Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران ورهانات ما بعد قمة شرم الشيخ

منظومة القرار في طهران كانت واضحة من خلال ترحيبها بأية مبادرة توقف عملية الإبادة البشرية التي تمارسها إسرائيل في غزة

الجدل السياسي الطارئ حول المشاركة في قمة شرم الشيخ لم يسقط أو يزيح جدلاً أكثر إلحاحاً يدور حول مستقبل الحوار والتفاوض المباشر مع الولايات المتحدة (أ ف ب)

ملخص

هذه الحسابات التي ترى أن تهديد نتنياهو الدائم بعمل عسكري ضد إيران و"حزب الله" ليس سوى أداة ضغط أميركية لدفع طهران إلى القبول بالتسوية والدخول في عملية سلام دائم في المنطقة يضمن مصالح أميركا أولاً، ويضمن أمن إسرائيل ثانياً، على حساب مصالح دول المنطقة.

لم يكن رفض إيران للدعوة التي وجهها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لنظيره الإيراني مسعود بزشكيان إلى المشاركة في قمة شرم الشيخ بعنوان "سلام غزة" التي استضافتها مصر، وترأسها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، هو الموقف المتريث الأول خلال الأسابيع الماضية من كل المبادرات التي صدرت عن جهات دولية تجاه إيران.

فعلى رغم عبارات الشكر لإيران التي صدرت عن ترمب  لإسهامها في التأثير في حركة "حماس" للمواقفة على مبادرة السلام التي اقترحها، مع التأكيد على شكر السيسي على هذه الدعوة والتمسك بتعزيز المسار الدبلوماسي بين البلدين، فإن ذلك لم يكن كافياً لكي تتخلى طهران عن موقفها والتزام جانب الحذر من إمكان وجود فخ جديد قد تكون إدارة ترمب في طور الإعداد له، بخاصة أن التسويغ الذي قدمه وزير الخارجية عباس عراقجي لم يخلُ من الإشارة إلى ذلك، فضلاً عن أن إيران لا يمكنها التعامل والتواصل مع الأطراف التي قامت بالاعتداء على الشعب الإيراني وما زالت تهدده وتفرض عليه العقوبات.

وكما أن طهران، وبحسب عراقجي، لم تنخدع برسائل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإنهاء حال العداء والانتقال إلى السلام التي وصلتها من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فهي في المقابل تقف أمام خطاب نتنياهو الذي يحمل مؤشرات واضحة على تمسكه باستمرار الحرب ضدها، مما يفرض عليها وعلى المنطقة أن تبقى في حال استعداد لمواجهة المشاريع الإسرائيلية، وما يخططه ترمب من أزمات جديدة قد تساعده في تحقيق أهدافه الاقتصادية والتسووية "السلام" بعد فشل فرضها عسكرياً.

وهذه المواقف الإيرانية الحذرة تعبر بوضوح عن الجدل الدائر بين الأوساط السياسية حول تقييم التطورات التي تشهدها المنطقة وما تقوم به الولايات المتحدة من خطوات، فضلاً عن النقاش حول صوابية القرار الإيراني برفض المشاركة التامة في قمة شرم الشيخ من عدمه.

منظومة القرار في السلطة الإيرانية كانت واضحة في مسوغاتها التي دفعتها إلى الرفض والتعامل بما يشبه الحياد الإيجابي، من خلال ترحيبها بأية مبادرة توقف عملية الإبادة البشرية التي تمارسها إسرائيل في قطاع غزة وتسهم في انسحاب قوات الاحتلال منه، إلا أنها في المقابل تتعامل مع مواقف الرئيس الأميركي وكلامه بأعلى مستويات الشك، باعتبار هذا الكلام قد يشكل خديعة جديدة كما حصل خلال المفاوضات التي سبقت لإخفاء الاستعدادات العسكرية لتوجيه ضربة جديدة.

وبالعودة للجدل السياسي حول أبعاد رفض المشاركة في قمة شرم الشيخ، فقد رأت بعض القوى السياسية أنها تضييع لفرص العودة للقيام بدور فاعل في القضايا الإقليمية والدولية إلى جانب المجتمع الدولي، في حين رأى آخرون أن عدم المشاركة قرار صائب لأن المشاركة قد تعني أن إيران تخلت عن سياساتها تجاه فلسطين والقضايا الإقليمية والدولية، بخاصة أن أعمال هذه القمة قائمة حول محور الرئيس الأميركي وبناء على إرادته، فضلاً عن أن المشاركة قد تعني تغاضي إيران عما تعرضت له من اعتداء أميركي، بالتالي قد تشكل إشارة أو رسالة ضعف وتراجع من النظام أمام الضغوط الأميركية.

والجدل السياسي الطارئ حول المشاركة في قمة شرم الشيخ لم يسقط أو يزيح جدلاً أكثر إلحاحاً، يدور حول مستقبل الحوار والتفاوض المباشر مع الولايات المتحدة، وهو جدل  انسحب حول قراءة التطورات التي تشهدها المنطقة والحديث عن إمكان تعرض إيران لضربة عسكرية جديدة. ففي حين يرى بعضهم أن التهويل بهذه الضربة لا يعدو كونه حرباً نفسية تريد التأثير في الموقف الإيراني ودفعه إلى القبول بالشروط الأميركية للتفاوض، يرى بعضهم الآخر أن واشنطن لا تريد أو لا ترغب في حصول هذه الحرب لما لها من تداعيات سلبية على كل الخريطة الجيوسياسية الممتدة من وسط آسيا وصولاً إلى الشرق الأوسط، مقابل قراءة تشكك في قدرة الرئيس ترمب على مقاومة الرغبة الإسرائيلية في فتح حرب ضد إيران تؤدي إلى تغيير النظام وسقوط "الجمهورية الإسلامية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأمام هذا الانقسام الذي يبقى بعيداً من التأثير في دوائر القرار، فإن ما تذهب إليه منظومة القرار، وبالأخص المؤسسة العسكرية في فرعها المتمثل بـ"حرس الثورة الإسلامية"، أو الرؤية التي تتبناها هذه المؤسسة، تنطلق من قراءة واقعية للتطورات التي تدفعها إلى الاعتقاد بأن أميركا من خلال هذا الحشد الذي اجتمع في شرم الشيخ، هو بمثابة اعتراف منها بهزيمة الوسائل العسكرية في تأمين استمرارية إسرائيل وسلطة واشنطن على المنطقة، مما دفعها إلى العودة لاستخدام الدبلوماسية لتحقيق أهدافها، وأن أبرز هذه الأدوات هي الابتزاز الاقتصادي الذي لجأ إليه ترمب خلال حديثه عن المحفزات الاقتصادية وإلغاء العقوبات مقابل انضمام إيران إلى مسار السلام الذي يريده ويدعو إليه في المنطقة، على غرار ما فعل في غزة وسوريا.

وتعتقد هذه القراءة بأن الهدف الأميركي، إضافة إلى ترميم صورة الولايات المتحدة أمام شعوب المنطقة والعالم، استخدام العامل الاقتصادي من أجل إثارة الشعب الإيراني ودفعه إلى ممارسة الضغوط على النظام لإجباره على التعاون والانفتاح على المطالب الأميركية وإبعاد شبح الحرب والحصار الاقتصادي والمعيشي منه، بالتالي لا بد من الحذر وعدم الوقوع في الشرك الأميركي الذي يسعى فقط من أجل تحقيق الأهداف الإسرائيلية.

وتشكل الحالة اللبنانية في هذا السياق نموذجاً لهذه الأهداف، من خلال الضغط الاقتصادي وأزمة إعادة الإعمار لإجبار "حزب الله" على نزع سلاحه، مما يجب ألا تقع فيه إيران وحلفاؤها لأن نزع سلاح "حزب الله" وتفكيك القدرات الصاروخية لإيران سيكونان مقدمة لإنهاء دورها الاقليمي، وأن المغريات الاقتصادية يجب ألا تؤدي إلى خطأ في الحسابات الاستراتيجية.

وهذه الحسابات ترى أن تهديد نتنياهو الدائم بعمل عسكري ضد إيران و"حزب الله" ليس سوى أداة ضغط أميركية لدفع إيران إلى القبول بالتسوية والدخول في عملية سلام دائم في المنطقة يضمن مصالح أميركا أولاً، ويضمن أمن إسرائيل ثانياً، على حساب مصالح دول المنطقة، بخاصة أن الرهان على الأيام يشكل العامل الأساس في اختبار النوايا وجدية واشنطن وتل أبيب بالتزام ما تم التوصل إليه من اتفاق حول غزة، مما يعني أن النظام الإيراني سيتمسك بسقف مواقفه الرافضة أية تسوية بناء على شروط ترمب وإدارته، والرهان على عامل الوقت الذي سيكشف عن حقيقة الموقفين الأميركي والإسرائيلي.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء