Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل من مسار واضح خطه اتفاق شرم الشيخ نحو "دولة فلسطينية"؟

الوثيقة التي وقعها قادة مصر وتركيا والولايات المتحدة وقطر لا تتضمن أية إشارة إلى حل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي ومراقبون يرون أن تطبيق السلام يحتاج إلى مزيد من الخطوات الجادة وانضمام ترمب المباشر

بدت تصورات الرئيس الأميركي حول "المسألة الفلسطينية" غير مكتملة بعد، إذ أكد غداة قمة شرم الشيخ أنه سيقرر لاحقاً ما يراه "صائباً" لمستقبل الفلسطينيين والقطاع المدمر (أ ف ب)

ملخص

لم تشِر "وثيقة شرم الشيخ" بأية صيغة سواء من قريب أو بعيد إلى "حل الدولة الواحدة أو الدولتين"، كمسار سياسي ينهي دوامة الصراع والعنف في المنطقة، واكتفت بتعبيرات فضفاضة ومصطلحات غامضة تؤكد على ضرورة التوصل إلى "سلام دائم" بين إسرائيل وجيرانها، بمن فيهم الفلسطينيون، وترحيب القادة الموقعين عليها "بالتقدم المحرز في إرساء ترتيبات سلام شاملة ودائمة في قطاع غزة، وبالعلاقات الودية والمثمرة بين إسرائيل وجيرانها في المنطقة"، والتزامهم "مستقبل يسوده السلام الدائم"، من دون خطوات تنفيذية واضحة المعالم في المستقبل القريب.

ما إن وقع قادة كل من مصر وقطر والولايات المتحدة وتركيا على "وثيقة السلام" لوقف الحرب في قطاع غزة بمدينة شرم الشيخ المصرية، حتى بدأ المراقبون والمحللون ينبشون بين سطورها وجملها بحثاً عن "مسار واضح المعالم" لإقرار سلام يتجاوز بمفاعيله وديناميكيته حدود القطاع المدمر بعد عامين من الحرب الإسرائيلية المستعرة، ولا سيما مع تأكيد الحضور وعلى رأسهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب وصف قمة شرم الشيخ ووثيقتها بـ"اليوم العظيم للشرق الأوسط" و"بزوغ فجر تاريخي فيه" ونهاية "كابوس طويل ومؤلم" لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين.

و"وثيقة السلام" في غزة أو ما أصبح يعرف إعلامياً بـ"وثيقة شرم الشيخ"، على رغم أنها مثلت ضمانة دولية وإقليمية إلى حد بعيد، وفق كثر لإنهاء الحرب في القطاع، بعد إتمام المرحلة الأولى من خطة ترمب والمتمثلة في وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة "حماس" وتبادلهما سائر الرهائن الأحياء المحتجزين في القطاع بمعتقلين وسجناء فلسطينيين مع انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية، فإنها بدت غامضة جداً في شأن الطريق إلى السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، إذ لم تشِر بأية صيغة سواء من قريب أو بعيد إلى "حل الدولة الواحدة أو الدولتين"، كمسار سياسي ينهي دوامة الصراع والعنف في المنطقة، واكتفت بتعبيرات فضفاضة ومصطلحات غامضة تؤكد على ضرورة التوصل إلى "سلام دائم" بين إسرائيل وجيرانها، بمن فيهم الفلسطينيون، وترحيب القادة الموقعين عليها "بالتقدم المحرز في إرساء ترتيبات سلام شاملة ودائمة في قطاع غزة، وبالعلاقات الودية والمثمرة بين إسرائيل وجيرانها في المنطقة"، والتزامهم "مستقبل يسوده السلام الدائم"، من دون خطوات تنفيذية واضحة المعالم في المستقبل القريب.

وأمام الحفاوة والإشادة المتبادلة على المستويات الإقليمية والدولية بالوثيقة، بقيت الفجوة في قراءة فلسفتها ومضمونها كبيرة بين المحللين، ولا سيما أمام الاختلاف في التصريحات حول أهداف الخطة، فبينما أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن الاتفاق الموقع "أغلق صفحة أليمة في تاريخ البشرية، وفتح الباب لعهد جديد من السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، ويمنح شعوب المنطقة التي أنهكتها الصراعات، غداً أفضل"، وأضاف أن تنفيذ خطة ترمب المكونة من 20 بنداً "تخلق الأفق السياسي اللازم لتنفيذ ’حل الدولتين‘ إذ إنه السبيل الوحيد نحو تحقيق الطموح المشروع للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي في طي صفحة الصراع والعيش بأمان"، بدت تصورات الرئيس الأميركي حول "المسألة الفلسطينية" غير مكتملة بعد، إذ أكد غداة قمة شرم الشيخ أنه سيقرر ما يراه "صائباً" لمستقبل الفلسطينيين والقطاع المدمر. وقال من الطائرة التي كانت تقلّه عائداً لواشنطن إن "كثراً يؤيدون حل الدولة الواحدة، وبعضهم يفضل ’حل الدولتين‘. سنرى"، مضيفاً "لم أعلّق على ذلك بعد... سأقرر ما أراه صائباً، لكن بالتنسيق مع دول أخرى"، وكان قال قبل مغادرته مصر "لقد نجحنا معاً في ما اعتقد الجميع بأنه مستحيل. أخيراً، لدينا سلام في الشرق الأوسط"، مشدداً على أن "الوثيقة ستتضمن القواعد والترتيبات وكثيراً من التفاصيل الأخرى".

إعادة قراءة "وثيقة السلام"

وفق نص "وثيقة شرم الشيخ" التي نشرها البيت الأبيض تحت مسمى "مذكرة رئاسية" بعنوان "إعلان ترمب من أجل السلام والازدهار الدائم"، فقد تضمنت مجموعة من البنود العامة والفضفاضة حول تحقيق السلام والتكامل في منطقة الشرق الأوسط.

 

الوثيقة التي أتت في 11 نقطة، وحملت توقيع كل من ترمب والسيسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد، تعهدوا خلالها بالترحيب "بالالتزام التاريخي الحقيقي وتنفيذ جميع الأطراف لاتفاق ترمب للسلام الذي أنهى أكثر من عامين من المعاناة العميقة والخسائر الفادحة، لتفتح فصلاً جديداً للمنطقة عنوانه الأمل والأمن والرؤية المشتركة للسلام والازدهار، تستند إلى مبدأ الاحترام المتبادل والمصير المشترك"، فضلاً عن تأييد "الجهود الصادقة التي بذلها الرئيس الأميركي لإنهاء الحرب في غزة وتحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط"، مع تأكيد "العمل معاً على تنفيذ هذا الاتفاق بطريقة تضمن السلام والأمن والاستقرار والفرص لجميع شعوب المنطقة، بمن فيهم الفلسطينيون والإسرائيليون".

وأكدت الوثيقة إدراك القادة بأن "السلام الدائم هو ذلك الذي يتمكن فيه الفلسطينيون والإسرائيليون من الازدهار مع حماية حقوقهم الإنسانية الأساسية وضمان أمنهم وصون كرامتهم"، وأن "الشرق الأوسط لا يمكنه تحمل دورة مستمرة من الحروب المزمنة والمفاوضات المتعثرة، أو التطبيق الجزئي أو الانتقائي للشروط التي جرى التفاوض عليها بنجاح"، وعليه يلتزم الموقعون عليها السعي "إلى تحقيق التسامح والكرامة وتكافؤ الفرص لكل إنسان لضمان أن تكون هذه المنطقة مكاناً يمكن للجميع فيه السعي إلى تحقيق تطلعاتهم في بيئة يسودها السلام والأمن والازدهار الاقتصادي، بغض النظر عن العرق أو الدين أو الأصل الإثني"، مع التأكيد على التزام "حل النزاعات المستقبلية من خلال الحوار الدبلوماسي والتفاوض بدلاً من اللجوء إلى استخدام القوة أو الصراعات طويلة الأمد".

وأضافت "نرحب بالتقدم المحرز في إرساء ترتيبات سلام شاملة ودائمة في قطاع غزة، وكذلك بالعلاقات الودية والمثمرة المتبادلة بين إسرائيل وجيرانها الإقليميين"، مختتمة بالقول "نتعهد العمل الجماعي على تنفيذ هذا الإرث والحفاظ عليه، وبناء أسس ملهمة يمكن للأجيال المقبلة أن تزدهر وفقها معاً في سلام".

تلك الجمل الفضفاضة والغامضة، استدعت كثيراً من النقد من قبل محللين، ولا سيما مع عدم تضمنها أية تعهدات رسمية بإنهاء الحرب في القطاع، أو ضمان إقرار واضح لمسار سياسي للسلام بالنسبة إلى الفلسطينيين وحق تقرير مصيرهم، فضلاً عن عدم مناقشة المراحل التالية من خطة ترمب حول غزة التي وفق كثر تعد الأصعب في تطبيقها من نزع سلاح "حماس" وإدارة القطاع في اليوم التالي وفترة المرحلة الانتقالية التي تقود في النهاية إلى انسحاب إسرائيلي كامل من القطاع، بخاصة أمام إصرار إسرائيلي برفض قيام "دولة فلسطينية" بأية صيغة كانت.

لكن في المقابل يعول بعضهم على إشارة خطة ترمب نفسها التي تتضمن 20 بنداً، إلى تقديم مسار وإن لم يكن واضح المعالم أو الجدول الزمني في شأن القضية الفلسطينية، ولا سيما ضمن البنود الثلاثة الأخيرة منها (18 و19 و20)، إذ نص البند الـ18 "على إنشاء  مسار للحوار بين الأديان قائم على قيم التسامح والتعايش السلمي بهدف تغيير العقليات والسرديات لدى الفلسطينيين والإسرائيليين عبر التأكيد على المنافع المترتبة على السلام"، فيما نص البند الـ 19 على أنه "في وقت يتقدم إعمار غزة وينفذ برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية بجدية، فقد تتوافر أخيراً الظروف اللازمة لمسار موثوق نحو تقرير المصير والدولة الفلسطينية، وهو ما نعترف به (الولايات المتحدة) بوصفه أملاً للشعب الفلسطيني"، واختتمت الخطة ببندها الـ20 والمتمثل في "تعهد الولايات المتحدة بإطلاق حوار بين إسرائيل والفلسطينيين للتوافق على أفق سياسي للتعايش السلمي والمزدهر".

 

لكن ما يؤشر على صعوبة المرحلة المقبلة هو آلية التفاوض بين "حماس" وإسرائيل حول النقاط التي بقيت خلافية طوال العامين الماضيين والجدول الزمني لتحقيقها. وقال رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية قبل يومين إن الوسطاء الذين ساعدوا في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة بين "حماس" وإسرائيل، قرروا تأجيل المحادثات حول القضايا الأكثر تعقيداً مثل نزع سلاح الحركة، لأن الطرفين لم يكونا جاهزين لعقد اتفاق شامل، مضيفاً "لو تفاوضنا على اتفاق شامل منذ البداية، ما كنا لنصل إلى هذه النتائج"، وأشار في الوقت ذاته إلى أن "حماس" أبدت استعداداً لـ"مناقشة نوع مختلف من العلاقات مع إسرائيل وأنها منفتحة على مناقشة سبل عدم تشكيل تهديد لإسرائيل".

وأردف أن "أحد الأسئلة التي ينبغي الإجابة عنها هو إلى من ستسلم ’حماس‘ سلاحها؟"، موضحاً أن هناك فرقاً كبيراً بين تسليم السلاح إلى سلطة فلسطينية، وبين تسليمه إلى كيان آخر، ورأى أن الخطوة التالية يجب أن تكون مناقشة تشكيل هذه القوة التي يراها مرتبطة بعملية نزع سلاح "حماس"، وانسحاب إضافي للقوات الإسرائيلية من القطاع.

وكانت خطة ترمب لإنهاء الحرب في قطاع غزة، نصت على أن "الولايات المتحدة ستعمل مع الشركاء العرب والدوليين لتطوير قوة استقرار دولية موقتة تنشر فوراً في غزة، وستقوم هذه القوة بتدريب ودعم قوات الشرطة الفلسطينية التي جرى التحقق من أهليتها، بالتشاور مع الأردن ومصر لما لهما من خبرة واسعة في هذا المجال"، ووفقاً للخطة "ستكون هذه القوات هي الحل الأمني الداخلي طويل الأمد، وستعمل مع إسرائيل ومصر للمساعدة في تأمين المناطق الحدودية، إلى جانب الشرطة الفلسطينية المدربة حديثاً".

"نقطة تحول" ولكن

وأمام تباين القراءات والتحليلات حول ما قدمته قمة شرم الشيخ التي جمعت أكثر من 30 دولة حول العالم لبحث مسار السلام في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن غالبية المراقبين ممن تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" رأوا فيها "نقطة تحول فاصلة" تتطلب خطوات إضافية للبناء عليها من أجل تحقيق السلام المنشود وخلق مسار سياسي واضح بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

 

وبحسب قراءة رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط اللواء طارق عبدالعظيم، فإن "قمة شرم الشيخ مثلت فرصة حقيقية ليس فقط لوقف الحرب في غزة ولكن أيضاً لاستعادة زخم عملية السلام في الشرق الأوسط بأكمله"، وأوضح خلال حديثه معنا أن "وقف الحرب في غزة يمثل ركيزة أولية لإيقاف حال عدم الاستقرار الإقليمي التي أفرزتها هذه الحرب، وامتدت ارتداداتها إلى مناطق متعددة، فستتوقف بالتبعية أو في الأقل تنخفض وتيرة الاستهداف المتبادل بين إسرائيل وبعض الأطراف الإقليمية، مما قد يؤدي بدوره إلى استعادة الأمن والاستقرار ولو جزئياً في الشرق الأوسط، مع أهمية التحسب لاحتمالات اندلاع مواجهات جديدة تستغلها حكومة نتنياهو".

وقال عبدالعظيم "مع التحسب باحتمالات انقضاض حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو على أية ترتيبات أوجدها اتفاق وقف الحرب في غزة، إلا أن قمة شرم الشيخ في النهاية ثبتت تحقيق استقرار أولي خلال تلك المرحلة في القطاع والأراضي الفلسطينية ككل، بخاصة مع توقف آلة الحرب الإسرائيلية"، وأضاف "على رغم التوقع بحدوث خروقات مستمرة، ولا سيما أن ’حماس‘ ومؤسساتها لا تزال قائمة في غزة،  لكن استمرار هذا الهدوء أو تثبيته على أرض الواقع لا يعكس ضمانة حقيقية لعدم عودة الحرب مرة أخرى، بل إن تحول هذا الهدوء إلى سلام دائم يتطلب اتخاذ كثير من الإجراءات، أبرزها رفع الكلفة السياسية لأية محاولة لانتهاك وقف إطلاق النار، من أي من أطراف الحرب، من خلال المراقبة الدائمة والدورية لوقف إطلاق النار بإشراف عربي ودولي وأممي، والشروع الفوري في إعادة إعمار غزة، وفق المشروع العربي – المصري الذي حظي بإجماع دولي، وليس وفق مقاربات أخرى مثل ’ريفييرا الشرق الأوسط‘، فضلاً عن استمرار قيادة الولايات المتحدة للترتيبات على الأرض كضامن مهم لعدم قيام الجانب الإسرائيلي بأي انتهاك في المدى المتوسط أو وضع قيود على إتمام الانسحاب الكامل وليس إعادة التموضع في غزة".

في الاتجاه ذاته، يقول مدير المركز العربي للبحوث والدراسات هاني سليمان إن "ما من شك في أن اتفاق شرم الشيح يعد محطة مفصلية في مسار المنطقة وليس فقط قطاع غزة والقضية الفلسطينية، ولا سيما بعدما أوقف برعاية دولية وإقليمية تدهور الأوضاع في المنطقة على إثر حرب القطاع، وارتداداتها التي كانت تطاول دول الإقليم كافة، سواء من ناحية احتمالات توسع الصراع القائمة طوال الوقت من دون أفق واضح لنهايته، أو إيقاف المساعي الإسرائيلية لتهجير سكان القطاع". لكنه عاد وذكر في حديثه إلى "اندبندنت عربية" بأن تلك النتائج الإيجابية التي تحققت خلال الأيام الأخيرة "لا تشكل في حد ذاتها ضمانة لإحلال السلام والاستقرار في المنطقة، وتتطلب جهوداً دولية وإقليمية مكثفة خلال الفترة المقبلة لتأكيدها والبناء عليها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح سليمان أن "تحقيق الاستقرار الحقيقي في المنطقة مرهون بجملة من الخطوات، والأمور الإجرائية والتنفيذية خلال المرحلة المقبلة، ومن بينها مزيد من الضمانات واستمرار وجود إرادة أميركية حقيقية، مع جهود دولية وضغط عالمي مستمر، وألا يكون اتفاق شرم الشيخ بمثابة قطيعة مع الملف الفلسطيني أو أزمة غزة"، مشيراً في الوقت ذاته إلى الحاجة "لاستكمال مراحل اتفاق غزة ببنوده كافة، ولا سيما سرعة الدخول في مرحلة إعادة الإعمار وانسحاب إسرائيل الكامل من القطاع وبدء مسار سياسي واضح لحل القضية الفلسطينية لكي يكون هناك استقرار حقيقي".

وتوقع سليمان أن "يساعد استكمال المراحل بصورة جيدة في نهاية المطاف في إطلاق مسار سياسي نحو إقامة دولة فلسطينية، وهو جذر وأصل المشكلة، وعليه فإن اتفاق شرم الشيخ يمثل نواة أساسية في سبيل المضي نحو هذه الهدف لا يكتمل بحد ذاته من دون خطوات تالية ستكون أكثر صعوبة وتحدياً".

في المقابل، وأمام إقراره بأهمية الخطوات التي أنجزت، إلا أن المحلل السياسي لشؤون الشرق الأوسط في مجلتي "نيوزويك" و"فورين بوليسي" الأميركيتين جوزيف إبستين، يعتقد بأن "اتفاق شرم الشيخ لا يعزز السلام والاستقرار"، ويرى أن "الأزمة تبقى في الجانب الفلسطيني، إذ لا توجد قيادة حقيقية قادرة على التوصل إلى سلام دائم".

وبحسب إبستين خلال حديثه إلينا، فإن أحد الأمور المثيرة التي حدثت خلال الأيام الأخيرة سواء أثناء التوصل إلى اتفاق حول غزة أو عقد قمة شرم الشيخ، "يتمثل في قدرة الرئيس ترمب على حمل جميع دول المنطقة باستثناء إيران على الاتفاق على حل عقلاني للقضية الفلسطينية"، وهو أمر لم يحدث من قبل، وأشار إلى أن تراجع الدعم الإقليمي لجماعات مثل "حماس" من شأنه أن يخلق فرصة للتغيير وينتج قادة قادرين على إبرام اتفاقات سلام.

 

وكثيراً ما تمسك قادة المنطقة بأن حل القضية الفلسطينية على أساس "حل الدولتين" وقرارات الشرعية الدولية هو المسار الوحيد لبناء الاستقرار والازدهار، محذرين من أن الشرق الأوسط سيواجه مصيراً مظلماً ما لم تستأنف عملية سلام تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية.

ترمب "كلمة السر"

وفي وقت يقر بعضهم بـ"غموض" وثيقة شرم الشيخ وما سبقها من اتفاق غزة المبني على خطة ترمب من 20 نقطة، إلا أن دور الرئيس الأميركي ومدى دخوله في مفاعيل التفاعلات المقبلة قد يشكلان عاملاً حاسماً، بحسب كثر، في "تحويل الخطة إلى واقع ملموس بدلاً من أن تكون شبيهة لجهود سابقة تبخرت بعد بدايات واعدة إثر التعقيدات والتحديات التي تعم المنطقة".

وضمن قراءته لما وصفها "محاولة ترمب إعادة هندسة الشرق الأوسط بعد وقف إطلاق النار في قطاع غزة"، كتب توماس فريدمان في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن إعلان الرئيس الأميركي أمام قادة عرب وغربيين عن ميلاد "فجر تاريخي جديد في الشرق الأوسط"، تشبه محاولة بناء أكبر وأجمل وأفخم فندق فوق "مكب نفايات سامة"، وأشار إلى أنها مغامرة تبدو جنونية من قبل الرئيس، لكنها قد تنجح.

وذكر فريدمان أن ترمب يمتلك جرأة لا نظير لها، فبينما يتردد السياسيون والدبلوماسيون التقليديون، يمضي هو مدفوعاً بثقة رجل الأعمال الذي يظن أن كل صفقة يمكن حسمها بالقوة أو الإطراء أو الضغط، محذراً من أن غياب البنية الدبلوماسية وافتقار إدارته إلى الخبرة اللازمة في مجال السياسة الخارجية قد يؤديان إلى فشل المشروع قبل أن يبدأ فعلياً. وشدد على أن نجاح مبادرته يتطلب منه "التحرك بسرعة وتحطيم الحواجز"، ولا سيما أن ما تحقق حتى الآن لا يتجاوز وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، مشيراً إلى أن هذا الأمر لن يقوده بالضرورة إلى سلام شامل، ما لم يتعامل ترمب بحزم مع الطرفين الرئيسين في الصراع إسرائيل و"حماس".

 

ودعا فريدمان الرئيس الأميركي إلى عدم الاكتفاء بما أسماها "النجاحات الرمزية"، إذ إن الأمر يتطلب دفع نتنياهو ورعاة حركة "حماس" الإقليميين (قطر وتركيا ومصر) "إلى تنفيذ نزع السلاح وتمهيد الطريق لقيادة فلسطينية جديدة"، مطالباً ترمب بمواجهة نتنياهو بوضوح إذا كان سيتجه لتشكيل حكومة وسطية تتعاون مع سلطة فلسطينية جديدة لإدارة الضفة الغربية وغزة، أو سيواصل اللعبة القديمة التي بدأها منذ عام 1996، حين استغل وجود "حماس" لتقويض أية عملية سلام حقيقية وإضعاف السلطة الفلسطينية.

من جانبه تساءل الكاتب ماكس بوت في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، عما إذا كان ما أعلنه ترمب فجر تاريخي لشرق أوسط جديد أم أنه مجرد وقف إطلاق نار آخر في الصراع العربي- اليهودي الممتد منذ أكثر من 100 عام؟"، ورأى أن كل المؤشرات "تلفت إلى أنه لا يوجد شيء نهائي في شأن السلام في غزة"، إذ يتطلب تحويل وقف إطلاق النار إلى سلام دائم "تضحيات"، لا يظهر نتنياهو ولا قيادات "حماس" أي استعداد لتقديمها.

وأردف بوت أن نهاية الحرب في غزة تمثل فرصة لإحياء "حل الدولتين"، كما تفتح خطة ترمب للسلام "الباب قليلاً أمام قيام دولة فلسطينية، إذ تتحدث الخطة عن تهيئة الظروف لمسار موثوق نحو تقرير المصير الفلسطيني وإقامة الدولة"، لكن يبدو أن إسرائيل و"حماس" عازمتان على إغلاق هذا الباب، على حد وصفه، مشيراً إلى المصاعب التي قد يفرضها رفض الحركة نزع سلاحها وعودتها للسيطرة على المناطق التي أخلتها القوات الإسرائيلية في قطاع غزة، مقابل إصرار نتنياهو على عرقلة "حل الدولتين" وعدم السماح لقيام دولة فلسطينية بأية صورة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل