Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إسرائيل تنسف غزة الشرقية… هل بدأ مشروع "ريفييرا ترمب"؟

الجيش يواصل تسوية البيوت وراء الخط الأصفر بالأرض وأمل السكان في العودة يتبدد يوماً بعد يوم

على أنقاض المباني المدمرة في القصف الإسرائيلي على غزة، بينما تغرب الشمس فوق مخيم البريج للاجئين (أ ف ب)

ملخص

واقع تقسيم غزة إلى نصفين جعل منزل هنادي أول بيت عند الحدود الجديدة للقطاع، ذلك الموقع جعلها تكتشف أشياء غريبة يفعلها الجيش الإسرائيلي داخل غزة الشرقية، "كل يوم أسمع صوت انفجارات، انتابني الخوف من أن الحرب عادت من جديد، ولكن عندما وقفت على نافذة البيت اكتشفت أنهم ينسفون ما تبقى من بيوت خلف الخط الأصفر".

سمعت هنادي صوت انفجارات قوية، قفزت لتقف على شباك غرفة بيتها الآيل للسقوط، تراقب تحركات الآليات المدرعة العسكرية والجرافات التي تواصل هدم المنازل خلف الخط الأصفر، وتسأل نفسها "ما الذي تخطط له إسرائيل؟"

عندما انسحبت المدرعات من غزة الغربية التي لا تزال تسيطر عليها "حماس"، وتراجع الجنود إلى الخط الأصفر بناءً على الخرائط الواردة في خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، قررت هنادي التي نزحت نحو المنطقة الإنسانية في جنوب القطاع العودة إلى حيها السكني.

حدود جديدة ونسف

يجاور مسكن هنادي الخط الأصفر الجديد الذي لا يزال يتمركز فيه الجيش الإسرائيلي، تقول "بسبب التغييرات الهندسية والجغرافية والديموغرافية أصبح منزلي آخر بيت في غزة، الآن أعيش قرب الحدود الإسرائيلية الجديدة التي تقضم نصف مساحة القطاع".

بموجب خطة ترمب، انسحب الجيش الإسرائيلي من مناطق غزة الغربية وأعاد نشر قواته داخل النصف الشرقي من القطاع، الذي لا يزال محتلاً وينتشر فيه الجنود والمدرعات، وأطلق على المنطقة التي تخضع لسيطرة تل أبيب "غزة الشرقية"، وأمر وزير الدفاع يسرائيل كاتس بترسيم تلك الحدود بما يسمى "الخط الأصفر"، وبرزت تخوفات من تحول ذلك الخط إلى حدود دائمة وجديدة للقطاع.

 

واقع تقسيم غزة إلى نصفين جعل منزل هنادي أول بيت عند الحدود الجديدة للقطاع، ذلك الموقع جعلها تكتشف أشياء غريبة يفعلها الجيش الإسرائيلي داخل غزة الشرقية، "كل يوم أسمع صوت انفجارات، انتابني الخوف من أن الحرب عادت من جديد، ولكن عندما وقفت على نافذة البيت اكتشفت أنهم ينسفون ما تبقى من بيوت خلف الخط الأصفر".

على رغم دخول المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ فإن سياسة نسف المنازل ما زالت تتواصل في المناطق الواقعة خلف الخط الأصفر، ضمن مشهد يثير القلق والهلع ويعيد لأذهان الغزيين أجواء الحرب التي يفترض أنها توقفت، ويدفع للتساؤل "لماذا تستمر إسرائيل في تدمير البيوت؟".

خلف الخط الأصفر

بحسب خطة ترمب، فإنه يفترض بعد اكتمال إطلاق سراح جثث الرهائن المحتجزين لدى "حماس" في غزة أن تبدأ المرحلة الثانية من الاتفاق، والتي تنص على أن غزة وحدة جغرافية واحدة ولا وجود إسرائيلياً فيها، وأيضاً يجب على الجيش الانسحاب من مناطق جديدة قريبة من حدود غزة الحقيقية.

بناء على تلك البنود، فإن من المفترض عند تنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترمب للسلام والازدهار، أن يتمكن الغزيون من العودة إلى مناطقهم في غزة الشرقية، لكنهم لن يجدوا بيوتاً ومساكن في تلك المنطقة التي لا يزال الجيش يدمرها على نحو ممنهج، وبهذا تتحول المنطقة إلى بيئة طاردة للسكان لا حياة فيها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يومياً تشهد مناطق خلف الخط الأصفر، التي تضم شمال القطاع وشرق مدن غزة وخان يونس ورفح، تفجيرات ونسفاً لمنازل وبنية تحتية من قبل الجيش الإسرائيلي، هذه الأفعال العسكرية تجري على رغم غياب الاشتباكات المباشرة بين عناصر "حماس" والجنود.

استمرار تفجير المنازل يخلق شعوراً عاماً بأن الهدوء هش، وأن إسرائيل ما زالت تستخدم القوة لتثبيت واقع ميداني جديد على الأرض، تقول شهيرة "بيتي يقع خلف الخط الأصفر، ومع كل عملية نسف مبنى أشعر بأن قلبي ينخلع مع كل صوت انفجار، وتزيد قناعتي بأنني لن أتمكن من العودة إلى منزلي".

شعبان رأى بعينيه الجنود وهم ينسفون البيوت بصورة انتقامية، ويقول "نتمنى تنفيذ مراحل خطة الرئيس الأميركي وأن تعود الحياة إلى طبيعتها قريباً ويتمكن الناس من الوصول إلى أراضيهم خلف الخط الأصفر، لكن لا أعتقد أن ذلك قد يحدث، فقد نخسر غزة الشرقية بأكملها وتتحول إلى مناطق إسرائيلية بصورة دائمة".

هذه الرؤية الأميركية

يعتقد الغزيون أن الحرب انتقلت إلى شكل آخر أقل صخباً ولكن لا يقل وطأة، وأن إسرائيل تفرض معادلاتها بالقوة وتحاول تقسيم غزة إلى شرقية وغربية، وتسيطر أمنياً على المدينة الشرقية لتتحول إلى واقع جديد لا يمكن تغييره.

بحسب صور أقمار الأمم المتحدة الاصطناعية، دمرت إسرائيل أكثر من 1500 مبنى داخل قطاع غزة جميعها تقع خلف الخط الأصفر، أي في الأحياء الخاضعة لسيطرة الجيش، مما يعد انتهاكاً واضحاً لاتفاق وقف إطلاق النار.

وينص الاتفاق على "وقف جميع العمليات العسكرية، بما في ذلك القصف الجوي والمدفعي"، لكن على رغم ذلك لم تلتزم قوات إسرائيل ببنوده كاملة. وتبرر المتحدثة باسم الجيش الإسرائيلي إيلا واوية عمليات نسف المنازل خلف الخط الأصفر قائلة "قواتنا تعمل على تطهير المنطقة وإزالة المباني القريبة من الحدود لأسباب أمنية".

 

لكن الباحث السياسي مهند الحلو يقول إن "عمليات النسف المتواصلة تعني أن إسرائيل تحاول فرض واقع جديد في غزة، يفيد بأن الأوضاع لن تعود كسابق عهدها، وهذا ما يعد ترجمة عملية لتصريحات نتنياهو التي قال فيها إن إسرائيل ستحافظ على السيطرة الأمنية في غزة".

ويضيف الحلو "هذه العمليات انسجمت مع الرؤية الأميركية التي تنص على أن بناء غزة سيبدأ في المنطقة ما بعد الخط الأصفر، وهو مؤشر واضح إلى أن تلك الرؤية تطبق بحذافيرها من خلال عمليات النسف تمهيداً لتجريف هذه المساحات الواسعة".

ويلفت الحلو إلى أن تداعيات تواصل هذه السياسة تعد خطرة إذ تفرض واقعاً جديداً، إلى جانب أنها تؤشر إلى ضياع حقوق ملكية المواطنين في بيوتهم ومناطقهم السكنية.

في الواقع، تحاول إسرائيل من خلال التدمير الواسع لما هو خلف الخط الأصفر لإعادة تشكيل غزة بحسب المصلحة الإسرائيلية والمخططات الأميركية، ولا يزال نحو 53 في المئة من مساحة القطاع تحت سيطرتها.

مع احتمال تعثر التنفيذ الكامل لخطة ترمب بدأت تتكشف خطط بديلة تقوم على مبدأ تقسيم القطاع إلى منطقتين، الأولى تسيطر عليها إسرائيل وتصنف كمنطقة خضراء تحرسها قوات دولية وإسرائيلية، وأخرى تديرها "حماس" وتصنف كمنطقة حمراء تترك في حال خراب.

قبل طرح ترمب لخطة السلام والازدهار، أعلن عن مخطط أطلق عليه اسم "ريفييرا الشرق الأوسط"، ويقوم على مبدأ ترحيل الغزيين وتحويل القطاع المدمر إلى بقعة إنشاء وبناء مدينة جديدة بمواصفات الذكاء الاصطناعي، لكن هذه الأفكار وجدت معارضة عربية ودولية، مما دفع الرئيس الأميركي إلى تعديل مخططاته من دون التراجع عن الفكرة الرئيسة.

بدءاً من رفح

يعتقد مراقبون سياسيون أن ترمب الآن يعمل على بناء "ريفييرا الشرق الأوسط" داخل النصف الشرقي من غزة الذي تواصل تل أبيب تدميره، وهو ما لم يعد مجرد ترجيحات بل أصبح واقعاً كشفت عنه التصريحات السياسية وتطورات الميدان.

يقول نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس "يمكن بناء غزة، لكن ذلك فقط في المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل، تم اختيار مدينة رفح لبنائها، والمفترض أن يتمكن الفلسطينيون من الانتقال إلى تلك المنطقة بعد تجهيزها، جهود البناء يمكن أن تبدأ بسرعة كبيرة داخل المناطق غير الخاضعة لسيطرة ’حماس‘".

في الواقع هذا الحديث يطبق اليوم على أرض الواقع إذ لم يستخدم فانس مصطلح إعادة إعمار، وإنما استخدم كلمة "بناء" غزة، مما يعني تنفيذ مخطط "ريفييرا الشرق الأوسط" ولكن ليس على كل أرض غزة، وإنما داخل المناطق الشرقية فحسب.

بحسب صحيفة "هآرتس" العبرية، فإن الولايات المتحدة طلبت من إسرائيل السماح ببدء بناء غزة الجديدة في مناطق خاضعة لسيطرة الجيش، على أن تبدأ المرحلة الأولى من رفح.

تقول الباحثة السياسية هيام حجاج "عمليات النسف مجرد تجهيز غزة الشرقية لبناء ’ريفييرا الشرق الأوسط‘، الآمال بانسحاب الجيش من الخط الأصفر ضعيفة جداً وفكرة عودة الغزيين إلى منطقهم بدأت تتبدد، ويبدو أن الخط الأصفر سيصبح الحدود الفعلية التي تقسم غزة إلى أجل غير مسمى، وستكون مدينة غزة الجديدة في الشرق بينما غزة القديمة في الغرب حيث يعيش السكان تحت حكم حركة ’حماس‘".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات