Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا وراء نفوذ توني بلير في حكومة ستارمر؟

من السياسات إلى التعيينات، تأثير رئيس الوزراء السابق موجود في كل مكان، ولكن هل هذا أمر يستحق الترحيب أم الحذر، وما الذي قد يعنيه ذلك في المستقبل؟

في هذه المرحلة الجديدة من حزب العمال، يبدو أن بلير موجود في كل مكان (أ ف ب/غيتي)

ملخص

تشير الأحداث في بريطانيا إلى بروز نفوذ متزايد لتوني بلير داخل حكومة كير ستارمر، من خلال شبكة مستشاريه وسياساته القديمة، وصولاً إلى أدواره الدولية وخططه في غزة، في وقت يواجه فيه حزب العمال تحديات كبرى، ويعيد استدعاء خبرة "العمال الجديد" لمجاراة التحولات والتحديات الراهنة.

غادر أنصار حزب العمال مدينة ليفربول في حال من النشوة بعد خطاب مثير ألقاه كير ستارمر في المؤتمر، فمن مواجهته الحادة لنايجل فاراج، ونسجه لتجارب شخصية بدعابات يتهكم فيها على نفسه، إلى قائمة سريعة من الانجازات في المنصب والأفكار الجديدة التي أطلق سيلاً منها على المنتقدين، كان الأداء أكثر سلاسة واحترافية مقارنة بخطاباته السابقة المتعثرة. ولا ينبغي أن يكون هذا مفاجئاً، نظراً إلى وجود تيم آلان في منصب كبير مستشاري الاتصال والإعلام، الذي أسهم مع أليستر كامبل في إعادة صياغة خطاب العمال ليخاطب الطبقة الوسطى المحافظة في إنكلترا، ويضع الحزب على طريق الخروج من العزلة.

آلان، العائد من وظيفة مربحة في القطاع الخاص، هو، كما يقول أحد الظرفاء في "داوننغ ستريت"، "الابن السياسي المدلل لتوني". وهو أيضاً أحد أعضاء مجموعة صغيرة من أنصار بلير المقربين، بما يكفي للتحدث عن رئيسهم السابق بصورة غير رسمية باسم "السيد توني". وهو بذلك يضاف إلى مجموعة موظفين ومستشارين وخبراء سياسيين لهم جذور وروابط مباشرة مع حزب العمال الجديد الذي قاده توني بلير من 1997 إلى 2007، سواء من خلال عملهم في الحكومة أم أخيراً في "معهد توني بلير للتغيير العالمي" Tony Blair Institute for Global Change الذي يواصل توسعه.

وبمجرد أن غادر ستارمر ملاذ المعارضة الآمن إلى مغامرة الحكومة المحفوفة بالأخطار، بدأ يتعثر. إذ كان غير مستعد للتحديات الوطنية في كل شيء، من صعود حزب "ريفورم" البريطاني في مناطق "الجدار الأحمر" [معاقل حزب العمال التقليدية]، إلى إعادة تعريف قواعد الهجرة واللجوء وإعادة تنشيط النمو في المملكة المتحدة وسط صراعات عالمية وحروب تجارية، وكان يرزح تحت وطأة الضغوط. وعلى عكس بلير، الذي جعل الحكم بغالبية ساحقة يبدو وكأنه مهمة ممتعة، بدأت الضغوط تظهر سريعاً على ستارمر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عندما التقيت بلير وستارمر جنباً إلى جنب في تجمع لليسار الوسط في كندا قبل عامين، كانت الديناميكية بينهما رائعة. بدا ستارمر منهمكاً في مراجعة ملاحظاته حول القضايا الكبرى، وكأنه يستعد لامتحان مصيري.

بعد ذلك، على شرفة تطل على مونتريال القديمة، لم يتعرف عليه معظم كبار الشخصيات الدولية وبدا متوتراً بصورة واضحة حتى بعد كأس من النبيذ. على النقيض من ذلك، دخل بلير برفقة مجموعة من مساعديه، يمازح معارفه القدامى ويقف لالتقاط صور سيلفي. إنه أحد القادة القلائل الذين ازدادت حاشيتهم وجاذبيتهم منذ مغادرة مناصبهم.

إعادة تعبئة نفوذ بلير

لا يشاهد ستارمر وبلير معاً في كثير من الأحيان، فكثير من أعضاء زمرة بلير، بمن فيهم آلان، لم يكونوا يعرفونه على الإطلاق. وعلى رغم أن هذا "النادي المغلق" قد يبدو أحياناً وكأنه وصفة لكارثة بسبب طابعه النخبوي، إلا أن أفراده يتمتعون بخبرة سياسية عميقة ويعرفون جيداً كيف وأين يمارسون النفوذ.

وفي النهاية، ألحق آلان بفريق ستارمر لتولي دور كبير مسؤولي التواصل بمساعي من جوناثان باول، وهو أحد رفاق بلير المخضرمين، الذي يشغل الآن منصب مستشار الأمن القومي لرئيس الحكومة. ويقول كثيرون إن تعيين صديق بلير اللورد ماندلسون جاء بمساعدة رئيس موظفي ستارمر مورغان ماكسويني، على رغم أن الأخير لم يشغل منصباً رفيعاً في عهد بلير، إلا أنه كان جزءاً مهماً من جهاز الحزب في عهد بلير، إذ كانت إحدى أولى مهماته في السياسة تغذية كمبيوتر "إكسكاليبر" الخاص ببيتر ماندلسون، الذي كان يحتوي على معلومات استخبارية عن حملة انتخابات 1997.

لكن تعيين مانديلسون في واشنطن انتهى بصورة مثيرة للجدل بعد الكشف عن رسائل إلكترونية بينه وبين المتهم بجرائم جنسية الراحل جيفري إبستين، مما أدى إلى إقالته. ومع ذلك، ظل السير كير متمسكاً بثقته في ماك سويني، حتى بعد ظهور تقارير تفيد بأنه كان من أبرز الداعمين لتعيين ماندلسون على رغم التحفظات في شأن صلاته بإبستين. وفي غضون ذلك، كانت ليز لويد، النائبة السابقة لرئيس موظفي بلير، تشغل حتى وقت قريب منصباً رفيعاً في رئاسة الحكومة، لكنها طردت بعد ما ورد عن توتر علاقتها مع موظفين آخرين.

لا يزال تأثير بلير في هذه الحكومة جلياً بل وآخذاً في الازدياد، وبينما يسعى ستارمر إلى تعزيز موقعه الداخلي (وقد جرى التأكيد بشدة أن آندي بيرنهام، عمدة مانشستر الذي انتقد "ثقافة الخوف" في رئاسة الحكومة، لن يحصل على أي مقعد مضمون قد يتاح)، فإن عدداً من الشخصيات السابقة في ماكينة بلير باتت الآن تخوض في مجالات سياسية رئيسة، بما في ذلك المسألة الشائكة المتمثلة في كيفية إنهاء الحرب في غزة.

خبير في فن الحكم

إذا أراد "السيد توني" أن يكون جزءاً من صناعة القرار، أو أن يمارس نفوذه عبر وكلائه وأبحاثهم لإثبات وجهة نظر معينة، فإن ذلك يتحقق بالفعل. انتهى زمن التوجس من بلير، الذي لطخته حرب العراق ونظر إليه بعض أنصار حزب العمال المتشددين بريبة بسبب استثماره لعلاقاته الدولية في تحقيق مكاسب مالية. وكما وصفه أحد وزرائه السابقين، "إنه أشبه بسيارة كلاسيكية نادرة في المرآب: كثيرون يفضلون رؤيتها تجوب الشوارع، لا أن تبقى مركونة بجانب سيارة كيا (في إشارة إلى ستارمر) عادية".

نفوذ بلير بات واضحاً في محاولات إنقاذ شعبية حزب العمال المتراجعة، ضمن ما يعرف بحركة "إنقاذ ستارمر". سياسات مثل بطاقات الهوية الرقمية، التي بدأت في عهد بلير، عادت فجأة للواجهة على رغم غيابها عن البرنامج الانتخابي. وعندما التقيت بالنائب الودود ليام بيرن من برمنغهام وسألته إن كان من مؤيدي الفكرة (في حين أن آخرين مثل عمدة مانشستر بيرنهام لديهم تحفظات كثيرة)، أجاب مازحاً: "بالطبع، فقد كنت الوزير المسؤول عنها في وزارة الداخلية خلال عهد توني".

هذا التسلسل السياسي من بلير إلى من يرسمون ملامح الحكم اليوم يظهر بوضوح في إصلاحات وزير الصحة ويس ستريتينغ لمنظومة هيئة الخدمات الصحية في بريطانيا، فقد كان مرشده السياسي آلان ميلبورن، الذي شغل مناصب وزارية عدة في حكومات بلير، بينها وزير الصحة. ويشغل ميلبورن الآن منصباً غير تنفيذي في وزارة الصحة، وقد دفع ستريتينغ لتسريع وتيرة الإصلاحات المدعوة بالتكنولوجيا، مثل خطة هذا الأسبوع لاستبدال زيارات المستشفيات بمواعيد "طبيب رقمي"، تعتمد على الذكاء الاصطناعي في التشخيص ومتابعة الأمراض المزمنة. ومن بين المقترحات المثيرة للجدل، دعوته إلى إعادة العمل بجداول تقييم أداء الهيئات الصحية، وهي خطوة يرى كثير من مديري هذه الهيئات أنها تركز على مؤشرات خاطئة وتؤثر سلباً في الروح المعنوية.

والأهم من ذلك، بروز بلير شخصية محورية في خطة غزة التي يدعمها دونالد ترمب، لقد اكتسب بلير ثقة ترمب ووضع نفسه في موقع القنصل الموقت المحتمل، وهو وسيط قوي بين إسرائيل، إذ تربطه علاقات عميقة بإدارة نتنياهو وقطر، التي يعتقد كثيرون أنها يمكن أن تكون قناة اتصال خلفية مع "حماس"، وتتيح لكبار المقاتلين الخروج من غزة في مقابل وقف إطلاق النار.

وعلى رغم أن المنتقدين يجهرون بأخطاء بلير في العراق والفشل الذريع في شأن أسلحة الدمار الشامل، فإن ثقته الكبيرة بنفسه تمكنه من تجاهل هذه الانتقادات. وقد قال لي إن "الدروس" الحقيقية ستستغرق عقوداً لفهمها، بدلاً من استخلاصها من ألاعيب اللوم المحمومة في أوائل العقد الأول من القرن الـ21.

حين كان مبعوثاً عينه جورج بوش إلى المنطقة، بعد مغادرته منصبه عام 2007، دعم بلير لفترة طويلة خطط الانعاش الاقتصادي لغزة باعتبارها طريقاً للخروج من الدوامة المهلكة للانتفاضات الفلسطينية والقمع الإسرائيلي. وأخيراً، يبدو أن هذه الخطط قد تكون جزءاً من الحل، لكن حتى هذا يثير الغضب ويقحم بلير في سياسة المملكة المتحدة في الشرق الأوسط.

ويقول ديفيد لامي، الذي ترك منصب وزير الخارجية في التعديل الوزاري الأخير، إنه لم يكن يعلم شيئاً عن الشكل النهائي لخطة بلير - ترمب حتى ظهورها، وهذا يعني أيضاً أن المملكة المتحدة قد ينظر إليها على أنها تتماشى مع رغبة ترمب في الحصول على فرص عقارية على غرار دبي في المنطقة. ووصف بلير خطة ترمب الانتقالية للسلام بأنها "ذكية"، وهي كلمة يعرف أن الرئيس الأميركي يطرب لسماعها مقترنة باسمه.

قال لي وزير الأعمال بيتر كايل، المستشار الخاص في عهد بلير، في مقابلة أجريت معه في مؤتمر ليفربول هذا الأسبوع، إن ستارمر يستفيد من وجود "شخصية سياسية مخضرمة يعرفها الناس في جميع أنحاء العالم ويثقون بها" تشارك في حل أزمة قسمت الرأي العام، وأضاف أن الحرب أجبرت ستارمر على الاعتراف بدولة فلسطين، قائلاً: "وينبغي أن نفخر بذلك، وبتوني بلير".

وهذه وجهة نظر لا يشاطرها حزب العمال بالكامل، إذ يقول سفير بريطاني سابق في المنطقة "الجانب الفلسطيني لا يثق في بلير، لأنه فشل في التواصل مع ’حماس‘ حين أتيحت له الفرصة بصفته مبعوثاً، وقبل أن تصبح جماعة متطرفة تماماً".

أصدقاء في مجال التكنولوجيا

يقف وراء جانب كبير من التحفظات المحيطة بأشهر متقاعد في حزب العمال سجال متواصل حول كيفية تفاعل تيار يسار الوسط مع النفوذ الهائل لعمالقة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، ويرتبط ذلك بدعم لاري إليسون، مؤسس شركة "أوراكل"، لمعهد توني بلير، إذ تبرعت مؤسسته بنحو 33.8 مليون دولار (25 مليون جنيه استرليني) للمعهد.

ولكونه أحد أغنى رجال العالم وصاحب رؤية تكنولوجية تنبأ بصعود الذكاء الاصطناعي، يساعد تمويل إليسون في دعم مبادرات معهد توني بلير في مجال البنية التحتية الرقمية وقواعد بيانات التطعيم في البلدان الأفريقية، وهي مشاريع تنطوي على بيانات شخصية ضخمة تحتفظ بها الحكومات. كما أن إليسون هو القوة الدافعة وراء أفكار مثل بطاقات الهوية الرقمية، وتوحيد البيانات بطرق يمكن أن تستخدمها نماذج الذكاء الاصطناعي. ويعتقد بلير أيضاً أن الاستفادة القوية من التكنولوجيا هي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها للخدمات العامة مثل هيئة الخدمات الصحية الوطنية أن تتغلب على الضغوط المالية والديموغرافية، وإضافة إلى توافقهما في السياسات، فإن بلير وإليسون صديقان حميمان.

خطط حزب العمال في هذا المجال تمنح بلير وفريق السياسات التابع لمعهده، وبينهم شارلوت ريفسوم، رئيسة السياسات الصحية وخريجة "كيه بي إم جي"، التي تمد ويس ستريتينغ بتقارير ومعلومات مستمرة، نفوذاً ملاحظاً. فهم يقدمون رؤية معمقة لمشهد التكنولوجيا الأميركي، وإمكانات الذكاء الاصطناعي كمحرك للنمو وزيادة الإنتاجية.

لكن المشكلة الأكثر تعقيداً هي أن كبار دعاة الذكاء الاصطناعي هم أيضاً منافسون، إذ تسعى شركة "أوراكل" إلى الحصول على عقود كبيرة لتزويد هيئة الخدمات الصحية الوطنية بالبيانات، وكذلك شركة "بالانتير" التي يديرها بيتر ثيل، وهو شخصية أخرى مثيرة للجدل في مجال التكنولوجيا، وينفي المعهد بشدة أن يكون هناك أي ارتباط بين عمله التجاري والسياسي. وقال متحدث باسم المعهد حديثاً لمجلة "نيو ستاتسمان" New Statesman، "نحن لا نناصر الحلول التكنولوجية لأننا نعمل مع ’أوراكل‘، بل نعمل مع ’أوراكل‘ وشركات تكنولوجية أخرى لأننا نعتقد أن التكنولوجيا هي مفتاح المستقبل".

العودة للمستقبل

في عالم "السيد توني" المعقد والمتشابك والطموح دائماً، يبدو كل ذلك منطقياً من الناحية البراغماتية. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن بلير بات حاضراً في كل زاوية من المرحلة الجديدة لحزب العمال. فاستحضار أيام المجد التي نجح فيها مشروع "العمال الجديد" في إقناع الناخبين بأنه خيار أكثر موثوقية من الحلول اليسارية التقليدية أو الاضطرابات اليمينية الحادة، يعزز الإيمان بإمكان تكرار التجربة من جديد.

قال لي أحد الوزراء مازحاً خلال جلسة مسائية: "علينا حجز بيرنهام في القبو ورمي المفتاح [أي إبقائه بعيداً من المشهد]"، التوجه بات واضحاً: حزب العمال يعود للمستقبل، بقيادة الزعيم الذي تحول إلى مرشد، الذي لم يغادر المسرح السياسي فعلياً أبداً".

آن ماكيلفوي هي المحررة التنفيذية في مجلة بوليتيكو مقدمة بودكاست "السياسة في بيت سام وآن" Politics at Sam and Anne’s

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل