ملخص
يستذكر روبرت مالي أحد أبرز مهندسي الاتفاق النووي مع إيران في حوار مع "اندبندنت عربية" شغف أوباما بإبرام الاتفاق النووي، على رغم مخاوف شركائه في المنطقة وتحذيرات أعضاء من حزبه الديمقراطي، إضافة إلى كواليس مفاوضات كامب ديفيد، والخطأ الذي ارتكبه بيل كلينتون بشيطنة ياسر عرفات.
روبرت مالي، رجل اختار الجدل بآرائه، واختاره الجدل لطبيعة القضايا التي عمل عليها مع آخر رؤساء أميركيين من الحزب الديمقراطي: بيل كلينتون، وباراك أوباما، وجو بايدن. لا تستغرب إذاً استرساله وطول إجاباته عندما يناقش دوره في مفاوضات كامب ديفيد 2000، أو مفاوضات الاتفاق النووي 2015. ولا تستغرب إجابته المختصرة عن سر تعليق ترخيصه الأمني في عهد بايدن، وهي التجربة التي يصفها بـ"الكافكوية"، جهلاً منه حتى الآن لسبب التحقيق الذي أجراه مكتب التحقيقات الفيدرالي، وجهلاً بالنتيجة بعد إغلاقه.
في حوار مطول مع "اندبندنت عربية"، استرجع مالي، أحد أبرز مهندسي الاتفاق النووي مع إيران بعد أيام من نهايته رسمياً، تفاصيل القرار الصعب الذي اتخذه الرئيس باراك أوباما بالتفاوض مع إيران، والذي أثار استياءً عارماً في دوائر الخليج الرسمية، وآل إلى رفع العقوبات الأميركية على طهران مقابل التزامات إيرانية بتعليق التخصيب، من دون معالجة المخاوف الخليجية من برنامج إيران الصاروخي وتمدد نفوذها آنذاك من بيروت إلى صنعاء. كذلك تحدث عن كواليس مفاوضات كامب ديفيد، والخطأ الذي ارتكبه بيل كلينتون بشيطنة ياسر عرفات.
أوباما كان شغوفاً باتفاق مع إيران
يستذكر مالي شغف أوباما بإبرام الاتفاق النووي، رغم مخاوف شركائه في المنطقة وتحذيرات أعضاء من حزبه الديمقراطي، قائلاً، "كان الرئيس أوباما مدركاً للصعوبات، خصوصاً بعد ما سمي الربيع العربي، والتوتر الذي نتج منه بين الولايات المتحدة والخليج، وكان يدرك أن الاتفاق النووي، لنقلها بصراحة، ليس خبراً ساراً لدول الخليج، ومع ذلك شعر أنه يستطيع الحفاظ على علاقات وثيقة مع السعودية والإمارات، وهما من أكثر الدول معارضة لتلك المفاوضات، بينما يمضي قدماً بما يراه في مصلحة الأمن القومي الأميركي".
كان أوباما يدرك أن السعودية والإمارات تعتقدان أن الاتفاق النووي غير كافٍ، وأنه يجب أن يشمل الحد من تدخلاتها الإقليمية ودعمها للميليشيات، لكن مالي يوضح أن الرئيس السابق كان مقتنعاً أن اتفاقاً بهذا الاتساع سيستغرق سنوات طويلة جداً، لأن مناقشة نفوذ إيران الإقليمي ستفتح باباً لمناقشة الوجود الأميركي الإقليمي، ومسألة الصواريخ ستفتح باب الحديث عن القدرات العسكرية لجيران إيران".
عندما عاد السيد مالي إلى البيت الأبيض في 2021، وجد جو بايدن في سدة الحكم وقد طغت آثار الشيخوخة على وجهه، وافترض المسؤول السابق أن بايدن الذي عمل لثماني سنوات مع أوباما سيشارك أوباما الحماسة التي أبداها تجاه إبرام اتفاق مع إيران، لكنه اصطدم بواقع مختلف. يستذكر مالي تلك الصدمة قائلاً، "افترضت أن إعادة إحياء الاتفاق ستكون من أولوياته، لكن الرئيس بايدن كان فاتر الحماسة تجاه الاتفاق".
وعن السبب، يرد مالي، "يجب سؤال الرئيس بايدن، إذ لا أعرف إذا كان لديه أي شكوك حيال الصفقة، لكن أظن أنه شعر بأنه ما دام العقوبات أعيدت بالفعل، فلمَ لا يستفيد منها لانتزاع اتفاق أفضل؟ ومن وجهة نظر الإيرانيين، بدا ذلك كأن الإدارة الأميركية تقول: نحن خرقنا الاتفاق، والآن نريد أن نستغل هذا الخرق لانتزاع تنازلات إضافية من إيران، وقد كنت أرى أن هذا النهج لن ينجح، وسرعان ما اتضح أن الرئيس لم يكن في عجلة من أمره، وهذا حقه، فهو لم يرد أن تظهر أميركا وكأنها متلهفة للعودة إلى الاتفاق".
ويضيف، "ثم جاءت الإشارة الأخرى، وهي أن إدارة بايدن لم ترفع أياً من العقوبات التي انتقدتها خلال الحملة الانتخابية، حتى تلك المتعلقة بالمساعدات الإنسانية أو بمكافحة كورونا، لأن الرئيس بايدن اعتقد أن رفعها سيكون مكلفاً سياسياً، وفضل أن يتخذ موقفاً صارماً لتقوية موقعه التفاوضي... لا أدري اليوم إن كان المرشد الأعلى في إيران مستعداً لعقد اتفاق بعد تجربته السابقة. الإيرانيون طالبوا بضمانات بأن الولايات المتحدة لن تنسحب مرة ثانية وكان جوابنا: لا يمكننا تقديم أي ضمانات، فهذا غير موجود في نظامنا الدستوري. ستحصلون على ثلاث سنوات في الأقل ترفع فيها العقوبات النووية، ثم سنرى من سيفوز في الانتخابات التالية. وبالنظر إلى الماضي، لو أن الرئيس تحرك بفاعلية أكبر للتوصل إلى صفقة، في وقت مبكر من فبراير (شباط) أو مارس (آذار) 2021، لا أعلم إن كان ذلك ممكناً، لكنني أعتقد أنه كان يستحق المحاولة، ولو أنني لم أكن متيقناً بالنجاح في التوصل إلى اتفاق".
بعد عشر سنوات مضت على الاتفاق النووي من إبرامه إلى الانسحاب الترمبي وصولاً إلى نهايته هذا الشهر، يقول مالي، "لو استمر الالتزام بالاتفاق، لكان البرنامج النووي الإيراني تحت الرقابة. بعد الحرب (مع إسرائيل)، تضرر البرنامج النووي بشدة، وبات النظام أكثر تردداً تجاه إعادة بنائه بعد اكتشاف الاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي العميق، لكننا لا نعرف حتى الآن مصير الـ400 كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب"، مضيفاً، "العالم كان في وضع أفضل عندما كانت إيران خاضعة للرقابة وعمليات تفتيش صارمة وقيود دقيقة على برنامجها النووي".
هل كان مالي كبش الفداء؟
إلى هذه اللحظة لا يعرف مالي سبب تعليق تصريحه الأمني والتحقيق في أمره من الـ"أف بي آي"، وعما إذا اختارته إدارة بايدن "كبش فداء" لتغطية فشلها في التفاوض مع إيران، أجاب، "والدي مصري من الشرق الأوسط ولذلك كان سريع الميل لتصديق نظريات المؤامرة، أما أنا فلا أقفز إلى تلك الاستنتاجات. لا أعرف ما السبب، فقد كانت تجربة "كافكاوية" لأنني كنت أجهل ماذا يبحث الآخرون عني"، وأضاف، بعد أكثر من عام ونصف العام، أبلغوا المحامي بأنهم أغلقوا التحقيق، لكنهم لم يخبروني قط بنتيجة التحقيق. لم أعرف وقتها، ولا أعرف الآن، وربما لن أعرف أبداً".
لكن المسؤول السابق عبّر عن ارتياحه لتعليق تصريحه الأمني وأنه لم يكن جزءاً من الإدارة بعد اندلاع حرب غزة وإلا لكان استقال منها، وانتقد سياسة بايدن قائلاً، "لا أستطيع أن أفهم حقاً كيف يمكن للرئيس بايدن، ولعدد من كبار المسؤولين، أن يتحدثوا بحماسة عن رغبتهم في وقف إطلاق النار في غزة، وفي الوقت نفسه يمتنعون عن اتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيقه، لا مبرر لذلك".
وأضاف، "أنا اختلفت مع قرارات كثيرة للرئيس كلينتون، واختلفت مع بعض قرارات الرئيس أوباما، لكن هناك قرارات تتجاوز خطاً أخلاقياً، في هذه الحالة، المسألة تتعلق بمبدأ جوهري، فعدد متزايد من خبراء الهولوكوست وقضايا الإبادة الجماعية، وصفوا ما تفعله إسرائيل في غزة بأنه إبادة جماعية. عندما تشهد على ذلك وتستمر في تمكينه عبر تزويد إسرائيل بالسلاح الذي يضمن استمرار الحرب ويجعل حياة الفلسطينيين قابلة للتضحية، ولا تمارس سوى ضغوط رمزية موقتة، فأعتقد أنك بذلك تتجاوز الخط الأخلاقي الذي لا ينبغي تجاوزه".
ويستذكر مالي الخلاف مع وزير الخارجية السابق أنتوني بلينكن الذي كان زميل دراسة في المرحلة الثانوية في فرنسا، قائلاً، "من الطبيعي أن أختلف معه فقد كان من أبرز المساهمين في رسم هذه السياسة وليس خافياً أنني أعارض تلك السياسة التي كان جزءاً منها". وأضاف، "عرفت بلينكن عام 1975، كانت المناظرة الوحيدة التي أتذكرها طوال سنوات دراستي الثانوية هي مناظرة معه في عام 1979 حول الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. بلينكن مثّل وجهة النظر الإسرائيلية، وأنا مثلت وجهة النظر الفلسطينية... كنا صغاراً في السن، ولا نعرف كثيراً عن الموضوع، وربما بَدَونا ساذجين بالآراء التي طرحناها، لكننا كنا نعتقد أننا نخوض معركة عادلة، كل من موقعه".
أميركا تحولت لساعية بريد في كامب ديفيد
نشر السيد مالي مع المفاوض الفلسطيني حسين آغا كتاباً جديداً بعنوان "الغد هو الأمس"، لتقديم قراءة جديدة للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي ودورهما في محادثات كامب ديفيد. تُحمّل الرواية السائدة ياسر عرفات مسؤولية الفشل، لكن مالي يرى أن إيهود باراك وبيل كلينتون يتحملان المسؤولية أيضاً، وقال، "اُستغل فشل محادثات كامب ديفيد ليس لتشويه صورة عرفات فحسب، بل الشعب الفلسطيني بأسره باعتباره غير مؤمن بالسلام، فأصبح الخطاب السائد حول كامب ديفيد عام 2000، هو أن الفلسطينيين ذهبوا إلى القمة، وعندما فشلت، أطلقوا الانتفاضة الثانية".
ولفت إلى أنه بعد هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، "أعاد بعض الأميركيين إحياء هذا السرد للرد على أي انتقاد للسياسة الإسرائيلية، ليقولوا: لو أن الفلسطينيين وافقوا على عرض عام 2000 لما وصلنا إلى هنا اليوم، ولكان لديهم دولتهم، فلا يحق لهم الآن أن يشكوا من حرب غزة، فقد كان يمكن تجنّبها، لكن بعد مرور ربع قرن على تلك القمة، لا يؤمن أي مسؤول إسرائيلي بارز بحل الدولتين، بل إن غالبية أعضاء الكنيست صوتوا ضدّه، وما زال البعض يعود إلى الوراء 25 عاماً ليقول إن الفلسطينيين وراء الوضع المروع اليوم".
لا يزعم مالي أن الفلسطينيين كانوا على جانب الصواب دائماً، بل ينتقد القيادة الفلسطينية لعدم تبنيها نهجاً فعالاً وخلاقاً للتعامل مع الرئيس كلينتون وإيهود باراك، وتحقيق جميع مصالحها، لكن فكرة أن كل ما حدث كان "مؤامرة" دبّرها عرفات وأنه لم يكن يوماً مؤمناً بالسلام أو بحل الدولتين، هي "رواية لا تصمد أمام الحقائق، فالظروف التي أحاطت بالقمة كانت مصممة لتنفير عرفات"، على حد تعبيره.
واسترسل: "لا بد من التذكير بأن أول ما فعله إيهود باراك بعد انتخابه هو إعادة التفاوض على الاتفاق الذي أبرمه بنيامين نتنياهو، إذ رفض باراك الانسحاب من مناطق الضفة الغربية التي وافق نتنياهو على الانسحاب منها، وواصل بناء المستوطنات، وهو ما يعني الحديث عن السلام، ومواصلة ابتلاع الأراضي، ثم تجاهل باراك الفلسطينيين، وانشغل أشهراً لإبرام اتفاق مع سوريا. وعندما فشلت المفاوضات مع سوريا قرر باراك بين ليلة وضحاها أن الوقت قد حان للانتقال إلى الملف الفلسطيني، ومنحهم بضعة أسابيع فقط ليقرروا قبول عرضه أو مواجهة العزلة والتهميش. كان هذا هو الجو العام، يقول البعض إن هذا مجرد تحليل نفسي، لكن العامل النفسي، فكل ظروف قمة كامب ديفيد التي وُصفت بـ"الاتفاق أو الموت"، جعلت عرفات والرأي العام الفلسطيني مقتنعين بأنها كانت فخاً. كان الفلسطينيون مقتنعين أن هناك مؤامرة إسرائيلية - أميركية لتقديم عرض غير مقبول لهم، ثم إبلاغهم "إما أن تقبلوا العرض أو ستعانون العواقب"، هكذا فهم ياسر عرفات الأمر".
عرفات شم رائحة المؤامرة
يقول المسؤول الأميركي السابق إن "عرفات شم رائحة مؤامرة، بصرف النظر عما إذا كان ظنّه صائباً، وأدرك بأنه حتى إذا قبل العرض الإسرائيلي فهو لا يعرف ما التنازلات الإسرائيلية، لكنه كان يعرف التنازلات التاريخية التي قدمها وسيقدمها، وخشي أن يُنظر له كخائن أو عميل أو شخص لم يكن مخلصاً للقضية الفلسطينية". وما ساهم بهذا الشعور هو أسلوب كلينتون الذي يختلف كثيراً عن نهج كارتر قبل عقود في كامب ديفيد، حيث قدمت الولايات المتحدة مقترحاً للطرفين، وأجريت عليه بعض التعديلات في حال اعتراض طرف ما، مع الحفاظ على السيطرة على المقترح والعملية".
يستذكر مالي، "الرئيس كلينتون وضع المقترح على الطاولة، إيهود باراك لم يعجبه، وعرفات لم يعجبه، فقال الرئيس كلينتون "هذا كل شيء، لا مزيد من الأوراق، سنتحدث مع الطرفين". تحولت أميركا في تلك اللحظة إلى "ساعية بريد" بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما يعبر مالي، قائلاً، "أصبحنا ناقلي رسائل أقول هذا نقداً لنفسي لأنني كنت من الفريق الأميركي، كنا نأخذ المقترحات الأميركية والإسرائيلية ونقدمها للفلسطينيين. يقول الفلسطينيون هذا غير كافٍ، فنذهب للإسرائيليين، ونقدم اقتراحاً آخر". وأضاف، "ما جدوى كونك قوة عظمى؟ سيقوم ساعي البريد بعمل جيد بالقدر نفسه. ومرة أخرى أؤكد أن الفلسطينيين كان بإمكانهم أن يكونوا أكثر فاعلية واستعداداً لطرح أفكارهم، وفعل ما يجيده الإسرائيليون، وهو ألا يرفضوا مباشرة، بل أن يقولوا "نعم، ولكن"، ثم يعودون ويقدمون اقتراحاتهم الخاصة".
يتوصل الكتاب إلى أن جميع الأطراف أخطأت، مما جعل قمة كامب ديفيد صورة مختزلة للعلاقة الفلسطينية - الإسرائيلية، يشعر الإسرائيليون أنهم انتصروا في الحرب، ليس انتصاراً واحداً، بل انتصارات عدة: 1948، 1967، وطرد الفلسطينيين من بيروت، ولذلك، لا يتفهمون فكرة تسليم الأرض للطرف الخاسر في الحرب، على حد رأيهم. يصف مالي هذه العلاقة، قائلاً، من وجهة نظرهم، أي شيء يقدمونه للفلسطينيين هو هدية، بل ويصفون عرضهم بأنه "سخي"، لكن وجهة نظر الفلسطينيين مختلفة، إذ يشعرون أن أرضهم سُرقت عام 1948، أولاً من البريطانيين ثم من المجتمع الدولي، ثم قدم الفلسطينيون التنازل الأكبر، حين أبدوا استعداداً للعيش على حدود 1967".
كلينتون خان وعده لعرفات
استقبل الرئيس كلينتون انهيار محادثات كامب ديفيد بصعوبة ومشاعر غضب تجاه الفلسطينيين، إذ يستذكر مالي ردة فعله، قائلاً، " في بداية حديثنا معه قال الرئيس كلينتون إنه شعر بالخيانة من قبل الفلسطينيين وشعر أنهم لم يكونوا جادين في كامب ديفيد، وأنهم جاؤوا فقط للتمسك بمواقفهم وقول "لا" ثم المغادرة، وبسبب ذلك نشب خلاف كبير بين كلينتون وأبو علاء (أحمد قريع المفاوض الفلسطيني آنذاك)".
وبحسب المسؤول السابق، "أظهر كلينتون أنه لم يكن متعاطفاً مع الفلسطينيين ولم يستوعب روايتهم ولم يفهم سبب إحساسهم بأنهم يقدمون تنازلات حقيقية. هكذا شعر كلينتون، رغم أن الفلسطينيون كانوا صادقين منذ عام 1988 حين قبلوا حدود 1967 وحل الدولتين".
وقال مالي إن "عرفات توسل للرئيس كلينتون في مكالمة هاتفية حضرتُها لإلغاء محادثات كامب ديفيد، وفي اجتماع مع وزيرة الخارجية ألبرايت. ناشدهما عرفات قائلاً، "دعونا لا نذهب إلى كامب ديفيد لأنها ستكون كارثة لن نتحمل انفجارها في وجوهنا" ولكن قيل له، "سنذهب، ولن تُحمّل المسؤولية إذا فشلت القمة، فقد التزم إيهود باراك بالتراجع عن إعادة نشر القوات الإسرائيلية في الأراضي التي وافق نتنياهو على الانسحاب منها".
لكن ما حدث أن كلينتون خان وعده لعرفات وألقى باللوم عليه، إذ يقول مالي، "مباشرة بعد فشل كامب ديفيد، ألقى الرئيس كلينتون المسؤولية على عاتق عرفات، بذريعة أنه عندما قال لعرفات إنني لن ألومه، كان ذلك على افتراض أن عرفات سيتفاوض بحسن نية، لكن ذلك لم يحدث". وأضاف مالي، "كلينتون نقض وعده لعرفات، وعوّق ذلك عملية السلام في المستقبل، لأنك إذا كنت تريد الحفاظ على فرصة لاستئناف المفاوضات فلا يمكنك شيطنة أو تقويض شرعية أحد أطراف التفاوض بقولك إنه الملام، والطرف الآخر ليس كذلك".
وكشف المسؤول الأميركي السابق أن كلينتون وجّه اللوم إلى عرفات لإنقاذ سمعة إيهود باراك المتدهورة داخلياً قبل الانتخابات وقال، "باراك تحدث هاتفياً مع الرئيس كلينتون وقال له عليك أن تدعمني، عليك أن تقول علناً أنني كنت شريكك، واتخذت قرارات تاريخية، وأن عرفات مسؤول عن فشل القمة. شعر كلينتون بأنه مدين لباراك فقدّم له الدعم، وأعتقد أن كلينتون كان غافلاً عن التنازلات الفلسطينية، ولدى الولايات المتحدة ميل تاريخي إلى أن تكون متعاطفة مع إسرائيل وغير متعاطفة بما يكفي تجاه فلسطين".
حل الدولتين وبدائل أخرى
تعرّض الكتاب لانتقادات بسبب لغته المتشائمة بشأن حل الدولتين، فغياب الدولة بالنسبة للمؤلفين، ليس سبب المصائب الفلسطينية، وقيامها لن يكون الحل، لكن مالي لا يرى في ذلك تشاؤماً، وهو لا يعترض على طرح حل الدولتين بحسن نية ويقول إنه قد يكون ممكناً، لكنه يدعو إلى الإقرار بأن كل الجهود لتنفيذه فشلت، ولذلك يقول، "من المهم أن نكون ابتكاريين في حلولنا، هناك بعض الإسرائيليين والفلسطينيين الذين يفكرون في هوية ونظرة أكثر مرونة للسيادة، قد تُلبي الطموحات الوطنية للطرفين، وهذا هو التحدي الذي نطرحه على قراء الكتاب".
وأضاف، "الوضع اليوم أصعب لتحقيق حل الدولتين، الثقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين تراجعت إلى أدنى مستوياتها، وازدياد عدد المستوطنات يصعب فك الاشتباك بين الإسرائيليين والفلسطينيين. كذلك هناك أكثر من 700 ألف مستوطن يهودي في الضفة الغربية والقدس؟ ماذا سيفعلون بهم؟ وما الجواب لملايين اللاجئين الفلسطينيين المشتاقين لأرضهم، تلك تطلعات لا يمكن ببساطة محوها أو تجاهلها. بعد 30 عاماً من عملية السلام، لنأخذ خطوة للوراء، لنضمن نهاية المجازر في غزة، وربما نتمكن من المضي قدماً نحو شيء أكثر استدامة هناك، ثم نسأل، ما الخطأ؟ ما الأسباب التي أوصلتنا إلى هذا الوضع؟، ربما سينتهي بهم الأمر إلى دولتين، لكن دعونا نتعلم دروس الماضي".
مالي، المنتمي إلى الحزب الديمقراطي، لم يغفل دور الرئيس دونالد ترمب في التوصل لوقف إطلاق النار في غزة رغم هشاشته، مشيراً إلى أنه اتبع أسلوباً سياسياً مختلفاً عبر التوظيف المباشر للنفوذ الأميركي على جميع الأطراف، واستعداده للعمل مع دول المنطقة وإشراكها في عملية السلام، بما في ذلك التحدث مباشرة مع "حماس"، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ الدبلوماسية الأميركية".
وحذّر مالي من المبالغة بتقدير القوة الأميركية، قائلاً، "في العالم العربي صورة ذهنية عن أميركا باعتبارها قوة قادرة على تحريك الخيوط في كل مكان في المنطقة، وهذا جزء من الذهنية التآمرية التي تفترض أن الولايات المتحدة وراء كل حدث، من دون إدراك أن الولايات المتحدة أثبتت مراراً وتكراراً أنها لا تملك القدرة على التحكم في مجرى الأحداث كما يُتصوَّر. انظر إلى ما جرى خلال العقود الأخيرة في أفغانستان وفي العراق ومع إيران، ثم خلال الربيع العربي وفي سوريا، ففي كل مرة تحاول واشنطن تحقيق نتيجة معينة، ينتهي الأمر بنتائج معاكسة تماماً، لأسباب لا علاقة لها بها أصلاً، لذلك من الخطأ الجسيم النظر إلى أميركا كقوة قادرة على كل شيء.
وعن توصيته للعرب في التعامل مع واشنطن، قال، "كثيرون يقللون من شأن النفوذ العربي وأقول هذا لجمهور عربي، يمكن للعرب أن يفعلوا الكثير للتأثير في السياسة الأميركية... يملك العرب اليوم أدوات ضغط حقيقية، لأن هذه الإدارة تحتاج إلى شركائها العرب في ملفات عدة. لذا، لا تُبالغوا في تقدير قوة أميركا، ولا تقللوا من قوة تأثيركم، فالمبالغة في الأولى والتهاون في الثانية وصفة لرفع الأيدي استسلاماً، والاكتفاء بانتقاد واشنطن من دون محاولة التأثير فيها، انتقدوا، نعم، لكن افهموا أن ما يجري ليس دائماً بتصميم أميركي، بل في كثير من الأحيان علامة ضعف أكثر منه علامة قوة. وهناك طرق كثيرة للتأثير في السياسة الأميركية لم تُستغل بعد كما ينبغي.