ملخص
يشير الإسرائيليون إلى الوجود العسكري التركي في قبرص وغرب ليبيا ليثبتوا أنه إذا دخلت أنقرة عسكرياً إلى غزة فهي لن تخرج. لذا أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفضه للانتشار التركي في القطاع وسنرى تطور الموضوع.
منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن مشروعه ونقاطه الـ20 لوقف الحرب في غزة، والنقاش يتصاعد حول المراحل الجيوسياسية للمشروع بما فيها الانسحاب الإسرائيلي وتسليم سلاح "حماس"، بخاصة تأليف "قوة أمن دولية" للانتشار في القطاع. وإذ إن هذه الأخيرة تظهر وكأنها مفتاح الأولى والثانية، تتكثف الأسئلة والتكهنات حول هذه القوة المفترضة. ما هي مهماتها وتحت أية مظلة قانونية وانتشارها، والأهم ممن ستتألف؟ وليست هناك أجوبة واضحة عن هذه الأسئلة ولكن هناك تكهنات واحتمالات وسيناريوهات مختلفة وتوقيتات متغيرة نستشرف بعضها في هذه المقالة.
ماذا نعرف حتى الآن؟ ما هو ملحوظ هو ما تقرر على الورق حتى الآن وهي وثائق موقعة، ووجود قوة أمنية للاستقرار والأمن هو بند ثابت ولا مفر منه، ولكن السؤال الأول هو متى يجري تأليف مثل هذه القوة؟ تأتي الأجوبة من جهات عدة ومن زوايا عدة. الخبر الأول لإيجاد هذه القوة هو قناعة دولية بأن القطاع يجب أن يكون خالياً من القوات الإسرائيلية من ناحية ومن "حماس" من ناحية ثانية. ولعل هذا الخيار هو الوحيد بدلاً من خيار التفكيك الإسرائيلي الكامل للحركة، لو استمر جيشها بالعملية كاملة. فلولا تدخل ترمب بناء على طلب دول عربية وشرق أوسطية، بخاصة قطر وتركيا لإيقاف حكومة نتنياهو عن استكمال السيطرة، لما كان هناك طرح لقوة دولية مسؤولة عن الأمن والسيادة بل ربما وحدات دولية للمراقبة والمساعدة الإنسانية في قطاع تحت السيطرة الإسرائيلية. إلا أن إدارة ترمب التي وضعت جداراً أمام تقدم القوات الإسرائيلية هي التي طرحت قوات عربية- دولية للإمساك بغزة، مما تطلب انسحاباً إسرائيلياً محدوداً إلى منطقة باتت شبيهة بغلاف إسرائيلي داخل القطاع. وكما كتبنا سابقاً انقسمت غزة إلى شرقية يسيطر عليها الإسرائيليون وغربية لا تزال "حماس" تنتشر ضمنها، هي المنطقة الأخيرة التي يجب نشر قوات دولية فيها حتى الانسحاب الإسرائيلي الأخير.
وإدارة ترمب أعلنت للشعب الأميركي أنها لن تنشر قوات برية في القطاع، ربما طيراناً في المنطقة وقطعاً بحرية وإداريين وأقامت مركزاً للتنسيق الإقليمي داخل إسرائيل، إلا أن أحداً لا يمكنه أن يضمن ألا تأتي قوات أميركية لحماية المشاريع البنيوية في المستقبل، ولكن ليس الآن. إلا أن بعض خبراء مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة قلقون من انتشار أية قوة أميركية لأنها قد تستهدف من قبل "الإسلاميين القتاليين". بالتالي فتحت لواء ترمب، وما لم يحصل تطور دراماتيكي مفاجئ، فالقوة الدولية ستتشكل من قوات غير أميركية. فمن تكون؟
التقارير متعددة ومختلفة، وأحد السيناريوهات التي جرى الكلام عنها قد يكون أسرع إذا تمت الموافقة عليه وهو أن تدخل قوات تركية ضمن القوة الدولية في غلاف غزة، لكن إسرائيل تخشى من إنشاء قاعدة عسكرية تركية على مسافة 15 إلى 20 كيلومتراً من تل أبيب لأن أنقرة قد تنقل صواريخ باليستية ومضادة للطائرات، إضافة إلى سفن حربية إلى المنطقة، مما يغير ميزان القوى مع إسرائيل نهائياً، ولا سيما مع استمرار المواجهة مع إيران.
ويشير الإسرائيليون إلى الوجود العسكري التركي في قبرص وغرب ليبيا ليثبتوا أنه إذا دخلت أنقرة عسكرياً إلى غزة فهي لن تخرج. لذا أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفضه للانتشار التركي في القطاع وسنرى تطور الموضوع. إلا أن بعض المصادر أفادت بأن دولاً عربية معنية بالملف هي أيضاً قلقة من وجود عسكري تركي في القطاع ولكن من دون أن تعلن هذا القلق. فانتشار عسكري لأنقرة على ساحل شرق المتوسط الجنوبي يضحى قريباً جداً من قناة السويس والبحر الأحمر والجزيرة العربية ودعم حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان للميليشيات "الإخوانية" في ليبيا بالمعدات الحربية هو مصدر قلق للتحالف العربي وإن لم يعبر عن ذلك علناً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإدارة ترمب قد لا تجد سبباً لرفض المشاركة التركية في غزة ولكنها ستجد معارضة في الكونغرس الأميركي ولدى القوى المؤيدة لإسرائيل داخل الولايات المتحدة، ويصعب التكهن إذا قرر أردوغان أن يدخل إلى غزة كما دخل إلى طرابلس الغرب، أي "إنزال من دون إذن من أحد" وذلك قد تكون له عواقب كثيرة ومن الممكن أن تتدخل واشنطن لإقناع إسرائيل وبعض العرب بوحدات تركية رمزية، مع ضمانات ألا تتحول إلى قوى هجومية أو قوات مظلة لبقاء "حماس" أو وحدات إسلامية مقاتلة شبيهة بميليشيات "الجيش الوطني" في شمال سوريا. والموضوع لا يزال عالقاً حتى الآن.
وبغض النظر عن مشاركة مصر وتركيا في غزة، يبقى سؤال وجيه آخر وهو طبيعة الرابط القانوني للقوة، هل ستكون تحت مظلة الأمم المتحدة أم في إطار "تحالف القادرين "؟ فإذا كان الخيار الأميركي الاستحصال على قرار لمجلس الأمن، فستصطدم واشنطن بموسكو وبحق "الفيتو" وتذهب الأمور إلى مفاوضات دولية تدخل في حساباتها الأجندات المعقدة وعلى رأسها الحرب في أوكرانيا، مما قد يؤخر قراراً أممياً. لذا الخطة "ب" أي تحالف بقيادة أميركا قد يتحول إلى خطة "أ" لتسريع الأمور.
من هنا في الخلاصة المرحلية لا تزال هناك مسافة زمنية لعبور هذه التحديات وقد تكون هناك تحديات ناجمة عن صدامات غير مضبوطة بين إسرائيل و"حماس" تؤخر الآلية ربما. ولك أمران من الضروري أن يحدثا للاستفادة من الفرصة التاريخية، أولاً أن يستمر التنسيق الأميركي- الإسرائيلي والأميركي- العربي، وثانياً أن تكون هناك قوة فصل دولية تتحول إلى قوة سلام لأنه من دون ذلك، فغيوم الحرب سوف تعود.