Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المجردون من الجنسية السورية يقرعون أبواب الشرع

تعمدت السلطات لعقود مضت إخفاء كشوف "أجانب الحسكة" و"مكتومي القيد" من الأكراد

مواطن سوري يرفع لافتة "الأكراد شعب أصيل" خلال مسيرة للكرد في القامشلي (أ ف ب) 

ملخص

إثر إحصاء استثنائي عام 1962 جردت السلطات السورية ما يقارب 120 ألف شخص كردي من جنسيته السورية، مما خلق أزمة إنسانية وحقوقية وسياسية وأصبح أحد الملفات الثقيلة التي لم تحلها الأنظمة السورية المتعاقبة.

صادف الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري مرور 63 عاماً على إجراء السلطات السورية إحصاءً استثنائياً في محافظة الحسكة جرد بموجبه عشرات الآلاف من السكان الكرد من جنسيتهم السورية بداعي أنهم مهاجرون من دولة أجنبية.

فبموجب المرسوم التشريعي 93 لعام 1962 نُفذ فقط في الحسكة إحصاء سكاني استثنائي، وفي يوم واحد تلقى سكان المحافظة طلباً بإبراز وثائق تثبت إقاماتهم في البلاد قبل عام 1945 وعلى أساسها جرد من كان يحمل الجنسية السورية وبقي آخرون غير مسجلين في السجلات الرسمية في وقت كان فيه الاهتمام العام ضعيفاً بامتلاك الوثائق الرسمية أو تسجيل الولادات بحسب منظمات حقوقية.

وتحولت هذه الفئة من السكان، والذين كانوا كرداً في غالبيتهم الساحقة إلى مجموعتين محرومتين من الجنسية السورية وما يترتب عليها قانونياً، وهم (أجانب الحسكة) ويملكون بطاقات حمراء يمنحون حق التسجيل في السجلات المدنية، لكن من دون باقي الحقوق أسوة ببقية السوريين و(مكتومي القيد) ولا ترد أسماؤهم في السجلات المدينة ولا يتمتعون بأي حق من حقوق المواطنة ويمنحون فقط شهادة تعريف من مختار الحي أو القرية وتسير بها معاملاتهم البسيطة كالتسجيل في المدارس أو بداعي السفر بين المدن وكلتا البطاقتين (الحمراء وشهادة التعريف) كانتا كبيرتي الحجم وتوازي عدة أضعاف حجم البطاقة الشخصية للمواطنين السوريين العاديين.

أرقام مخفية

طيلة العقود الماضية لم تكشف السلطات الرسمية عن عدد هاتين الفئتين الكرديتين من المحرومين من الجنسية السورية، لكن الأعداد الأولية التي أحصيت وجردت من الجنسية كانت تقدر بنحو 120 ألف كردي.

في المقابل ظلت الحركة السياسية الكردية تطالب بإعادة الجنسية إلى هؤلاء، وقدرت عددهم بأكثر من 300 ألف حتى قبل اندلاع الاحتجاجات في سوريا وصدور المرسوم التشريعي رقم (49) في السابع من أبريل (نيسان) عام 2011، القاضي بـ"منح الجنسية العربية السورية للمسجلين في سجلات أجانب الحسكة"، والذي نص على "منح المسجلين في سجلات أجانب الحسكة الجنسية العربية السورية".

 

لكن في الوقت نفسه لم يصدر أي قرار أو مرسوم يتناول وضع الفئة مكتومي القيد، غير أنه في كل الأحوال بات الباب موارباً مع انتشار أنباء وإشاعات بعد أشهر من صدور المرسوم حول وجود تعميم يقضي بمعاملة مكتومي القيد كأجانب الحسكة.

بحلول سبتمبر (أيلول) عام 2018 نجحت منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" الحقوقية من الوصول إلى السجلات الرسمية والسجل المدني في محافظة الحسكة ومعرفة العدد الكلي لعديمي الجنسية في البلاد.

وقالت المنظمة في تقرير لها حمل عنوان (المواطنة السورية المفقودة)، إنه حتى مطلع عام 2011 كان عدد فئة أجانب الحسكة من أصحاب البطاقة الحمراء والمسجلين ضمن قيود المديرية بلغ 346242 فرداً، ومع نهاية مايو (أيار) عام 2018 بلغ عدد الحاصلين على الجنسية السورية من نفس الفئة (326489) فرداً، "فيما لا يزال هناك 19753 فرداً من فئة أجانب الحسكة غير حاصلين على الجنسية السورية بعد.

أما بخصوص فئة المكتومين فقد نفى المصدر التصاريح التي تقول بعدم معرفة الحكومة السورية عدد هذه الفئة، إذ أشار إلى أن المديرية في الحسكة كانت تعتمد على سجلات “المخاتير” خلال العقود السابقة، والتي كانت تمنح وثائق لفئة “مكتومي القيد” مثل “شهادة التعريف” على سبيل المثال.

ووصل عدد فئة مكتومي القيد حتى عام 2011 لأكثر من 171300 فرد، حصل نحو 50400 فرد منهم على الجنسية السورية بعد تصحيح وضعهم القانوني من فئة المكتومين إلى فئة أجانب الحسكة، وبالتالي إلى فئة المواطنين السوريين.

ووفق "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" هناك نحو 41 ألف حالة لم تستطع تصحيح وضعها القانوني بسبب مشكلات صادفتها المديرية أثناء إدخال ملفاتهم إلى قيود فئة أجانب الحسكة. ولا يزال هناك أقل من خمسة آلاف شخص لم يطلبوا تصحيح وضعهم القانوني وفق التقرير.

خارج سجل الحياة

في المحصلة بلغ من يعانون أزمة عديمي الجنسية في سوريا 517 ألف كردي كانوا مسجلين كمواطنين محرومين من أبسط حقوقهم الشخصية والمدنية وغائبين تماماً عن وجود رسمي، بل إن التمايز كان بين الفئتين كان بين من يعاني بقسوة وهم (أجانب الحسكة) والأشد قسوة وهم (مكتومو القيد)، فأجانب الحسكة كانوا محرومين من حق التملك والميراث والسفر خارج القطر والشخصية القانونية الاعتبارية والتوظيف في الدوائر الحكومية والانتساب للنقابات المهنية ذات الطابع السيادي وحتى النوم في الفنادق لكن (الأجنبي) كان أفضل حظاً بقليل من (المكتوم) فالأجنبي تقيد واقعة زواجه والولادة أيضاً قانوناً ويسجل في السجل المدني ويحصل على بطاقة كانت تعرف بـ"إخراج قيد" فردي، وكذلك عائلي في حين أن مكتوم القيد لم يسجل في السجلات بتاتاً بل يحصل على شهادة تعريف من مختار الحي وتوقع من مجلس المدينة فقط، إضافة إلى حرمانهم من إكمال دراستهم ما بعد الثانوية، وعندها كان يتوقف التحصيل العلمي ضحايا التجريد من الجنسية السورية يطرقون باب المرحلة الانتقالية.

وعند صدور مرسوم "منح الجنسية" اعترضت الحركة الكردية والناشطون الحقوقيون على محدودية عمل المرسوم، إذ لم يتعد تنفيذه سوى منح الهوية والجنسية السورية من دون النظر في حق الاعتراف وكشف حقائقها أو تعويض المتضررين جراء فقدانهم الجنسية.

 

ووصل الحال ببعض السكان المحرومين من الجنسية حتى قبل إعادتها لهم، تسجيل ممتلكاتهم الخاصة عند شرائها بأسماء أشخاص آخرين إما من معارفهم أو أقربائهم الذين يحملون الجنسية السورية، كما أن مصائر الآلاف تغيرت بسبب عدم تمكنهم من إيجاد فرصهم إما في إكمال التعليم أو حق التوظيف وكذلك السفر خارج البلاد سواء لإكمال الدراسة أو بحثاً عن فرص العمل.

ينظر الكرد السوريون إلى هذا الملف كإحدى القضايا الإنسانية والسياسية والحقوقية التي لم تحل أو تجلب الإنصاف لهذه الفئة منهم، لا سيما أن الدولة بمؤسساتها وقراراتها تسببت بحرمانهم واعتبارها أحد المشاريع والسياسات التي استهدفت الوجود الكردي في مناطقهم الأصلية إلى جانب "الحزام العربي" وتعريب المنطقة وسياسات التمييز الاقتصادي والاستيلاء على الأراضي وغيرها من الملفات التي تتطلع أحزاب الحركة الكردية إلى مناقشتها مع حكومة الرئيس أحمد الشرع في دمشق.

شبكة للضحايا

أخيراً، وعلى مستوى حقوقي بادرت رابطة "تآزر" للضحايا إلى إطلاق شبكة ضحايا انعدام الجنسية في الحسكة تزامناً مع الذكرى الـ63 لإجراء الاحصاء الاستثنائي في المحافظة؛ استجابة لجُرح حقوقي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأعلنت الرابطة إطلاق الشبكة كمبادرة مستقلة يقودها الضحايا أنفسهم، "لتكون إطاراً جامعاً للتنسيق والتضامن والدفاع عن الحق في الجنسية والاعتراف بالشخصية القانونية". وأنها تعمل على تمكين الضحايا من تمثيل أنفسهم وسرد قصصهم وقيادة مطالبهم، وفق مقاربة حقوقية شاملة تدفع باتجاه الاعتراف، وجبر الضرر، والإصلاح المؤسسي، وضمانات عدم التكرار.

فرصة الحل

من جهته قال المدير التنفيذي لمنظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" بسام الأحمد إن النظام السابق عندما أصدر المرسوم رقم 49 والقاضي بمنح الجنسية كان يملك فرصة لإصلاح هذه القضية بصورة جذرية، وغيرها من القضايا الوطنية السورية لكنه لم يفعل ذلك، مؤكداً أن السلطة الحالية تملك ذات الفرصة لحل قضية المجردين من الجنسية وغيرها، و"وضعها على الطاولة" وكشف حقائقها وأسبابها الجذرية ومعالجتها حيث أن القضية بمجملها حدثت تجاه هؤلاء لأنهم كرد سوريين/ات، بالتالي لدى السلطات الحالية القدرة على حلها من خلال لجنة مستقلة أو هيئة مشتركة مستقلة من السوريين تكون متنوعة بمن فيهم الضحايا أنفسهم والمكونات الأخرى لفهم مسألة الإحصاء الاستثنائي ومظالمها، وكذلك لتحديد آليات الحل التي يجب أن تكون في إطار الاعتراف وجبر الضرر وتخليد الذكرى وضمان عدم التكرار، وذلك بشرط توفر الإرادة السياسية لدى السلطة مشككاً بنيتها ومستشهداً بمرسوم الأعياد الذي لم يعترف بعيد نوروز "وهذه الخطوة تشبه خطوات النظام السابق تجاه الأكراد".

وختم الأحمد حديثه بقول إن حل قضية المجردين من الجنسية لا يقع على عاتق الضحايا أو الأكراد أنفسهم إنما هي قضية سورية وطنية وعليه فإن على السلطات والمجتمع المدني والضحايا وكل الأطراف أن تكون متكاتفة لحل هذه القضية من خلال مقدرات الدولة وقوانينها واعترافها وسياساتها التي تهيئ الأجواء لبحثها وحلها.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير