Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محمد بن عيسى الغائب أكثر حضورا في موسم أصيلة الثقافي

عشرات الشهادات من عرب وأجانب عن المشروع الذي مزج بين الثقافة والتنمية وحول قرية الصيادين المهملة إلى منارة إشعاع

أسس محمد بن عيسى موسم أصيلة الثقافي عام 1978 في قرية صيادين صغيرة ومنسية ولد ونشأ فيها (اندبندنت عربية) 

ملخص

أصدرت مؤسسة منتدى أصيلة كتاباً تذكارياً يقع في 400 صفحة باللغتين العربية والفرنسية تضمن شهادات عدد كبير من المسؤولين المغاربة والعرب والأجانب، وكذلك شهادات لمفكرين ومثقفين وكتاب ومبدعين، حول تجربة محمد بن عيسى في السياسة والدبلوماسية، ومشروعه الثقافي.

مدينة محمد بن عيسى، أصيلة، احتفت بحضوره في موسمها الثقافي السنوي، أكثر مما استذكرت غيابه. للمرة الأولى منذ عام 1978. يحضر بن عيسى في الحدث السنوي الذي أسسه وطوره ورعاه، كظاهرة وليس كشخص. كموضوع للنقاش وليس كمدير للحوار.

رحل محمد بن عيسى في فبراير (شباط) الماضي، بعدما كان على فراش المرض يخطط للدورة 46 من موسم أصيلة الثقافي. وهو أرادها أن تكون متخففة من الأثقال، وكأنه كان يشفق على فريقه المساعد من عبء التنظيم الواسع، بحسب ما يروي خليفته في منصب الأمين العام لمنتدى أصيلة حاتم البطيوي. وقد ترك مسألة اختيار اسم الشخصية التي سيجري تكريمها في خيمة الإبداع التي تقام خلال الدورة الخريفية إلى اللحظة الأخيرة. ربما كان يدرك أنه هو من سيكون الاسم الذي سيملأ الخانة الفارغة في البرنامج، بحسب البطيوي.

البداية من قرية صيادين

كان محمد بن عيسى قد أسس موسم أصيلة الثقافي عام 1978 في قرية صيادين صغيرة ومنسية ولد ونشأ فيها.

تقع أصيلة المغربية، على كتف الأطلسي إلى الجنوب قليلاً من مدينة طنجة العامرة، بوابة المغرب وشمال أفريقيا والشرق العربي على أوروبا. هذه النافذة ستبلور رؤية محمد بن عيسى لمشروعه الثقافي وهو يطلقه بإمكانات محدودة، وأحلام كبار.

بعد قرابة خمسة عقود تكتمل مرتكزات المشروع الثقافي الرائد الذي أطلقه محمد بن عيسى من قرية الصيادين المهملة، التي أصبحت مدينة نابضة ومستقطبة داخل المغرب وفي العالم العربي وعلى الصعيد الدولي.

 

جمع مؤسس منتدى أصيلة وموسمها الثقافي السنوي مفكرين ودارسين وفنانين وتشكيليين ونحاتين، من مشارب مختلفة. عرباً وأجانب. مغاربة ومشارقة. أفارقة وأوروبيين ولاتينيين. جمهوريين وملكيين. اشتراكيين وليبراليين. أصحاب دعوات أيديولوجية ومؤمنون بالفكر المتحرر من المحددات المسبقة. كلهم تحاوروا في فضاء أصيلة، عن تشابكات الجنوب والشمال، ومعضلات الجنوب في أبعاده الأفريقية واللاتينية والآسيوية، وموجات التطرف والأصولية المشتبكة مع الواقع والمتنافرة معه. وقبل كل ذلك ومعه، تجليات الإبداع المعاصر في الأدب والشعر والنحت والتشكيل والموسيقى. أصبحت جدران أصيلة وجدارياتها معرضاً سنوياً متجدداً للرؤى والألوان. كل ذلك تبدى كمصهر اندمج فيه الثقافي مع التنموي، التراثي مع الحداثي، الإنساني مع العمراني.

تكريم المشروع والرمز

الدورة الـ46 لموسم أصيلة الثقافي الدولي، المكرسة لتكريم مؤسسه الراحل محمد بن عيسى، بدا وكأن المدينة تحتضن المشروع والرمز معاً. أكثر من 70 متحدثاً من المغرب وأنحاء العالم، أدلوا بشهادات عن الشخص والتجربة، خلال جلسات متعددة أضاءت على إرث الراحل ومستقبله، حملت عنوان "محمد بن عيسى رجل الدولة وأيقونة الثقافة".

وفي كلمته الافتتاحية، تحدث حاتم البطيوي الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، عن صعوبة حمل المشعل بعد المؤسس الراحل لما كان يمثله من ثقل، لكنه شدد على أن "مدرسة محمد بن عيسى" خلفت نساء ورجالاً أوفياء سيواصلون مسيرته في التنوير والانفتاح.

التمازج الثقافي

الرئيس السنغالي السابق ماكي صال وصف بن عيسى في رسالة مصورة بـ"الخادم الذي لا يكل"، فيما عد نبيل يعقوب الحمر، مستشار ملك البحرين لشؤون الإعلام، أن فقدانه بمثابة "فقدان جزء من الذاكرة وقطعة من الروح". وتحدث الحمر عن دعوته إلى التمازج الثقافي، فقد كان يؤمن أن الثقافة ليست حكراً على شعب واحد بل هي تجربة إنسانية مشتركة، انطلاقاً من رؤيته للجمال في التنوع الثقافي، وأن الاختلافات مصدر قوة لا ضعف، وأن الثقافة ليست مجرد مجموعة من التقاليد بل هي كيان حي ومتغير.

 

أما وزير العدل المغربي عبداللطيف وهبي، فقد وصف الراحل بـ"المسيحي في السياسة"، في دلالة على أنه كان رمزاً للتسامح والصفح.

جسور الثقافة والسياسة

ومن أوروبا، وصفت وزيرة الخارجية الإسبانية السابقة آنا بلاسيو الراحل بأنه يجسد "أفضل تقاليد الدبلوماسية"، شخصية حساسة وملهمة، مؤمنة بأن الثقافة والسياسة جسور لا تنفصل.

وقالت، في أزمنة التبدل والبراغماتية الباردة، وغياب اللياقة، تذكرنا شخصية بن عيسى بأن الدبلوماسية ليست مجرد مفاوضات عابرة بل بناء صبوراً للثقة. كان بن عيسى محاوراً محترماً ووطنياً كوسموبوليتياً، تؤكد حياته أن السياسة، حين تمارس بحساسية وبروح الدولة، تبنى وتختبر وتترجم في صورة فن.

 

بينما شدد لويس أمادو وزير الخارجية البرتغالي السابق، على قدرة محمد بن عيسى على استشراف ديناميات التغيير في النظام الدولي.

وأشار مصطفى نعمان نائب وزير الخارجية اليمني سابقاً، إلى أن الراحل لم يكن يعيش "سعاداته السياسية"، بل كان كلما ارتقى ازداد تواضعاً وقرباً من الناس، جامعاً بين السياسة والثقافة والعمل الاجتماعي والحضور الدولي.

البعد الأفريقي

الوزير السنغالي السابق شيخ تيديان غاديو أبرز البعد الأفريقي في فكر بن عيسى، مؤكداً أنه كان يربط المغرب دوماً بعمقه القاري، ويجعل من الثقافة أداة لبناء جسور التفاهم المشترك.

وقال، مثلما تنتقل العدوى سريعاً بين البشر الذين يقدرون بعضهم بصدق، فإن جميع أصدقاء بن عيسى في أنحاء العالم تعودوا أن يسكنوا أصيلة في قلوبهم وحياتهم ومواعيدهم السنوية. لقد أصبحت أصيلة في أفريقيا رمزاً للقاء الأدبي رفيع المستوى مع جائزة تشيكايا أوتاميسي للشعر الأفريقي التي أسسها بن عيسى سنة 1989.

 

وتحدث الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية المغربي محمد نبيل بن عبدالله عن قدرة الراحل على الحفاظ على استقلالية منتدى أصيلة كفضاء حر للنقاش، على رغم موقعه في قلب النخبة السياسية.

واعتبر وزير الخارجية الليبي السابق عبدالرحمن شلقم، أصيلة تحت قيادته "ملاذاً آمناً" يجمع القادة والمثقفين بعيداً من صخب الخلافات.

مختبر فكري

الدكتور أحمد زايد مدير مكتبة الإسكندرية وعميد كلية الآداب بجامعة القاهرة سابقاً، شدد على أن المنتدى كان مختبراً فكرياً أسهم في تشكيل وعي الأجيال العربية بقضايا الديمقراطية والتنمية.

وتحدث زايد عن جهد بن عيسى لنقل المشروع الثقافي من نطاق الخطاب والكلام إلى مشروع عملي ينبض بالإبداع. وقال، "مشروع أصيلة يقدم نموذجاً فريداً في الأداء الثقافي العربي، وهو يقوم على مفهوم واضح لربط الزمان بالمكان، بالثقافة وبالسياحة أيضاً، لنكون بصدد نموذج ثقافي تنموي".

وأكد المتخصص الاستراتيجي المصري مصطفى حجازي أن دمج الثقافة بالسياسة ضمن رؤية تنموية مستدامة كان أحد أعمدة فكر محمد بن عيسى، وهو ما مكن المنتدى من الإسهام في مواجهة التحديات الوجودية التي تعيشها المنطقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وثمن خميس الجهناوي وزير خارجية تونس سابقاً مساعي بن عيسى لدعم الاستقرار في منطقة الساحل الأفريقي والاهتمام بدفع التعاون جنوب ـ جنوب.

واستذكرت سميرة بن رجب وزيرة الإعلام في البحرين سابقاً قوله "لا سلام من دون عدالة، ولا عدالة من دون الاعتراف بالذاكرة الجماعية للشعوب".

كتاب استذكاري

يذكر أن مؤسسة منتدى أصيلة أصدرت كتاباً تذكارياً يقع في 400 صفحة باللغتين العربية والفرنسية تضمن شهادات عدد كبير من المسؤولين المغاربة والعرب والأجانب، وكذلك شهادات لمفكرين ومثقفين وكتاب ومبدعين، حول تجربة محمد بن عيسى في السياسة والدبلوماسية، ومشروعه الثقافي، كان من بينهما مراجعة شاملة بقلم الروائي والشاعر والوزير المغربي السابق محمد الأشعري، قال فيها إن التفكير في المدينة المشروع لم يأت عند بن عسى من فراغ، فلا شك أن تجربته في الشرق العربي، وفي أفريقيا وأميركا، قد ترسب منها في عقله وفي وجدانه، شغف بالمدينة المنتجة للأسئلة، وللإبداع وللقيم الجديدة، والقادرة أولاً وقبل كل شيء على إدماج هويات وثقافات متعددة، في ذاكرة واحدة، وفي متخل مشترك، يعطي لقضايا الجذور والانتماء، أبعاداً تحتفي بالتعدد والحرية، وليس بالصفاء العرقي أو بالفكر الوحيد.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة