ملخص
عندما أذاع البيت الأبيض اسم بلير لإدارة غزة رفضته "حماس" وغضب الفلسطينيون من القرار، فماذا بين بلير وغزة؟ ولماذا يرفضه الغزيون وتكرهه الحركة؟ وما ماضيه مع القضية الفلسطينية؟
عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير سيكون عضواً في مجلس السلام الذي سيدير غزة بعد الحرب، خرجت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيز مصدومة من القرار وعقبت قائلة "توني بلير؟ بالطبع لا. ارفعوا يده عن فلسطين".
وعندما أذاع البيت الأبيض اسم بلير رفضته "حماس" وغضب الفلسطينيون من القرار، فماذا بين بلير وغزة؟ ولماذا يرفضه الغزيون وتكرهه الحركة؟ وما ماضيه مع القضية الفلسطينية؟
تنص خطة السلام الأميركية في شأن إنهاء حرب غزة التي أعلنها الرئيس الأميركي، على أن توني بلير سيكون جزءاً من سلطة موقتة تدير القطاع المدمر، على أن يعمل ضمن لجنة انتقالية من خبراء فلسطينيين ودوليين مؤهلين بإشراف هيئة انتقالية دولية جديدة تعرف باسم "مجلس السلام".
وقال ترمب "بلير طلب الانضمام إلى مجلس السلام"، ووصفه بأنه "رجل جيد جداً وطيب"، ولقي إدراجه ترحيباً من الدبلوماسيين. لكن في الأراضي الفلسطينية، وبخاصة في غزة، وجد اسمه رفضاً قاطعاً، فلماذا؟
مبعوث "الرباعية"
تطرق بلير إلى الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي للمرة الأولى عام 1997 عندما تولى منصب رئيس وزراء بريطانيا، لكن من دون دور فعال في القضايا الشائكة، وعندما استقال من منصبه عام 2007 بدأ يتدخل في ملف الشرق الأوسط الساخن.
خلال العام نفسه، عينته اللجنة الرباعية الدولية مبعوثاً خاصاً للسلام، وأوكلت إليه مهمة تنظيم المساعدة الدولية للفلسطينيين، والإشراف على المبادرات الرامية إلى دعم الاقتصاد والمؤسسات الفلسطينية تمهيداً لقيام الدولة الفلسطينية.
واللجنة الرباعية هي مجلس دولي يشمل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا، ومهمتها المساعدة في التوسط بمفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ودعم التنمية الاقتصادية الفلسطينية، وبناء المؤسسات استعداداً لإقامة الدولة في نهاية المطاف.
بعد تكليف بلير بالتوصل إلى السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين نبه البيت الأبيض حينها إلى أنه ليس بطلاً خارقاً ولا يملك عصا سحرية، وشرع مبعوث اللجنة الرباعية في مهامه للوصول إلى السلام بين طرفي الصراع.
بدأ بلير لدى توليه منصبه الجديد كمبعوث خاص لعملية السلام، دعم عزل "حماس" بعد فوزها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، واتخذ قرارات صعبة ضد غزة التي سيطرت عليها الحركة بالقوة، منها فرض حصار سياسي واقتصادي على الحكومة التي شكلتها.
اشترط بلير لرفع الحصار الذي يزيد عمره الآن على 18 سنة، تخلي "حماس" عن المقاومة والاعتراف بإسرائيل والالتزام باتفاقات أوسلو وخريطة الطريق، وقرر أيضاً إغلاق جميع المعابر التي تربط غزة بالعالم بما فيها منفذ رفح.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حمل بلير هدفاً معلناً هو التوصل إلى حل الدولتين من طريق التفاوض، لكنه كان خلال المحادثات منحازاً لإسرائيل، واتهمه المسؤولون الفلسطينيون بأنه يخدم سياسات تل أبيب، وعندما كان الراحل إسماعيل هنية يشغل منصب رئيس وزراء الفلسطيني قال "بلير يفرض الإملاءات على شعبنا ويسهم في حصار غزة".
استمر بلير يجري محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين لمدة سبعة أعوام، وخلالها لم يحرز أي تقدم في قيام الدولة الفلسطينية، وانهار طريق السلام عام 2014.
بلير أيضاً أيد قرار الرئيس الأميركي السابق جورج بوش بتعليق مساعدات غزة، ووقف العلاقات مع السلطة التي قادتها "حماس"، ومنذ ذلك الوقت ينظر الغزيون له بعين الريبة، فهو الذي فرض قرار حصارهم وعزلهم عن الخارج.
حاول بلير تفريغ القضية الفلسطينية من بُعدها السياسي وطرح عام 2008 خطة لإحلال السلام الاقتصادي بالتعاون مع إسرائيل، ولاحقاً عارض مساعي انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة، ووقف ضدها واعتبرها خطوة تثير صدامات عميقة.
تصحيح المسار
لم ينغمس بلير في مواقفه المعارضة للقضية الفلسطينية طويلاً، فخلال عام 2017 صحح مساره قائلاً "أخطأنا عندما رضخنا للضغوط الإسرائيلية، وقررنا مقاطعة حركة ’حماس‘ بعد فوزها بالانتخابات، كان الأفضل أن يجر المجتمع الدولي ذلك الفصيل الفلسطيني إلى الحوار".
بعد فشل جميع مهامه في شأن غزة والقضية الفلسطينية، عاد بلير مبكراً لهذا الملف، فخلال عام 2019 أسهم في التوصل إلى "اتفاقات أبراهام"، وعام 2023 عندما شنت "حماس" هجومها على الأراضي الإسرائيلية زار رئيس الوزراء البريطاني السابق تل أبيب مرات عدة.
أجرى بلير لقاءات مع المسؤولين الإسرائيليين، ومن بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وقيل إنها تهدف إلى أن يلعب بلير دور الوسيط بين الرغبات الإسرائيلية لليوم التالي وبعض الدول العربية، ثم أسهم خلال عام 2025 في مناقشات لتحويل غزة إلى ريفييرا الشرق الأوسط.
شارك بلير في رسم خطة اليوم التالي للحرب، ولعب دوراً مهماً في إنشاء "مؤسسة غزة الإنسانية" لإطعام الجائعين داخل غزة، ولكن خطته أودت بحياة مئات ذهبوا إلى مراكز توزيع المساعدات، وبلور رؤية تحول غزة إلى مركز تجاري واستثماري، واليوم يعود إلى الواجهة ليكون الحاكم الموقت لغزة وفقاً لخطة ترمب، ويستعد لمعالجة أكثر الملفات سخونة في العالم، لكن هل ينجح في ذلك؟
بالنسبة إلى "حماس"، فإنها لا تريد أي دور لبلير، إذ يقول عضو المكتب السياسي للحركة حسام بدران "لا نقبل أن تُفرض وصاية أجنبية على شعبنا، الفلسطينيون أقدر على إدارة شؤون القطاع، بلير شخصية غير مرحب بها، إنه شخصية سلبية وربما تستحق أن تكون أمام المحاكم الدولية لدوره في حرب العراق".
ويضيف "ارتباط أية خطة بهذا الشخص غير المرحب به يُعد نذير شؤم للشعب الفلسطيني، إنه لم يأت بخير للقضية الفلسطينية. إدارة غزة شأن داخلي فلسطيني يجب أن يحظى بتوافق وطني، وليس من حق أي طرف إقليمي أو دولي أن يفرض علينا قيادة دولية، ولدينا من الإمكانات والخبرات ما يمكننا من إدارة شؤوننا وعلاقاتنا مع الإقليم والعالم".
ويشير بدران إلى أن قيادة حركة "حماس" اتخذت قراراً داخلياً بأنها لا تريد الاستمرار في إدارة غزة، ولكنها لا تريد أيضاً وصاية دولية واستعمارية على شعب غزة.
أما القيادي في حركة "فتح" باسم التميمي فيقول إن "تعيين بلير محاولة لاستعادة أدوار فشلت سابقاً، إنه يخدم المصالح الأميركية والإسرائيلية على حساب الحقوق الفلسطينية، ويعد شخصية غير مرغوبة فلسطينياً".
ويقول الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي "كنا بالفعل تحت الاستعمار البريطاني، يتمتع بلير بسمعة سيئة في غزة".
المشهد العراقي
أستاذ السياسة والباحث في الصراعات الدولية مازن البنا يرى أن "سجل بلير يثير غضب الغزيين، إنهم يعدونه منحازاً للولايات المتحدة وإسرائيل، المنطق السياسي والقانوني والأخلاقي يؤكد أن أي طريق نحو حل عادل ومستدام لا يمكن أن يمر عبر وصاية دولية تُفرض على غزة، بل عبر مسار واضح يبدأ بالالتزام الصارم بالقانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان".
ويضيف البنا "اسم بلير لم يأت من فراغ، بل سبقه تحرك سياسي ملحوظ خلال الأشهر الماضية، تضمن لقاء مع رئيس السلطة محمود عباس في رام الله، واجتماعات أخرى مع مسؤولين أميركيين، وإسناد إدارة غزة له يعيد مشهد العراق الذي انتهى بفوضى طائفية إلى الأذهان".
ويوضح البنا أن بلير يمتلك شركة استشارات عالمية تمول مشاريع في الشرق الأوسط وأفريقيا، ولهذا يعد سمساراً سياسياً واقتصادياً، لكنه يستبعد أن ينجح في مهامه داخل غزة، ولن يجلس في القطاع، بل على الغالب سيمنح موقعاً تنسيقياً على المستوى الدولي، بينما تظل الإدارة الميدانية بيد لجنة وطنية فلسطينية وعربية تشرف على قضايا الأمن والخدمات المحلية.