريقيا إلى روسيا منذ بداية 2022، غالباً عبر دولة ثالثة.

ويقدّر خبراء أن جزءاً كبيراً من الذهب الذي يقع تحت السيطرة الروسية في أفريقيا قد لا يصل إلى روسيا مباشرة، بل يُباع أو يُستخدم في ترتيبات مالية وتجارية حول العالم، فيما يترسخ دوره كمورد حيوي لتمويل اقتصاد الحرب الروسي.

اقرأ المزيد