Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصر تعيد هندسة الاقتراض... هل تمويلات الصين فرصة لتقليص النفوذ الغربي؟

صفقات مليارية مع بنوك آسيا وبكين و"بريكس"... ومحللون: تدعم التعددية وتلبي حاجات التمويل مع الحاجة لمراجعة أولويات الإنفاق

من بين القروض الصينية التي حصلت عليها القاهرة قرض بـ3 مليارات دولار للعاصمة الإدارية (شتر ستوك)

ملخص

من بنك "الآسيوي للاستثمار" مروراً بـ"التنمية الجديد" وصولاً إلى بنك "أكسيم"، تواصل مصر خلال الأعوام الـ10 الأخيرة إبرام الصفقات التمويلية مع المؤسسات التمويلية التي ترعاها الصين

تكشف بيانات رسمية أن مصر طورت علاقات واسعة خارج شبكة المؤسسات الدولية الأميركية والأوروبية المقرضة خلال الأعوام الـ10 الأخيرة، شملت الانضمام إلى بنوك ومؤسسات آسيوية وصينية وأخرى تمثل دول الجنوب العالمي أو ما يعرف بـ"بريكس".

للوهلة الأولى ينحى هذا الاتجاه منحى تنويع مصادر الاقتراض والتخلص من الهيمنة التي حظيت بها تاريخياً مؤسسات مثل صندوق النقد والبنك الدولي والبنوك الأوروبية، كبنك الاستثمار الأوروبي والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار، وضمان الحصول على التمويلات اللازمة سواء لإقامة مشروعات أو لسد عجز الموازنة.

قبل ما يزيد على 10 أعوام، تقدمت القاهرة للحصول على عضوية البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي تقوده الصين وأصبحت عضواً في البنك الذي أسسته بكين في مسعى لموازنة النفوذ الذي تتمتع به واشنطن في مؤسسات التمويل الدولية سابقة العقد.

ماذا وراء الشراكة مع الصين؟

وحصلت القاهرة على عضوية البنك خلال عام 2016 بحافظة استثمارية تصل إلى نحو 1.3 مليار دولار، قبل أن تعمق تلك الشراكة باستضافة البلاد أولى اجتماعات البنك الآسيوي للاستثمار في أفريقيا بمدينة شرم الشيخ عام 2023، وتكررت بعدها الزيارات بين الجانبين للاتفاق مع البنك على غطاء مالي لمشروعات جديدة.

ولا ترى وزيرة التخطيط والتعاون الدولي المصرية رانيا المشاط في عضوية مصر في البنك الآسيوي تقليصاً لنفوذ مؤسسات تمويلية أخرى، وإن أصرت في تصريحاتها على أن الشراكة بين مصر والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، تؤكد أهمية التعاون متعدد الأطراف في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتوفير بيئة اقتصادية مستقرة ومستدامة للمستقبل.

تلك الشراكة وفرت لمصر تمويلات ميسرة لمجمع "بنبان" للطاقة الشمسية بقيمة 210 ملايين دولار و150 مليوناً خطوط ائتمان للبنوك التجارية، إلى جانب 300 مليون دولار تمويلات لمشروعات المياه و250 مليون دولار مساهمة في تمويل مترو أبوقير بالإسكندرية في أعوامها الأولى.

وخلال أبريل (نيسان) الماضي، قالت الوزيرة المصرية إن بلادها قريبة من الحصول على دعم للموازنة المصرية بقيمة 300 مليون دولار من البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية.

عضوية بنك "بريكس" الجديد

مؤسسة تمويلية أخرى تغرد خارج سرب مؤسسات واشنطن وأوروبا التقليدية هي بنك التنمية الجديد، الذراع التمويلية لتحالف "بريكس"، الذي تأسس عام 2015 من قبل الدول الأعضاء في مجموعة "بريكس"، وتضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، قبل أن تنضم مصر والإمارات وبنغلاديش خلال عام 2024.

البنك التابع لـ"بريكس" والذي يستهدف على ما يبدو تحقيق توازن مع البنوك الغربية مع التركيز على مشروعات دول الجنوب العالمي، نال هجوماً واسعاً من الرئيس الأميركي دونالد ترمب منتصف العام الحالي، حين توعد الدول المنضمة إلى التحالف برسوم جمركية على صادراتها إلى الولايات المتحدة، معتبراً أن "بريكس" تهديد جدي لمكانة بلاده.

وبينما تعتمد البنوك الأميركية الدولية والأوروبية الدولار في تمويلاتها كعملة إقراض أساس، فإن تحالف "بريكس" موجه بالأساس صوب خفض الاعتماد على الدولار الأميركي والاتجاه نحو التبادل بعملات الدول الأعضاء، مما يحد من نفوذ واشنطن ويقلص من الاعتمادية على الدولار كعملة احتياط عالمية.

ما هي حصة الدولار الأميركي؟

ويمثل الدولار الأميركي ما يقارب 58 في المئة من إجمال احتياطات النقد الأجنبي عالمياً، بحسب أحدث بيانات صندوق النقد الدولي، ويهيمن على نحو 90 في المئة من معاملات الصرف الأجنبي حول العالم، وإلى جانب ذلك يجري تسعير الجزء الأكبر من التجارة الدولية بالدولار، بما في ذلك 74 في المئة من تجارة آسيا و96 في المئة من تجارة الأميركتين.

في منتصف العام الحالي، كشف الرئيس المعني بالعمليات في بنك التنمية الجديد أناند كومار سريفاستافا أن البنك يدرس بدء إقراض مصر لتمويل عدد من المشاريع، بعد ضخه 39 مليار دولار ضمن 122 مشروعاً بالدول الأعضاء، مضيفاً "بمجرد تحديد المشاريع وتقييمها سيُوقع اتفاق القرض، نأمل في أن يكون لدينا خلال الأعوام المقبلة محفظة كبيرة في مصر".

 

وإلى جانب النفوذ الذي تحظى به الصين في البنكين، "الآسيوي للاستثمار" و"التنمية الجديد"، فثمة مؤسسة صينية أخرى برزت على قوائم شركاء مصر الدوليين خلال الآونة الأخيرة، ففي يوليو (تموز) 2024 وخلال زيارة وزيرة التخطيط والتعاون الدولي المصرية إلى الصين للمشاركة في فعاليات النسخة الثانية من منتدى العمل الدولي من أجل التنمية المشتركة، وقعت مذكرات تفاهم مع رئيس الوكالة الصينية للتعاون الإنمائي الدولي CIDCA، لو تشاو هوي.

ويعزز الاتفاق صياغة استراتيجية متكاملة للتعاون الإنمائي بين مصر والصين لمدة تراوح ما بين ثلاثة وخمسة أعوام للمرة الأولى بين البلدين، تتضمن المجالات والمشروعات التي ستُنفذها من خلال برنامج التعاون الإنمائي.

قروص صينية لمصر

وخلال العقدين الماضيين، أصبحت الصين أكبر مقرض ثنائي للدول النامية متجاوزة مؤسسات دولية عدة، ويتركز جزء كبير من هذا الإقراض في أفريقيا، إذ مولت بكين الطرق والسكة الحديد والموانئ والسدود، إضافة إلى قروض لدعم الموازنات الحكومية، فيما تشير تقديرات المؤسسات البحثية إلى أن الصين قدمت أكثر من 150 مليار دولار قروضاً لأفريقيا منذ عام 2000.

وقبل أيام استقبلت وزيرة التخطيط والتعاون الدولي رئيس بنك التصدير والاستيراد الصيني (Exim Bank) تشن هوايو الذي يزور مصر وقارة أفريقيا للمرة الأولى، وتباحثا في تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين لا سيما في التوسع ضمن الاستثمارات في مجال الطاقة الجديدة والمتجددة وصناعة البطاريات.

وعلى صعيد القروض الصينية المباشرة التي حصلت عليها مصر، فمنها ما وقع خلال أبريل 2019 من قرض بقيمة 3 مليارات دولار لإنشاء وتصميم منطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة، وخلال عام 2023 كشفت بيانات مستقلة أن مقرضين صينيين وافقوا على قروض بقيمة 4.61 مليار دولار لأفريقيا العام الماضي من بينها تسهيلات نقدية تبلغ نحو مليار دولار للبنك المركزي المصري، في أول زيادة سنوية منذ عام 2016.

وخلال مارس (آذار) الماضي حصلت وزارة النقل المصرية على قرض صيني بقيمة 332 مليون دولار لتمويل استكمال المرحلة الثالثة من الخط الأول لقطار القاهرة الكهربائي الخفيف (Cairo LRT Line 1)، والتي تمتد بطول 20.4 كم وتضم أربع محطات.

إصلاح مؤسسات التمويل الدولية

وخلال مارس الماضي أيضاً، قدم بنك التنمية الصيني قرضاً خاصاً بقيمة 76.5 مليون دولار إلى البنك الأهلي المصري لدعم تنمية 94 مؤسسة متوسطة وصغيرة الحجم في قطاعات التصنيع والنقل وغيرهما في البلاد.

ليس سراً أن هناك دعوات عالمية لإصلاح مؤسسات التمويل الدولية التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية، في إشارة إلى صندوق النقد والبنك الدوليين، بدعوى تمتع أميركا وأوروبا بنفوذ أكبر على تلك المؤسسات من بقية الدول الأعضاء، مما يجعل التمويل الممنوح "مسيساً" بدرجة أو بأخرى.

يتذكر المصريون من ذلك دعوة المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل التنمية محمود محيي الدين، حين طالب القاهرة بالتمرد على صندوق النقد الدولي الذي يشرف على تنفيذ برنامج إصلاحي داخل البلاد مقابل قرض بـ8 مليارات دولار، في ضوء وجود اختلالات مالية ونقدية منذ عام 2015، جاء بعضها من صدمات مختلفة وتعثرات متباينة منها بأسباب خارجية وأخرى لأسباب إدارة اقتصادية محلية، وتململ في الشارع من تبعات الاشتراطات الإصلاحية القاسية على المواطنين.

شروط إقراض غير عادلة

الاقتصادي العالمي محمد العريان سبق أن اتهم هو الآخر صندوق النقد الدولي بـ"الافتقار الملحوظ إلى العدالة في شروط الإقراض"، وقال في مذكرة بحثية العام الماضي إن تلك المؤسسات خاضعة إلى سيطرة قلة محتكرة لقراراتها، وأنه "لا تزال 59.1 في المئة من أسهم التصويت في صندوق النقد الدولي مملوكة لدول تمثل 13.7 في المئة فقط من سكان العالم. وعلى رغم أن الهند والصين هما الاقتصادان الناشئان الأكثر أهمية وتأثيراً في مستوى النظام العالمي، لكن حصتهما مجتمعة لا تتجاوز تسعة في المئة، ومن دون أي تغيير".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الخبراء الذين تحدثوا لـ"اندبندنت عربية" رأوا في التحركات المصرية تجاه تنويع جهات الإقراض الإنمائية أمراً ضرورياً وملحاً يدعم التعددية التمويلية الإنمائية، ويعزز خلال الوقت ذاته إصلاح منظومة الحوكمة الاقتصادية العالمية، عبر مسارات إضافية لتمويل التنمية، خصوصاً مع تصاعد نفوذ تلك البنوك والمؤسسات التمويلية الجديدة مع ضرورة مراجعة أوجه الإنفاق.

وفي حديثه إلى "اندبندنت عربية" اعتبر المتخصص الاقتصادي عبدالمنعم السيد أن المؤسسات التمويلية الجديدة ومنها البنك الآسيوي للاستثمار تكتسب مساراً تصاعدياً على المستوى الدولي من حيث تمويل التنمية، وهو ما تسعى مصر للاستفادة منه عبر تعبئة التمويلات التنموية الميسرة اللازمة للمشروعات.

كم ديون مصر الخارجية؟

وينظر السيد إلى حاجة العالم إلى مؤسسات تمويلية تلبي الحاجات التمويلية المتصاعدة في ضوء نمو الديون العالمية واتساع دائرة العجز المالي لدى الحكومات بعد جائحة "كوفيد 19"، مشيراً إلى أن مصر توظف علاقاتها المتميزة مع المؤسسات كافة بما يخدم أجندتها الوطنية.

وارتفع الدين الخارجي لمصر بنحو 6 مليارات دولار منذ مطلع عام 2025 ليصل إلى 161.2 مليار دولار بنهاية الربع الثاني من العام الحالي، بعدما كان عند مستوى 155.1 مليار دولار خلال الربع الأخير من عام 2024، بعد فترة تراجع نسبي خلال عام 2024، حين انخفض الدين إلى 152.9 مليار دولار خلال الربع الثاني من العام نفسه، وفق بيانات البنك المركزي المصري.

ودوماً تؤكد وزيرة التخطيط والتعاون الدولي المصرية على اتباع معايير حوكمة شديدة في ما يتعلق بالحصول على التمويلات الإنمائية من خلال لجنة دين يترأسها رئيس الوزراء، مشيرة في تصريحات سابقة إلى أن أي تمويل يأتي من الخارج يخضع للتدقيق من حيث دراسات الجدوى حتى يصل إلى البرلمان، مع ضمان حصوله على موافقات تنفيذية وموافقات فنية وقانونية وتشريعية.

مراجعة إنفاق التمويلات الميسرة

من جهته، يصر المتخصص الاقتصادي زهدي الشامي على ضرورة مراجعة أولويات إنفاق التمويلات الميسرة بدقة أياً ما كان مصدرها، فلا ينبغي كما يقول أن توجه هذه التمويلات إلى مشروعات غير مولدة للنقد الأجنبي، إذ سيتعين على البلاد أن تردها إلى المقرضين وزيادة أعباء خدمة الدين.

وكثيراً ما واجهت وزارة التخطيط والتعاون الدولي المصرية انتقادات برلمانية إزاء ما قيل إنه توسع في الاقتراض بدعاوى التنمية الاقتصادية، وهي الانتقادات التي قوبلت بتأكيد كون الوزارة "مجرد مفاوض" على تدبير ما تحتاج إليه باقي الوزارات والقطاع الخاص من تمويلات "شركاء التنمية الدوليين" بأفضل الشروط.

ويضيف الشامي ضمن السياق ذاته "سبق أن جمدت الحكومة المشروعات ذات المكون الدولاري في ظل أزمة النقد الأجنبي التي عانتها البلاد قبل عامين، لكن الأمر ماضٍ على نفس الوتيرة ومن دون تغيير، من ثم فمن الأولى توجيه تلك التمويلات إلى مشروعات قابلة لتوليد نقد أجنبي".

ومع تزايد الحديث الدولي عن "فخ الديون الصينية"، تبدو القاهرة مطالبة بتوازن دقيق عبر الاستفادة من التمويل والاستثمار الآسيوي دون منح أي طرف خارجي نفوذاً يتجاوز حدود الشراكة الاقتصادية المتكافئة، وفي النهاية سيظل مستقبل هذا المسار مرهوناً بقدرة مصر على ضبط الدين وتنويع مصادر التمويل، وتوجيه القروض نحو مشروعات تخلق قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد.

اقرأ المزيد