ملخص
في مجتمعٍ ما زال يقيس أنوثة المرأة بقدرتها على الإنجاب في سنّ "مناسب" أصبحت هذه التقنية ملاذا لبعض الأردنيات رغم العقبات القانونية والدينية والاجتماعية.
تسير نور (39 عاماً) التي تعمل مديرة لشؤون الموظفين بإحدى الشركات الكبرى في العاصمة الأردنية عمان، بخطوات واثقة نحو نجاحها المهني واستقلالها المالي وتحقيق ذاتها، لكن كل ذلك يتضاءل أمام همس بيولوجي داخلي يحذرها من نفاد ساعة الخصوبة.
نور، واحدة من آلاف الأردنيات اللواتي يعانين من ظاهرة ارتفاع سن الزواج بشكل ملحوظ، حيث وصل متوسطه للإناث إلى ما يزيد عن 26.9 سنة وفق آخر الإحصاءات الرسمية، ويزداد هذا الرقم بخاصة في العاصمة والمدن الكبرى وبين فئة الجامعيات اللواتي يجدن أنفسهن وقد فاتهن قطار الزواج، لكنهن يرفضن تفويت قطار الأمومة، فيلجأن إلى حل يكمن بتجميد البويضات.
لكن عندما زارت نور أحد مراكز الإخصاب المتخصصة، تلقت إجابة صادمة مفادها أن تقنية التجميد لأسباب اجتماعية غير متاحة بموجب القوانين الرسمية.
قوانين وقيود تشريعية
يقول مراقبون إن نظام المراكز الطبية المتخصصة للإخصاب والوراثة الصادر عن وزارة الصحة ونقابة الأطباء، هو ما يحدد الحالات التي يجوز فيها تجميد البويضات، والتي تنحصر في الأسباب المرضية القاهرة، مثل الخضوع لعلاج كيماوي أو إشعاعي قد يؤثر على الخصوبة، أو أثناء عملية الإخصاب ضمن عملية أطفال الأنابيب لزوجين قائمين.
ويمنع القانون في جوهره التجميد الاجتماعي لأسباب فقهية أساسها الخوف من اختلاط الأنساب، واستخدام هذه البويضات للتلقيح من شخص غريب أو بطريقة غير شرعية لاحقاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت فتاوى سابقة صادرة عن دائرة الإفتاء العام الأردنية قالت بتحريم التجميد لغير المتزوجات، ويرى القائمون على هذه الفتوى أن تقنية تجميد البويضات إذا استخدمت لأسباب غير قاهرة فإنها تفتح باباً للفساد.
وملخص هذه الفتوى أن يكون التجميد لغرض مشروع، وفي إطار زواج صحيح، أي لا يجوز للعزباء تجميد بويضاتها لاستخدامها لاحقاً إلا بعد الزواج. وأن تحفظ البويضات بطريقة مأمونة تمنع اختلاط الأنساب. وألا تُستخدم هذه البويضات بعد انتهاء عقد الزواج (كالطلاق أو الوفاة).
لكن في المقابل ثمة آراء فقهية وأبحاث شرعية ترى ضرورة إعادة النظر في المنع المطلق لأنه وفق وجهة نظرهم يعاقب المرأة على أمر لم تقترفه بعد. وأن الحل يكمن في وضع ضوابط تشريعية صارمة جداً تجاه المراكز الطبية.
ووسط دعوات لتحديث التشريعات الحالية، يرى فريق أن فكرة تجميد البويضات لم تعد ترفاً، بل ضرورة بيولوجية واجتماعية وحماية لفرص الإنجاب والأمومة.
إقبال متزايد
في مجتمع لا زال يقيس أنوثة المرأة بقدرتها على الإنجاب في سن مناسب أصبحت هذه التقنية ملاذاً لبعض الأردنيات اللواتي تأخرن في الزواج. لكن هذا الأمل يصطدم بعقبات قانونية ودينية واجتماعية.
يرصد بعض الأطباء العاملين في مجال الإخصاب إقبالاً متزايداً على الاستفسار عن تجميد البويضات لأسباب اجتماعية، وذلك بنسبة 200 في المئة في السنوات الخمس الماضية، خصوصاً من نساء في الفئة العمرية 33-38 سنة، إذ إن الأرقام العلمية لا ترحم، ففرص الحمل تنخفض بمعدل 5 إلى 10 في المئة سنوياً بعد عمر 35 سنة.
بينما ينادي ناشطون حقوقيون باعتبار التخطيط الإنجابي حقاً أساسياً من حقوق المرأة الأردنية، لأن ربط القرار الطبي الإنجابي بالزواج يعني مصادرة هذا الحق.
يقول استشاري الأمراض النسائية والتوليد الطبيب عبد الرؤوف رياض، أن اللجوء لتجميد البويضات يتم في حالات عدة، منها رغبة الفتاة في تأجيل الزواج لأسباب وظروف اجتماعية أو مهنية، أو في حال وجود أمراض تستدعي علاجات قد تكون ضارة، موضحاً أن السن المفضل لتجميد البويضات يجب أن يكون دون الـ35 سنة.
ويضيف" الفترة الزمنية التي تصلح فيها تجميد الأنسجة أو تجميد البويضات طويلة جداً وقد تصل إلى 10 سنوات، لكن الأمر لا يخلو من مضاعفات، وكلفة العلاج تختلف من حال إلى أخرى، ومن طبيب إلى طبيب، كما أن سحب البويضات للعزباء يختلف عن المتزوجة".
كلفة عالية
إلى جانب المعوقات القانونية، فإن عملية تجميد البويضات مكلفة نسبياً، وفق أطباء مختصين تحدثت إليهم "اندبندنت عربية"، مما يجعلها متاحة بشكل رئيسي للطبقات الميسورة فقط.
وتتراوح كلفة عملية سحب البويضات والتجميد المبدئي في الأردن بين 2000 إلى 3000 دولار، إضافة الى كلف إضافية كالتخزين السنوي.
يوضح هلال أبو غوش، من مركز "الشميساني" للإخصاب، أنه بعد استخراج البويضات من السيدة والقيام بتجميدها يتم الاحتفاظ بها في شروط مخبرية بالغة الدقة ليتم استخدامها لاحقاً. وهو خيار جيد إذا كانت المرأة غير مستعدة للحمل الآن، لكنها ترغب في التأكد من أنها ستستطيع الحمل في ما بعد".
ويضيف "تختلف خطة العلاج الهرموني من امرأة لأخرى، وتعتمد هذه الخطة بشكل كبير على نتائج تحاليل الهرمونات التي تم القيام بها، وتشمل أدوية لتنشيط المبيضين. وفي الحالات العادية، تستطيع المرأة استئناف الأنشطة المعتادة خلال أسبوع من استخراج البويضات، كما تعتبر فرص حصول الحمل بعد تجميد البويضات أقل منها بعد القيام بالإخصاب في المختبر".
يؤكد استشاري الأمراض النسائية والعقم سامر ياغي، أن تجميد البويضات بات خياراً طبياً متقدماً في الأردن، بسبب الوعي الصحي المتنامي وتطور خدمات الإخصاب داخل المملكة، بخاصة لدى النساء اللواتي يخضعن لعلاجات قد تؤثر في خصوبتهن مثل العلاج الكيميائي أو الإشعاعي، وكذلك للسيدات اللواتي يرغبن بتأجيل الحمل لأسباب مهنية أو اجتماعية من دون خسارة فرصة الإنجاب مستقبلاً.
يقدر ياغي نسب نجاح تجميد البويضات بنحو 80 في المئة عند التجميد قبل سن الـ30، مشيراً إلى أن المسألة كلها قانونية ولكنها تتم وفق ضوابط طبية واضحة.
فجوات قانونية
وعلى رغم كون تقنية تجميد البويضات تمثل منعطفاً في تمكين المرأة من حماية خصوبتها وتأجيل الإنجاب، فإن الواقع التشريعي والاجتماعي الأردني لا يزال يحمل قيوداً. يقول مراقبون إنه لا يوجد تشريع واضح يُعطي حقاً للمرأة العزباء بتجميد البويضات لأسباب اجتماعية بحتة كتأخر الزواج، كذلك لا توجد إحصاءات عامة منشورة حول عدد النساء اللاتي لجأن لتجميد البويضات للأسباب ذاتها في الأردن.
ويبدو أن المرأة العازبة أو المتأخرة في الزواج لا تجد من النصوص ما يمنحها الحق الصريح في التخطيط لخصوبتها، فما زال بينها وبين القيم الاجتماعية التي تُعلي من فكرة الزواج والإنجاب المبكر فجوة كبيرة.
لذلك يطالب كثيرون بتنظيم قانوني شامل، يدعون الى نص تشريعي واضح ينظّم تجميد البويضات ويحدد حقوق المرأة وشروط الاستخدام.
فضلاً عن التوعية المجتمعية والطبية، ورفع مستوى المعلومات لدى النساء والأطباء حول خيارات الخصوبة، والحقائق والمخاطر، وكذلك تغيير الثقافة التي قد تنظر للتقنية على أنها «حرام» أو «مرفوضة» أو مؤشّر على تأخر الزواج.
حق أم تحرر؟
وفيما يرى جيل جديد من النساء أن تجميد البويضات حق وليس خروجا عن القيم، تواجه النساء اللواتي يتحدثن علنا عن هذا الحق بنظرات شك أو اتهام بـالتحرر الزائد من قبل بعض أطياف المجتمع.
اذ تشير دراسة أردنية علمية حديثة قامت بها باحثات في جامعة العلوم والكتنولوجيا حول مواقف النساء الأردنيات غير المتزوجات تجاه تجميد البويضات (أو ما يُعرف بتجميد البويضات الاجتماعي)، ان نسبة كبيرة من النساء يفتقرن إلى المعلومات الدقيقة حول الجوانب الطبية والمالية والإجرائية لعملية تجميد البويضات، بما في ذلك نسب النجاح والتكلفة الفعلية وإجراءات التجميد والحفظ.
ورغم محدودية المعرفة، فقد عبّرت غالبية المشاركات عن مواقف إيجابية تجاه الفكرة باعتبارها وسيلة حديثة لحفظ الخصوبة وتأجيل الإنجاب بطريقة آمنة، خاصة في ظل تزايد حالات تأخر الزواج أو الرغبة في التركيز على الدراسة والعمل قبل الارتباط.
أما أبرز العوائق التي حدّت من تقبّل الفكرة فتمثلت في ارتفاع التكلفة المالية والخشية من رفض الزوج المستقبلي إلى جانب الخوف من الوصمة الاجتماعية أو الرفض المجتمعي.
ورأت نسبة ملحوظة من المشاركات أن هذه التقنية قد تشجع على الزواج المتأخر وتوفر فرصة أفضل للإنجاب لاحقا في حال ظهور مشكلات في الخصوبة أو تأخر الحمل.
وخلصت الباحثات إلى أن المعرفة العامة بالموضوع ما تزال محدودة في الأردن، إلا أن التوجه العام إيجابي تجاه تجميد البويضات، وأوصين بضرورة إطلاق حملات توعوية وطنية تشرح الجوانب الطبية والدينية والاجتماعية والإجرائية لهذه التقنية، لتوفير أرضية معرفية تساعد النساء على اتخاذ قرارات مبنية على وعي ومعلومة دقيقة.