ملخص
إذا قررت إسرائيل العودة إلى الحرب فستقع على الزعماء الذين اجتمعوا في شرم الشيخ مسؤولية إلزامها بتطبيق الاتفاق. فأي أوراق يمكن أن يعلنها الوسطاء في وجه إسرائيل لتثبيت اتفاق شرم الشيخ؟
لم تكن اللهجة الحازمة التي استخدمها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بإعلانه انتهاء حرب غزة قبل مشاركته في قمة شرم الشيخ، التي شهدت توقيع وثيقة اتفاق إنهاء الحرب بمشاركة قادة وممثلي دول ومنظمات دولية، انعكاساً لما أعقبها من تصاعد الاتهامات المتبادلة بين إسرائيل و"حماس" بخرق الاتفاق.
وبين استياء إسرائيلي مما اعتبرته الدولة العبرية عدم التزام من قادة "حماس" ببنود اتفاق شرم الشيخ، تحديداً ما يتعلق بالعدد المتفق عليه لتسليم جثامين الرهائن، ورد إسرائيلي بتقليص إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، في مقابل استنكار "حماس" استمرار إطلاق النار من جانب الجيش الإسرائيلي، تثار تساؤلات مُلحة منها: ما الأوراق التي يملكها وسطاء التهدئة في غزة إذا ما انهار الاتفاق؟ وما الضمانات الفعلية لصموده؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ظل نبرة متفائلة باستجابة إسرائيل للضغوط الدولية، والخضوع للخطة التي حددها ترمب، أجمع مراقبون تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" على أن "لا أحد يمتلك أوراق ضغط حقيقية" لفرض وقف إطلاق النار في غزة أو ضمان استمراره، باستثناء "رغبة الرئيس ترمب"، التي تحدد وحدها مسار الاتفاق، بينما أي تبدّل في موقفه من شأنه أن يقود إلى انهياره.
اتفاق بلا ضمانات
يؤكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة السويس، جمال سلامة، أنه "لا توجد أي ضمانات حقيقية لخطة ترمب أو لاتفاق شرم الشيخ". مشيراً إلى أن الولايات المتحدة هي الطرف الوحيد القادر على ممارسة الضغط على إسرائيل لوقف الحرب. متوقعاً أن "يتبدّل موقف ترمب من حرب غزة في مرحلة لاحقة".
ما قاله سلامة، ألمح إليه أيضاً الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهو أحد الموقعين على الاتفاق بوصفه ضامناً، لدى عودته إلى أنقرة عقب زيارته شرم الشيخ، إذ شدد على أهمية استمرار الولايات المتحدة في الضغط على إسرائيل. معتبراً أن صفقة تبادل الأسرى، على رغم أهميتها، لا تمثل حلاً نهائياً للقضية الفلسطينية، وأن الطريق لا يزال صعباً، في ظل سجل إسرائيل السيئ في الالتزام بالاتفاقات.
ويرى سلامة أن الوضع في غزة ينطوي على تعقيدات كبيرة، أبرزها مسألة الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من القطاع، وهي خطوة ستستغرق وقتاً طويلاً. مستبعداً أن يمضي تنفيذ الاتفاق بسلاسة. لافتاً إلى أن كل بند في خطة ترمب لإنهاء الحرب "يحتاج إلى تفاوض منفصل"، في ظل وجود طرف مراوغ هو إسرائيل، التي يرجح أن تلجأ إلى المماطلة في التنفيذ.
ويشدد الوزير الفلسطيني السابق سفيان أبو زايدة على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "لا يرغب" في تنفيذ اتفاق شرم الشيخ، ويتمنّى ألا تلتزم حركة "حماس" بتسليم جثامين الرهائن، إذ إنه بمجرد أن لاحظ تلكؤاً من جانب "حماس"، وجّه بعدم فتح معبر رفح وفقاً لما نص عليه الاتفاق، وأمر بتقليص المساعدات إلى النصف.
وأوضح أبو زايدة أن تنفيذ الاتفاق مرتبط بإصرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب على إنجازه، مع وجود تخوّف من احتمال تغيّر موقفه، وهو أمر متوقع. مشيراً إلى أن الخروقات متوقعة، لكنه استبعد أن تؤدي إلى انهيار الاتفاق، في ظل وجود ضمانات أميركية، ومصرية وقطرية وتركية، ووجود مصلحة مشتركة بين إسرائيل و"حماس".
وبيّن أبو زايدة أن إسرائيل تسعى إلى استعادة الجثامين، فيما تهدف "حماس" إلى استقرار الوضع وفتح معبر رفح ودخول المساعدات، على أمل تعزيز موقعها السياسي، والحفاظ على دور مستقبلي. خاتماً بالقول إن اتفاق شرم الشيخ "الفرصة الأخيرة لجميع الأطراف، والخيارات البديلة ستكون صعبة".
وتتضمن أبرز بنود خطة ترمب لوقف إطلاق النار في غزة إطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين، وانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، ووضع آلية لحكم القطاع لا تشمل حركة "حماس"، إلى جانب إعادة الإعمار، ونزع سلاح "حماس". أما المرحلة الأولى من اتفاق شرم الشيخ فتشمل البنود: إنهاء الحرب بشكل فوري، وانسحاب القوات الإسرائيلية شرقاً من المناطق المكتظة بالسكان.
ترمب الضامن الوحيد
ومن حيفا، قال الباحث في الشؤون الإسرائيلية وائل عواد لـ"اندبندنت عربية" إن الورقة الأهم لصمود أي اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة "كانت ملف الأسرى الإسرائيليين، وقد انتهى بتسليمهم". مشيراً إلى أن تجمع زعماء وممثلي الدول تحت مظلة إعلان وقف إطلاق النار في غزة يشكل عاملاً مشجعاً على عدم انهيار الاتفاق، إلى جانب رسائل الرئيس الأميركي دونالد ترمب التي أعلنت انتهاء الحرب.
واعتبر عواد أن الخروقات للاتفاق ستستمر، وإذا قررت إسرائيل العودة إلى الحرب فستقع على الزعماء الذين اجتمعوا في شرم الشيخ مسؤولية إلزام إسرائيل بتطبيق الاتفاق. معتقداً أن الحرب، بصيغتها السابقة، قد انتهت، من عمليات التوغل البري، والأحزمة النارية، ونسف المباني السكنية، واستخدام الروبوتات المتفجرة، إلا أن الطائرات المسيّرة "ستعود للتحليق فوق غزة للمراقبة، كما ستماطل إسرائيل في عملية الانسحاب من القطاع".
ويتفق أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أحمد يوسف مع الآراء السابقة، قائلاً إن خرق إسرائيل للاتفاق لن يكون مفاجئاً، إذ تكرر في الهدنتين السابقتين، كما تكرر في خرق إسرائيل المستمر لاتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان في نوفمبر من العام الماضي. متوقعاً أن تؤدي الخروقات إلى تهديد اتفاق شرم الشيخ.
واعتبر يوسف أن العنصر الوحيد المختلف هذه المرة هو انخراط الرئيس الأميركي دونالد ترمب شخصياً في الاتفاق، وهو فخور بالدور الذي لعبه للتوصل إلى هذا الاتفاق، ويسعى إلى بناء صورة "صانع السلام العالمي" الذي أنجز ما لم ينجزه غيره. مؤكداً أن موقف ترمب هو الضمانة الأساسية للاتفاق، لكن المشكلة تكمن في أن ترمب عُرف بتبدّل مواقفه، كما حدث في الملف الروسي- الأوكراني. واصفاً إياه بأنه "شخص غير مضمون".
وأضاف يوسف، "لا أقول إن ترمب سينقلب من تلقاء نفسه على الاتفاق، لكن يمكن لإسرائيل أن تدعي أن حماس خرقت الاتفاق، أو أن تفرض شروطاً قاسية على الطرف الآخر، وإن رفضت، اعتبرت ذلك إخلالاً بالاتفاق. في هذه الحالة، قد لا يتخذ ترمب موقفاً متوازناً، بالتالي فإن مستقبل الاتفاق يظل مشوباً بالغموض".
وبحسب يوسف إسرائيل أصبحت أكثر حرية بعد استعادة الرهائن والأسرى، والخطاب السياسي لترمب يظهر أن قضية المخطوفين هي المحور الرئيس للصراع، واستردادهم يزيد من المخاوف من احتمال انقلاب إسرائيلي على الاتفاق. وفي رأي يوسف، فإن الوسطاء جادون، لكنهم لا يملكون سوى أدواتهم الدبلوماسية، بالتالي، إذا كانت إسرائيل تتعمّد تخريب الاتفاق، فلا أعتقد أن القدرات الدبلوماسية للوسطاء ستكون كافية، إذا غاب الرادع الأميركي.
وصرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الأربعاء، بأنه "إذا لم تسلّم حماس سلاحها فستفتح عليها أبواب الجحيم". مشيراً إلى تأكيد ترمب أنه "إذا رفضت حماس التخلي عن سلاحها فسيتم نزعه بالقوة".
استنساخ لاتفاق لبنان
ويشدد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس أيمن الرقب على أن المعضلة التي تهدد الاتفاق تكمن في أن "حماس لا تملك جميع جثث القتلى والرهائن"، إذ إن بعضها لا يزال تحت أنقاض غزة، في ظل غياب أدوات قادرة على رفع الأنقاض. وعلى رغم تفهّم الجانب الأميركي هذه المسألة، فإن إسرائيل تماطل في تنفيذ هذا البند.
وأضاف الرقب أن الولايات المتحدة معنية بالحفاظ على الاتفاق، وتعتبره مشروعاً خاصاً بها، وتبذل جهوداً لمنع انهياره، لكن المرحلة الحالية صعبة، والطواقم العاملة في شرم الشيخ تسعى الآن إلى سد الفراغ، في وقت لا توجد جهة واضحة لملء هذا الفراغ داخل غزة، بينما تسعى إسرائيل لوضع معوقات قد تؤدي إلى انهيار الاتفاق.
وأشار إلى أن الجهة الوحيدة القادرة على الضغط هي الولايات المتحدة، وترمب، على رغم شخصيته غير المطمئنة لاستمرارية أي اتفاق، يعد هذا المشروع شخصياً بالنسبة إليه. وختم الرقب بالقول إن إسرائيل تسعى لمحاكاة ما قامت به في لبنان، حيث تستمر في خرق الاتفاق على رغم دخوله حيز التنفيذ.