ملخص
لفت محافظ حلب الانتباه إلى أن الحوار ما زال قائماً مع الأطراف المعنية بالتهدئة ووقف الاشتباكات، وجاء عبر المعرفات الرسمية له: "إعادة الانتشار جاءت بعد عديد من الانتهاكات المستمرة التي قامت بها قوات (قسد) خلال الفترة الماضية".
لم يدُم الهدوء الذي عمَّ مدينة حلب بعد عقد من صراع مسلح، حتى عادت أصوات القذائف ترتفع عالياً، وغلب أزيز الرصاص ودوي المدافع على صوت المفاوضات. وقد فتحت معركة "الأشرفية والشيخ مقصود" الساخنة الباب على مصراعيه أمام كل الاحتمالات على الأرض.
ماذا حدث؟
في صباح يوم السادس من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري بدت الحياة في حيي الأشرفية والشيخ مقصود في مدينة حلب عادية، كل شيء يسير بطبيعته، التلاميذ ينتقلون إلى مدارسهم، والموظفون يستقلون الحافلات للوصول بصورة اعتيادية إلى أعمالهم، من دون أن يعكر صفوهم أي حادثة، سوى دوي انفجار هائل بعد الساعة الثامنة هز المدينة بأكملها. وتبين فيما بعد أنه ناتج من تفجير نفقٍ في منطقة قريبة من حديقة عامة، فجرته وزارة الدفاع، حيث تبين أنه نفق قديم يقع قرب حاجز مشترك مع "قوات سوريا الديمقراطية".
على أية حال لم يكن ثمة ما يقلق القاطنين الذين يغلب عليهم المكون الكردي، إلى جانب بقية المكونات السورية من مختلف الأعراق والديانات، لكن بصورة مفاجئة أغلقت قوات الأمن العام جميع الطرقات والمعابر المؤدية إلى حيي "الأشرفية" و"الشيخ مقصود"، مما أدى إلى غوغاء كبيرة بدت تتسلل سريعاً بعد الفوضى والاختناقات المرورية التي حدثت نتيجة هذا القرار المفاجئ، ومن دون تفسير لما يحدث وسط حشد شعبي تملكته الدهشة، إلى أن اندلعت تظاهرات احتجاجية واسعة على خلفية إغلاق المعابر.
وما إن حل الليل حتى دفعت وزارة الدفاع بقوات عسكرية وتعزيزات من المعدات الثقيلة وصلت إلى دوار الليرمون القريب من الحيين، وشاهدت "اندبندنت عربية" رفع سواتر ترابية في مواجهة طريق "الكاستيلو"، مع نشر حواجز جديدة من دوار "شيحان"، الذي يصل نهاية حي السبيل بالطريق الواصل إلى الأشرفية. ورافق ذلك قطع كل الطرق الفرعية، وحصرت المرور عبر الشارع الرئيس الذي يمر عبر حواجزها الأمنية.
خطة لإعادة الانتشار
مقابل ذلك أفادت دائرة الإعلام والاتصال بوزارة الدفاع السورية بأن تلك التحركات للجيش تأتي ضمن خطة لإعادة الانتشار شمال وشمال شرق سوريا، رداً على اعتداءات متكررة من قبل قوات "قسد".
ويعزو متابعون للمشهد في "الحيين الساخنين" أن الأمر يعود برمته إلى احتقان نتيجة حادثة وقعت أخيراً، أطلق فيها عناصر من قوات "قسد" النار مستهدفين عنصراً من الأمن العام أو من عناصر الجيش، مما أدى إلى مقتله وإصابة اثنين برفقته.
في حين تستبعد مصادر مطلعة ارتباط هذه الحادثة باشتعال الموقف، بل إنها اعتبرت "الشرارة التي أشعلت الاحتقان الناتج عن فشل اتفاق العاشر من مارس (آذار)". وزاد من حدة التوتر تبادل الاتهامات بين الطرفين، ما خففه عقد اجتماعات بين ممثلي الإدارة الذاتية و"قسد"، ومن جهة أخرى مع مسؤولي الحكومة في مدينة حلب، وتوصل المجتمعون إلى تخفيض الحشود والتصعيد العسكري في وقت سابق من سبتمبر (أيلول) الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقف التصعيد
في غضون ذلك ترد معلومات من مصادر ميدانية عن وصول تعزيزات عسكرية تشمل دبابات وآليات عسكرية ثقيلة إلى محيط الحيين السكنيين، مع استخدام طائرات "درون"، بينما الطرقات ما زالت مقطوعة.
وبحسب وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" توصل الجيش السوري و"قوات سوريا الديمقراطية"، اليوم الثلاثاء إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في مدينة حلب. وذكرت الوكالة أنه تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في حيي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب.
وقال أحد القاطنين في حي الأشرفية في اتصال هاتفي إن هناك تخفيضاً في ساعات التوليد الكهربائي عبر إيقاف تشغيل المولدات الكهربائية بعد نقص مادة المازوت المشغلة لها. ويوجد 37 ألف عائلة في حي الأشرفية وحده، وفق إحصائية سابقة قبل عام، حيث يقطن في الأشرفية والشيخ مقصود خليط من جميع المكونات السورية.
في المقابل أعلن قائد الأمن الداخلي في حلب عن مقتل مدني وعنصر أمن، وإصابة 26 آخرين حتى الآن، في حصيلة أولية للاشتباك. وغصت المستشفيات بالإصابات من جرحى مدنيين وعسكريين على حد سواء، وتوقف مستشفى الجامعة عن استقبال الحالات غير الطارئة، وعكف على تضميد جراح المصابين بحسب مصدر طبي.
في الأثناء تعمل الكوادر الطبية في مستشفى الرازي على تقديم الإسعافات للمصابين وتضميد جروحهم، وتأمل الطبيبة الأخصائية آية الأيوبي حين لقائنا بها أن "يتوقف الاقتتال الحاصل. وإن كان الواقع الطبي تحت السيطرة الآن، فإن تواصل المعارك سيزيد الأمر سوءاً". وجزمت في الوقت ذاته بتأجيل الحالات غير الطارئة واستقبال الحالات الحرجة والإسعافية، ليتمكن الكادر الطبي من توفير التجهيزات، مشيرة إلى أنه "لا توجد إصابات خطرة أو حالات حرجة".
الحلول السلمية
أشار عضو لجنة الحوار الوطني جوزيف مكربنة إلى أن "الوضع في حلب يتجه بوضوح إلى التصعيد الشديد من الطرفين في مدينة عانى أهلها كثيراً"، وقال: "من الضروري، وبأسرع ما يمكن، تحكيم العقل والحلول السلمية لإيقاف الاشتباكات، فحلول الحرب لن تجلب إلا مزيداً من الدم والدمار في جميع المناطق".
أما الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، فردت ما حدث إلى غياب الجدية في السعي إلى إيجاد حل شامل للقضايا الوطنية العالقة، ويبرهن على أن "بعض الأطراف ما زالت تراهن على لغة السلاح والاقتتال الداخلي، بدلاً من الحوار البناء والعمل المشترك لبناء سوريا ديمقراطية تعددية تسع جميع أبنائها من دون تمييز".
وحمَّلت الإدارة الذاتية، في بيان خاص تسلمت "اندبندنت عربية" نسخة عنه، المسؤولية الكاملة عن تبعات ما يحدث الإنسانية والسياسية، قائلة، "إننا نؤكد أن طريق السلام والحل الديمقراطي هو السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة السورية، وأن استهداف المدنيين والمناطق الآمنة لن يجلب سوى مزيد من الدمار".
ولفت محافظ حلب الانتباه إلى أن الحوار ما زال قائماً مع الأطراف المعنية بالتهدئة ووقف الاشتباكات، وجاء عبر المعرفات الرسمية له: "إعادة الانتشار جاء بعد عديد من الانتهاكات المستمرة التي قامت بها قوات قسد خلال الفترة الماضية".
وكانت قوات الأمن العام في منتصف أبريل (نيسان) الماضي بدأت الانتشار في حيي الشيخ مقصود والأشرفية ونشرت حواجز مشتركة مع قوات "قسد" بعد التوصل إلى اتفاق بين حكومة دمشق و"قسد"، وقَّع عليه الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد "قوات سوريا الديمقراطية" مظلوم عبدي في العاشر من مارس الماضي. وسبق ذلك خروج أول دفعة من قوات "قسد" في الرابع من أبريل مع الاتفاق على وجود مركز أمني تابع لوزارة الداخلية.