Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مستقبل الصحراء الغربية بين الحكم الذاتي والاستفتاء الشعبي

يرى مراقبون أن المجتمع الدولي يؤيد التصويت على مصير الإقليم وجبهة البوليساريو تتمسك بمخطط استقلالي

يرى مراقبون أن موقف جبهة البوليساريو ينم عن "تغيير إيجابي" قد يمهد لطي صفحة هذا النزاع (أ ف ب)

ملخص

أكدت مسودة مشروع القرار الأميركي ضرورة التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين، مشيدة بالمخطط المغربي للحكم الذاتي، باعتبارها "الأكثر جدية وموثوقية وواقعية وأساساً وحيداً للتفاوض"، وفق الوثيقة الأميركية.

قبيل أيام من تصويت مجلس الأمن الدولي على مشروع قرار جديد في شأن ملف الصحراء في الـ31 من أكتوبر الجاري (تشرين الأول) الجاري، أعلنت جبهة البوليساريو، المطالبة بانفصال منطقة الصحراء عن سيادة المغرب، "قبول الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية بنتيجة استفتاء شعبي".

ويرى مراقبون أن موقف جبهة البوليساريو ينم عن "تغيير إيجابي" قد يمهد لطي صفحة هذا النزاع الذي عمر طويلاً، سيما في خضم المواقف الدولية الداعمة لمخطط الحكم الذاتي، بينما يعتبر آخرون أن الجبهة تسعى إلى "كسب الوقت في مناورة دبلوماسية مكشوفة".

مقترح وموقف البوليساريو

قدمت البوليساريو أخيراً، على لسان المسؤول عن الشؤون الخارجية في الجبهة محمد يسلم بيسط، رؤيتها لمستجدات حل نزاع الصحراء، خصوصاً في ظل الدعم الواضح والعلني للولايات المتحدة لمخطط الحكم الذاتي، وأيضاً في سياق مشروع القرار الأميركي المقدم إلى مجلس الأمن الدولي.

وأكدت مسودة مشروع القرار الأميركي ضرورة التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين، مشيدة بالمخطط المغربي للحكم الذاتي، باعتبارها "الأكثر جدية وموثوقية وواقعية وأساساً وحيداً للتفاوض"، وفق الوثيقة الأميركية.

ورهن القيادي في جبهة البوليساريو قبول المخطط المغربي المتعلق بالحكم الذاتي في الصحراء تحت سيادة المملكة بنتيجة "استفتاء شعبي" يتم فيه استفتاء المواطنين الصحراويين، غير أن مسألة الاستفتاء كانت ولا تزال الرباط ترفضها بصورة قاطعة.

وأورد القيادي في البوليساريو بأن "تناول مقترح الحكم الذاتي خارج إطار الاستفتاء أمر غير وارد، ولا يمكن قبوله بأية صورة"، باسطاً ثلاثة خيارات تراها الجبهة المطالبة بالانفصال "مقترحاً موسعاً" لحل نزاع الصحراء، وهي: الاستقلال، والاندماج، والارتباط الحر.

وفي السياق واجهت جبهة البوليساريو، على لسان ممثلها في الأمم المتحدة محمد عمار مشروع القرار الأميركي المقدم إلى مجلس الأمن بالرفض، إذ اعتبرته "انحرافاً خطراً وغير مسبوق ليس فقط عن مبادئ القانون الدولي التي تقوم عليها مسألة الصحراء كقضية تصفية استعمار، ولكن أيضاً عن القاعدة التي يتناول على أساسها مجلس الأمن قضية الصحراء".

واعتبر عمار في رسالة وجهها إلى رئيس مجلس الأمن الحالي الروسي فاسيلي نيبينزيا أن جبهة البوليساريو أبانت عن حسن نية بتقديم مقترح موسع إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وأنها لا تزال مستعدة للانخراط بصورة إيجابية في عملية السلام على أساس روح ومحتوى مقترحها الموسع".

مناورة دبلوماسية

ولم يصدر إلى اليوم موقف رسمي مغربي حيال إعلان جبهة البوليساريو "استعدادها للدخول في مفاوضات مباشرة وجادة مع المغرب، بحسن نية ومن دون شروط مسبقة، تحت رعاية الأمم المتحدة، على أساس روح ومضمون المقترح الموسع".

في المقابل يرى مسؤول دبلوماسي مغربي سابق أن موقف البوليساريو يأتي في سياق الدعم الدولي المتزايد للمخطط المغربي لحل نزاع الصحراء، وعلى رأسه موقف أميركا الداعي إلى اعتماد "الحكم الذاتي"، لأنه الأكثر واقعية بدل طرح إجراء استفتاء بالصحراء.

ولم يستبعد المصدر الدبلوماسي أن تكون جبهة البوليساريو بهذا التوجه، الذي يبدو ظاهراً جديداً، وهو في الحقيقة لا يقدم جديداً، تعمل على ربح الوقت في معركة كسب ملف الصحراء، بإثارة هذه المناورة الدبلوماسية حتى لا تظهر بمظهر المتعنت أمام إصرار واشنطن على استعجال حل النزاع على أساس المخطط المغربي الواقعي".

من جهته يعلق أستاذ العلاقات الدولية أحمد نور الدين على الموضوع بقوله إن تصريحات ومواقف البوليساريو هذه هي بمثابة إعلان للاستسلام، لأنها منذ الـ14 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، وهي ترفع شعار "لا بديل عن الحرب والعودة لحمل السلاح"، قبل أن تتكاثف عدد من المستجدات الدولية المتعلقة بهذا الملف.

وذكر نور الدين من هذه المستجدات المتلاحقة "تصريح ستيف ويتكوف، مستشار الرئيس الأميركي، الذي أكد أن الصلح بين المغرب والجزائر سيتم خلال 60 يوماً، وأيضاً تسريبات لمسودة القرار الجديد لمجلس الأمن حول الصحراء، الذي يفيد بتمديد انتداب بعثة "المينورسو" لثلاثة أشهر فقط، بدل سنة كاملة، وفي حال لم تتوصل الأطراف إلى حل فإن إنهاء مهمات البعثة الأممية يبقى أحد الخيارات المطروحة، كما أنه في نفس الفترة صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن الحكم الذاتي في الصحراء صورة من صور تقرير المصير".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومضى المحلل نفسه قائلاً إنه أمام هذا الطوفان الدولي المساند للموقف المغربي بخصوص حل نزاع الصحراء، رضخت الجزائر التي تدعم جبهة البوليساريو لإملاءات القوى الدولية الكبرى، وهو ما انعكس على تغيير موقف الجبهة في شأن هذا الملف.

ووفق الأستاذ الجامعي عينه، يحمل تصريح القيادي في جبهة البوليساريو في طياته عرقلة الوصول إلى حل، لأنه يريد إعادة الوضع إلى نقطة الصفر، حين يقول إنه يقبل مقترح الحكم الذاتي بشرط عرضه على الساكنة للاستفتاء، وهو يعلم أن هذا الاستفتاء أعلنت الأمم المتحدة في تقرير الأمين العام السابق كوفي عنان عام 2004 استحالة تنظيمه، بسبب الخلاف حول لوائح الذين يحق لهم المشاركة، وبسبب انسحاب الجبهة من لجان تحديد الهوية"، قبل أن يخلص نور الدين إلى أن "قبول الجبهة الانفصالية المفاوضات حول الحكم الذاتي، يعد مجرد مناورة لربح الوقت في انتظار أن تتغير الظرفية الدولية".

هل الاستفتاء ممكن؟

إجراء استفتاء شعبي في الصحراء، يراه مولاي هشام معتضد، أستاذ العلاقات الدولية والباحث في الشأن الاستراتيجي، "استحضاراً لصورة من الماضي أكثر مما هو تصور لمستقبل واقعي"، موضحاً أن "فكرة الاستفتاء ولدت في سياق الحرب الباردة، حين كانت المعادلات الإيديولوجية تحدد مصير الشعوب أكثر مما تفعله الحقائق الميدانية، لكن الزمن تغير، والمغرب بدوره غير أدواته، فانتقل من منطق الدفاع إلى منطق البناء والسيادة الهادئة على الأرض".

وأفاد معتضد بأنه من الناحية التقنية، بات الاستفتاء مستحيلاً، لأن القاعدة الديموغرافية التي يفترض أن تبنى عليها العملية لم تعد موجودة، لأن سكان الأقاليم الجنوبية اليوم يمثلون فسيفساء اجتماعية من أبناء الصحراء الأصليين والمغاربة الذين استقروا فيها منذ عقود، فهو جيل جديد ولد وتربى في كنف الدولة المغربية، يدرس في جامعاتها ويصوت في مؤسساتها وينخرط في اقتصادها الوطني، وبالتالي فكيف يمكن للأمم المتحدة أن تنظم استفتاء، بناء على لوائح تعود لمنتصف السبعينيات، في منطقة أصبحت مندمجة بالكامل في البنية المؤسسية للمملكة؟ وفق ما يتساءل الباحث.

وأما من الزاوية القانونية والدبلوماسية، يردف المحلل، تجاوز مجلس الأمن نفسه فكرة الاستفتاء، فكل قراراته منذ أكثر من عقدين تتحدث عن "حل سياسي واقعي عملي ودائم قائم على التوافق"، ولم تعد عبارة "الاستفتاء لتقرير المصير" تظهر في أي قرار أممي حدي.

وأكمل معتضد "هذا التحول لم يكن لغوياً فحسب، بل يعكس إدراك المجتمع الدولي لاستحالة تطبيق ذلك الخيار من دون المخاطرة بزعزعة استقرار المنطقة بأكملها، فالأمم المتحدة انتقلت من منطق "الاختيار بين الانفصال أو البقاء" إلى منطق "التوافق داخل السيادة"، والمغرب كان السباق إلى ترجمة هذا التحول من خلال مبادرة الحكم الذاتي عام 2007.

لغة من دون صدى

وفق معتضد، لا تعد مبادرة الحكم الذاتي المغربية مجرد مقترح سياسي، بل هندسة متكاملة لحل نهائي يضمن كرامة الساكنة ويحافظ على سيادة الدولة، فهي عرض جاد وذو صدقية، كما وصفته الأمم المتحدة نفسها، لأنه يجمع بين خصوصية الهوية الصحراوية ومقتضيات الدولة الحديثة"، مبرزاً أنه عرض حظي بدعم واسع من القوى الكبرى، من واشنطن إلى باريس ومدريد، التي رأت فيه الطريق الواقعي الوحيد للخروج من مأزق نزاع طاول أكثر مما يجب".

وتوقف الباحث عينه عند إعلان جبهة البوليساريو استعدادها "النظر في المقترح المغربي شرط أن يختاره الشعب الصحراوي عبر استفتاء"، وقال إنه من وجهة نظر استراتيجية، محاولة متأخرة لتجميل خطاب فقد جاذبيته الدبلوماسية، فالجبهة تعلم أن لغة الاستفتاء لم تعد تجد صدى لا في مجلس الأمن ولا في العواصم المؤثرة، وأن الرهان عليها اليوم لا يتجاوز حدود المناورة الإعلامية لاستعادة حضور سياسي باهت بعد سلسلة من النكسات الميدانية والدبلوماسية".

وشدد معتضد على أن "الواقع الجديد في الصحراء هو واقع مغربي بامتياز، بدليل وجود بنية تحتية متقدمة، ونمو اقتصادي متسارع، ومشاريع طاقية كبرى، ومشاركة سياسية فعالة لسكان المنطقة في مؤسسات الدولة"، متابعاً بالقول "اليوم لم يعد السؤال هو "من يحكم الصحراء؟"، بل "كيف تدار الصحراء بحكم ذاتي موسع داخل السيادة المغربية؟".

واستطرد المتكلم بأن القول إن "الاستفتاء ممكن" هو تجاهل لثلاث حقائق: استحالة التقنية، وانتفاء المرجعية القانونية، وتحول الإرادة الدولية"، مورداً أن المغرب لم ينتظر إذناً من أحد ليمضي في ترسيخ سيادته، لكنه اختار أن يفعل ذلك بذكاء استراتيجي يوازن بين الواقعية السياسية والانفتاح الدبلوماسي، وبالتالي الحديث عن الاستفتاء اليوم يشبه، التلويح بخريطة طريق اختفت معالمها منذ زمن، وفق معتضد، بينما الطريق الوحيد الذي ما زال مفتوحاً أمام الجميع هو طريق الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير