ملخص
الواقع أن إسرائيل صارت أكثر من محمية أميركية، فهي في حاجة إلى الحماية الأميركية عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً، وهي خسرت عملياً التفرد بقرار الحرب والسلم الذي صار في يد ترمب.
الطريق إلى "اليوم التالي" في غزة ليس قصيراً، بصرف النظر عن الانطباع الذي كرسه المشهد الاحتفالي في قمة شرم الشيخ، والضوابط الأميركية القوية التي تمنع حكومة بنيامين نتنياهو من معاودة الحرب ليست عائقاً أمام الحوافز التي تدفع الطرفين المباشرين إلى التباطؤ في الانتقال من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية في خطة الرئيس دونالد ترمب، فلا إسرائيل التي تستعجل استعادة جثث المخطوفين وتعرقل فتح المعابر وتدفق المساعدات الإنسانية للضغط على "حماس" تريد العجلة في مفاوضات المرحلة الثانية، ولا "حماس" التي همها الأول هو الحصول على ضمانات مصرية وقطرية وتركية وأميركية بالطبع تؤكد أن "الحرب انتهت" لها مصلحة في التفاوض السريع على المرحلة الثانية.
إسرائيل التي تشهد زحاماً لأركان الإدارة الأميركية فيها لضبط موقفها، تتخوف من التأثير العربي والإسلامي في موقف ترمب بالنسبة إلى صورة اليوم التالي المختلفة عن تصورها الذي لم يكتمل بعد، و"حماس" التي سارعت إلى تفعيل حكمها للقطاع، وتتمسك بالحفاظ على سلاحها بصورة أو بأخرى، تعرف أن مفتاح البحث في اليوم التالي هو أن تتخلى عن السلاح وحكم غزة، أما ترمب فإنه يلعب دور الضابط للكل، فهو يهدد "حماس" بالجحيم ونزع سلاحها بالقوة إن حاولت التمسك به، بعدما قبلت خطته التي تتضمن التخلي عن السلاح، ويهدد إسرائيل بأنها ستفقد كل الدعم الأميركي إذا ضمت الضفة الغربية، قائلاً للمرة الأولى إنه وعد الدول العربية والإسلامية بمنع إسرائيل من ضم الضفة، ولن يتراجع عن وعده، والكل يعرف كيف ستدار اللعبة.
نتنياهو يتصرف على أساس أنه شريك ترمب، ويقول إن إسرائيل "ليست محمية أميركية"، فيسايره نائب الرئيس جي دي فانس الذي كان من زوار القدس بالقول "نحن لا نريد محمية"، لكن الواقع أن إسرائيل صارت أكثر من محمية أميركية، فهي في حاجة إلى الحماية الأميركية عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً، وهي خسرت عملياً التفرد بقرار الحرب والسلم الذي صار في يد ترمب، و"حماس" التي تعرف ما ينتظرها تسعى إلى تعديل الصورة، لكن اللعبة صعبة عليها، فهي حالياً طرف في المفاوضات مع إسرائيل عبر الوسطاء المصريين والقطريين والأتراك، وبالطبع الأميركيين، وعندما تصل الأمور إلى التخلي عن الحكم والسلاح فإنها تصبح خارج اللعبة ولن تبقى طرفاً.
والسؤال هو: ماذا عن قول فانس إن "إسرائيل وضعت السكين في حلق 'حماس' والولايات المتحدة قامت بعزل الحركة؟" هل هذه معادلة دائمة؟ وماذا عن أهل غزة: هل حدث تبدل في المواقف بعد الدمار والمآسي والضحايا؟ وماذا عن المعادلة العربية التي عنوانها تهميش "حماس" وإصلاح السلطة الوطنية الفلسطينية؟ والجواب الأيديولوجي جاهز: لا مجال لاقتلاع فكرة متجذرة ولو جرى تجريد حركتها من السلاح، والجواب الواقعي هو أن إدارة الحكم في غزة من خلال مجموعة من التكنوقراط الفلسطينيين المستقلين لن تستطيع الخروج بعيداً من الإدارة العميقة التي أنشأتها "حماس" منذ عام 2007، و "من أخطاء أميركا اعتبارها أن هزيمة أية أيديولوجيا يمكن أن تغيّر الـ 'جيوبوليتيك' بصورة دائمة"، كما يقول ماكس بوت في كتاب جديد عن "ريغان حياته وأسطورته".
ذلك أن"حماس"، بصرف النظر عن النقاش الدائر حالياً حول عملية "طوفان الأقصى" والفارق بين التخطيط الدقيق الناجح لها وبين ما تلاها من حسابات خاطئة بالنسبة إلى الرهان على "وحدة الساحات في محور المقاومة"، كما رد الفعل الإسرائيلي الذي أدى إلى أكبر تغيير إستراتيجي، أخطأت في فصل القطاع عن الضفة الغربية وفك الارتباط بالسلطة الوطنية في رام الله، شيء مثل تحويل غزة إلى قاطرة مفصولة عن قطار السلطة الوطنية ولو كان متوقفاً، وشيء من الارتباط الأيديولوجي بقطار مشروع إيراني مضاد للأكثرية العربية، ومبادرة السلام العربية يرفع شعار إزالة إسرائيل وإخراج أميركا من غرب آسيا، وهذا انتهى ولو جرت جولة عنف أخرى في غزة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا أحد يجهل خطورة اللعب مع ترمب، ولا فرق بين الحلفاء والخصوم، ولعبته اليوم هي سلام الشرق الأوسط، فلا سلام القطاع له قيمة ولو صار "ريفييرا" مزدهرة من دون الارتباط بالضفة الغربية، ولا العمل من أجل دولة فلسطينية على أساس "حل الدولتين" ممكن من دون أن يكون جزءاً من حل شامل للبنان وسوريا والعراق واليمن، وإذا كان ترمب يعرض على إيران الانضمام إلى سلام الشرق الأوسط فإنه واثق، لا فقط من أن الجمهورية الإسلامية هي في اتجاه معاكس، بل أيضاً أن المشروع الأميركي هو على حساب المشروع الإيراني.
وإذا كان "أمر اليوم" في واشنطن هو أن يأخذ كل بلد موقعه كقاطرة في قطار السلام الأميركي، فإن الوجه الآخر له هو تفكيك القطار الإيراني، وتحذير طهران من أن رأس النظام في الدق إن حاول استعادة ما كان له من نفوذ، وما أسسه من فصائل مسلحة في المنطقة، وكل شيء على المكشوف.
مهمة "المقاومة الإسلامية" هي البقاء في حال حرب لا في حرب مع إسرائيل، وفي حال عداء مع أميركا من أجل المشروع الإقليمي الإيراني، لكن المشروع يقترب من النهاية بعد حرب غزة وحرب لبنان وحرب إيران وسقوط نظام بشار الأسد، وأدواته تنتهي قبل أن يكتمل سلام الشرق الأوسط، ومن الوهم تصوير هذا السلام الذي يستعيد فيه العرب دورهم بأنه مجرد توسيع "اتفاقات أبراهام"، والوهم الأكبر هو تصور العودة اليوم لحسابات عام 1948 والأخطاء في قراءة موازين القوى والمصالح الدولية، وأمامنا درسان من الرئيس رونالد ريغان الذي يعلق ترمب صورته في مكتبه، واحد لترمب وهو القول "أنا لا أطبخ كل الطبخات ولا أغسل كل الصحون"، وآخر للممانعين هو "أن الذهاب إلى المنحدر والرايات ترفرف يبقى ذهاباً إلى المنحدر".