ملخص
"الضغط على إسرائيل سيكون غير مثمر، إذ إنها معتادة تماماً على مقاومة الضغوط، المفتاح يكمن في إقناعها بالحاجة إلى التقدم، وقد أتاح الحوار الجيد للمملكة المتحدة مع العالم العربي وتحسّن الحوار مع إسرائيل أن نكون صريحين مع كلا الجانبين". وثائق بريطانية تجيب عن تساؤل: كيف تعاملت بريطانيا في التسعينيات مع السلام بالشرق الأوسط؟
يقدّم هذا التقرير تحليلاً شاملاً لمجموعة من الأحداث والمبادرات الدبلوماسية والسياسية التي شهدتها المملكة المتحدة خلال عام 1995 في ما يخص العالم العربي، وعلاقاتها مع أوروبا والشرق الأوسط والخليج العربي، إضافة إلى قضايا الأمن الدولي ومكافحة الإرهاب.
يستند التقرير إلى الوثائق الرسمية المحفوظة ضمن الملف السري بعنوان "الحوار الأوروبي-العربي"، تحت المرجع FCO 98/6746، التي تغطي الفترة من الأول من يناير (كانون الثاني) إلى الـ31 من ديسمبر (كانون الأول) 1995، والمحفوظة في الأرشيف الوطني في كيو، وفُتحت هذه الوثائق للاطلاع العام في الـ19 من سبتمبر (أيلول) الجاري.
توفر هذه الوثائق رؤية دقيقة لتوجهات المملكة المتحدة السياسية والدبلوماسية تجاه قضايا حساسة مثل عملية السلام في الشرق الأوسط، والقدس الشرقية، والدعم العسكري لدول الخليج، وإدارة شؤون المعارضين وقوانين اللجوء، ومؤتمر البحر الأبيض المتوسط، ومعاهدة حظر الانتشار النووي، وقضايا الإرهاب، وأزمات البوسنة، إضافة إلى العلاقات مع الولايات المتحدة وزيارات المملكة المتحدة للدول العربية.
ويهدف التقرير إلى تقديم ملخص منظم وشامل لهذه الأحداث والملاحظات، مع إبراز السياسات والأولويات البريطانية، لا سيما تلك المتعلقة بالقضية الفلسطينية، التي توّجت أخيراً باعتراف الحكومة البريطانية بالدولة الفلسطينية، وذلك على عكس الموقف الأميركي الداعم إسرائيل.
غداء مع السفراء العرب في لندن
في الـ17 من مايو (أيار) 1995، قضى رئيس الوزراء البريطاني جون ميجر أكثر من ساعتين في غداء جمعه بالسفراء العرب المعتمدين لدى لندن، باستثناء أي ممثل عراقي أو ليبي، وقد نظم هذا الحدث السفير المصري، وحضر من جانب المملكة المتحدة هوغ وأندرو غرين.
على رغم أنه لم يُسجل تفصيل دقيق لكل الحوار، فإن هناك ملاحظات حول أبرز المواضيع التي نوقشت، التي جُمعت حسب الموضوع لتسهيل الرجوع إليها، معظمها طُرح في كلمات رئيس الوزراء الافتتاحية رداً على السفير المصري، وأيضاً أثناء الأسئلة اللاحقة، وقد سجلت الملاحظات ما قاله رئيس الوزراء فقط، ما لم يُذكر خلاف ذلك.
ومن بين النقاط الأهم التي نوقشت: تعليقات رئيس الوزراء والسيد هوغ في شأن خطط المملكة المتحدة لإصلاح إجراءات اللجوء بهدف القضاء على سوء الاستخدام واستهداف التحريض في الخارج، وتأكيد رئيس الوزراء أنه في أي تصويت يجري اليوم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في شأن مصادرة إسرائيل للأراضي في القدس الشرقية، ستصوت المملكة المتحدة لمصلحة القرار، وملاحظات رئيس الوزراء الودية حول حكمة القيادة المصرية في السماح بالتمديد غير المحدود لمعاهدة حظر الانتشار النووي، وإشادة رئيس الوزراء بفيصل الحسيني وزملائه، وإعادة تأكيد دعم المملكة المتحدة إذا واجهت أية دولة خليجية صعوبة عسكرية.
وقد شدد رئيس الوزراء على أن الشرق الأوسط كان ذا أهمية حيوية بالنسبة إلى المملكة المتحدة، لأسباب سياسية وإستراتيجية وكذلك اقتصادية، مشيراً إلى أن العلاقة الطويلة والوثيقة بين المملكة المتحدة والعالم العربي كانت ذات أهمية قصوى للبلاد.
الحوار مع إسرائيل والعالم العربي
في ما يخص عملية السلام، أعطتنا تجربة إيرلندا الشمالية إدراكاً حاداً بصورة خاصة لصعوبة وشجاعة المواقف السياسية اللازمة للتوصل إلى تسوية دائمة، التي كانت أمراً حيوياً لنجاح المنطقة، وستواصل المملكة المتحدة تقديم دعم قوي لعملية السلام، وقد أكد رئيس الوزراء ذلك خلال زيارته في مارس (آذار)، ومن الطبيعي أن تظهر صعوبات على الطريق، لكن العملية لا تزال تمضي قدماً، وكان لا بد من تجاوز عمق هائل من انعدام الثقة والشكوك المتبادلة، وقد يكون لأوروبا دور مهم، مثل توفير مراقبين للانتخابات، وستسعى المملكة المتحدة إلى تعزيز المشاركة الأوروبية البناءة.
ومع ذلك، فإن مجرد الضغط على إسرائيل سيكون غير مثمر، إذ إنها معتادة تماماً على مقاومة الضغوط، المفتاح يكمن في إقناعها بالحاجة إلى التقدم، وقد أتاح الحوار الجيد للمملكة المتحدة مع العالم العربي وتحسّن الحوار مع إسرائيل أن نكون صريحين مع كلا الجانبين، وقد كان رئيس الوزراء صريحاً بالفعل خلال زيارته الأخيرة.
القضايا الرئيسة في المفاوضات
أما بالنسبة إلى القدس، فقد كان اتزان فيصل الحسيني وفريقه في القدس الشرقية وحُسن حكمهم على رغم كل المشكلات التي واجهوها لافتاً بصورة خاصة عندما التقى بهم رئيس الوزراء في مارس، لم يكن من الواضح كيف سيجري التوصل إلى تسوية نهائية، لكن في الأثناء كانت من المهم إزالة جميع النقاط الفرعية حتى تركز مفاوضات الوضع النهائي على القضايا الرئيسة فقط.
ويشير التاريخ إلى أن بعض التنازلات من كلا الجانبين ستكون ضرورية، وإذا مضى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قدماً في التصويت في شأن مصادرة إسرائيل للأراضي في القدس الشرقية، فإن المملكة المتحدة "ستصوّت بالطريقة التي تودون أن نصوّت بها"، وأوضح السيد هوغ أن المملكة المتحدة ترغب في الحفاظ على ممارستها الحالية بخصوص الزيارات إلى بيت الشرق، على رغم محاولات إسرائيل تقييد مثل هذا النشاط.
في ما يتعلق بالخليج، ظلّت إيران مصدر اضطراب محتمل، أما العراق فكان من الواضح أنه صعب التعامل، قد يتساءل أصدقاؤنا في الخليج عمّا إذا كانت المملكة المتحدة ستقدّم فعلاً المساعدة إذا واجهوا صعوبات عسكرية، وعلى رغم كوننا أعداءً قساة في بعض الأحيان، كنا أيضاً أصدقاء جيدين، وإذا احتاج حلفاؤنا في الخليج إلى المساعدة، فإن المملكة المتحدة ستكون هناك لدعمهم.
التعامل مع المعارضين واستخدام قوانين اللجوء
في ما يتعلق بالمعارضين في المملكة المتحدة وقضية اللجوء، أشار رئيس الوزراء إلى أن المشكلة كانت صعبة للغاية، فقد وجد معارضو عدد من الحكومات العربية وغيرها طريقهم إلى لندن لممارسة أنشطتهم المعارضة، وفي بعض الحالات كانت أفعالهم مخزية، مثل هؤلاء الأشخاص غير مرحب بهم في بريطانيا، لكن المملكة المتحدة مقيّدة بكلٍّ من القوانين البرلمانية القديمة والأحكام القضائية الحديثة، وليست حرة في التصرف كما تشاء، ومع ذلك، لا ينبغي لأي بلد أن يظن أن المملكة المتحدة توافق على مثل هذه الأنشطة أو على الطرق التي يستغل بها بعض المعارضين حريات البلاد وإجراءات الطعون القانونية المطوّلة.
قال رئيس الوزراء، لاستهلاك السفراء الخاص، إن الحكومة تدرس بعض أوجه إساءة استخدام قوانين اللجوء لمعرفة ما إذا كان يمكن معالجتها بالتشريعات.
ومع ذلك، حتى لو غيّرت المملكة المتحدة القوانين البريطانية، فستظل خاضعة للقانون الدولي ولآراء المحاكم البريطانية، ولم تكن هناك أية فرصة لأية حكومة، مهما بلغ حجم غالبيتها، لإلغاء سلطة المحاكم التقديرية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار السفير السعودي إلى أنه لا مشكلة لديه مع مبدأ اللجوء، لكن المشكلة تكمن في أن المعارضين لا يلتزمون بالقواعد، ولم يكن يرغب في تغيير القوانين، لكنه تساءل: أليس من الممكن تطبيق قوانين التحريض السارية داخل المملكة المتحدة لتشمل أيضاً التحريض في الخارج؟.
أوضح السيد هوغ أن الحكومة كانت تنظر في كل هذه القضايا، ما يحاولون تحقيقه سهل نسبياً من حيث التعريف، لكن تقنينه قانونياً أمر صعب للغاية، ففي الوقت الحالي، ليس من غير القانوني أن يحرّض شخص ما على ارتكاب جريمة في الخارج تكون غير مشروعة لو ارتُكبت داخل المملكة المتحدة، وأشار إلى أن التحريض على تغيير الحكومة لا يبرر اتخاذ أي إجراء، فقد كانت هناك أمثلة تاريخية، مثال في عام 1940، حين كان الكثير من المعارضين الألمان في لندن يدعون إلى إطاحة هتلر، أو قبل 10 أعوام حين كان بعض أعضاء البرلمان سيدعمون "حرب تحرير" ضد حكومة جنوب أفريقيا، أو اليوم ضد حكومة واحدة أو اثنتين من الدول غير الممثلة على الطاولة.
تكمن الصعوبة من الناحية القانونية في التمييز بين الحكومات التي تفضّلها المملكة المتحدة وتلك التي لا تفضّلها، وقد نظروا في عنصرين مختلفين، أولاً جعل التحريض جريمة، وثانياً التمييز بين أنواع الحكومات المختلفة، لكن وضع ذلك موضع التنفيذ كان صعباً للغاية.
مبادرة برشلونة وأهمية اتفاقات الشراكة
في ما يخص مؤتمر البحر الأبيض المتوسط، أكدت المملكة المتحدة دعمها الكامل لمبادرة الاتحاد الأوروبي لتطوير سياسة متوسطية مشابهة لتلك المطبقة مع دول أوروبا الوسطى والشرقية، ولعبت المملكة المتحدة دوراً نشطاً في التحضير لمؤتمر برشلونة في نوفمبر، حيث ستوافق بالتأكيد على زيادة كبيرة في المساعدات الأوروبية للمنطقة، على رغم أن الرقم الدقيق لم يُحدد بعد.
ومع ذلك، كان العنصر الأهم، كما اكتشفنا في أوروبا الشرقية، هو تعزيز فرص الوصول التجاري، لا المساعدات المالية، وأوضح أندرو غرين أن مؤتمر برشلونة سيكون بداية عملية تمتد من 10 إلى 20 عاماً لتطوير حوار سياسي واقتصادي متكامل مع دول المتوسط.
قال رئيس الوزراء إن على الاتحاد الأوروبي أن يكون أكثر انفتاحاً على الخارج وأقل انغلاقاً، وشرح سبب معارضة المملكة المتحدة في كثير من الأحيان للمبادرات القادمة من بروكسل، ورأى أنه من الضروري تصحيح الاختلال القائم بين أوروبا الوسطى والشرقية ودول المتوسط، إذ إن تركيز الاتحاد الأوروبي حتى الآن على أوروبا الوسطى والشرقية كان نابعاً جزئياً من شعور بالذنب، ولا يزال هناك "ستار اقتصادي حديدي" قائم عبر أوروبا، على رغم سقوط الجدار، وسيساعد مؤتمر برشلونة على تصحيح هذا الاختلال.
وستكون المملكة المتحدة في طليعة الاتحاد الأوروبي في الدعوة إلى مزيد من فرص الوصول التجاري، إذ كانت تعتبر الحماية التجارية غير أخلاقية، وكذلك السياسة الاقتصادية القائمة سيئة، على رغم كونها في الأقلية داخل الاتحاد الأوروبي في هذا الرأي.
كما كانت اتفاقات الشراكة فكرة بريطانية، وبعضها لم يكن يحوي مضموناً كافياً، ويحتاج إلى مزيد من التطوير، لكن الاتحاد الأوروبي يعمل بأسلوب تدرجي، وكان من المفيد إبرام الاتفاق الأولي، لأنه يمكن البناء عليه لاحقاً، وبمجرد أن يبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقاً، فإنه يلتزم به، كما أن المفوضية موجودة أيضاً لفرض تنفيذ البنود، لذلك، في رده على التونسي، أشار رئيس الوزراء إلى أنه إذا كانت لدى تونس مشكلات في تنفيذ اتفاق الشراكة الخاص بها، فينبغي لها التوجه إلى المفوضية بالأدلة.
وشدّد السيد هوغ على أن مثل هذه الاتفاقات يجب أن تكون متبادلة، وأوضح أن أحد العوامل المانعة لتطوير اتفاق بين المجموعة الأوروبية ودول مجلس التعاون الخليجي كان عدم قدرة دول الخليج على الاتفاق في ما بينها على منطقة تجارة حرة.
معاهدة حظر الانتشار النووي والإرهاب
في ما يخص معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، قدّم رئيس الوزراء تهانيه الحارة لمصر على حكمتها ودبلوماسيتها في ما يتعلق بالمعاهدة، وأوضح أنه من السهل على الدول أن تحتج وتضرب الأرض بقدميها، لكن الأصعب هو أن تُظهر ضبط النفس وتقدّم مثالاً يُحتذى به، وقد قامت مصر بذلك بالفعل على رغم تكلفته داخلياً، وأكد رئيس الوزراء تقديره للطريقة التي تصرفت بها مصر، مما سمح بالمضي قدماً في التمديد غير المحدود للمعاهدة.
في ما يتعلق بالإرهاب، أشار رئيس الوزراء إلى أن بعض الأشخاص يستخدمون الإسلام كغطاء لما لا يعدو كونه إرهاباً بسيطاً، وأوضح أن الانعكاس الأولي لأحداث أوكلاهوما كان الاشتباه في الإرهاب العربي، لكن الإرهاب كان تهديداً للحكومات العربية تماماً كما هو تهديد للحكومات الغربية، ولم تكن له أية علاقة بالإسلام.
وذكّر بأمثلة تاريخية، مثل الألوية الحمراء في ألمانيا، مشيراً إلى أن الانتماء الديني ليس معياراً للإرهاب، وأكد رئيس الوزراء رفضه للتنميط العرقي واعتزامه التكرار في خطاب قادم، سواء هو أو وزير الخارجية، وبخاصة بعد أحداث أوكلاهوما.
أما بالنسبة إلى البوسنة، فقد أكد أن البوسنيين كانوا ضحايا أكثر منهم مذنبين، لكن جميع الأطراف تتحمل بعض اللوم، وأوضح أنه على رغم الأسف لانهيار وقف إطلاق النار وسلوك الكروات الأخير، لم تكن هناك إجابات سهلة، إذ إن أي تحركات أميركية أحادية قد تُجبر قوات الأمم المتحدة (UNPROFOR) على الانسحاب، مما يؤدي إلى عواقب وخيمة على الأرض.
وأشار إلى صعوبة توفير 400 ألف جندي لفرض حل عسكري، وأن الولايات المتحدة لن تشارك من البداية، وعلى رغم ذلك، فضّلت المملكة المتحدة تطبيقاً أكثر صرامة من الجو عندما يدعمه القادة على الأرض، بعد التشاور معهم.
في ما يخص إيرلندا الشمالية، من المقرر أن يزور السفراء العرب دبلن في أوائل يونيو (حزيران) لجمع المعلومات، وقد قدّم لهم رئيس الوزراء تقريراً عن عملية السلام، بما في ذلك شرح أهمية نزع السلاح.
أما العلاقة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة، فقد أوضح رئيس الوزراء سبب بقاء هذه العلاقة أساسية وقوية على رغم بعض الخلافات العرضية حول قضايا التجارة، مثل الحظر التجاري الأميركي على إيران.
وفي ما يخص زياراته للدول العربية، قال رئيس الوزراء إنه سيكون سعيداً بزيارة دول عربية أخرى إذا أُتيحت الفرصة، لكنه شرح القيود البرلمانية، مثل جلسات الأسئلة لرئيس الوزراء مرتين في الأسبوع والتصويت الليلي، وأوضح السيد هوغ أن مجلس العموم سرعان ما يشعر بالاستياء إذا غاب رئيس الوزراء كثيراً.
وأخيراً، في ما يخص المتابعة، طلب رئيس الوزراء مراقبة فرصة لوزير الخارجية لتضمين إشارة في خطاب ما حول أهمية تجنّب التنميط العرقي، وبخاصة في ما يتعلق بالعرب والإرهاب، مع الالتزام بالأمر نفسه بالنسبة إلى خطب رئيس الوزراء، مع ملاحظة أن لا توجد في الأسابيع المقبلة مناسبات واضحة لذلك، وإذا تمكن وزير الخارجية من تضمين إشارة في هذا الاتجاه، فينبغي لفت انتباه السفراء العرب إليها.