ملخص
يجب فهم الاتفاقية في سياق السياسة الخارجية السعودية الحالية والأهمية الجغرافية المتزايدة لباكستان. وتسبق العلاقات الاقتصادية هذا الاتفاق إذ تستثمر الرياض في مشاريع الطاقة والبنية التحتية في باكستان، وتشير بيانات صندوق الاستثمار العام إلى وجود مشاريع تقدر قيمتها بـ25 مليار دولار خلال الأعوام الثلاثة المقبلة.
وقعت السعودية وباكستان اتفاقية الدفاع المشترك في الـ17 من سبتمبر (أيلول) عام 2025 في العاصمة السعودية الرياض بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف لتعطي بعداً جديداً لمعادلة توازن القوى في المنطقة.
وتخرج هذه المعاهدة العلاقات الثنائية بين البلدين من إطار تبادل التصريحات الرمزية إلى تشكيل خطة عمل أمنية بطريقة رسمية إذ تحوي الاتفاقية على بند مهم، وهو أن أي عدوان خارجي على إحدى الدولتين سيعد اعتداء على الاثنتين، وربما بسبب هذا البند تحديداً أشادت وسائل الإعلام الدولية بهذا الاتفاق باعتباره تطوراً مذهلاً يرسي أساس حقبة جديدة للعلاقات بين إسلام آباد والرياض.
ويجب فهم الاتفاقية في سياق السياسة الخارجية السعودية الحالية والأهمية الجغرافية المتزايدة لباكستان. وتسبق العلاقات الاقتصادية هذا الاتفاق إذ تستثمر الرياض في مشاريع الطاقة والبنية التحتية في باكستان، وتشير بيانات صندوق الاستثمار العام إلى وجود مشاريع تقدر قيمتها بـ25 مليار دولار خلال الأعوام الثلاثة المقبلة.
وتأتي أهمية اتفاقية الدفاع المشترك في أنها أخذت العلاقات الثنائية إلى مستوى جديد حيث تتشابك المصالح الاقتصادية مع الحاجات الأمنية المشتركة.
الأمر الآخر الذي يوضحه هذا الاتفاق هو الدور الفعال الذي تلعبه إسلام آباد، أخيراً، في الساحة الإقليمية والعالمية، إذ أعلنت بكين، أيضاً، في الأشهر الماضية، زيادة التعاون الاستراتيجي مع باكستان. وفي بيان للخارجية الصينية قالت بكين، إن إسلام آباد تعد شريكة مسؤولة ومهمة في المنطقة.
ويشمل الاتفاق الصيني - الباكستاني تبادل تقنية الطائرات المسيرة والتدريبات البحرية المشتركة. ولو نقرأ هذا الاتفاق مع المعاهدة الأخيرة لباكستان مع السعودية فهذا يوضح أن إسلام آباد باتت جزءاً في شبكة دفاعية تمتد إلى الخليج وشرق وجنوب آسيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانب آخر، شهدت العلاقات الباكستانية - الإيرانية تطوراً إيجابياً، أيضاً، ينعكس في البيانات الاقتصادية التي تشير إلى زيادة بنسبة 38 في المئة في التجارة الثنائية بين إسلام آباد وطهران في الثلث الأول من العام الحالي. وتحسنت الأوضاع بين البلدين على الحدود حيث أخذ الجانبان خطوات مشتركة لمنع التهريب والهجرة غير الشرعية. هذا التطور يشير إلى أن باكستان لا تعمل على تخفيف التوترات على الحدود الغربية فحسب بل تقيم علاقاتها على أسس التعاون الاقتصادي. وتشكل الهتافات في صالح باكستان في البرلمان الإيراني أثناء مواجهتها مع إسرائيل أهمية رمزية للعلاقات الثنائية.
تشهد العلاقات مع روسيا ودول آسيا الوسطى تحولاً ملحوظاً، أيضاً، إذ وافقت روسيا على تزويد باكستان بنفط بقيمة 1.2 مليار دولار، وهي خطوة مهمة نحو التغلب على أزمة الطاقة، كما أن توسيع نطاق اتفاقات التجارة مع كازاخستان وأوزبكستان يتيح لباكستان الوصول المباشر إلى أسواق آسيا الوسطى.
ويرى متخصصون أن هذا التطور شكل جديد من "الجغرافيا الاقتصادية" إذ تصبح باكستان، بفضل جغرافيتها، ممراً للطرق التجارية بدلاً من كونها مجرد دولة مستهلكة. ويأتي الاعتراف بأرمينيا كدولة مستقلة بعد ثلاثة عقود في إطار تبني باكستان استراتيجية أكثر استقلالية وتوازناً في قراراتها الدبلوماسية، لا سيما في ظل تنامى التعاون العملي في العلاقات مع تركيا وأذربيجان.
ووقعت إسلام آباد مشاريع دفاعية بقيمة تزيد على 4 مليارات دولار مع تركيا إلى جانب الاتفاق على حول إنتاج السلاح وعقد مناورات عسكرية مشتركة.
من ناحية أخرى، يتزايد حضور باكستان في دول أفريقيا وشرق آسيا إذ وقعت باكستان صفقة دفاعية بقيمة 600 مليون دولار مع نيجيريا. وتظهر هذه العلاقات أن باكستان تعمل الآن على توسيع دبلوماسيتها خارج جنوب آسيا إلى نطاق جغرافي أوسع، ويسهم في هذا السياق التحولات السياسية في المنطقة مثل إنهاء حكومة حسينة واجد (بنغلاديش) إثر ثورة شعبية.
وتشكل في هذا المنظور اتفاقية الدفاع الاستراتيجي مع السعودية الركيزة الأبرز للسياسة الخارجية الباكستانية إذ تجعل باكستان شريكة مباشرة في أمن الخليج، في وقت توضح العلاقات مع دول مثل الصين وروسيا وتركيا والولايات المتحدة أن باكستان أصبحت الآن لاعبة نشطة في السياسة العالمية بفضل سياسة خارجية ترتكز على المصلحة الوطنية والتوازن الإقليمي.
لكن في الجانب الآخر من النجاح الطارئ على المستوى الدبلوماسي لباكستان، لا تزال الدولة تواجه تحديات جسيمة محلياً في ظل غياب الاستقرار السياسي ووجود أخطار أمنية في خيبر بختونخوا وبلوشستان.
وتسعى إسلام آباد إلى توظيف علاقاتها الدبلوماسية في تحسين الاقتصاد الذي يمر بأدق ظروفها خلال العقود الماضية، وتعد الاستثمارات الخارجية مفتاحاً لخروج باكستان من المأزق الاقتصادي والأمني، لكن انعدام الثقة حول الاستقرار السياسي ومدى استمرارية النظام السياسي الحالي.
وفي ظل هذا الوضع المتشابك حيث تمر باكستان بأزمة مالية لكن في الوقت ذاته لديها إنجازات كبيرة على المستوى الدبلوماسي، وقد تسهم الاتفاقية الحالية مع السعودية في تغلب باكستان على هذا الوضع في حال توظيف إمكاناتها وعلاقاتها الاستراتيجية بصورة جيدة.