Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

موقف روسيا الجديد من نزاع الصحراء الغربية هل يترجم في مجلس الأمن؟

مدى قدرة الدبلوماسية على استثمار تصريح لافروف لترجيح كفة الرباط في هذا الملف بدل الاحتفال بالتصريحات

هناك من يعتبر أن موقف روسيا حول قضية الصحراء شكل تطوراً لافتاً بالنظر إلى المواقف السابقة التي لم تخرج عن الحياد السلبي أو المنطقة الرمادية (وكالة الأنباء المغربية)

ملخص

في وقت يرى فيه مراقبون أن الموقف الروسي "الجديد"، الذي يأتي قبل التصويت المرتقب في مجلس الأمن، بتاريخ الـ30 من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، على القرار المرتقب في شأن الصحراء، يحمل في طياته "تحولاً تاريخياً"، يرى آخرون أن اعتزام موسكو دعم الحكم الذاتي معلق بشرط توافق الأطراف المعنية.

طرحت تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بخصوص استعداد موسكو دعم مخطط الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب لحل نزاع الصحراء مع جبهة "البوليساريو" المنادية بالانفصال، تساؤلات عميقة عن مدى حصول تغير لافت في الموقف الروسي من هذا الملف الشائك.

وتتمسك موسكو طوال عقود خلت بموقفها الذي يوصف بـ"المحايد" حيال نزاع الصحراء، مع ترجيح الطرح الجزائري الداعم لجبهة "البوليساريو"، متمثلاً في مبدأ "تقرير المصير"، بينما لا تدعم صراحة المخطط المغربي متجسداً في الحكم الذاتي بالصحراء.

وفي الوقت الذي يرى فيه مراقبون أن الموقف الروسي "الجديد"، الذي يأتي قبل التصويت المرتقب في مجلس الأمن، بتاريخ الـ30 من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، على القرار المرتقب في شأن الصحراء، يحمل في طياته "تحولاً تاريخياً"، يرى آخرون أن اعتزام موسكو دعم الحكم الذاتي معلق بشرط توافق الأطراف المعنية.

وصرح لافروف الإثنين الماضي أن "مقترح الحكم الذاتي المغربي لإنهاء نزاع الصحراء هو أحد أشكال تقرير المصير المعتمدة من طرف الأمم المتحدة، إذا ما تم ذلك عبر اتفاق جميع الأطراف"، مبرزاً أن "مخطط الحكم الذاتي يمكن أن يكون حلاً ناجحاً شرط أن ينال موافقة الأطراف المعنية وأشرفت عليه منظمة الأمم المتحدة".

مغادرة "المنطقة الرمادية"؟

يقول في هذا السياق حسن بلوان، أستاذ العلاقات الدولية، إن "تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حول قضية الصحراء شكل تطوراً لافتاً بالنظر إلى المواقف الروسية السابقة التي لم تخرج عن الحياد السلبي أو المنطقة الرمادية طوال  أعوام".

وأوضح بلوان أن "الموقف الروسي الجديد أقرب إلى الرؤية المغربية حول مقترح الحكم الذاتي، مع اعتماد ثلاث ركائز داعمة لموقف الرباط: الأول كون روسيا ترحب بمبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب لتسوية النزاع، وهذا تطور مهم في الموقف الروسي".

والركيزة الثانية، وفق بلوان، "هي اعتبار روسيا مقترح الحكم الذاتي أحد أوجه تقرير المصير المعتمدة من طرف الأمم المتحدة، وهذا تحول لافت وغير مسبوق"، ثم الثالثة هي الإشارة ضمنياً إلى أن الاستفتاء الذي تطالب به الجزائر وجبهة "البوليساريو" منذ عقود أصبح متجاوزاً، وأن الواقع تغير لاحقاً، مما يوحي بوجود "تحول برغماتي" لروسيا في التعاطي مع الملف.

واستطرد المحلل ذاته بأن "هذه التصريحات تأتي في سياق أممي تترأس فيه روسيا مجلس الأمن، ومن المنتظر أن يصوت هذا الأخير على قرار يمكن أن يدخل القضية إلى منعطف جديد يميل صوب المملكة، بخاصة في خضم حجم الدعم الذي يحققه مقترح الحكم الذاتي المغربي كأساس واقعي ووحيد لحل نزاع الصحراء داخل الدول دائمة العضوية في المجلس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وشدد بلوان على أن الموقف الروسي الجديد لم يأت من فراغ إذا استحضرنا تطور العلاقات المغربية - الروسية سياسياً واقتصادياً خلال العقد الأخير، واقتناع المسؤولين الروس بأهمية الشراكة الاستراتيجية مع المغرب الذي نأى بنفسه عن التجادبات الإقليمية والدولية، وحافظ على مواقف متوازنة في ظل الحرب الأوكرانية.

ورجح بلوان أن يصوت مجلس الأمن أواخر الشهر الجاري على قرار تاريخي، "يعيد تسمية وهيكلة البعثة الأممية انسجاماً مع دينامية وحراك دولي يجمع على ضرورة طي هذا النزاع المستمر من نحو 50 عاماً في ظل السيادة المغربية".

"لا تغيير في الموقف"

في مقابل هذا الرأي، يرى مراقبون آخرون أن تصريحات وزير الخارجية الروسي، التي تلقفتها وسائل الإعلام المغربية الحكومية وغير الحكومية على أنها مكسب دبلوماسي كبير للرباط، لا تنطوي على أي تحول تاريخي ولا تغير لافت.

يقول في هذا الصدد سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية، إن "تصريح لافروف في شأن ملف الصحراء لا ينطوي، بالصيغة التي جرى تعميمها، على أي جديد يذكر، ولا على أي تقدم في الموقف الروسي يستحق الاحتفاء به".

ويشرح الصديقي "اعتزام موسكو دعم مخطط الحكم الذاتي في الصحراء جاء معلقاً بشرط توافق الأطراف المعنية في هذا الملف، إذ إنه إذا توافقت هذه الأطراف المعنية، سيكون دعم روسيا أم غير روسيا مجرد تحصيل حاصل".

وزاد المتحدث بالقول إنه "إذا توافقت كل الأطراف على الحل بناء على المقترح المغربي للحكم الذاتي، أو أي مقترح آخر يكون قد حل نهائياً، فما على روسيا إلا أن تعترف، وبالتالي هذا التصريح لا يعد تحولاً إطلاقاً، ولا أي مؤشر على تحول في موقف موسكو".

واسترسل الصديقي بأن ما يطلبه المغرب هو "أن يكون هناك إما اعتراف صريح بالسيادة المغربية على الصحراء، أو في الأقل دعم مقترح الحكم الذاتي بموقف متقدم وصريح، حتى إذا لم يصل إلى مستوى الموقف الأميركي أو الفرنسي أو الإسباني، ففي الأقل أن يكون في مستوى بعض الدول الأوروبية بدعم المقترح الحكم الذاتي باعتباره الخيار العقلاني والواقعي لنزاع الصحراء".

استثمار وليس احتفالاً

وفي خضم الاحتفاء المغربي بالموقف الروسي الذي عبر عنه لافروف، يطرح مولاي هشام معتضد، خبير استراتيجي في الشؤون السياسية والدولية، مدى قدرة الدبلوماسية المغربية على استثمار هذا الموقف ليرجح كفة الرباط في نزاع الصحراء، بدل الاحتفال بالتصريحات.

يقول معتضد إن المطلوب من الدبلوماسية المغربية في هذه اللحظة الدقيقة ليس الاحتفال بالموقف الروسي، بل استثماره بعقل الدولة الهادئ، فالمواقف الدولية لا تبنى بالتصريحات، بل تصاغ عبر تراكم المبادرات الذكية والقراءات الهادئة للمصالح المتبادلة. لهذا ينبغي على الرباط أن تتعامل مع التحول الروسي باعتباره نافذة استراتيجية يمكن توسيعها بحذر لتصبح رافعة جديدة في هندسة التوازن داخل مجلس الأمن.

ويرى معتضد أن أول ما يتعين على الدبلوماسية المغربية فعله هو ترسيخ هذا التحول في القنوات غير العلنية، عبر حوار مباشر ومنتظم مع صناع القرار في موسكو، ليس فقط على مستوى وزارة الخارجية، بل في دوائر الفكر والدفاع والاقتصاد التي تؤثر فعلياً في القرار الروسي، إذ يكون الهدف هو تثبيت مفهوم "الحكم الذاتي كصيغة لتقرير المصير" داخل الخطاب الروسي الرسمي، حتى يتحول من موقف ظرفي إلى مرجعية دبلوماسية روسية قائمة بذاتها.

وأردف المتحدث أنه "يتعين أيضاً على الرباط مواصلة تقديم نفسها لروسيا كشريك استراتيجي موثوق في شمال أفريقيا، لا كمجرد ملف سياسي، فتعزيز التعاون في مجالات الطاقة والأسمدة والأمن الغذائي والسياحة والتعليم العالي، يمكن أن يحول الموقف السياسي إلى استثمار طويل المدى في المصالح المشتركة، إذ إنه كلما تشابكت المصالح تجذر الموقف".

وسجل معتضد أنه "من المهم أن تحافظ الدبلوماسية المغربية على لغة متوازنة تجاه الغرب، من دون أن تظهر تحولاً مفرطاً نحو موسكو، فالمطلوب ليس الاصطفاف، بل التموقع الذكي في منطق العالم المتعدد الأقطاب، إذ إن المغرب يحاور الجميع ولا يعادي أحداً".

وأكمل معتضد بالقول "فن استثمار المواقف هو فن الصبر والتراكم، والمغرب إذا ما واصل هذا النهج البراغماتي الهادئ فهو قادر على تحويل الانفتاح الروسي من إشارة ظرفية إلى ركيزة جديدة في الإجماع الدولي حول مبادرته للحكم الذاتي بالصحراء، وهو ما سيمنح الرباط قوة إضافية في كل مفاوضة قادمة داخل أروقة الأمم المتحدة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير