ملخص
المطلب يشمل أيضاً استبعاد المدعي العام للمحكمة كريم خان من الملفات، بدعوى ما وصفته إسرائيل بـ"تصرفات بدوافع فاسدة"، وأنه اتخذ القرار في حق نتنياهو وغالانت بهدف تحويل الانتباه عن تحقيق في جرائم جنسية منسوبة إليه.
تبذل إسرائيل جهوداً حثيثة لممارسة ضغوط خارجية على المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي للتجاوب مع مطلبها الأخير بإلغاء أوامر اعتقال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير أمنه السابق يوآف غالانت. وهذا هو الطلب الثالث الذي تقدمه إسرائيل للمحكمة، ولكنها هذه المرة، ووفق التوقعات، متفائلة بأن المحكمة ستتجاوب.
المطلب يشمل أيضاً استبعاد المدعي العام للمحكمة كريم خان من الملفات، بدعوى ما وصفته إسرائيل بـ"تصرفات بدوافع فاسدة"، وأنه اتخذ القرار في حق نتنياهو وغالانت بهدف تحويل الانتباه عن تحقيق في جرائم جنسية منسوبة إليه.
مسؤولون في وزارة الخارجية الإسرائيلية يتوقعون الرد مطلع الأسبوع المقبل، وبحسبهم فإن ما أرفق في الطلب من بيانات توجه اتهامات للمدعي كريم خان قد تكون مقنعة هذه المرة، بينما ترى جهات قانونية أن القرارات اتخذت في بداية الحرب، وحالياً يجري العمل لإنهائها بعد الخطة التي وضعها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وقد يكون لوقف الحرب تأثير ستأخذه المحكمة في الاعتبار.
بحسب الخارجية الإسرائيلية "قدم الطلب في أعقاب معلومات ومنشورات خطرة تثير خشية كبيرة من أن المدعي العام تصرف بدوافع شخصية من أجل دفع ادعاءات كاذبة وعديمة الأساس ضد إسرائيل بهدف تحويل انتباه الرأي العام عن اتهامات خطرة موجهة ضده في شأن تحرشات جنسية متسلسلة تجاه موظفة خاضعة له". وادعت الوزارة أيضاً أن دوافع خان لأوامر الاعتقال عديمة الأساس وفاضحة ضد رئيس وزراء ووزير دفاع سابق لدولة ديمقراطية"، على حد تعبيرها.
طلبات سابقة
في الـ21 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 صدرت أوامر الاعتقال ضد نتنياهو وغالانت، وعلى الفور رفضت إسرائيل القرار بل اعتبرته باطلاً، كونها ليست طرفاً في "ميثاق روما" الذي يشكل الأساس القانوني للمحكمة، كما تنفي أن تكون قد ارتكبت جرائم حرب خلال القتال في غزة. ومنذ ذلك الوقت تبذل إسرائيل الجهود لإلغاء قرارات اعتقال نتنياهو وغالانت، مستغلة ما نشر عن المدعي كريم خان من تهم.
مسؤولون سياسيون اعتبروا أن عدم صدقية الإجراء ينبع من أن سلوك المدعي العام عميق ولا يمكن إصلاحه، وهو دافع شددت عليه إسرائيل في مطلبها للمحكمة عندما طلبت من هيئة الاستئناف استبعاد المدعي العام من أية مشاركة في الملفات المتعلقة بها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذكر مسؤول إسرائيلي أن هذه هي المرة الأولى التي تثير فيها إسرائيل ادعاءات قانونية تتعلق بالصلة بين محاولة إخفاء شكاوى الجرائم الجنسية وبين السلوك المريب لكريم خان في ما يتعلق بالملف الخاص بإسرائيل، بما في ذلك إلغاء زيارته إلى غزة وتجاهله عديداً من المواد التي قدمتها إسرائيل إلى مكتب الادعاء والمتعلقة بالاتهامات ضد الدولة ومسؤوليها الكبار.
الحجة المركزية الإسرائيلية في الطلب، الذي وقع عليه نائب المستشارة القانونية للحكومة للشؤون الدولية غيل - عاد نعوم، هي أن المحكمة أصدرت أوامر الاعتقال من دون أن تأخذ في الحسبان ادعاء إسرائيل أنه لا تملك صلاحية النظر في النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. وبحسب هذا الادعاء، الذي تقول إسرائيل إنه يمنع المحكمة من إصدار أوامر الاعتقال من الأساس، فإن اتفاقات وقعت في أوائل التسعينيات، ولا تزال سارية إلى اليوم، تتضمن موافقة السلطة الفلسطينية على أن المحكمة لا تملك صلاحية النظر في قضايا جنائية في هذا الشأن.
المحكمة في لاهاي رفضت الطلب الإسرائيلي الإضافي، وأعلنت أن أوامر الاعتقال ضد نتنياهو وغالانت ما زالت سارية.
احتمالات النجاح
من ناحية قانونيين إسرائيليين ما زالت في المحكمة استئنافات أخرى لإسرائيل تتعلق بأوامر الاعتقال ضد نتنياهو وغالانت. أحد الاستئنافات يتعلق بمسألة صلاحية المحكمة، وبسبب استمرار النظر فيه طلبت إسرائيل تجميد الأوامر، ولكن المحكمة رفضت الطلب فعادت إسرائيل وكررت ادعاءاتها أنها "ليست عضواً في المحكمة، بالتالي لا صلاحية لها لمحاكمة تل أبيب أو مسؤوليها"، لكن السلطة الفلسطينية عضو في المحكمة، وقطاع غزة يعد جزءاً من أراضيها، مما يعني أن فرص نجاح هذا الاستئناف ليست مؤكدة.
الاستئناف الثاني يتعلق بمبدأ التكامل، وبحسب القانونيين الإسرائيليين، فإنه وفق هذا المبدأ لا يمكن للمحكمة التحقيق إلا إذا لم تجر في الدولة المعنية تحقيقات حقيقية. هذا المبدأ يشمل أيضاً إشعاراً مسبقاً من المحكمة عند غياب التحقيق. في هذا الاستئناف يقدر بعض الخبراء أن لإسرائيل فرصة، لأن المحكمة لم تصدر إشعاراً مسبقاً في هذا الشأن، بل اعتمدت على إشعار لا يرتبط مباشرة بعمليات الجيش الإسرائيلي في غزة بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
في الأشهر الأخيرة، وبحسب جهات إسرائيلية عدة، شعر كثير من الإسرائيليين بأن القضية تراجعت إلى الهامش، من ضمن أسباب أخرى اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقع في أكتوبر الماضي، إضافة إلى الموقف الأميركي المتشدد تجاه محكمة لاهاي.
البروفيسور تمار هوسطوفسكي برندس يستبعد أن توافق المحكمة على المطلب الإسرائيلي، ويقول "سادت في إسرائيل قناعة أنه في عصر ترمب لم يعد القانون الدولي ذا صلة، ولا داعي للخشية من تبعاته، ولكن هذا غير صحيح. فالإجراءات قد تستكمل بعد حقبة ترمب، وتداعياتها قد ترافق إسرائيل لسنوات طويلة".
أما البروفيسور إلياف ليبليخ، من كلية القانون في جامعة "تل أبيب"، فيرى أن وضع إسرائيل في المحكمة غير سهل، وأحد أسباب ذلك التصريحات غير المسؤولة لبعض كبار المسؤولين، التي اقتبست في قرارات المحكمة كدليل على نية محتملة لإبادة جماعية. كذلك رفض المستشارة القانونية للحكومة غالي بهاراف – ميارا، التحقيق مع سياسيين كبار بتهمة التحريض ضد سكان غزة، وكل ذلك لم يساعد موقف إسرائيل.
النزول عن الشجرة
وأشار ليبليخ في حديث مع صحيفة "هآرتس" إلى التصريحات الأخيرة لوزير الأمن يسرائيل كاتس، الذي برر فيها تعيين المحامي إيتاي أوفير مدعياً عسكرياً جديداً، قائلاً إنه "رجل ديني قومي من سكان الضفة أسهم في دعم المستوطنات، وسيحدث تغييراً في المنظومة لمصلحة الجنود". بحسب ليبليخ فإن هذا تصريح يرسل إشارة مباشرة بأن القضاء العسكري لن يبقى مستقلاً، مما يشكل اعترافاً ضمنياً بادعاءات محكمة لاهاي ضد إسرائيل.
وأوضح ليبليخ أن كاتس يظهر جهلاً بطبيعة سيادة القانون وبوظيفة الادعاء العسكري. هذه التصريحات تضعف مكانة المدعي العسكري نفسه، وتفتح الباب لمزيد من الملاحقات الدولية ضد الجنود".
ليبليخ يشير إلى نقطة أخرى خطرة، محذراً "من غير المستبعد أن بعض الدول أصدرت أوامر اعتقال سرية ضد مسؤولين إسرائيليين من دون أن تعرف إسرائيل بذلك، وفقط عند اعتقال أحدهم سيكشف الأمر".
أمام هذا هناك من هو متفائل في إسرائيل من تجاوب المحكمة مع مطلبها الأخيرة، ونقل قول مسؤول إسرائيلي إن "من مصلحة الجميع النزول عن الشجرة. هذه ملفات غير مبررة قدمت بدوافع غريبة، حيث يتبين أن ظلالاً ثقيلة تحوم حول الاعتبارات والظروف التي أصدرت فيها أوامر الاعتقال".
ويضيف المسؤول الإسرائيلي "حقيقة أن القضاة لا يفعلون شيئاً بهذا الصدد تشكل وصمة عار أخرى على المؤسسة كلها. كل القصة عار وخزي، ولذلك، برأيي، سيبحثون عن فرصة للنزول عن هذه الشجرة".
وينهي المسؤول حديثه بالقول "مهما كانت الكراهية لإسرائيل عمياء، إذا أرادوا إنقاذ شيء من فكرة العدالة الدولية، فعليهم العودة إلى نهج مهني ونزيه".