Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"تاريخ الملوك"... الكتاب الذي أعادت السعودية إحياءه في الذاكرة العربية

معرض الرياض الدولي للكتاب 2025 يحتفي بالمعرفة ويعزز التبادل الثقافي العالمي

يضم الإصدار عشرين مجلداً، أي نحو 12 ألف صفحة تحتوي على نص محقق بعناية علمية (دارة الملك عبدالعزيز)

ملخص

إلى جانب إصدار "كتاب الملوك"، دشّنت دارة الملك عبد العزيز هذا العام في معرض الرياض الدولي للكتاب مجموعة من الإصدارات النوعية التي تفتح آفاقاً جديدة أمام الباحثين والمهتمين بالتاريخ والفكر والمعرفة

لم يكن "تاريخ الملوك وأخبارهم وموالد الرسل وأنبائهم" لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (839 – 923م) كتاباً عابراً في مسار التدوين العربي، بل أحد النصوص التي شكلت وعي الأمة بتاريخها، ورسخت تقاليد الرواية والإسناد في التأريخ الإسلامي.

هذا العمل الضخم، الذي يمتد زمنه من قصة الخلق وأخبار الأنبياء إلى وقائع القرن الرابع الهجري، لم يكتف بسرد الأحداث، بل قدم إطاراً معرفياً متكاملاً لفهم التاريخ بوصفه سلسلة روايات متصلة تتناقلها الأسانيد، لا اجتهادات فردية.

الطبري نفسه وضع القارئ منذ البداية أمام منهجه، مؤكداً أن مهمته نقل الروايات كما وردت، لا التأويل أو الاستنتاج، فيقول في خطبته الشهيرة: "إنما هو على ما رويت من الأخبار التي أنا ذاكرها فيه، والآثار التي أنا مسندها إلى رواتها فيه، دون ما أدرك بحجج العقول، واستنبط بفكر النفوس".

تحقيق علمي يعيد الاعتبار للنص

اليوم، وبعد أكثر من ألف عام، تقدم دارة الملك عبد العزيز "تاريخ الطبري" في عشرين مجلداً محققة وفق منهجية علمية دقيقة، أنجزها فريق بحثي بإشراف الدكتور بشار عواد معروف، استناداً إلى أندر المخطوطات المحفوظة في مكتبات العالم. وتشكل هذه الخطوة العلمية إحياءً لأحد أمهات المصادر التاريخية التي أسهمت في تشكيل وعي الأمة منذ قرون.

وبحسب وكالة الأنباء السعودية (واس)، يقدّم هذا المشروع نسخة محققة وموثقة بدقة عالية، تجمع بين الصرامة الأكاديمية والجهد البحثي المتخصص.

يقود المشروع فريق علمي برئاسة الدكتور بشار عواد معروف، وبدعم وإشراف مباشر من دارة الملك عبد العزيز، التي تولت تمويل جميع مراحله، بمشاركة نخبة من المحققين المتخصصين، إلى جانب باحثين وباحثات في مجالات التاريخ والمخطوطات واللغة العربية، إضافة إلى فريق فني تكاملت جهوده في تصميم المجلدات وإخراجها وفق أعلى المعايير الأكاديمية والفنية.

 

مراحل المشروع

مر المشروع بمراحل دقيقة استمرت أكثر من عام، بدأت بحصر وجمع المخطوطات النادرة من مكتبات عالمية، بعضها يُنشر للمرة الأولى، ثم مقارنتها بأقدم النسخ الخطية وأكثرها توثيقاً. تلا ذلك تحقيق لغوي وتاريخي شامل، مع إضافة التعليقات العلمية والشروحات اللازمة، وصولاً إلى الإخراج الفني النهائي الذي تميز بفهارس شاملة للأعلام والأماكن والمصطلحات، وترقيم موحد يسهل الرجوع إلى النص والاقتباس منه.

يضم الإصدار عشرين مجلداً، أي نحو 12 ألف صفحة تحتوي على نص محقق بعناية علمية، وهوامش تفسيرية دقيقة، وفهارس موضوعية وملاحق توضيحية، إلى جانب تصميم فني راقٍ يعكس قيمة العمل ومكانته. وقد استند التحقيق إلى منهج علمي صارم يقوم على المقارنة الدقيقة بين أقدم المخطوطات المتاحة، وتثبيت الفروق، ودعم النصوص بالشروح التي تمكّن الباحثين والمهتمين من فهم السياقات واستيعاب التفاصيل التاريخية.

وتغلب الفريق العلمي خلال العمل على تحديات متعددة، من أبرزها صعوبة قراءة بعض المخطوطات بسبب تباين الخطوط وحالتها المادية، إضافة إلى تعقيدات لغوية وتاريخية واجهتهم أثناء تفسير عدد من النصوص.

المؤرخ الذي صاغ ذاكرة الأمة

عاش مؤلف الكتاب أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (839 – 923م)، أحد أبرز أعلام الفكر والتاريخ في الحضارة الإسلامية، حياة علمية حافلة تركت أثراً عميقاً في مسار التأريخ العربي والإسلامي. وُلد في مدينة آمل بطبرستان، وحفظ القرآن الكريم في سن السابعة، ثم ارتحل في طلب العلم إلى البصرة والكوفة وبغداد ومصر والشام، حيث تتلمذ على كبار علماء عصره في الحديث والفقه والتفسير.

استقر الطبري لاحقاً في بغداد، التي شهدت تأليفه لأبرز مصنفاته، وفي مقدمتها "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" و "تاريخ الملوك وأخبارهم وموالد الرسل وأنبائهم"، اللذان رسّخا مكانته بوصفه أحد أعمدة المدرسة التاريخية الإسلامية.

امتاز الطبري بالأمانة العلمية وسعة الاطلاع والزهد، وخلّف إرثاً معرفياً استثنائياً ما زال مرجعاً للمؤرخين والباحثين حتى اليوم. ويأتي هذا الإصدار الجديد ليقدم نسخة محققة وموثقة من أحد أمهات المصادر التي أسهمت في تشكيل الوعي التاريخي للأمة منذ قرون.

إصدارات أخرى

إلى جانب إصدار "كتاب الملوك"، دشّنت دارة الملك عبد العزيز هذا العام في معرض الرياض الدولي للكتاب مجموعة من الإصدارات النوعية التي تفتح آفاقاً جديدة أمام الباحثين والمهتمين بالتاريخ والفكر والمعرفة، وتوثّق مراحل مفصلية من مسيرة الدولة السعودية وقادتها.

من أبرز هذه الإصدارات دراسة بعنوان "الملك عبد العزيز وخصائص الدولة والقائد" للمؤلف أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري، التي ترصد ملامح المشروع السياسي والتاريخي للملك المؤسس، ودوره في توحيد البلاد وبناء أركان الدولة الحديثة على أسس الولاء والاستقرار.

كما أطلقت الدارة إصداراً جديداً بعنوان "مكة المكرمة والقرآن... شرف المكان ولطائف البيان" من تأليف د. أسماء بنت عوض الجميعي، يتناول مكة من زاوية بلاغية، مستقرئاً الأساليب البيانية الواردة في الآيات القرآنية التي ذُكرت فيها، مثل الاستعارة والتشبيه والإيجاز والبديع، مع إبراز بعدها الوجداني والديني.

وفي عمل توثيقي لافت، صدر كتاب "آبار ابن سعود" للمؤلف الهولندي دانييل فان دميرمولن، الذي يقدم مشاهدات دبلوماسي أوروبي حول مرحلة توحيد البلاد، وأمن الحجاج، والتحولات الاجتماعية والاقتصادية، ومواقف الدولة المشرفة تجاه القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

أما في مجال الأدب، فقد صدر ديوان "مختارات من عيون الشعر العربي في الملك عبد العزيز" للمؤلف محمد الربيع، ويضم قصائد لشعراء سعوديين وعرب عبّروا عن فرحتهم بوحدة البلاد ونهضتها، وتغنّوا بمسيرة الملك المؤسس وإنجازاته.

وتشمل الإصدارات أيضاً دراسات تاريخية من بينها "الإمام محمد بن سعود، مؤسس الدولة السعودية الأولى"، وتقرير شارل ستيكوليس عن وباء الكوليرا بين الحجاج، الذي يسلّط الضوء على إهمال بعض الدول في مواجهة الوباء وما شكّله من تهديد للصحة العامة، إضافة إلى سيرة عثمان بن عبد الرحمن المضايفي العدواني، القائد الشجاع الذي رفع راية الدولة السعودية الأولى، وقاد الحملات العسكرية وأسهم في ترسيخ الأمن والاستقرار.

 

الرياض تقرأ

انطلقت فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2025 يوم الخميس الماضي تحت شعار "الرياض تقرأ"، في حرم جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، بمشاركة أكثر من 2000 دار نشر ووكالة من 25 دولة. ويعد المعرض من أبرز الأحداث الثقافية في المنطقة العربية، ويستقطب سنوياً نخبة من المفكرين والكتّاب والناشرين من مختلف أنحاء العالم.

اختيرت جمهورية أوزبكستان ضيف شرف هذه الدورة، في خطوة تهدف إلى توثيق الروابط الثقافية وفتح قنوات جديدة للتعاون المعرفي. ويقدّم المعرض برنامجاً متنوعاً يتجاوز 200 فعالية، تشمل ندوات وحوارات وورش عمل متخصصة في حقوق النشر وريادة الأعمال، إلى جانب مساحة مخصصة للأطفال واليافعين بأنشطة أدبية وترفيهية.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة