ملخص
"جيل الدليفري" تسمية تطلق على شريحة واسعة من الشباب اللبناني، الذين يبحثون عن مورد دخل إضافي وموقت، وأسهمت التطورات التكنولوجية وتجارة الأونلاين في اتساع نطاق هذا القطاع الحيوي، فضلاً عن بحث كثر من الموظفين عن الحلول المريحة للتسوق.
جيل بأكمله يعيش على خدمة "الدليفري" في لبنان، مما يوحي بتحولات عميقة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، ففي وقت قطعت شريحة أولى من "جيل زد" علاقتها مع الأسواق التجارية التقليدية واستبدلت بها التسوق "أونلاين"، استثمرت شريحة ثانية بخدمات التوصيل على مختلف الأراضي اللبنانية، مما أسهم في تنشيط هذا القطاع وازدهاره، إذ إنه يلامس أدق تفاصيل حاجات المواطن من طعام وملابس وأدوات تجميل وأدوية، وغيرها.
بداية مسيرة مهنية
شكلت جائحة كورونا نقطة تحول في حياة كثر، ومن بينهم الشاب رامي، البالغ من العمر 22 سنة، الذي قال "بدأت مسيرتي مع الدليفري صدفة عندما طلب مني أحد الأصدقاء البدء بإيصال بعض الأغراض على متن دراجة نارية إلى عائلات تقطن في القرية، وغير قادرة على التجوال، وسرعان ما اتسع نطاق الطلبات، ليصبح نمطاً شائعاً، فمن زبون واحد إلى 10 خلال شهر. وبدأ رامي يفكر في تطوير عمله، اشترى مركبة توك توك مما يخوله توزيع عدد أكبر من الطلبات، "تطورت أعمالي، وقررت شراء ثلاث سيارات وتوظيف أشخاص معي في مجال خدمة التوصيل"، وتابع رامي "نقوم بتوزيع كل شيء وتزداد طلبات الناس باستمرار، ويلجأ معظمهم إلى الشراء من التطبيقات والخدمات أونلاين"، مؤكداً أن "ما بدأه على مستوى قرية وأحياء محدودة بات يشمل المناطق اللبنانية كافة، لم تعد هناك زاوية أو بلدة في لبنان من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب إلا وقمنا بإيصال الأغراض إليها".
وتحدث رامي عن مسؤولية كبيرة على عاتقهم، إذ إن عليهم احترام خصوصية الزبائن، من هنا، "أصبح بعض الزبائن يعتمدون في أدق تفاصيل حياتهم على الدليفري، ويمكن أن تتوقع منهم اتصالاً بعد منتصف الليل"، ولا يخفي رامي أن "بعض الطلبات قد تكون مزعجة في بعض الأحيان"، شاكياً من "مزاجية بعض الزبائن" التي تدفعه إلى وقف التعامل مع بعض منهم.
مناسبة لتوسيع العمل
قدم "الدليفري" خدمة كبيرة لأصحاب المصالح الصغيرة، وبعض الحرف اليدوية أو المنزلية ومتاجر الملابس والزينة، إذ كشفت الطاهية أم أحمد عن منافع كبيرة جنتها من خلال تعاقدها مع شركة "دليفري" لإيصال الأطباق الساخنة إلى زبائنها من الموظفين والموظفات "عندما بدأت بتحضير الأطباق اليومية، كنت أبيعها لأشخاص يقطنون في المحيط حيث أسكن بشمال لبنان، ولكن مع انتشار خدمة الدليفري، تضاعف عدد الزبائن، وهم من مختلف مناطق المحافظة حيث يقطن بعض منهم على مسافات بعيدة"، وأضافت "في الحقيقة، وقبل الدليفري، كنت أعمل على نطاق ضيق، كمن تمارس هواية الطبخ لإطعام أصدقائها ممن يعترفون بمهارتها، ولكن حاضراً، بت صاحبة حرفة، ولدي انتشار واسع، وقائمة أطباق يومية وأسبوعية".
هذا الأمر ينطبق على متاجر الملابس التي تنشط "أونلاين"، وتحدثت شذا صاحبة متجر للملابس النسائية والمناسبات عن اعتمادها على الشراء من بعد، وخدمة التوصيل "أونلاين" بنسبة 90 في المئة، أضافت "أسهم الدليفري في توسيع نطاق تجارتنا، وتوجيه قراراتي في طلب شراء بعض الموديلات واستيرادها من الخارج، التي لا تتناسب أحياناً مع موازنة أو ذوق البيئة المحيطة بالمتجر، إذ تستهدف التشكيلة المعروضة المجتمع اللبناني الواسع"، مشددة على أن "الزبائن الشباب الذين يتعرفون إلى المتجر من خلال مواقع التواصل الاجتماعي هم من مختلف المناطق، وينتقل الطرد أحياناً من طرابلس (شمال) إلى بيروت، أو الضاحية أو خلدة (بيروت)، أو زحلة والهرمل (البقاع)، أي إن خدمة التوصيل وفرت الانتقال ساعات على الزبون والبائع"، وجزمت بأن خدمة "الدليفري" تضع البائع أمام تحدي الشفافية والصدق وتقديم النوعية الجيدة، "لأن من يقوم بالخديعة والغش لن تسعفه أي وسيلة لتلميع صورته".
مسؤولية كبيرة
تعد شركات التوصيل المحلية خروجاً على النظام الذي اعتاد عليه المواطن منذ ثلاثة عقود من الزمن، التي كانت تعتمد على شركات عالمية تعمل على نقل الطرود من دولة إلى دولة. ونشأ خلال الأعوام القليلة الماضية عدد من الشركات المحلية التي تقوم بخدمة توزيع البضائع بين مختلف المناطق اللبنانية. ولفت محمد أيوب صاحب شركة توصيل إلى "انتعاش كبير لشركات الدليفري المحلية، والبعض منها ينتمي إلى فئة الدكاكين التي تعتدي على المصلحة"، مشدداً على "إصرار عدد من الشركات النظامية على الترخيص واحترام القانون، وإعطاء مصلحة الزبون الأولوية"، وأشار أيوب إلى وجود علاقة طردية بين توسع دائرة التجارة الإلكترونية وانتشار خدمة "الدليفري"، إذ "نتعاقد باستمرار مع رواد أعمال جدد، ومؤسسات تعمل من خلال تطبيقات رقمية، ومتاجر تمتلك صفحات ترويجية عبر مواقع التواصل"، شارحاً الأدوار التي تلعبها شركة "الدليفري"، "فهي تؤدي دوراً وسيطاً بين البائع والمشتري".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اقتصاد جديد
في الأثناء، وضع المتخصص الاقتصادي باتريك مارديني ازدهار خدمات "الدليفري" في لبنان بإطار خانة "بحث اللبناني عن شبكة خلاص من الأزمة الاقتصادية من أجل تأمين دخل شهري إضافي، وقد استفادت منها الشريحة الأكثر هشاشة في الاقتصاد، وهي بالتالي ليست مؤشراً إلى تحقيق نمو وانتعاش اقتصادي، فقد لجأ إليها من تعرض للصرف من الخدمة أو شريحة من الأجراء الذين يبحثون عن دخل مواز في ظل الأجور المتواضعة"، ملاحظاً "تزامن انتعاش خدمة الدليفري مع أزمة الانهيار المالي والاقتصادي المستمرة في لبنان".
وعزا مارديني "انتعاش اقتصاد الدليفري إلى عوامل موضوعية عدة، فمن جهة انتشرت جائحة كورونا، وكان الناس في حاجة إلى تأمين المأكل والمشرب والسلع الضرورية من خلال خدمة التوصيل التي تأمنت من خلال التعاقد مع السوبرماركت والمطاعم، وقد لاقت هذه الخدمة استحساناً واعتاد عليها من لازم منزله فترة طويلة من الزمن"، ونوه إلى "استسهال المواطن طلب الخدمات من خلال الدليفري، وهي خدمة مريحة مقارنة بالذهاب إلى السوق، وهي لا تضطره إلى ترك عمله أو قطع اجتماعاته، بالتالي عوضاً عن إضاعة الوقت، بات يطلب السلعة التي تصله بزمن قياسي"، ناهيك بـ"تأثير التطور التكنولوجي الذي يتمثل بامتلاك كل لبناني هاتفاً ذكياً يمكنه تنزيل تطبيقات متعددة الخدمات".
مدخول موقت
وشدد مارديني على "دور البطالة التي خلقتها الأزمة الاقتصادية، إذ بدأ عدد كبير من الشباب البحث عن فرص عمل لا تحتاج إلى مؤهلات كبيرة، ويمكن العمل بها وفق دوام حر، واستخدم بعضهم دراجته النارية الخاصة أو التوك توك الذي انتشر بكثرة". من هنا اعتبر المتخصص الاقتصادي "العمل في الدليفري موقت للبعض ريثما يعثر على فرصة عمل جيدة، أو تأمين دخل أفضل، أو حتى تخفيف عبء الإنفاق على الأهل ريثما يتخرج الطالب في الجامعة"، منبهاً، في الوقت عينه، إلى أن "عدداً لا بأس فيه من موظفي القطاع العام، أصبح يعمل في الدليفري بفعل انهيار المداخيل". ورفض مارديني "عملية الربط بين ازدهار اقتصاد الدليفري وانتشار العمالة غير النظامية"، معتبراً أن "الاقتصاد النقدي هو سبب انتشار العمالة غير النظامية على نطاق واسع في لبنان، وهي تشمل مختلف الأنشطة"، لأنه "يمكن دفع البدلات من خلال التطبيق أو من خلال طرق نظامية، ودخوله في القطاع الشرعي".