Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المرأة المصرية في سوق العمل... راغبة لا مرغوبة

يمثلن نسبة محدودة من سوق العمل الرسمية ويتحايل كثير من أصحاب العمل الخاص على القوانين ولا يمكن حصرهن في القطاع غير الرسمي

بلغت مشاركة النساء في سوق العمل المصري 16.9 في المئة خلال عام 2024 (أ ف ب)

ملخص

تحديات كثيرة تواجه النساء في سوق العمل المصرية تجعل نسبة مشاركتهن محدودة بالقياس للمعدل العالمي فما هي وكيف يرى المتخصصون سبل التغلب عليها؟

كشف تقرير صادر عن البنك الدولي 2024 أن معدل مشاركة المرأة المصرية في القوى العاملة حالياً يبلغ نحو 18 في المئة، مقارنة بـ73 في المئة للرجال، لافتاً إلى أن النساء يمثلن نصف سكان مصر، وسد الفجوة في التشغيل بين الجنسين يمكن أن يعزز اقتصاد البلاد بنحو 56 في المئة.

وطبقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإنه في عام 2024 بلغت إسهامات النساء في سوق العمل 16.9 في المئة، في حين أفادت منظمة العمل الدولية بأن معدل مشاركة الإناث في سوق العمل المصرية يبلغ 16.5 في المئة، لتمثل سابع أقل معدل عالمياً.

الأرقام الثلاثة وإن كانت صادرة عن جهات مختلفة محلية ودولية فإنها تعكس تراجعاً كبيراً في معدل تشغيل النساء، ومشاركتهن في سوق العمل على رغم أن هناك ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة تعليم الإناث، والتحاقهن بالتعليم العالي، إذ تتزايد النسب كل عام، فطبقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن نسبة الإناث المقيدات بالتعليم الجامعي لعام 2024 - 2025 بلغت 49.6 في المئة مقابل 50 في المئة للذكور، أي أنها تمثل نحو نصف إجمال الطلاب الجامعيين في مصر، فلماذا لا ينعكس هذا على سوق العمل؟ وأين تذهب هؤلاء الفتيات بعد التخرج؟

الواقع أن هناك تحديات كثيرة تواجه النساء عند رغبتهن في المشاركة في سوق العمل، من بينها قبول المجتمع ودعمه، وتوفير بيئات آمنة في مجال العمل، والحصول على حقوق العامل دون تمييز، لكن على أرض الواقع شهدت الأعوام الأخيرة تراجعاً في فكرة عمل المرأة بالأساس، فمنذ عقود كان هناك توجه داعم لمشاركة المرأة في سوق العمل، وكانت الفرص أكثر إتاحة، وربما يمكن القول إن المجتمع كان أكثر تقبلاً، لكن حالياً تنتشر أفكار في المجتمع، ويروّج لها على السوشيال ميديا، مفادها أن المرأة مكانها المنزل، وأن تشغيل فتاة يساوي رجلاً عاطلاً، وأن ارتفاع سن الزواج سببه عمل الفتيات لا الظروف الاقتصادية، أو تغير قيم المجتمع نحو أهمية تعليم البنات وغيره.

وكشف استطلاع أجراه المركز المصري لبحوث الرأي العام (بصيرة) عام 2024 بعنوان "الصورة الذهنية وقيم المصريين نحو التمكين الاقتصادي للمرأة" أن 59 في المئة يرون أن للمرأة الحق في العمل، و37 في المئة يعتقدون أن المرأة يجب ألا تعمل، و12 في المئة يرجحون أن النساء يجب أن يعملن في حال الاحتياج المادي فقط.

تأمل هذه النسب يجعلنا نجد أن ما يقارب نصف العينة التي أجري عليها البحث يرفض عمل النساء أو يقيده بحال الضرورة القصوى، وهو بلا شك رقم كبير، لا بد من أن له أثراً في المجتمع، فما أهم أسباب تراجع مشاركة المرأة في سوق العمل من منظور المتخصصين؟

هكذا خرجت المرأة المصرية من سوق العمل

في البدء يشرح عضو المجلس القومي لحقوق السكان ومتخصص السكان ودراسات الهجرة، أيمن زهري، قوة العمل في مصر بأنها "تمثل نحو 34 مليون شخص، ويقصد بها العاملين والباحثين عن عمل لمن هم في المرحلة العمرية من 15 إلى 64 سنة، وفيما يتعلق بمشاركة المرأة فآخر رقم طبقاً للإحصاءات هو نحو 16 في المئة، وهو انخفض بصورة كبيرة عن أعوام سابقة، إذ كان وصل لنحو 24 في المئة أي نحو ربع قوة العمل في مصر".

ويعتقد زهري أن أسباباً عدة جعلت النسب في تدنٍّ من بينها أنه "منذ عقود سابقة كانت الحكومة هي الموظف الرئيس للنساء، فكانت السيدات تعمل في الوظائف الحكومية بحقوق كاملة وامتيازات ومواعيد عمل ملائمة، لكن في الأعوام الأخيرة توقفت الحكومة عن التوظيف تقريباً للرجال والنساء على السواء، ومن يعاني جراء ذلك بدرجة أكبر هن النساء، فالذكور لا بد من أن يبحثوا عن وظائف، ويستمروا في سوق العمل، وبالفعل فرصهم أفضل في القطاع الخاص، أما في ما يتعلق بالنساء فكثيرات تظل تبحث عن عمل فترات طويلة فتفشل وتعاود الفشل فتقرر التوقف عن البحث وتخرج من سوق العمل".

ومن منظور عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان فـ"أغلب القطاع الخاص يفضّل الذكور لأسباب عدة من بينها اعتقاده أنه سيكون أكثر اهتماماً وأقل في طلب الإجازات، إضافة إلى بعض الأفكار التي بدأت تنتشر في المجتمع، وتقلل من عمل المرأة من الأساس في الأعوام الأخيرة، التي يتأثر بها البعض، وكنتيجة لهذا الوضع تتجه كثيرات إلى العمل في القطاع غير الرسمي دون أي حقوق، مثل التأمينات الاجتماعية أو التأمين الصحي وحتى من دون عقد من الأساس، يحدث هذا في كثير من الكيانات الصغيرة والمتوسطة وتقبل النساء بهذا الوضع لأنه لا بديل".

دبلة الخطوبة تطيح فرصة عمل

وفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي فإن مصر تحتل المرتبة 135 بين 146 دولة في ما يتعلق بالتكافؤ بين الجنسين في سوق العمل لعام 2024، والمرتبة العاشرة في منطقة الشرق الأوسط، فعلى رغم وجود النساء في أغلب القطاعات والمجالات مما قد يعطي شعوراً زائفاً بسهولة الحصول على عمل فإن الواقع يختلف.

تحكي صفاء. أ (32 سنة)، "منذ أعوام عدة وفي أثناء إجرائي مقابلة توظيف في شركة خاصة كانت الأمور تسير بصورة جيدة، كنت على وشك الحصول على الوظيفة، بخاصة أن كل الشروط كانت متطابقة باعتبار تخصصي وحصولي على الماجستير في مجال العمل بحسب ما أخبرني من كان يجري معي المقابلة الذي تغير وجهه فجأة عندما لمح دبلة الخطوبة في إصبعي، وسألني عن موعد زواجي، ثم أخبرني صراحة أنه لا يمكنني الحصول على الوظيفة، لأن هذا مقدمة لطلبي إجازات للزواج والوضع ورعاية الطفل، وسيكون هذا عبئاً على الشركة".

تضيف الشابة المصرية، "ذهبت بعدها لمقابلة أخرى وحصلت على وظيفة، لكنني اضطررت إلى تركها بعد ثلاثة أعوام بسبب نقل مقر العمل لواحدة من المدن الجديدة التي تبعد نحو ساعتين عن منزلي، ولا يصلح هذا حالياً مع وجود طفلي، أعاود البحث حالياً، لكن الأزمة أن بقاء المرأة فترة في منزلها لرعاية أطفالها يجعلها لا تجد عملاً بسهولة، ويتعامل معها أصحاب العمل على أنها تبدأ من الصفر، أو تفاجأ بعروض لا تضمن لها أي حق، والإعلان صراحة أنهم يفضّلون توظيف الرجال، لأنهم أكثر تفرغاً".

في حين تقول سمر أحمد، موظفة بأحد البنوك، "أعمل في البنك منذ نحو سبعة أعوام، وهو عمل صعب وشاق، لكن يميزه أنه يتيح لي امتيازات من بينها التأمينات الاجتماعية والتأمين الصحي، والحصول على إجازة لرعاية الطفل عامين، وهذا يجعلني أتمسّك به على رغم صعوبته لأني أعلم أنني لن أجد ما هو أفضل، وإن تركت هذا العمل لن أجد غيره بمثل هذه المميزات، لا شك أن فرص عمل النساء أقل عموماً ويواجهن تحديات أكبر وألمس هذا بشدة في كثيرات حولي".

كيف ينظر القانون للمرأة المصرية العاملة؟

أخيراً وفي حادثة مؤسفة وقعت بمنطقة العامرية بالإسكندرية توفيت رضيعة على ذراع والدتها العاملة في مصنع للمنسوجات بعد تعنت الإدارة في منحها إذناً أو إجازة لرعايتها وإلا سوف يخصم منها أحد البدلات التي تدعم المرتب وتساعد في غلاء المعيشة كاملاً، بعد الحادثة دخل عمال المصنع في إضراب مطالبين بتحسين أوضاعهم ودعمهم في مواجهة أشكال من التعنت في الحصول على حقوقهم المشروعة.

المثال السابق واحد من أمثلة كثيرة من الأزمات المتكررة التي تعانيها النساء، بخاصة الأمهات في أماكن العمل المختلفة في أشياء بديهية، مثل طلب الحصول على يوم إجازة، وهو حق يكفله القانون لأي شخص سواء كان رجلاً أو امرأة.

وعند الحديث عن أوضاع العمل بصورة عامة يثور التساؤل أين القوانين والقواعد المنظمة لعلاقة العامل بالمؤسسة؟ على أرض الواقع فهي موجودة وقائمة حتى إن قانون العمل الجديد الصادر في مصر، الذي جرى تفعيل العمل به أخيراً به بعض المواد الجيدة في ما يتعلق بالنساء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من بين بنود قانون العمل الجديد هو أن جميع العاملين من الذكور والإناث يحصلون على أجر متساو عن العمل ذي القيمة المتساوية، ومنح القانون النساء الحق في الحصول على إجازة وضع أربعة أشهر يمكنها الحصول عليها ثلاث مرات، ويحظر فصلها أو إنهاء خدمتها في أثناء إجازة الوضع، وخفض القانون ساعات العمل ساعة من الشهر السادس للحمل، وحظر تشغيلها ساعات عمل إضافية في أثناء هذه الفترة.

وأقرّ قانون العمل للعاملة في المنشأة، التي تستخدم 50 عاملاً فأكثر، الحق في الحصول على إجازة دون أجر لمدة لا تجاوز عامين، ولا تستحق هذه الإجازة لأكثر من ثلاث مرات طوال مدة خدمتها، شريطة أن يكون قد مرّ على وجودها في المنشأة عام في الأقل، وألزم صاحب العمل الذي يستخدم 100 عاملة فأكثر في مكان واحد أن يُنشئ داراً للحضانة، أو يعهد إلى دار للحضانة برعاية أطفال العاملات.

وعن القوانين والتشريعات المتعلقة بالعمل ومدى تفعيلها، ففي رؤية مها عبدالناصر، عضو مجلس النواب، أن مصر "لا تحتاج إلى تشريعات وقوانين فهي قائمة وجيدة لكن يُتحايل عليها من قبل أصحاب العمل وهذا واقع بالفعل، في الوقت نفسه لا بد من أن يكون هناك مرونة في أنظمة العمل، فلماذا لا يتسع المجال للعمل نصف الوقت أو عدد ساعات أقل بأجر أقل؟ سيمثل هذا فرصة جيدة لكثيرات للاندماج في سوق العمل، بخاصة الأمهات، القانون يعطي المرأة الحق في إجازة الوضع، لكن منذ اليوم التالي لنهايتها تعمل بساعات عمل وإجازات مثل الرجال، وهذا يهدر حق الطفل قبل الأم، وكذلك الساعات الممتدة للعمل لمن لديها أطفال في المدارس فأين سيذهب الأطفال بعد المدرسة؟ يمثل هذا واحداً من أهم الأسباب التي تترك النساء العمل من أجلها، ففي زمن سابق كانت المسافات أقل وكان هناك مساعدة من الجدات والعائلة، لكن حالياً المسافات أصبحت شاسعة، ولا يمكن الحصول على مساعدة من الأسرة غير في حالات محدودة".

وتؤكد عضو مجلس النواب "سوق العمل أصبحت صعبة حالياً، خصوصاً على النساء، والأزمة الكبرى أنه لا يوجد وعي مجتمعي بأهمية دور الأم وبالحقوق التي يجب أن يحصل عليها الطفل، وكيف أنها ستنعكس على المجتمع بكامله، على أرض الواقع ليس هناك أي مراعاة للأم العاملة وكل شيء يقف ضدها سواء أصحاب العمل أو الضغوط المجتمعية ممن حولها التي تتهمها بالتقصير وتفضيل نفسها على الأسرة، إضافة إلى أنها تنهي ساعات عملها لتبدأ ساعات عمل جديدة تتحمل فيها كل الأعباء المنزلية وحدها، مروراً بالدولة التي لا تقوم بدور في هذا الأمر فكل مربع سكني لا بد من أن تكون به حضانة بسعر منطقي وجودة عالية لرعاية الأطفال بصورة آمنة فأحد أهم أزمات الأمهات العاملات هي الأسعار المرتفعة للحضانات الجيدة، التي قد تعادل دخلها، لذا لا يكون العمل له جدوى فتتركه".

وتضيف عبدالناصر، "الوضع الحالي مع كل هذه الظروف يؤدي إلى خروج كثير من النساء من سوق العمل، ويحرم المجتمع من كفاءات تتعطل، لكن يصل الأمر في فترة معينة، لأنها لا تجد أي حلول فتضطر إلى ترك العمل، وتكون الأزمة مضاعفة في حال بعض النساء العائلات لأسرهن لأسباب مختلفة".

هل تعاني المرأة المصرية تمييزاً في العمل؟

المكتسبات التي حصلت عليها النساء في القانون جيدة إن جرى تطبيقها، لكن فعلياً يقوم أصحاب العمل بالتحايل عليها بشتى الصور، وفي الوقت نفسه حتى تحصل النساء على هذه الحقوق فلا بد من أن يكن معينات في المؤسسة بعقد وبصورة رسمية حتى يمكنهن المطالبة بهذه الحقوق أو تقديم شكوى للجهات المختصة مثل مكتب العمل في حال عدم حصولهن عليها، وهنا تأتي واحدة من أهم الأزمات فصاحب العمل لا يوثق عمل النساء بعقد رسمي، ولا يؤمّن عليهن، وتكون علاقته بهن مجرد ساعات عمل مقابل أجر تحصل عليه آخر الشهر، للتهرب من كل هذه الحقوق التي يمنحها القانون.

تحكي منى السيد، (34 سنة) "كنت أعمل سكرتيرة تنفيذية بإحدى الشركات الخاصة، حصلت على إجازة الوضع بالفعل ثلاثة أشهر بحسب ما كان ينص عليه القانون وقتها، وبعد عودتي فوجئت بأنه جرى تغيير طبيعة عملي، ونقلي إلى مكان لا يناسب تخصصي، بحجة أنني كنت غير موجودة لثلاثة أشهر، وكان لا بد من استقدام شخص جديد، وأصبحت أتكلف أموراً إضافية وأعباء لم أكن أقوم بها، إضافة إلى حرماني من المكافآت الإضافية، كذلك أصبح أي يوم إجازة يمثل أزمة كبرى ومشكلة على رغم أنه من رصيد إجازاتي الفعلي، شعرت أن صاحب العمل يرغب في مضايقتي حتى أترك العمل، وهو ما حدث بالفعل فبعد أشهر عدة وجدت أن الأمر أصبح يمثل ضغطاً رهيباً، وأني لا ألقى أي تقدير مادي أو معنوي على رغم عدم تقصيري فاستقلت".

وتضيف السيد، "الأزمة أنه بعد مرور نحو عامين على تركي العمل قدمت في كثير من الوظائف ولم يقبلني أحد، بعضهم أعلن صراحة أنه لا يفضّل توظيف الأمهات، أو يعرض العمل بمرتب ضئيل دون عقد أو أي حقوق، ابنتي الآن بعمر يقترب من ثلاثة أعوام، وتذهب للحضانة، ولديّ خبرة 10 أعوام وقدرة على العمل لكن جميع الأبواب مغلقة لأنني أم".

بينما تحكي رشا سالم (36 سنة) "عملت بإحدى شركات العقارات أربعة أعوام من دون تعيين أو عقد رسمي كل ما كنت أحصل عليه هو مرتبي بنهاية كل شهر، تركت العمل منذ نحو ثلاثة أعوام مع بداية دخول طفليّ التوأم المدرسة فساعات العمل تمتد من العاشرة صباحاً حتى الخامسة مساءً، ولم يتناسب هذا نهائياً مع موعد خروج الأطفال في الثانية ظهراً، حاولت التفاوض على العمل ساعات أقل بأجر أقل، أو العمل أياماً من المنزل أو الحضور باكراً والانصراف باكراً كل هذا قوبل بالرفض، من حينها فشلت تماماً في إيجاد عمل بمواعيد مناسبة، وأشعر بإحباط شديد، أغلب الشركات ترفض توظيف النساء، وهذا يُعلن صراحة".

ومنذ أشهر عدة وقعت حادثة مروّعة على الطريق بمحافظة المنوفية شمال القاهرة راح ضحيتها 17 فتاة من العاملات باليومية في جمع محصول العنب، إذ اصطدمت شاحنة نقل بالحافلة، التي كانت تقل الفتيات ليلقين حتفهن، الحادثة كان لها صدى كبير وأثارت نقاشات كثيرة حول الوضع غير العادل الذي تعيشه أمثال هؤلاء الفتيات سواء من ناحية انعدام الأمان أو الأجور غير العادلة، وأطلق عليهن حينها "فتيات العنب".

هؤلاء الفتيات يمثلن كثيرات لا يزلن يعملن حتى اللحظة بنفس الوضع المستمر منذ أعوام طويلة، ويمثلن نسبة لا يُستهان بها من النساء العاملات في الريف خارج أي منظومة ومن دون أي حقوق فكل ما يحصلن عليه بعد يوم عمل شاق جنيهات قليلة، وكثيرات مثلهن يمثلن قطاعاً كبيراً من سوق العمل غير الرسمية، الذي لا تشمله أي أرقام أو إحصاءات، ولا يمكن حصره بأي نسبة أو رقم، فهو يشمل أشكالاً عدة من بينها استغلال النساء دون أجر في العمل في نشاطات عائلية مثل أعمال الفلاحة أو التجارة العائلية، أو عاملات اليومية مثل الفتيات اللاتي وقعت لهن الحادثة، مروراً بالعاملات في المنازل، والعاملات في المحال التجارية الصغيرة وغيرهن كثيرات ممن تجمعهن الحاجة إلى العمل وسوء الظروف، بخاصة مع وجود عوامل في الريف تقلل من إمكان مشاركة النساء في سوق العمل الرسمية مثل التسرب من التعليم والزواج المبكر وسيطرة قيم وأفكار لا تشجع عمل المرأة.

في مقال سابق لأستاذ التخطيط والتنمية صلاح هاشم بعنوان "الفقر ونساء النينجا" رصد واقع قطاع من النساء العاملات، لكنهن أقل حظاً من جهة التعليم والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، إذ يعملن مقابل الحصول على أجر يومي في أعمال تتعلق بالزراعة أو المصانع تحت ظروف غير آدمية وأخطار لا حصر لها. ورصد كاتب المقال جموع هؤلاء النساء في مناطق تجمعهن وأغلبهن يعمدن الى تغطية وجوههن خوفاً من أخطار عدة وشبههن بالنينجوتسو الفن العالمي الذي لا يزال يمارسه البعض على رغم أخطاره الكثيرة التي قد تفضي إلى الموت.

وتعليقاً على هذه الظاهرة يؤكد أستاذ التخطيط والتنمية صلاح هاشم "التمييز ضد النساء في العمل هو واقع بالفعل على كل المستويات، ويبلغ ذروته في الفئات الأقل تعليمياً واجتماعياً، وفي المناطق الريفية مثل العاملات في كثير من القطاعات غير الرسمية مثل الفلاحة وبعض المناطق الصناعية بداية من طريقة انتقائهن مروراً بنقلهن في عربات بصورة غير آدمية لمواقع العمل مروراً بطريقة التعامل معهن، التي قد لا تخلو من العنف أو التحرش، وصولاً للأجور الهزيلة التي يحصلن عليها مقابل هذه الأعمال، بالفعل رصدت أن كثيرات منهن يغطين وجوههن لحماية أنفسهن من نظرات المجتمع ومن أخطار التحرش، فهن يستعملن هذا اللثام للهرب من المجتمع وأغلبهن صغيرات لا تتجاوز أعمارهن 18 سنة أو مطلقات أو أرامل عائلات لأسر، كل هؤلاء النساء يعملن دون أي حماية ويتعرضن لأخطار عدة بصورة يومية والظاهرة ممتدة وتتفاقم مع مرور الأعوام".

وفي رؤية أستاذ التخطيط "لا يقتصر عمل النساء دون حماية على الأعمال البسيطة أو المناطق الريفية، لكن في المدن وفي كثير من الشركات تعمل النساء دون أي حقوق فبداية تحصل على أجر أقل، ولا تحصل على أي امتيازات مثل التأمينات وغيرها، بالتالي إذا واجهت مشكلة مع صاحب العمل لن تستطيع أن تلجأ إلى الجهات المختصة، لأنه لا يوجد تعاقد من الأساس بينها وبين صاحب العمل، وعلى رغم ذلك تعمل كثيرات في مثل هذه الأوضاع، لأن البديل غير متاح، وأغلبهن مضطرات إلى العمل لأسباب مختلفة، فالتمييز قائم لكن تختلف أشكاله".

وفي الأعوام الأخيرة ومع عدم توافر فرص العمل للنساء اتجهت الكثيرات إلى المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر والعمل الحر لما توفره من مرونة في ساعات العمل، وإمكان تنظيم الوقت والعمل من المنزل، وفي مصر عام 2024 قام جهاز تنمية المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر بصرف نحو 80 ألف قرض لدعم المشاريع الصغيرة كان 50 في المئة منها من نصيب النساء يمثل هذا نسبة كبيرة عند مقارنتها بنسبة مشاركة النساء في سوق العمل الرسمية، ويشير إلى أنها يمكن أن تكون منفذاً للنساء لإيجاد فرصة عمل وتحقيق دخل والمشاركة في المجتمع على رغم كل العقبات.

يأتي هذا في وقت تتبنى فيه مصر إستراتيجية وطنية لتمكين المرأة المصرية 2030، التي تركز على عدة محاور عمل متكاملة وهي التمكين السياسي، وتعزيز الأدوار القيادية للمرأة، والتمكين الاقتصادي، والتمكين الاجتماعي والحماية، إضافة إلى العمل الجاد على تغيير ثقافة المجتمع نحو المرأة وتعزيز سُبل حصولها على حقوقها بالأطر القانونية.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات