ملخص
بصورة عامة، لا يعتبر الخطر أكبر حكماً في غرفة العمليات ولا تعتبر نسبة الخطر مرتفعة بصورة خاصة، بل إن الخطر الأكبر يكون في غرفة العناية المشددة. في غرف العمليات تكون هناك إجراءات مشددة للغاية فيها، إلا أن الخطورة لا ترتبط حصراً بمستوى تعقيم المعدات، إنما أيضاً بطول مدة الجراحة والتقنية التي يعتمدها الطبيب في الجراحة، فهي من العوامل التي لها أثر في مستويات خطورة الجراحة في ما يتعلق بالعدوى المكتسبة.
قد يدخل مريض إلى المستشفى بهدف تلقي العلاج بسبب حالة صحية معينة، وإذ به يتعرض إلى مشكلة أخرى لا علاقة لها بالحالة التي أدخل من أجلها. يبدو، عندها، أن الأمور اتخذت منعطفاً مختلفاً نحو الأسوأ وأصبحت الأمور أكثر تعقيداً، وإن كانت الحالة الأساسية التي أدخل بسببها المريض إلى المستشفى بسيطة. كم من مرة سمعنا عن حالة التهاب بكتيري أو فيروسي التقطها أحدهم في المستشفى؟ في مثل هذه الحالات، تحيط بالمستشفى الشبهات وتتوجه إليه أصابع الاتهام لاعتبار أن البكتيريا تنتشر فيه بسبب عوامل ترتبط بقلة النظافة والتعقيم، هذا في ما يتعلق بالمفهوم العام، أما في المفهوم الطبي فهناك منظور مختلف، وتبدو الأمور مغايرة تماماً.
العدوى المكتسبة في المستشفى خطر من نوع آخر
تكثر الفيروسات والبكتيريا التي يمكن التعرض لها في المستشفيات في ما يعرف بالعدوى المكتسبة من المستشفيات، قد تسبب هذه العدوى فيروسات أو طفيليات أو بكتيريا سواء عبر الاتصال بالعاملين في المستشفى، أم بمرضى آخرين، أم من خلال الآلات والمعدات، أم أغطية الأسرة، أم جزيئات الهواء حتى. بالتالي، يعتبر الخطر موجوداً بسبب عوامل عدة، ويكون الخطر أهم بالنسبة إلى مريض يدخل إلى العناية المشددة، وكثيرة هي الأخبار التي نسمعها عن حالات مماثلة. بطبيعة الحال، تسعى المستشفيات إلى اتخاذ كل الإجراءات اللازمة للحد من هذه الأخطار ومكافحة العدوى المكتسبة في حرمها. على رغم ذلك، يبقى الخطر موجوداً، وقد نسمع في كثير من الأحيان عن مستشفيات تحيط بها الشبهات بسبب انتشار البكتيريا فيها، وعدم قدرتها على مكافحتها، مما يزيد من احتمال إصابة المرضى الذي يدخلون إليها بالتهابات ومشكلات صحية خطرة أحياناً، وإن كانت الحالة التي أدخلوا بسببها إلى المستشفى بسيطة. ويبدو الوضع أسوأ بعد في غرف العمليات التي تكثر الهواجس التي تتعلق بها، وتثير مخاوف كثيرين ممن يدخلون إليها.
بحسب مسؤول قسم الجودة ومكافحة العدوى في مستشفى "اللبناني - الجعيتاوي" أنطوان صعب لا يعتبر الحديث الذي يتعلق بالعدوى المحتملة في غرف العمليات والبكتيريا والفيروسات موضوعياً دائماً، بل تكثر الإشاعات التي يجري تناقلها حول هذا الموضوع. ونسبة كبيرة من الأخبار المتداولة لا يعتبر صحيحاً ولا يمت للحقيقة بصلة، خصوصاً أن غرف العمليات تعتبر أكثر المساحات التي يصعب فيها قياس نسبة العدوى. علماً أنه على مستوى عالمي، أظهرت الدراسات أن نسبة الخطورة في الجراحة من العدوى المكتسبة تراوح بين خمسة و25 في المئة، وتتفاوت هذه النسبة بحسب المستشفى ومدى احترامه المعايير، وبحسب البلدان أيضاً، "معظم الأخبار التي يتم التداول فيها في شأن العدوى المكتسبة في غرفة العمليات وفي المستشفيات لا تعتبر دقيقة، في لبنان ما من داتا تؤكد ما يشاع حول خطر التقاط العدوى في غرف العمليات. في كل الحالات، لكل مستشفى فريق إدارة عدوى مع نظام متابعة دقيقة يضمن ضبط الوضع والحد من خطر انتقال العدوى بمزيد من الفاعلية، ويلتزم به الأطباء والعاملون الصحيون كافة في المستشفيات. في الوقت نفسه، ثمة مسؤولية كبرى على الدولة هنا، لأن من المفترض بالوزارة الصحة توفير نظام معلومات صحية أفضل مع إمكان الوصول إلى الداتا لتحسين القدرة على إدارة الأمور، وهذا ما ليس متاحاً في لبنان".
بصورة عامة، لا يعتبر الخطر أكبر حكماً في غرفة العمليات ولا تعتبر نسبة الخطر مرتفعة بصورة خاصة، بل إن الخطر الأكبر يكون في غرفة العناية المشددة. في غرف العمليات تكون هناك إجراءات مشددة للغاية فيها، إلا أن الخطورة لا ترتبط حصراً بمستوى تعقيم المعدات، إنما أيضاً بطول مدة الجراحة والتقنية التي يعتمدها الطبيب في الجراحة، فهي من العوامل التي لها أثر في مستويات خطورة الجراحة في ما يتعلق بالعدوى المكتسبة، ويبدو الخطر أهم بعد إذا كان المريض يعاني ضعفاً في المناعة. وما يمكن أن يحصل أحياناً في غرفة العمليات ولا علاقة له بمستوى النظافة والتعقيم حالة تعرف بالعدوى الذاتية، وفيها تنتقل العدوى الجرثومية من المريض نفسه، من أحد الأعضاء إلى أخرى، وعلى رغم اتخاذ إجراءات صارمة لتجنب مثل هذه الأمور يعتبر احتمال العدوى وارداً، خصوصاً في حال أجريت الجراحة في أعضاء لا تعتبر من تلك النظيفة كالأمعاء مثلاً، مما يجعل خطورة العدوى المكتسبة مرتبطة بعوامل أخرى لا علاقة لها بالنظافة، مثل الجراح، وطبيعة العملية، وحال المريض، وما إذا كان يعاني أمراضاً مزمنة. ومن أنواع العدوى التي يمكن التعرض لها التهاب المسالك البولية، والالتهاب الرئوي، والالتهاب في مجرى الدم، والالتهاب في موضع الجراحة. ويمكن أن يزيد الخطر بوجود عوامل معينة مثل طول مدى الإقامة في المستشفى، وأن يكون المريض في سن متقدمة، وأن يعاني أمراضاً مزمنة أو ضعفاً في المناعة، وأيضاً في حال الخضوع لجراحات معينة.
احتمال العدوى وارد على رغم الإجراءات
في حالات معينة، تتخذ إجراءات مضاعفة في غرفة العمليات، وتكون هناك عملية تعقيم نهائية يجري فيها رش الرذاذ في الغرفة في آلة معينة لتعقيم شامل للمساحة والهواء في مختلف الزوايا التي فيها، فلا تترك عندها أية زاوية من دون تعقيم. لكن، على رغم كل الإجراءات التي يمكن أن تتخذها المستشفيات وأقسام مكافحة العدوى فيها، يبقى الخطر موجوداً ويعجز أي مستشفى عن إزالة الخطر بصورة تامة، وإن كان ملتزماً بالمعايير، والخطر لا يكون صفر دائماً بحسب صعب، "ما يجب معرفته أنه في هذا المجال هي حرب في مواجهة عدو مجهول وخفي، ولا يمكن إلا الاستناد إلى المعايير والمعلومات المتوافرة والفحوص، لذلك في كل الحالات يبقى الخطر موجوداً ولا يمكن التوصل إلى الوقاية التامة على رغم الإجراءات المشددة. وفي العالم كله لا يصل هذا الخطر إلى الصفر".
ومن الأخطار الموجودة في المستشفيات، البكتيريا المقاومة للأدوية بصورة خاصة، فيمكن أن تبقى على الأسطح لمدة طويلة على رغم اعتماد كل وسائل التعقيم والالتزام بالمعايير. وأوضح صعب أنه من الممكن أن يعتمد المستشفى إجراءات تعقيم أكثر تشدداً، لكن الخطر يبقى موجوداً في كل الحالات. أما في العناية الفائقة فيكون الخطر الأكبر الموجود بين مختلف المساحات في المستشفيات، وبصورة خاصة عندما يوضع المريض على جهاز التنفس الاصطناعي. وفي حال عدم احترام المعايير واتخاذ كل الإجراءات المطلوبة من تعقيم ونظافة حفاظاً على سلامة المريض، من الممكن أن يتعرض إلى عدوى جرثومية بهذه الطريقة. ومن الإجراءات المطلوبة عندها الحرص على تغيير فلتر جهاز التنفس بصورة دورية، مع ضرورة تعقيم أي جهاز يمكن أن يوضع للمريض تجنباً لخطر العدوى. فأكثر الأدوات التي يمكن أن يتعرض بسببها المريض لعدوى جرثومية هي جهاز التنفس الاصطناعي والقسطرة المركزية، فلدى التعامل معها من الضروري الحرص على إجراءات مشددة في التعقيم وعلى النظافة حتى لا تنتقل عدوى جرثومية إلى الجسم. كذلك بالنسبة إلى جهاز البول، فلا بد أيضاً من الحرص على تجنب أي عدوى إلى المثانة من خلال التمييل الذي يوضع في حال العجز عن التبول، ففي مثل هذه الحال من الممكن أن يتعرض المريض لالتهابات في البول.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بصورة عامة، لا بد من اتخاذ كل الإجراءات اللازمة المرتبطة بالمعدات المستخدمة. ومن المعدات التي تستدعي التشدد في التعقيم أيضاً المنظار كونه يستخدم من مريض إلى آخر، وتكون عملية التعقيم في غاية الدقة عندها مع تنظيف يدوي ثم بالآلات خلال مدة معينة قبل أن يعاد استخدامه، فإذا لم يطبق ذلك بصورة صحيحة من الممكن أن تنتقل العدوى بين المرضى.
كذلك يبقى خطر العدوى موجوداً بين المرضى فهذا ممكن في المستشفيات أيضاً على رغم الإجراءات التي تتخذ والحرص على فصل المرضى المصابين بأمراض معدية، فإذا كان مريض مصاباً بالتهاب ووضع آخر معه، من الممكن أن تنتقل العدوى بالنفس أو بالهواء أو باليد، في حال عدم الحرص على تعقيم اليدين من العاملين في المستشفى والممرضين.
قد تكون حالات العدوى كثيرة، لكنها ليست كلها بالخطورة ذاتها ومنها ما لا تعتبر مهمة، إذ تتفاوت الخطورة بين مختلف أنواع العدوى، ولكل منها نسبة خطورة معينة ومضاعفات سواء حصلت من جهاز التنفس أو بالنفس أو من أي معدات، ولا يمكن إلا تتبع خطر حصول العدوى والتعامل معها وفق الأصول والمعايير المطلوبة. وفي حال حدوثها، لا بد من التشدد أكثر بعد، والحرص على المراقبة والتدقيق واعتماد الإجراءات المعروفة التي توصي بها الهيئات الصحية الرسمية، كما أن لكل نوع من أنواع العدوى توصيات معينة لا بد من احترامها لخفض الخطر إلى أقصى حد ممكن مثل الحرص على تنظيف الأسطح والأرض واعتماد مواد التعقيم المناسبة العالية التركيز والجودة. وبصورة خاصة، إذا كانت الجرثومة من النوع المقاوم للأدوية ولمضادات الالتهاب، فتعتبر من أصعب البكتيريا في المستشفيات وثمة تخوف منها نظراً إلى صعوبة معالجتها، لهذا وإذا تبينت إصابة أحد المرضى بها، فهناك حرص على عزله تجنباً لانتقال العدوى إلى غيره من المرضى، كما تتخذ إجراءات مشددة في التعامل معه مع ملابس ترمى تلقائياً وإجراءات تعقيم مشددة، كما أن ثمة بكتيريا تعيش على الأسطح طوال أشهر وأسابيع، ولا بد من تعقيم جذري للتعامل معها، وهي تزيد من التحديات في المستشفيات، خصوصاً في حال التهاون في التعقيم.
حرق غرفة العمليات إجراء استثنائي
في ما يتعلق بعملية حرق غرف العمليات، يحكى كثير عنه في بعض المستشفيات عندما تكون هناك صعوبات في التخلص من بكتيريا معينة وعندما تتزايد الحالات التهابية لدى الدخول إليها. لكن بحسب صعب، "هو إجراء نادر جداً بعكس ما يشاع، سواء على مستوى العالم أو في لبنان. ففي لبنان هناك حالات استثنائية تم فيها اللجوء إلى هذه التقنية عندما كانت هناك مشكلة في التخلص من بكتيريا معينة، وتعتمد هذه التقنية على الحرارة العالية لمسح شامل للجدران والأسطح". لكن بعيداً من هذه التقنية الاستثنائية، هناك عملية تعقيم مشددة في المستشفيات، وفي حال وجود احتمال حصول عدوى يكون هناك تعقيم مركز. وثمة مستشفيات تعتمد على تقنية التعقيم بالأشعة ما فوق البنفسجية لمدة ساعة لقتل البكتيريا بالحرارة العالية، وهي الأكثر فاعلية، لكنها لا تعتمد في المستشفيات كافة. ففي الحالات العادية يكون هناك حرص على التعقيم بين المرضى في غرفة العمليات مع تعقيم بطريقة صارمة للأدوات والأجهزة والمساحة كاملة، أما بغير ذلك فثمة كوارث حقيقية يمكن أن تحصل فيها.
يكون احتمال العدوى أقل بكثير عندما يكون التعقيم شاملاً ومتشدداً، لكن قد لا تتخذ بعض المستشفيات تلك الإجراءات المشددة في التعقيم، وقد لا يكون هناك التزام تام بالمعايير الدولية في حالات استثنائية، خصوصاً أن الرقابة المشددة في هذا المجال غير موجودة وقد تستند بصورة أساس إلى الشكاوى. لكن بحسب صعب، "ثمة حاجة إلى توضيح الأمور للرأي العام لأن المخاوف والهواجس كثيرة وهي غير مبررة، فيما الواقع ليس بهذه السوداوية. فهناك إشاعات كثيرة بغياب المعلومات الدقيقة التي تسمح بالتمييز بين الشك واليقين. من جهة أخرى، ثمة مستشفيات تلاحقها الإشاعات بمعدلات كبرى مما يجعل المواطنين يتجنبونها، بما أن المراقبة الجدية غائبة من الدولة لهذا النوع من المعايير".
من المفترض بالمستشفيات عامة أن تحترم المعايير للحصول على ثقة المواطن، صحيح أن الخطر يبقى موجوداً على مستوى العالم في المستشفيات على رغم كل الإجراءات التي تتخذ لتجنب العدوى المكتسبة، لكن إذا ما استبعدنا الخطر المحتمل، تبقى الاستثناءات موجودة، ومن الممكن أن تغفل بعض المستشفيات عن التقيد المعايير بصورة صارمة ما دام أن الرقابة الجدية غير موجودة. وهذا ما يسهم بالتعميم وبانتشار الإشاعات لتطاول مختلف المستشفيات بما فيها تلك التي تحترم المعايير المطلوبة. أما في حال توافر نظام رقابة متشدد من الدولة على المستشفيات للتأكد من التزامها بالنظام، وأن الإجراءات التي تتخذها مطابقة للمعايير، وهي تحترمها بوجود فرق الجودة التي تتولى هذه المهمة، فيمكن كسب ثقة المواطن بالنظام الاستشفائي عامة، بمجرد علمه أن المحاسبة موجودة وأن المستشفيات كافة تلتزم بالمعايير العالمية.