ملخص
كما كان متوقعاً على نطاق واسع، تضمنت الموازنة زيادة في الضرائب– المباشرة وغير المباشرة – لكنها شملت أيضاً زيادة في الإنفاق على الرعاية الاجتماعية وبرامج دعم السلطات المحلية والأعمال الصغيرة وأصحاب معاشات التقاعد.
أعلنت وزيرة الخزانة البريطانية راتشيل ريفز بيان الموازنة أمام البرلمان بعد ظهر اليوم الأربعاء، بعد أسابيع طويلة من الجدل والتسريبات في شأنها، ربما للمرة الأولى في تاريخ بيانات الموازنة للحكومات البريطانية المتعاقبة، وهو ما أدى إلى حالة توتر في الأسواق، خصوصاً أسواق السندات، إذ تعاني المالية العامة البريطانية من معدلات دين مرتفعة يمولها المستثمرون في سوق السندات.
وظلّت حال القلق والاضطراب حتى اللحظة الأخيرة، حين نشر مكتب مسؤولية الموازنة، عن طريق الخطأ، كامل بيان الموازنة على موقعه الإلكتروني الحكومي قبل إعلان ريفز أمام البرلمان بدقائق، ولم يحدث ذلك من قبل، ما استدعى اعتذار المكتب وإلقاء اللوم على "خطأ تقني" تسبب في التسريب.
كما كان متوقعاً على نطاق واسع، تضمنت الموازنة زيادة في الضرائب– المباشرة وغير المباشرة – لكنها شملت أيضاً زيادة في الإنفاق على الرعاية الاجتماعية وبرامج دعم السلطات المحلية والأعمال الصغيرة وأصحاب معاشات التقاعد.
أما الضرائب فتركّز غالبها على الأثرياء، وإن لم يسلم عموم المواطنين من زيادة غير مباشرة في الضرائب من خلال تمديد الحكومة العمالية تجميد سقف شرائح ضريبة الدخل لمدة ثلاثة أعوام إضافية.
واعترفت ريفز بأن هذا الإجراء يضر بالقوى العاملة، لكنه "ضرورة للحفاظ على قواعد السلامة المالية للحكومة"، وفق تعبيرها.
أعلى ضرائب على الإطلاق
بحسب تحليل مكتب مسؤولية الموازنة لكافة الإجراءات الضريبية التي تضمنها بيان ريفز، فإن الضرائب في بريطانيا ستصل بنهاية فترة المحاسبة 2030 – 2031 إلى أعلى مستوى على الإطلاق، إذ تشكّل إيرادات الضرائب نسبة 38 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وبعد أن زادت ريفز الضرائب في موازنة العام الماضي بنحو 40 مليار جنيه استرليني (45 مليار دولار)، عادت لزيادتها في الموازنة الجديدة بنحو 26 مليار جنيه استرليني (34 مليار دولار)، وعلى عكس ما أشيع خلال الأسابيع الماضية بأن الزيادة ستتركز على الأثرياء، فإن الجزء الأكبر من تلك الزيادة يأتي من تمديد تجميد سقف شرائح ضريبة الدخل ومدفوعات التأمينات الاجتماعية، أي زيادات غير مباشرة تطاول جميع دافعي الضرائب.
وسيؤدي تمديد تجميد الشرائح وضوابط التأمينات الاجتماعية لمدة ثلاثة أعوام إضافية إلى زيادة إيرادات الخزانة من الضرائب على الدخل بنحو 14.9 مليار جنيه (19.6 مليار دولار) بحلول العام المالي 2029 – 2030، وإضافة 8 مليارات جنيه (10 مليارات دولار) من تجميد شرائح التأمينات في الفترة نفسها.
أما بقية الإجراءات الضريبية التي أعلنتها ريفز، فليست ذات أثر مالي كبير على الخزانة، لكنها موجّهة سياسياً لإرضاء نواب حزب العمال وتجنب أي انشقاقات محتملة، فعلى سبيل المثال، فإن ضريبة المنازل التي تزيد قيمتها على 2 مليون جنيه (2.6 مليون دولار) لن توفّر سوى 0.4 مليار جنيه (0.53 مليار دولار)، وستُحصَّل ضريبة المنازل مع "ضريبة الحي" التي اعتبرتها ريفز خطوة نحو "عدالة العبء الضريبي".
ورفعت الحكومة الضرائب على ألعاب القمار عبر الإنترنت من 15 في المئة إلى 25 في المئة، وعلى الألعاب الرقمية عن بُعد من 21 في المئة إلى 40 في المئة، من دون أي تغيير في ضرائب سباقات الخيل أو الرهانات الأخرى، ما يوفّر نحو 1.1 مليار جنيه (1.45 مليار دولار).
أما إلغاء إعفاء السيارات الكهربائية من الرسوم المفروضة على السيارات العاملة بالوقود، فسيوفر للخزانة 1.4 مليار جنيه (1.84 مليار دولار).
وتعهدت ريفز بأن تُفرض الرسوم على أساس المسافة المقطوعة سنوياً بواقع 3 قروش لكل ميل، وأن تُخصَّص عائداتها لإصلاح الطرق وصيانتها.
توفير وإنفاق
في محاولة لإظهار حرص حكومة العمال على وقف الهدر وضبط الإنفاق العام، أعلنت ريفز أنها ستعزّز جهود "الكفاءة الحكومية" عبر توفير 4.9 مليار جنيه (6.45 مليار دولار) من خفض الموازنات وتقليص الهدر وبيع الأصول غير المستغلة، على أن يُعاد استثمار تلك الوفورات في دعم "خدمة الصحة الوطنية" (NHS).
وتعهدت بتخصيص 13 مليار جنيه (17 مليار دولار) تُوجَّه إلى سبعة عمد مدن في بريطانيا للاستثمار في المهارات ودعم الأعمال والبنية التحتية.
وتضمن بيان الموازنة إجراءات للحد من كلفة المعونات الاجتماعية على الخزانة، من دون المساس بمخصصات ذوي الإعاقة.
إلا أن أبرز بنود الإنفاق تمثل في إلغاء قاعدة "الطفلين" في نظام دعم رعاية الطفولة، والتي كانت تضع سقفاً لمعونات الأطفال بطفلين فقط. ويعني إلغاؤها أن الأسر ستحصل على دعم مالي لكل طفل مهما كان عدد الأطفال.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويكلّف إلغاء قاعدة الطفلين الخزانة نحو 2.3 مليار جنيه (3 مليارات دولار)، ومن المتوقع أن تتجاوز الكلفة 5 مليارات جنيه (6.5 مليار دولار) بنهاية فترة البرلمان الحالي.
وأعلنت ريفز زيادة الحد الأدنى للأجور ورفع معاشات المتقاعدين بنسبة 4.8 في المئة، وخفض ضرائب الأعمال على المشروعات الصغيرة، وهي خطوات قالت إنها مُموَّلة بالكامل عبر الضرائب الجديدة من دون اللجوء لمزيد من الاقتراض.
رد فعل الأسواق والجمهور
قد تبدو الموازنة متوازنة بين الإنفاق والإيرادات، لكن المعارضة البرلمانية اتهمت الحكومة باتباع سياسة تعيق النمو من خلال زيادة الضرائب، وتوسّع دائرة الهدر عبر الإنفاق الاجتماعي.
وحاولت ريفز طمأنة الأسواق بأن الحكومة ملتزمة بالانضباط المالي، متعهدةً بخفض الاقتراض وتقليل العجز بحلول 2030، وقالت إنها ستضاعف الفائض المتاح للإنفاق من 10 مليارات جنيه (13 مليار دولار) إلى 21 مليار جنيه (27.6 مليار دولار) بنهاية الفترة البرلمانية.
وأشارت إلى أن مكتب مسؤولية الموازنة رفع توقعاته للنمو للعام المالي الحالي من 1 إلى 1.5 في المئة، لكن الأسواق غير مقتنعة بأن ذلك كافٍ لمعالجة أزمة الدين العام الذي وصل إلى 2.6 تريليون جنيه (3.4 تريليون دولار) ويقارب حجم الناتج المحلي الإجمالي.
المشكلة بالنسبة للأسواق أن معظم "الإنجازات" التي أعلنتها ريفز مؤجلة، وتعتمد على إيرادات مستقبلية وسط ارتفاع كلفة خدمة الدين، ما قد ينعكس سلباً على سوق السندات في الأيام المقبلة.
أما بالنسبة للمواطنين، فلا يبدو أن أغلبهم سيتأثر بشكل كبير بالموازنة، باستثناء نحو 1 في المئة من السكان، علاوة على أن الوعود المتعلقة بخفض كلفة المعيشة – مثل التخفيض البسيط في فواتير الكهرباء أو تجميد أسعار بطاقات النقل – قد يكون تأثيرها محدوداً، في ظل توقع مكتب مسؤولية الموازنة تراجع نمو الدخل الفعلي للأسر من 3 في المئة في 2024 – 2025 إلى 0.25 في المئة فقط بنهاية البرلمان الحالي، مقارنة بمتوسط 1 في المئة خلال العقد الماضي.