أثارت حفلات المغني الفرنسي كندجي جيراك المقررة في 20 و21 و22 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري في "كازينو لبنان"، جدلاً كبيراً بسبب مواقفه الداعمة لإسرائيل. وعد المعترضون أن وجوده في لبنان هو شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل من طريق الفن، باعتبار أن المغني الفرنسي أدخل لحن النشيد الإسرائيلي في إحدى أغنياته. وتقدم المحامي حسن عادل بزي بطلب منع دخول المغني الفرنسي وإلغاء حفلاته، لدى قاضي الأمور المستعجلة المختص، الذي أمهل، بدوره إدارة كازينو لبنان 48 ساعة لاتخاذ موقف من طلب المحامي بزي.
كما طالب "التجمع من أجل لبنان" في مارسيليا الفرنسية بإلغاء حفل المغني الفرنسي وأصدر بياناً عد فيه "أن جيراك المعروف بمواقفه الملتبسة أو المتعاطفة مع الكيان الصهيوني، لا يمكن الترحيب به في بلد لا يزال في حال عداء رسمي وقانوني مع إسرائيل، وأن موقفه هذا يشكل خرقاً واضحاً للقوانين اللبنانية، لا سيما قانون مقاطعة إسرائيل الصادر بتاريخ 23 يونيو (حزيران) عام 1955".
من جهتها، دعت حملة "مقاطعة داعمي إسرائيل" إلى مقاطعة الحفلات والمشاركة في أي تحرك احتجاجي أمام كازينو لبنان، وذكرت في بيانها أن "المشكلة مع جيراك لا تقتصر على زيارته إسرائيل عام 2022 أو غنائه لحن النشيد الإسرائيلي باللغة الفرنسية، فهو أيضاً يدعم الاحتلال مادياً ومعنوياً، مقابل صمته عن المجازر المرتكبة في فلسطين المحتلة ولبنان".
القرار للقضاء
إدارة "كازينو لبنان" تبلغت بطلب الاعتراض الجمعة 14 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، وأمهلها القاضي حتى اليوم الإثنين للرد عليه.
وفي اتصال أجرته "اندبندنت عربية" مع وزارة السياحة أكدت أن مؤسسة "كازينو لبنان" تتبع إدارياً لها لكنها مستقلة في اتخاذ القرارات المتعلقة بالحفلات المقامة في حرمها وعلى مسارحها، وأن قرار توقيف الحفلات أو الاستمرار بها يعود لإدارة الكازينو.
من جهتها كشفت مصادر في إدارة الكازينو ألا قرار بالإلغاء حتى الآن وأنها تترك للقضاء اتخاذ القرار الذي يجده مناسباً، وأوضحت أنها لا تتحمل مسؤولية الحفل لأنه ليس من تنظيمها بل من تنظيم أحد متعهدي الحفلات الذي استأجر قاعة الاحتفالات في الكازينو لإقامة مجموعة من الحفلات والسهرات.
هل من مخالفة للقانون؟
في السياق شرح المتخصص في القانون الجزائي المحامي جورج خوري أن "قانون مقاطعة إسرائيل ينص على حظر أي تعامل أو تفاعل مع إسرائيل، سواء كان تجارياً أو مالياً أو اقتصادياً أو ثقافياً، وأي تعامل آخر أياً كانت طبيعته بالذات، أو بالواسطة مع هيئات، أو أشخاص مقيمين في إسرائيل، أو منتمين إليها بجنسيتهم، أو يعملون لحسابها أو لمصلحتها"، وأوضح خوري أن هذا القانون يطبق فقط على اللبنانيين الذين يحظر عليهم شراء أي منتجات إسرائيلية أو الاتجار بها، "ولا يمكن تطبيقه على أشخاص من جنسيات أخرى، مما يعني أن المغني الفرنسي الذي ينحدر من أسرة رومانية لا يطاله قانون مقاطعة إسرائيل حتى لو غنى فيها أو زارها أو اتخذ مواقف مؤيده لها، علماً أن كل حامل جنسية إسرائيلية ممنوع من الدخول إلى الأراضي اللبنانية"، لكن في المقابل، تابع خوري "يمكن ملاحقة أي أجنبي يدخل لبنان إذا تبين أنه تعامل مع إسرائيل أو تجسس لمصلحتها فيلاحق بجرم التعامل معها. أما الكلام عن أن الاحتفال هو شكل من أشكال التطبيع فهذا كلام في السياسة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويجمع الخبراء في القانون أنه لا توجد نصوص قانونية صريحة في لبنان تحظر استضافة فنان أجنبي بسبب مواقفه السياسية أو الفنية الداعمة لإسرائيل، ما لم يكن هناك ارتباط تجاري مباشر أو غير مباشر يندرج تحت خرق قانون المقاطعة، كأن يكون ممولاً أو شريكاً لشركات مدرجة في القائمة السوداء، ومن ثم فإن إقامة فنان فرنسي حفلاً في لبنان لا يعد مخالفة مباشرة لقانون مقاطعة إسرائيل، إلا إذا كان الفنان مدرجاً في القائمة السوداء.
القانون ونصوصه
يعد قانون مقاطعة إسرائيل الصادر بتاريخ 23 يونيو عام 1955 والمرسوم رقم 12562 المتعلق بتنظيم مقاطعة إسرائيل الصادر في 19 أبريل (نيسان) عام 1963 من القوانين الأساسية في لبنان، وفي حال مخالفة نصوص المقاطعة يحال المخالف إلى القضاء العسكري. وتنص المادة الأولى من القانون على أنه "يحظر على كل شخص طبيعي أو معنوي أن يعقد بالذات أو بالواسطة اتفاقاً مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل أو منتمين إليها بجنسيتهم أو يعملون لحسابها أو لمصلحتها وذلك متى كان موضوع الاتفاق صفقات تجارية، أو عمليات مالية، أو أي تعامل آخر مهماً كانت طبيعته"، والقانون المعتمد في لبنان ليس لبنانياً بالكامل، بل هو قانون مرجعيته جامعة الدول العربية وهي أقرته عام 1950 وتبناه لبنان على نحو كامل عام 1955، ومنذ ذلك الوقت لم يطرأ أي تغيير يذكر على القانون، حتى إن الغرامات التي يفرضها بقيت ذاتها منذ خمسينيات القرن الماضي، تراوح ما بين 5 آلاف و40 ألف ليرة (الدولار الواحد يساوي نحو 90 ألف ليرة لبنانية). وقد جرت محاولة لتعديل القانون لم تصل إلى خواتيمها إذ تقدمت "الجمعية اللبنانية لدعم مقاطعة إسرائيل" بمشروع تضمن اقتراحات لتعديله، تنص على إضافة عبارة "يعملون لحساب إسرائيل أو لمصلحتها المادية أو المعنوية"، كما يحظر القانون التعامل بالمطلق مع الفرق الفنية والأكاديمية والعلمية والتقنية والرياضية التي تقيم نشاطات في إسرائيل أو تروج لها أو للصهيونية أو تؤدي لهما خدمات مادية أو معنوية. واقترحت الجمعية إجراء تعديل على المادة السابعة برفع الغرامة لمن يخالف أحكام المادتين الأولى والثانية من 5 آلاف و40 ألف ليرة إلى 40 مليوناً (نحو 448 دولاراً) و500 مليون ليرة (نحو 5590 دولاراً).
مخالفات سابقة
بحسب المسار القانوني تحال القضايا المتعلقة بمخالفة قانون مقاطعة إسرائيل إلى القضاء العسكري، أو إلى المجلس العدلي في بعض حالات جرائم أمن الدولة الخطرة مثل الخيانة والعمالة. وشملت المخالفات التي تم التحقيق بها حتى الآن قضايا تتعلق بالعمالة والتجسس لمصلحة إسرائيل، وخرق قانون المقاطعة بطرق مختلفة، مثل محاولات إدخال بضائع إسرائيلية أو التعامل مع جهات إسرائيلية بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وبعض هذه القضايا أثير إعلامياً من دون أن يكون له مرتكز يستدعي ملاحقة قانونية.
في فبراير (شباط) عام 2024 تقدم محام بإخبار أمام النيابة العامة العسكرية في حق الفنانة نانسي عجرم بتهمة مخالفة قانون مقاطعة إسرائيل، على خلفية لقائها بمدون إسرائيلي خلال حفلتها في قبرص، ولم يستدعها القضاء العسكري، لكونها تصورت مع "معجب" لا تعرف جنسيته وهويته، وهي فنانة ولها ملايين المعجبين، ولا يمكن أن تسأل كل شخص أراد التقاط صورة معها عن جنسيته.
في عام 2009 تصدرت قضية الفنان الكوميدي المغربي جاد المالح العناوين إثر إلغائه ثلاث حفلات كان يعتزم إقامتها في "مهرجانات بيت الدين الدولية" (لبنان) بعد حملة شنها عليه "حزب الله" والقناة التلفزيونية التابعة له وعدد من مواقع الإنترنت، على خلفية انتمائه للدين اليهودي وإقامته حفلات في إسرائيل.
وسجلت "حملة مقاطعة داعمي إسرائيل" حالات دخول منتجات شركات داعمة لإسرائيل إلى الأسواق اللبنانية، وأوصى حينها مكتب المقاطعة في وزارة الاقتصاد بسحبها بشكل نهائي. علماً أن مكتب مقاطعة إسرائيل في وزارة الاقتصاد ملزم برفع كتاب بالشكوى المقدمة إليه إلى مكتب المقاطعة المركزي التابع لجامعة الدول العربية لينظر الأخير بالموضوع عند أول اجتماع.