Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف أخبرت صحراء سوريا فريق البحث في المقبرة الجماعية؟

اتبعت "رويترز" منهجية تشمل لون التربة وآلاف الصور لتحديد موقعها

مشهد جوي من طائرة مسيرة لموقع المقبرة الجماعية في الصحراء بالقرب من بلدة الضمير شرق سوريا (رويترز)   

ملخص

كشفت "رويترز" للمرة الأولى الأسبوع الماضي عن نقل الجثث ووجود المقبرة الجماعية الجديدة في صحراء الضمير.

لكل رقعة من الأرض بصمة وسر، البصمة هي مزيجها الفريد من التأثيرات الجيولوجية والمواد العضوية التي تشكل أنماطاً لونية مميزة... أما السر فهو ما يكمن في الأعماق.

بالتعاون مع فريق من متخصصي علم التربة الجنائي استخدم تحقيق أجرته "رويترز" تقنيات مقارنة التربة لتأكيد النتيجة الرئيسة التي خلصنا إليها، هي أن حكومة بشار الأسد نقلت عشرات الآلاف من الجثث من مقبرة جماعية في منطقة القطيفة بريف دمشق إلى موقع سري في الصحراء السورية.

استند التحليل إلى آلاف الصور التي التقطتها طائرات مسيرة وجرى تجميعها معاً لإنشاء صورتين مركبتين عاليتي الدقة.

كشفت "رويترز" للمرة الأولى الأسبوع الماضي عن نقل الجثث ووجود المقبرة الجماعية الجديدة في صحراء الضمير. ولا يزال عدد المدفونين هناك مجهولاً. ويمكن أن تقدم عينات التربة المأخوذة من الموقعين تأكيداً علمياً على نقل الجثث من القطيفة إلى الضمير. كما أن استخراج الجثث سيكشف عن عددها.

خيوط الأدلة

وقالت رئيسة مركز علم التربة الجنائي في معهد جيمس هاتون في اسكتلندا لورنا داوسون، والتي ساعدت في تصميم المنهجية التي اتبعتها رويترز في تحقيقها، إن مقارنة التربة "هي أحد خيوط الأدلة". وأضافت "يجب أن يقترن ذلك بالمعلومات والبيانات الأخرى، ومعلومات الاستخبارات وشهادات الشهود. لأنه كما هي الحال في جميع التحقيقات، فهي ليست مجرد معلومة واحدة أو مجموعة واحدة من البيانات".

وبينما يدعم تحليل صور الطائرة المسيرة نتائج تحقيق "رويترز" اكتشف الصحافيون للمرة الأولى موقع المقبرة الجماعية في صحراء الضمير بعد التحدث مع أكثر من 10 أشخاص شاركوا بصورة مباشرة في إنشائها. وكان من بين الشهود سائقون وجنود وفنيو إصلاح سيارات وحفارو قبور تذكروا جميعاً أعواماً من الرحلات ذهاباً وإياباً بين المقبرة الجماعية الأصلية قرب القطيفة وموقع الضمير، كما راجع فريق إعداد التقرير وثائق موقعة أو مختومة من ضباط سوريين شاركوا في عملية نقل الجثث. وحللوا أكثر من 500 من صور الأقمار الاصطناعية كانت أساسية في تحديد حجم موقع الدفن الجماعي في الضمير ووتيرة إفراغ القبور في القطيفة تزامناً مع حفر قبور جديدة في الضمير.

جرت عملية نقل الجثث، التي أطلق عليها منفذوها اسم عملية "نقل التربة"، وكانت تهدف إلى إخفاء الجرائم المرتكبة خلال حكم الأسد، في الفترة من فبراير (شباط) عام 2019 إلى عام 2021.

الأقمار الاصطناعية

وللتحقق من صحة روايات الشهود وتحليل صور الأقمار الاصطناعية، برز سؤال: هل هناك وسيلة علمية يمكن استخدامها لإثبات الصلة بين المقبرتين الجماعيتين من دون العبث بموقع يمكن اعتباره في المستقبل مسرح جريمة؟

ظهر أول خندق من بين 34 خندقاً في الأقل في موقع صحراء الضمير في صور الأقمار الاصطناعية غير الواضحة في أوائل فبراير عام 2019. ووفقاً لثمانية أشخاص شاركوا في العملية، كان ذلك قبل وقت قصير من بدء نقل الجثث من المقبرة الجماعية في القطيفة.

ومع امتلاء خنادق الدفن في الضمير، أظهرت صور الأقمار الاصطناعية التي جرى التقاطها في ذلك الوقت تغيرات في لون التربة المحيطة بكل قبر فيما يبدو، لكن الظروف الجوية تؤثر في كيفية التقاط الأقمار الاصطناعية للألوان، كما أن الصور التي توفرها حتى أكثر الشركات التجارية تطوراً تفتقر إلى الدقة اللازمة لإجراء فحص التربة عن قرب.

وهنا جاء دور العلماء، إذ وضع بنجامين روك، وهو جيولوجي جنائي متخصص في استخدام الطائرات المسيرة للعثور على مواقع الدفن السرية، خطة تحليق لـ"رويترز" فوق موقعي المقبرتين، ووجه مشغل طائرة مسيرة ماهر بالتحليق في خطوط مستقيمة متوازية كالشبكة، ذهاباً وإياباً، على ارتفاع 60 متراً، مع التقاط الصور تلقائياً كل ثانيتين.

 

 

وبعد ساعة و31 دقيقة و2629 صورة، بما في ذلك فترة توقف قصيرة لتغيير البطاريات، جرى توثيق موقع الضمير. وبلغ إجمالي صور القطيفة، حيث كرر مشغل الطائرة المسيرة نفس خطة التحليق، 2236 صورة.

استغرق تحميل الملفات أياماً بسبب ضعف شبكة الإنترنت في سوريا. وعندما جرى ذلك أخيراً، بدت الألوان والمعالم التي كانت ضبابية في صور الأقمار الاصطناعية أكثر وضوحاً في صور الطائرة المسيرة عالية الدقة. وكشفت الصور عن آثار جنازير الجرافات وتفاوت مستويات التربة وتفاصيل دقيقة لبقع من التربة مما مكن من إجراء مقارنة مباشرة بين ألوان التربة في كل من القطيفة والضمير.

وبموجب البروتوكولات الدولية المعتمدة لحماية المقابر الجماعية والتحقيق فيها، تعد التقنيات التي لا تشمل تدخلاً مباشراً في الموقع هي المعيار الأمثل أثناء مرحلة الاكتشاف والتوثيق الأولي للموقع، بما في ذلك الصور الجوية وصور الأقمار الاصطناعية وإفادات الشهود واستخدام الوثائق.

واستخدمت الصور الجوية وصور الأقمار الاصطناعية للمرة الأولى لتحديد مواقع المقابر الجماعية علناً عام 1995، بعد إعدام نحو 8000 رجل وفتى مسلم في سربرنيتشا على يد صرب البوسنة. وعرضت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة حينئذ مادلين أولبرايت على مجلس الأمن الدولي صوراً لمواقع الدفن.

وعلى غرار ما حدث في موقع الضمير، نقلت قوات صرب البوسنة آلاف الجثث إلى مواقع جديدة لإخفائها. وعندما بدأ المحققون في استخراج الجثث في سربرنيتشا بعد الحرب، أخذ العلماء عينات من التربة من القبور الأصلية والجديدة لاختبار مدى تطابقها. ولتجنب العبث بمقبرة الضمير، لم تأخذ "رويترز" عينات من التربة.

وراجع عالم الآثار الجنائية في جامعة بورنموث البريطانية إيان هانسون الذي عمل ضمن الفريق في سربرنيتشا، منهجية هذا التقرير بناءً على طلب من "رويترز". وقال هانسون إن تحليل التسلسل الزمني لصور الأقمار الاصطناعية، وهي الطريقة التي استخدمتها الوكالة، يعد وسيلة فعالة لتقييم توقيت العمل في المقبرتين الجماعيتين، لكنه أشار إلى أن تحليل عينات التربة من الموقعين هو الطريقة العلمية الوحيدة لتأكيد الصلة بينهما.

 

ونظراً إلى أن المحققين في سربرنيتشا تمكنوا من أخذ عينات من التربة وكانت مواقع المقابر الجماعية متباينة في خصائص الجيولوجيا والتربة والنباتات، فقد تمكنوا من إثبات أن الجثث نقلت من مواقع أخرى، لكن تحليل التربة لا يمكنه وحده أن يكشف كل شيء. استغرق استخراج الجثث سنوات من العمل المضني للكشف عن حجم المدفونين تحت السطح، ولا يزال التعرف على هوية أصحاب الرفات مستمراً حتى يومنا هذا، بعد 30 عاماً على عمليات القتل.

كان العمل في سربرنيتشا أول استخدام منهجي لعلم التربة الجنائي في تحقيقات جرائم الحرب.

وقالت رئيسة مركز علم التربة الجنائي في معهد جيمس هاتون في اسكتلندا لورنا داوسون، "أي علامات على الأرض يمكن رؤيتها من الجو، يمكن لجغرافيا تلك العلامات أن تبدأ في سرد قصة ما حدث".

وبفضل إسهامات داوسون الرائدة في علم التربة الجنائي أصبحت شاهدة خبيرة في قضايا القتل الكبرى، بما في ذلك المساعدة في حل واحدة من أقدم القضايا الغامضة في اسكتلندا والتي كانت تعرف باسم (جرائم القتل في نهاية العالم) نسبة إلى اسم الحانة التي غادرها الضحيتان قبل مقتلهما عام 1977.

تضمنت خطة روك للطيران تحليق الطائرة المسيرة في خطوط مستقيمة بينها نحو 20 متراً ذهاباً وإياباً عبر كل موقع. وضمن ذلك أن تلتقط الطائرة المسيرة آلاف الصور المتداخلة، مما سمح لبرامج المسح التصويري بربطها معاً في صور مركبة أكثر وضوحاً بـ10 مرات من لقطات الأقمار الاصطناعية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

استخدم روك صور الطائرة المسيرة لمقارنة ألوان التربة من كلا الموقعين باستخدام نظام مانسيل، وهو تصنيف معياري ينظم الألوان حسب درجة اللون وشدته (باهت أو قوي) ومدى سطوعه (غامق أو فاتح)، ويستخدم في الفن والصناعة والعلم الجنائية.

وفي القطيفة، موقع المقبرة الجماعية الأصلية، التقطت الطائرات المسيرة تفاصيل من فجوات فارغة في الأرض جرى حفرها في وقت ما بعد سقوط الأسد، سواء داخل منطقة المقبرة الجماعية أو قربها، وكشفت هذه الحفر عن طبقات باللونين الأحمر والأصفر من النوع الذي عادة ما يظهر عند استخراج رفات بشرية، وفقاً إلى ما خلص له فريق روك.

وفي الضمير، أظهرت رحلات الطائرة المسيرة أن التربة غير المستوية كانت أكثر احمراراً وقتامة مقارنة بالمناطق القريبة المستوية وهو نوع التغيير المتوقع إذا أضيفت تربة القطيفة إلى التربة الرمادية في الضمير.

وقال روك إن العوامل الأخرى التي من شأنها أن تجعل التربة داكنة، بما في ذلك نسبة الرطوبة أو التركيب المعدني أو المواد الكيماوية الناجمة عن تحلل الجثث، تشير أيضاً إلى وجود مزيج من التربة القديمة والجديدة.

وعلى رغم أن تحليل الألوان الذي أجراه العلماء يشير إلى أن التربة كانت مختلطة، لا تزال هناك أسرار كامنة تحت السطح. فمن غير الممكن تأكيد وجود تربة القطيفة في موقع الضمير إلا من خلال أخذ عينات. ولا يمكن معرفة عدد القتلى المدفونين في صحراء الضمير وهوياتهم سوى باستخراج الجثث وفحص الحمض النووي.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات