ملخص
صارت احتجاجات "شباب زد" أقل عدداً خصوصاً بعد خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس في الـ10 من أكتوبر الجاري، الذي حث على تسريع الإصلاحات في القطاعات الاجتماعية، وتخصيص الحكومة 15 مليار دولار للصحة والتعليم في موازنة عام 2026.
يتوسط مطلب "محاربة الفساد" جميع الشعارات المرفوعة من طرف "شباب زد" في المغرب في الاحتجاجات التي بدأت بوتيرة يومية في أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي قبل أن تصبح بوتيرة مرة في كل نهاية أسبوع، آخرها الدعوات إلى وقفات احتجاجية لليوم السبت وغداً الأحد.
ودفعت احتجاجات "شباب زد" الحكومة إلى سن تدابير وإجراءات كفيلة بإعطاء نفس جديد لمخطط مكافحة الفساد، في وقت ينتقد فيه عديد من المنظمات الحقوقية المهتمة، التقاعس الحكومي في اجتثاث الفساد والوقاية منه، بدليل إهمال وعدم تفعيل كثير من القوانين المرتبطة بمحاربة تلك الظاهرة.
"شباب زد" ضد الفساد
يصر "شباب زد" على تحويل شعارات "محاربة الفساد" إلى مطلب مركزي ومحوري في جميع وقفاتهم السلمية منذ بدايتها قبل بضعة أسابيع إلى اليوم، على رغم تراجع الزخم الاحتجاجي لهذه الحركة الشابة التي انطلقت بالمطالبة بتحسين خدمات الصحة والتعليم في البلاد.
ومن أشهر الشعارات المرفوعة في هذا الصدد "باراكا من الفساد راكم شوهتو البلاد"، و"هذا المغرب الطبقي، شي خدام وشي باقي"، و"إحداث قطيعة مؤسساتية مع الاحتكار والريع والفساد"، وغيرها من الشعارات المطالبة بمحاربة الفساد في البلاد.
وصارت احتجاجات "شباب زد" أقل عدداً، خصوصاً بعد خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس في الـ10 من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، الذي حث على تسريع الإصلاحات في القطاعات الاجتماعية، وتخصيص الحكومة 13 مليار يورو (15 مليار دولار) للصحة والتعليم في موازنة عام 2026.
وأفادت النداءات الجديدة لحركة "جيل زد" بأن الحراك السلمي للشباب في كثير من مدن وبوادي المملكة أثمر بعض المكاسب، من قبيل الرفع من موازنتي الصحة والتعليم، وبعض إجراءات تخليق العمل السياسي، في إشارة إلى تخصيص الحكومة مليارات الدولارات للقطاعين معاً.
واستدركت حركة "جيل زد" ضمن بيان لها على أن "هذه المكاسب غير كافية على رغم أهميتها، ما دام ليس هناك إقرار صريح وآليات واضحة لمحاربة الفساد وتضارب المصالح وربط المسؤولية بالمحاسبة".
مداخل محاربة الفساد
يقول جواد بروك، أحد الشباب الناشطين في "جيل زد"، إن محاربة الفساد هو المطلب الذي تدور حوله باقي المطالب، لأنه بمعزل عن القضاء على الفساد الإداري والسياسي والاقتصادي لا يمكن الاستفادة من ثمرات الرفع من موازنة الصحة والتعليم.
وأكمل الشاب شارحاً، "يجب البدء في تنقية محيط البيت، فإذا لم يَجرِ تفعيل القوانين التي تدعم محاربة الفساد في البلاد، من قبيل قانون تجريم الإثراء غير المشروع، فإن الموازنات المرتفعة المخصصة لتحسين قطاعي التعليم والصحة قد تكون من دون أثر ملموس على أرض الواقع".
وفي سياق ذي صلة ترى جمعيات حقوقية معنية بحماية المال العام أن المدخل الحقيقي لمحاربة الفساد في المغرب يمر أساساً عبر إرساء عدالة مستقلة، ومن هذه الهيئات الجمعية المغربية لحماية المال العام التي شددت ضمن بيان لها على كون "العدالة المستقلة مدخلاً أساساً لمواجهة آفة الفساد، وتخليق الحياة العامة"، داعية إلى ملاءمة القوانين الوطنية مع الاتفاقات الدولية ذات الصلة بمكافحة الفساد.
رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام محمد الغلوسي، طالب في هذا الإطار بمواجهة المفسدين ولصوص المال العام "حتى لا يتمكنوا من التغول على المجتمع والدولة". وأردف، "الفساد يسرق الموارد والخيرات كما يسرق الأمل والحلم من المجتمع".
هندسة الاستعمار للمؤسسات
من جهته يرى الناشط الحقوقي والباحث في الاقتصاد السياسي عبدالإله الخضري أن الفساد في المغرب ليس مجرد انحرافات فردية أو مظاهر عابرة في قطاعات محددة كالصحة والتعليم، بل هو نتاج تراكمي لخلل بنيوي في المنظومة المؤسسية الموروثة عن مرحلة الاستعمار الفرنسي.
ويمضي الخضري قائلاً "هندس المستعمر الفرنسي شكلاً مؤسساتياً يخدم مصالح المستعمر الاقتصادية، ويضعف تنمية القدرات الوطنية ويفاقم الفوارق الاجتماعية، مما أنتج نموذجاً سياسياً وإدارياً يناقض في جوهره وحقيقته مبدأ فصل السلط".
واستطرد المتحدث بأن هذا الوضع أضعف من فاعلية دور مؤسسات الرقابة والمساءلة، مما ترتب عليه انحراف المؤسسات نحو خدمة نخب محددة على حساب باقي الشعب، فحين تغول جزء محدد من السلطة التنفيذية على باقي السلطات، فقدت المؤسسات استقلاليتها ونجاعتها ومناعتها، وهو ما يمكن تسميته "متلازمة الدلو المثقوب"، أي منظومة مؤسساتية تتسرب منها كل جهود الإصلاح وتهدر فيها الموازنات الضخمة المرصودة له، مهما كانت نجاعة هذا الإصلاح وسداد رؤيته.
وأكمل الخضري بأن "النموذج المؤسسي المغربي يعاني جوهرياً تفشي تضارب المصالح والرشوة والمحسوبية، والبيروقراطية المتكلسة، مما جعل الإدارة العمومية بيئة طاردة للنزاهة والفاعلية ببعدهما الديمقراطي الذي يخدم المواطن ويصون كرامته، فخضعت النجاعة المؤسساتية لمعايير بعيدة من مصلحة المواطن ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واسترسل، "لذلك (جيل زد) الذي يرفع شعار محاربة الفساد لا يرى سوى نتائج الفساد الأكبر في الخدمات الاجتماعية المتهالكة، ولا يدرك أن ما يعانيه هو أحد إفرازات فساد هيكلي متجذر"، مشدداً على أن "مواجهة الفساد بصورة سليمة تقتضي إرادة سياسية حقيقية، تترجم إلى إصلاح دستوري ومؤسسي حقيقي، يعيد التوازن بين السلطات، ويقيم حوكمة مبنية على الشفافية والمساءلة وربط المسؤولية بالمحاسبة، لا على النيات والخطابات".
ونبه الحقوقي ذاته إلى أن المغرب جرب محاولة لإصلاح التعليم، حين رصد له ما يناهز 44 مليار درهم (4.77 مليار دولار)، لكن لم يلمس المغاربة إصلاحاً حقيقياً على أرض الواقع، وإنما تناسلت قصص نهب للمال العام وتمرير صفقات مشبوهة أبطالها يتابعون قضائياً"، قبل أن يخلص إلى أنه "ما لم تربط النفقات بالإصلاح الحقيقي والمساءلة الصارمة، سيبقى الإصلاح شعاراً أكثر منه واقعاً ملموساً".
جهود حكومية
في الضفة المقابلة تؤكد الجهات الحكومية المعنية بتنزيل استراتيجية محاربة الفساد على السير قدماً في طريق مكافحة هذه الآفة، سواء عبر مبادرات واستراتيجيات حكومية أو من خلال مؤسسات رسمية جرى إحداثها من أجل تحقيق هذا الهدف.
وفي السياق ناقش رئيس الحكومة عزيز أخنوش أخيراً مع رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها (مؤسسة رسمية) محمد بنعليلو "الإجراءات الحكومية الكفيلة بإعطاء نفس جديد لورش مكافحة الفساد في البلاد، وتعزيز مجال الوقاية من الفساد ومحاربته".
وتوصل الطرفان إلى "ضرورة اتخاذ مختلف التدابير من أجل عقد اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد التي ستكون فرصة لاستعراض حصيلة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد وتقديم التقييم الذي أنجزته الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها حول تنفيذ هذه الاستراتيجية".
وتستعد الحكومة أيضاً لإحداث الأكاديمية المغربية للنزاهة والمختبر الوطني للنزاهة وحاضنات لتطوير الحلول الرقمية المبتكرة في مجال الوقاية من الفساد ومكافحته، بما يتيح تعزيز قدرات الفاعلين العموميين والخواص والمجتمعيين في هذا المجال.
وسبق للحكومة المغربية الإعلان عن الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد للفترة الممتدة بين عامي 2016 و2025، وهي الاستراتيجية التي تقيمها الحكومة بكونها أثمرت مكاسب عدة وأهدافاً ملموسة، كما أنها تعتزم الإعلان قريباً عن استراتيجية جديدة لمكافحة الفساد تنطلق من العام المقبل.