Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كل ما تبوح به لـ"تشات جي بي تي" قد يستخدمه ضدك

يتعامل الناس مع روبوتات الدردشة الذكية بوصفها مصادر للمشورة والنصح وكأنها من الأصدقاء المقربين. ويأتي ذلك في ظل غياب أي حماية قانونية واضحة ووجود أطراف متربصة تسعى لاستغلال هذا الكنز الرقمي الجديد من البيانات الشخصية في تحقيق الأرباح

لا توجد حماية قانونية لمحادثات المستخدمين مع روبوتات الدردشة الذكية مثل "تشات جي بي تي" (روز ويليس/كاثرين كونراد/صور أفضل للذكاء الاصطناعي/المشاع الإبداعي)

ملخص

في ظل غياب حماية قانونية واضحة، فإن الإفراط في مشاركة الأسرار الشخصية مع روبوتات الدردشة مثل "تشات جي بي تي" يمكن أن يؤدي إلى تورط المستخدمين قانونياً أو استغلال بياناتهم من قبل شركات ومجرمين لتحقيق مكاسب خاصة.

في الساعات الأولى من صباح 28 أغسطس (آب) الماضي، تحول موقف سيارات هادئ داخل حرم جامعي في ولاية ميزوري الأميركية إلى مسرح لأعمال تخريب عنيفة. خلال 45 دقيقة فقط، تضررت 17 سيارة، إذ تهشمت نوافذها، وتحطمت مراياها، وتمزقت مساحات الزجاج، وتشوهت هياكلها، ما أسفر عن خسائر قُدرت بعشرات آلاف الدولارات.

وبعد تحقيق دام شهراً كاملاً، جمعت الشرطة أدلة متنوعة، من آثار أقدام إلى شهادات من شهود عيان، إضافة إلى تسجيلات لكاميرات المراقبة. غير أن ما حسم القضية وأسهم بتوجيه الاتهام إلى الطالب الجامعي راين شيفر (19 عاماً) كان اعترافاً غير مباشر باح به الأخير إلى روبوت الدردشة الشهير "تشات جي بي تي".

في محادثات أجراها مع التطبيق الذكي على هاتفه بعد وقت قصير من الحادثة، وصف شافر حجم التخريب، ثم سأل الذكاء الاصطناعي بلهجة صادمة: "إلى أي مدى أنا في ورطة، يا صديقي؟ وماذا لو تعمدت تحطيم عدد من السيارات؟"

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

على ما يبدو، تمثل هذه الحادثة سابقة من نوعها، ذلك أنها المرة الأولى على الإطلاق التي يورط فيها شخص نفسه باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، فقد استندت الشرطة في تقريرها إلى ما وصفته بـ"حديث مثير للقلق" [لأنه يعكس سلوكاً مخالفاً للقانون] في تبريرها توجيه التهم إلى شيفر.

لم يمر أسبوع على الحادثة حتى عاد اسم "تشات جي بي تي" ليظهر مجدداً في إفادة رسمية، وهذه المرة في قضية أكثر شهرة وإثارة للرأي العام. فقد ألقي القبض على جوناثان ريندرنيكت البالغ من العمر 29 عاماً للاشتباه في تسببه بإشعال "حريق باليساديس" في ولاية كاليفورنيا الأميركية خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، الذي دمر آلاف المنازل والمتاجر، وأودى بحياة 12 شخصاً. وتشير التحقيقات إلى أن المتهم كان قد طلب من تطبيق الذكاء الاصطناعي توليد صور لمدينة تلتهمها النيران، قبل وقوع الحريق بفترة وجيزة.

وليس من المتوقع أن تكون هاتان الحادثتان سوى بداية سلسلة من الحوادث التي يورط فيها البشر أنفسهم باستخدام الذكاء الاصطناعي، فيما أكد سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لـ"أوبن أي آي" OpenAI [الشركة المطورة لـ"تشات جي بي تي"]، أنه لا تتوفر أي حماية قانونية لمحادثات المستخدمين مع روبوت الدردشة. وأضاف ألتمان أن هذه الوقائع لا تسلط الضوء على المخاوف المتعلقة بالخصوصية فحسب، بل تكشف أيضاً عن حجم المعلومات الشخصية والحساسة التي يشاركها الناس طواعية مع هذه التكنولوجيا الناشئة.

وذكر ألتمان في "بودكاست" أذيع في وقت سابق من العام الحالي: "يبوح الناس لـ"تشات جي بي تي" بأسرار حياتهم وخفاياها الأعمق والأكثر حساسية... كثر، خصوصاً الشباب، يستخدمونه كمعالج نفسي أو مدرب حياة، لمناقشة مشكلاتهم العاطفية والعائلية… أما عندما تتحدث إلى معالج نفسي حقيقي أو محام أو طبيب حول هذه المسائل [الشخصية والبالغة الحساسية]، يمنح القانون هذه المحادثات صفة السرية والحماية القانونية، وهو ما تفتقر إليه المحادثات مع روبوتات الدردشة".

لما كانت نماذج الذكاء الاصطناعي من قبيل "تشات جي بي تي" تتسم بمرونة كبيرة في أداء المهام المختلفة، نجد الناس يستخدمونها في إنجاز كافة أمورهم تقريباً، بدءاً من تحرير الصور العائلية الخاصة، وصولاً إلى تفسير المستندات المعقدة مثل مستندات القروض المصرفية أو عقود الإيجار. وبطبيعة الحال، تنطوي كلها على معلومات شخصية شديدة الحساسية. وقد كشفت دراسة حديثة نهضت بها "أوبن أي آي" أن مستخدمي "تشات جي بي تي" لا ينفكون يلجأون إليه للحصول على نصائح طبية، والتسوق، وحتى أداء أدوار تخيلية تمثيلية.

وفي الوقت نفسه، تروج بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي لنفسها صراحة بوصفها في مثابة "معالج نفسي افتراضي" أو "شريك عاطفي"، من دون أن تلتزم الضوابط الصارمة التي تتبعها الشركات الكبرى الأكثر رسوخاً في هذا المجال. أما في الزوايا المظلمة من الإنترنت، أو "الدارك نت" dark web، فتوفر بعض الخدمات غير المشروعة للناس فرصة التعامل مع الذكاء الاصطناعي ليس كصديق مقرب فحسب، بل أيضاً كشريك متواطئ في أفعال [ربما تكون ضارة أو مخالفة للقانون].

يبدو حجم البيانات التي يشاركها المستخدمون مذهلاً، سواء بالنسبة إلى أجهزة إنفاذ القانوني أو المجرمين الذين لن يترددوا ربما في استغلالها. مثلاً، عندما أطلقت شركة "بيربلكستي" Perplexity  متصفح ويب مدعوماً بالذكاء الاصطناعي [يقدم إجابات مباشرة للمستخدمين مع مصادر من الويب] في وقت سابق من العام الحالي، اكتشف خبراء في الأمن السيبراني وحماية المعلومات أن القراصنة الإلكترونيين قادرون على اختراقه للوصول إلى بيانات المستخدمين، من ثم استغلالها لاحقاً في عمليات ابتزاز ضدهم.

ولكن الشركات الكبرى التي تحكم قبضتها على هذه التكنولوجيات تسعى بدورها إلى تسخير الكنز الجديد من البيانات الشخصية العميقة في خدمة مصالحها الخاصة. وبدءاً من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، تبدأ شركة "ميتا" (Meta) باستخدام تفاعلات المستخدمين مع أدواتها الذكية بغية استهداف المستخدمين بإعلانات مخصصة عبر منصاتها "فيسبوك" و"إنستغرام" و"ثريدز".

ستخضع المحادثات الصوتية والرسائل النصية المتبادلة مع الذكاء الاصطناعي للمسح والتحليل بهدف التعرف بدقة إلى تفضيلات المستخدم الشخصية، ومعرفة أي منتجات ربما يهمه شراؤها. أما المستخدم فلا يملك خيار رفض هذا الإجراء أو الانسحاب منه.

وجاء في تدوينة نشرتها "ميتا" للإعلان عن هذا التحديث: "مثلاً، إذا تحدثت إلى أداة الذكاء الاصطناعي التابعة لنا عن رياضة المشي في الطبيعة، نعرف أنك مهتم بها. بناء عليه، ربما تصلك إشعارات وتوصيات بمجموعات مهتمة بالمشي، أو منشورات من أصدقاء حول مسارات المشي والتنزه، أو إعلانات لأحذية رياضية".

تبدو هذه الممارسة بريئة وغير موذية في ظاهرها، ولكن دراسات تناولت حالات سابقة حول الإعلانات المستهدفة عبر محركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي تكشف النقاب عن خطورتها الشديدة والضرر الكبير الذي ربما تسببه. مثلاً، الأشخاص الذين بحثوا عن عبارات على غرار "أحتاج إلى مساعدة مالية" تلقوا إعلانات لقروض استغلالية، بينما استهدفت مدمني لعب القمار إعلانات عن رصيد مجاني في الكازينوهات الإلكترونية (لفات مجانية على أجهزة القمار الإلكترونية)، كذلك وصلت إعلانات مضللة لعدد من كبار السن تحثهم على إنفاق مدخراتهم التقاعدية على عملات ذهبية بأسعار مرتفعة تفوق قيمتها الفعلية.

مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا"، يدرك تماماً حجم البيانات الشخصية التي سيصار إلى جمعها في إطار سياسة الإعلانات الجديدة المدعومة بالذكاء الاصطناعي. في أبريل (نيسان) الماضي، قال إن المستخدمين سيكونون قادرين على السماح لنظام الذكاء الاصطناعي الخاص بـ"ميتا" أو أداة "ميتا أي آي" Meta AI  بـ"معرفة الكثير عنك وعن الأشخاص الذين تهتم لأمرهم، عبر تطبيقاتنا المختلفة". ولكن لا ننسى أن زوكربيرغ نفسه كان قد وصف مستخدمي "فيسبوك" في وقت سابق بـ"السذج جداً" لأنهم وثقوا به إلى هذا الحد، ووضعوا بياناتهم الشخصية بين يديه.

وفي تعقيبه على إعلان "ميتا"، كتب بييتر آرنتز، من شركة "مالوير بايتس" Malwarebytes المتخصصة في الأمن السيبراني: "سواء أحببنا ذلك أم لا، ليست ’ميتا‘ في الحقيقة منصة لتواصل الأصدقاء حول العالم بعضهم مع بعض، بل يقوم نموذجها التجاري أساساً على بيع مساحات الإعلانات المستهدفة عبر تطبيقاتها المختلفة".

وأضاف آرنتز أن صناعة التكنولوجيا تواجه تحديات ضخمة على صعيدي الأخلاقيات والخصوصية، مشيراً إلى أن العلامات التجارية ومزودي أدوات الذكاء الاصطناعي مطالبون بتحقيق توازن بين التخصيص والشفافية ومنح المستخدم خيار الموافقة على استخدام بياناته أو الرفض، لا سيما مع جمع أدوات الذكاء الاصطناعي وتحليلها بيانات تتعلق بسلوك المستخدمين ذات طابع شخصي وحساس [مثل عاداتهم وتفضيلاتهم وأسرارهم ونشاطهم على الإنترنت...].

ومع اتساع دور الذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية، باتت المعادلة بين الخصوصية الشخصية وسهولة الاستخدام موضع مساءلة من جديد. فتماماً كما أجبرت فضيحة "كامبريدج أناليتيكا" Cambridge Analytica الناس ذات يوم على مراجعة طريقة تعاملهم مع منصات التواصل الاجتماعي من قبيل "فيسبوك" [بعد اكتشاف استخدام الشركة غير القانوني بيانات ملايين المستخدمين للتأثير في توجهاتهم السياسية]، فإن اتجاه الشركات اليوم نحو جمع بيانات أعمق، إلى جانب حوادث مثل حادثتي شيفر وريندرنيكت، ربما يعيد ملف الخصوصية إلى واجهة النقاش التكنولوجي العالمي.

لم يمض على إطلاق "تشات جي بي تي" أقل من ثلاث سنوات، حتى تجاوز عدد مستخدمي تطبيقات الذكاء الاصطناعي المستقلة المليار مستخدم. وغالباً ما يصبح هؤلاء المستخدمون، دون وعي منهم، عرضة للاستغلال من شركات تكنولوجية جشعة، أو معلنين طامعين، أو حتى محققين جنائيين.

قيل، "إن لم تكن تدفع مقابل الخدمة، فأنت لست الزبون، بل السلعة"، ولكن في عصر الذكاء الاصطناعي، ربما الأجدر بنا تعديل هذه المقولة المأثورة إلى: "إن لم تكن تدفع ثمة الخدمة، فأنت الفريسة".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من علوم