Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عودة المملكة العربية السعودية وباكستان إلى المسار

أعلنت الرياض عن استثمار 20 مليار دولار بما في ذلك مصفاة نفط لـ"أرامكو" ومجمع للبتروكيماويات في مدينة غوادار الساحلية الاستراتيجية

 الأمير محمد بن سلمان مستقبلا عمران خان في مطار جدة ( واس)

يزور رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان المملكة العربية السعودية بدعوة شخصية من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

ووصل رئيس أركان الجيش الباكستاني الجنرال قمر جافيد باجوا إلى الرياض قبل هذه الزيارة البارزة لإرساء الأساس لما وصفته وسائل الإعلام بأنه دفعة كبرى للعلاقات السعودية الباكستانية، لا سيما في ما يخص التعاون الاقتصادي والتجاري والبيئي.

وهذا يبشّر بالخير للبلدين الشقيقين، إذ واجهت صداقتهما التاريخية توتراً مؤسفاً العام الماضي.

ومن حسن الحظ أن القيادة على الجانبين كانت مرنة بالقدر الكافي لكي تتجاوز التحدي وتعيد العلاقات السعودية الباكستانية إلى مسارها الصحيح.

ولا شك في أن هذه المرونة تضرب بجذورها في العلاقات بين الشعبين، ما يساعد القيادتين في نهاية المطاف على التغلب على الخلل المؤقت ودعم التعاون في المسائل ذات الاهتمام المشترك والمصلحة المشتركة. وهذه المرة ليست مختلفة – وإليكم السبب.

مباشرة بعد انتخابه رئيساً للوزراء في أغسطس (آب) 2018، تمكّن خان من تطوير علاقة شخصية مع ولي العهد.

فقد سافر إلى المملكة العربية السعودية مرتين في الشهرين التاليين، وفي المرة الثانية بدعوة شخصية من ولي العهد لحضور مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" من ضمن "رؤية السعودية 2030".

وكان خان ورث أزمة خطيرة في ميزان المدفوعات. وعلى هذا، تولّت المملكة العربية السعودية زمام المبادرة في تقديم حزمة مساعدات مالية بلغت 6.2 مليار دولار، بما في ذلك ثلاثة مليارات دولار في هيئة قروض وتسهيل مؤجل للدفعات النفطية بقيمة 3.2 مليار دولار.

وحذت دولة الإمارات العربية المتحدة حذو الرياض فعرضت على باكستان ستة مليارات دولار في هيئة دعم إضافي.

وعندما زار ولي العهد السعودي باكستان في فبراير (شباط) 2019، أوصله خان بسيارة يقودها بنفسه إلى بيت رئيس الوزراء الواقع على تلة في إسلام آباد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي مثال آخر يرمز إلى التواؤم الشخصي بين الزعيمين الكاريزماتيين، قال ولي العهد لرئيس الوزراء الباكستاني بسرور: "أنا سفيركم في المملكة العربية السعودية". (في وقت لاحق من العام، سيعرض ولي العهد على خان طائرته الشخصية لكي يسافر إلى نيويورك لحضور قمة الأمم المتحدة. وحتى على الرغم من مرور العلاقات السعودية الباكستانية بفترة وجيزة من السوء عام 2020، أعلن خان: "ستظل باكستان والمملكة العربية السعودية صديقتين حميمتين دائماً").

وشهدت تلك الزيارة التاريخية التي قام بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى باكستان عام 2019 تحولاً كبيراً في العلاقات الاستراتيجية بين السعودية وباكستان في المجال الاقتصادي، مع الإعلان عن 20 مليار دولار من الاستثمارات السعودية هناك، بما في ذلك مصفاة نفط لـ"أرامكو" بقيمة 10 مليارات دولار ومجمع للبتروكيماويات في مدينة غوادار الساحلية الاستراتيجية.

وكانت بقية الاستثمارات في قطاعي التعدين والطاقة المتجددة.

ووازى ذلك الجهود الرامية إلى توقيع اتفاقية للتجارة الحرة لزيادة حجم التجارة الثنائية، التي بلغت قيمتها ملياري دولار.

وفي الماضي، كان التعاون بين البلدين وثيقاً في ما يتصل بالأمور الأمنية والجيوسياسية، وكانت المساعدات الاقتصادية السعودية مقتصرة على امتيازات النفط. والآن، وللمرة الأولى، اهتمت المملكة بالتنمية الاقتصادية البعيدة الأجل في باكستان.

وتحدث هذه اللحظة الواعدة في العلاقات بين المملكة العربية السعودية وباكستان في خضم تحول إيجابي في الوضع الجيوسياسي الإقليمي، الذي يتّسم باختراقات على جبهات مختلفة.

وفي شكل خاص، يشير اختيار غوادار لحصة استثمارية كهذه إلى ميل المملكة العربية السعودية إلى الانضمام إلى شبكة التكامل الإقليمي الأوسع: الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني.

وفي الترتيب الطبيعي للأشياء، تلخّصت الخطوة المنطقية التالية في العمل المشترك على وضع خطط التنمية للمشاريع الاقتصادية السعودية المقترحة في باكستان.

لكن من المؤسف أن القوى الدولية المناوئة للموقع الاستثنائي الذي تتمتع به المملكة العربية السعودية في العالم الإسلامي، والتحالف التاريخي بين المملكة العربية السعودية وباكستان، لم تتمكّن من استيعاب حقيقة مفادها بأن البلدين الشقيقين كانا يرفعان علاقاتهما إلى مستوى مختلف، بحيث قد تكون مصالحهما متشابكة جيوسياسياً واقتصادياً في المستقبل.

وما حدث بعد ذلك هو جزء محزن من تاريخنا الحالي، وهو ما لا يستحق أن نتذكره.

لكن ما يستحق أن نذكره هو أن السعودية هي قلب الإسلام بالنسبة إلى المسلمين في العالم، ولن تتمكّن أي دولة أخرى من أن تزعم حقاً كهذا: إن منظمة التعاون الإسلامي هي الهيئة التمثيلية الوحيدة لـ57 بلداً مسلماً ولن تنجح أي محاولة لإنشاء كتلة إسلامية بديلة؛ وبطبيعة الحال، فإن حقيقة أن العلاقات بين السعودية وباكستان راسخة في محبة شعبيهما ومودتهما لبعضهما بعضاً، بالتالي فإن أي مؤامرة لن تتمكّن من أن تعوّق تطورهما العضوي كشريكين تاريخيين.

ولهذا السبب، فإن السرد الزائف بشأن الدور الذي تؤديه منظمة المؤتمر الإسلامي في كشمير لم يدُم طويلاً. وهذا هو السبب الذي جعل الصورة المخيبة للآمال للدعم الاقتصادي السعودي لباكستان تفشل أخيراً في اجتياز اختبار الزمن.

ومن حسن الحظ أن لدى الدولتين قنوات اتصال رسمية وغير رسمية للتغلب على أي حالة من حالات سوء الفهم الخطير أو المعلومات المضللة المتعمّدة التي تؤثر في علاقتهما.

ولا يمكن كسر رابطتهما لأنها تستند إلى إرادة الشعبين.

ومن ثم، وقف الشعبان الشقيقان دائماً جنباً إلى جنب في الأوقات العصيبة. فمن الدفاع عن قدسية الحرمين الشريفين إلى إلحاق الهزيمة ببلاء الإرهاب، كانت باكستان دوماً شريكاً رئيساً للسعودية.

وعلى نحو مماثل، لم تخيّب السعودية آمال باكستان قط حين واجهت وقتاً عصيباً، سواء كان موجة الإرهاب التي أعقبت 11 سبتمبر (أيلول) أو الزلزال المدمر الذي ضربها عام 2005.

كذلك يتعاون البلدان تعاوناً وثيقاً من أجل تحقيق السلام والاستقرار في أفغانستان. وتعكس المشاركة السعودية الحالية أو الناشئة في باكستان روح الأخوة نفسها ذات الجذور الإسلامية.

وحين نسترجع الأحداث الآن، سيتبيّن لنا أن زيارة رئيس الوزراء خان إلى جدة تؤكد أن العلاقة بين المملكة العربية السعودية وباكستان عادت إلى المستوى الذي كانت عليه حين زار ولي العهد إسلام آباد قبل أكثر من سنتين.

ويعني ضمناً القرار الذي اتخذته المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بتقديم قروض بأكثر من ملياري دولار حتى العام المقبل استئناف حزم الإغاثة المالية الخاصة بكل منهما، التي تحتاج باكستان بشدة إليها لتجنّب الآثار المدمرة للموجة الثالثة من جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19).

ومن المتوقع أن تطلق هذه الزيارة العمل في مشاريع التنمية السعودية التي تبلغ قيمتها 20 مليار دولار، لا سيما مصفاة "أرامكو" النفطية ومجمع البتروكيماويات في غوادار.

ومن أجل تعزيز التجارة الثنائية، ذُكِر أن اتفاقية شاملة للتعاون الجمركي وُضِعت على جدول الأعمال.

فضلاً عن ذلك، فإن تفاعل الجنرال باجوا الذي دام ما يقرب من أسبوع مع نظرائه السعوديين، وتعيين الفريق المتقاعد بلال أكبر كسفير لباكستان في المملكة العربية السعودية، من شأنهما أن يضمنا تعزيز التنسيق في مجال الدفاع والعلاقات الاستراتيجية بين البلدين.

والواقع أن العلاقة من المتوقع هذه المرة أن تقدّم تعاوناً أعمق إلى ما هو أبعد من الدفاع والاقتصاد، في شأن مسائل تغيّر المناخ بشكل خاص.

فخان يشارك ولي العهد في رؤيته كما هي محددة في مبادرتي "السعودية الخضراء" و"الشرق الأوسط الأخضر"، اللتين أُعلنتا أخيراً وتتفقان مع مبادرة حكومته "باكستان النظيفة والخضراء".

ومن حسن الحظ أن هذه اللحظة الواعدة في العلاقات بين المملكة العربية السعودية وباكستان تحدث في خضم تحوّل إيجابي في الوضع الجيوسياسي الإقليمي، الذي يتّسم بغصن الزيتون السعودي الممدود إلى إيران، ونهاية أزمة قطر، ووقف إطلاق النار بين الهند وباكستان في كشمير.

ومن المؤكد أن هذه التطورات تفتح المجال الدبلوماسي أمام المملكة العربية السعودية وباكستان لتركيز جهودهما المشتركة من أجل التنمية الاقتصادية والاستقرار الإقليمي.

 

شغل الدكتور علي عواض العسيري منصب سفير المملكة العربية السعودية لدى باكستان في الفترة بين عامي 2001 و2009، وحصل على أعلى جائزة مدنية في باكستان، وهي "هلال باكستان"، تقديراً لخدماته في تعزيز العلاقات السعودية الباكستانية. ويحمل شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة بيروت العربية، وألّف كتاب "مكافحة الإرهاب: دور المملكة العربية السعودية في الحرب على الإرهاب" (أكسفورد، 2009).

نقلا عن: "عرب نيوز"

اقرأ المزيد

المزيد من آراء