ملخص
بعد تعثر المفاوضات في عهد بايدن، تبدو إدارة الرئيس دونالد ترمب منفتحة لإبرام اتفاق دفاعي "متين" مع السعودية، إما من خلال اتفاق رسمي أو أمر تنفيذي من دون شرط العلاقات مع إسرائيل
كشفت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية عن أن الولايات المتحدة والسعودية تبحثان إبرام اتفاق دفاعي، لتعزيز التعاون العسكري والاستخباراتي المشترك، خلال الزيارة المرتقبة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
ما الجديد؟
مفاوضات الاتفاق الدفاعي ليست وليدة اللحظة، فقد بدأت قبل سنوات في عهد الرئيس السابق جو بايدن، إلا أن المساعي لإبرام الاتفاق تعثرت بعدما اشترطت الإدارة الأميركية إنشاء علاقات مع إسرائيل، وهو ما ترفضه السعودية من دون قيام دولة فلسطينية مستقلة.
لكن إدارة الرئيس دونالد ترمب تبدو منفتحة لإبرام اتفاق دفاعي "متين" مع السعودية، إما من خلال اتفاق رسمي أو أمر تنفيذي من دون شرط العلاقات مع إسرائيل، وقال مسؤول أميركي رفيع لصحيفة "فايننشال تايمز" إن "المناقشات جارية لتوقيع اتفاق ما عندما يأتي ولي العهد، لكن التفاصيل لا تزال غير محسومة".
وأوضحت وزارة الخارجية الأميركية أن التعاون الدفاعي مع السعودية، "يشكل حجر الأساس لاستراتيجيتنا الإقليمية"، مؤكدة التزام واشنطن "بأمن المنطقة ومواصلة العمل مع السعودية لحل النزاعات، وتعزيز التكامل الإقليمي، ومنع الإرهابيين من إيجاد ملاذ آمن"، في حين لم تعلق السفارة السعودية لدى واشنطن على المسألة.
شكل الاتفاق المقبل
يمكن أن يكون الاتفاق مع السعودية على غرار الاتفاق بين الولايات المتحدة وقطر، الذي أُعلن مستهل الشهر الجاري على شكل أمر تنفيذي وقعه ترمب، وتعهدت فيه الولايات المتحدة بضمان أمن دولة قطر، بما في ذلك اتخاذ رد عسكري انتقامي في حال تعرضها للهجوم، وذلك في أعقاب الضربة الإسرائيلية على الدوحة. ودعا الأمر التنفيذي وزير الحرب الأميركي إلى التنسيق مع كبار المسؤولين للحفاظ على خطط طوارئ مشتركة مع قطر، بما يضمن "استجابة سريعة ومنسقة لأي عدوان خارجي ضد الدولة الخليجية".
وفي عهد بايدن، نوقشت إمكانية توقيع اتفاق مع السعودية على غرار معاهدتي اليابان وكوريا الجنوبية اللتين تتضمنان التزاماً كاملاً بالدفاع المشترك، مثل المادة الخامسة في معاهدة الناتو، التي تعد الهجوم على أحد الأعضاء هجوماً على الجميع. لكن التحدي أمام الحكومتين هو أن تصديق الاتفاق الدفاعي مع السعودية لو اتخذ شكل تلك المعاهدتين سيتطلب موافقة ثلثي مجلس الشيوخ.
ومن البدائل التي لا تلزم موافقة الكونغرس، منح الرياض التزاماً دفاعياً مكتوباً على غرار اتفاق (C-SIPA) الذي يرمز لـ"اتفاق التكامل الأمني والازدهار الشامل"، وأبرمته إدارة بايدن مع البحرين خلال سبتمبر (أيلول) 2023. ويلزم اتفاق (C-SIPA) البلدين بالعمل المشترك لردع ومواجهة أي عدوان خارجي ضد أراضي الطرف الآخر، والاجتماع فوراً لتحديد الحاجات الدفاعية. ويشمل أيضاً تعزيز التعاون الدفاعي والأمني، وتكثيف تبادل المعلومات الاستخباراتية، وبرامج التدريب والتعليم العسكري، وتوفير المواد والخدمات الدفاعية، وتنظيم مناورات عسكرية مشتركة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وليس من الواضح ما إذا كان ترمب قد يسمي السعودية حليفاً رئيساً من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو تصنيف من شأنه تسهيل بيع المعدات العسكرية الأميركية المتقدمة، وحل مشكلة كثيراً ما عانتها الرياض في تعاملاتها مع واشنطن وهي تأخر تسليم مبيعات السلاح.
ترقية الشراكة العسكرية
يقول الأكاديمي الأميركي باول سوليفان من جامعة جونز هوبكنز في حديثه إلى "اندبندنت عربية" إنه يمكن تحقيق كثير من هذا خلال هذا الاتفاق إذا أُحسن تنفيذه، مشيراً إلى أن السعودية أهم استراتيجياً من بقية دول الخليج، لامتلاكها جيشاً أكبر وأصولاً متنوعة، ونفوذاً دبلوماسياً واستراتيجياً أوسع.
غير أن سوليفان يحذر من أن هذه الاتفاقات الدفاعية قد تأتي بنتائج عكسية إذا أدت إلى توريط الدول في صراعات، وقال "إذا كان الاتفاق الدفاعي المشترك يلزم الدول بالدفاع المتبادل في زمن الحرب، فإنها تصبح مقيدة به وكان هذا أحد الأسباب التي أدت إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى".
وتعد السعودية من أكبر مشتري الأسلحة الأميركية، فخلال مايو (أيار) الماضي أعلن البيت الأبيض صفقة سلاح مع السعودية بقيمة تقارب 142 مليار دولار، ووصفها بأنها "الأكبر في التاريخ"، ويتمتع البلدان بعلاقات عسكرية وثيقة، تنامت على مدى الثمانية عقود الماضية، وتخللها التعاون لتحرير الكويت.
لكن حوادث عديدة خلال الأعوام الماضية كان آخرها الهجوم الإسرائيلي على قطر أسهمت في زعزعة ثقة دول الخليج بمتانة الشراكة مع الولايات المتحدة، مما دفع السعودية إلى تعزيز علاقاتها مع الصين وروسيا، وتقوية التقارب مع قوى متوسطة منها باكستان، التي وقعت معها السعودية أخيراً اتفاق الدفاع الاستراتيجي المشترك الذي ينص على أن أي هجوم على أحدهما يعد هجوماً على كليهما، فيما اعتبره محللون رسالة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل بأن السعودية مستعدة لتنويع تحالفاتها الأمنية لتعزيز قدرتها على الردع.