Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سياسة هواة واستراتيجية خبراء

دور الولايات المتحدة في المحيطين الهندي والهادئ يتطلب تخفيف الأعباء في أوروبا والشرق الأوسط

سرعت الصين بناء قواتها العسكرية الكلاسيكية وترسانتها النووية (أ ف ب)

ملخص

قبل أعوام قليلة كانت سوزان شيراك تصف الصين بأنها "قوة عظمى هشة"، وكانت بكين تقول "لسنا قوة عظمى" بل جزءاً من الجنوب العالمي، لكن واشنطن تعرف أن الصين قوة عظمى أبعد من أن تكون هشة، وأن أميركا نفسها مرشحة لأن تصبح قوة عظمى هشة بعدما قامت بدور "قوة عظمى مارقة".

أميركا لن تكون "عظيمة ثانية" عندما يغادر الرئيس دونالد ترمب البيت الأبيض عام 2029، وليس من السهل على أي رئيس بعده "العودة لما كان قبله، إذ ستكون هناك بعد أربع سنوات تحولات في التحالفات والمنظمات المتعددة الأطراف والمعاهدات الدولية"، كما تقول ريبيكا ليسنر وميرا راب-هوبر في مقالة عنوانها "غائب عند الخلق".

عنوان معاكس لعنوان مذكرات دين أتشسون "حاضر عند الخلق" المأخوذ من قول الملك الإسباني ألفونسو "الحكيم"، "لو كنت حاضراً ساعة الخلق لأعطيت بعض الملاحظات حول نظام أفضل للكون"، فما يمارسه ترمب هو سياسة هواة تحت أضواء التلفزيون كأنه يخاف من التوقف عن الكلام، سياسة من خارج الإدارة ومن خارج النظام العالمي الليبرالي الذي صنعته أميركا بعد الحرب العالمية الثانية والذي يقول وزير الخارجية ماركو روبيو إنه "ليس مهملاً، بل هو سلاح يستخدم ضدنا".

الموفدون أصدقاء ورجال أعمال أثرياء، ستيف ويتكوف يدير لعبة بين روسيا وأوكرانيا وإسرائيل وغزة والوسطاء العرب من دون أية خبرة، والسفير لدى تركيا والموفد إلى سوريا ولبنان توم براك يهرف بما لا يعرف، وبشارة بحبح وسيط مع حركة "حماس" في موضوع الرهائن.

وفي غياب مستشار للأمن القومي وخبراء، يتكل ترمب على رئيس الوزراء البريطاني سابقاً توني بلير وصهره جاريد كوشنر لترتيب "اليوم التالي" في غزة، واللعبة المفضلة هي فرض الرسوم الجمركية في أوسع حرب تجارية على رغم كل التنظيمات عبر منظمة التجارة العالمية، رسوم على الحلفاء والأصدقاء أكثر من الأعداء، وحرب تجارية يرى بول كروغمان الحائز جائزة "نوبل" في الاقتصاد أنها "حرب طبقية ضد أكثر من 80 في المئة من الأميركيين، فتنتقل الثروة من الفقراء إلى الأغنياء، وتستهدف الرسوم الأجانب ظاهرياً لكن تأثيرها كبير في توزيع الدخل بين الأميركيين".

وليس أمراً قليل الدلالات أن يقول ترمب "خسرنا روسيا والهند لمصلحة الصين" بعدما رأى الرئيس فلاديمير بوتين الذي خدعه في قمة ألاسكا يقوّي الشراكة الاستراتيجية مع الصين خلال قمة منظمة شنغهاي، وسمع الرئيس شي جينبينغ يقول لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي "حان الوقت ليرقص التنين والفيل معاً"، فالرسوم الباهظة على الهند دمرت علاقات أميركية جيدة عمرها 25 سنة مع نيودلهي، واحتمال التحالف الثلاثي بين روسيا والصين والهند دفع ترمب إلى الحديث عن "مؤامرة" ضد أميركا.

ومن الصعب على ترمب أن يحقق ما يجري التخطيط له في الصراع والتنافس والتعاون والصدام بين أميركا والصين، لا في استراتيجية "الاحتواء" وهي مع الصين أصعب بكثير مما كانت عليه مع الاتحاد السوفياتي، ولا في "استراتيجية الأفضلية" التي كتبت عنها في "فورين أفيرز" جنيفر ليند وداريل برس.

حيثيات الاستراتيجية هي أن الصين تشكل التحدي الجيوسياسي الأساس والجيو- اقتصادي الكبير لأميركا، وموارد واشنطن محدودة، وعليها الاتكال على حلفائها في العالم لإدارة مناطقهم، وترك يدها طليقة في التركيز على آسيا لمواجهة الصين، فالدين العام الأميركي وصل إلى 29 تريليون دولار، أي ما يوازي تقريباً الدخل القومي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والصين التي تقترب من التعادل مع أميركا في الاقتصاد وصارت في موقع قيادي تكنولوجي، وما ظهر أثناء العرض العسكري الصيني المبهر في ذكرى 80 عاماً على الانتصار على الاحتلال الياباني خلال الحرب العالمية الثانية عشية انتصار الثورة الشيوعية الصينية، أقنع العالم بأن زمن الصين جاء، فالنصيحة المشهورة للزعيم الإصلاحي دينغ شياو بينغ معلم شي ومن جاؤوا قبله هي "خبىء قوتك وانتظر وقتك".

وهذا هو الوقت في نظر شي بعدما سرعت الصين بناء قواتها العسكرية الكلاسيكية وترسانتها النووية، وبحسب وثيقة صينية جديدة، فإن الهدف هو "جيش من الطراز العالمي بحلول عام 2049"، أي في مئوية انتصار الثورة بقيادة ماو تسي تونغ عام 1949، لا أي جيش بل جيش قادر على "احتلال المسرح المركزي للمنافسة العسكرية والبقاء في الطليعة من خلال تحقيق أعلى المعايير العالمية في عصر الحروب الذكية والذكاء الاصطناعي".

ولمواجهة هذا التحدي في نظر واشنطن، فإن دورها في المحيطين الهندي والهادئ يتطلب تخفيف الأعباء في أوروبا والشرق الأوسط، فأوروبا قادرة على مواجهة روسيا، حيث دخلها 2 تريليون دولار مقابل 50 ترليون دولار دخل "الناتو"، لكن روسيا تنتج من الذخيرة أربعة أضعاف ما تنتجه دول "الناتو"، بحسب الأمين العام للحلف مارك روته، وإسرائيل وتركيا ومصر والسعودية قادرة على إدارة الصراع في الشرق الأوسط. ولا اهتمام لدى إدارة ترمب بالسياسات في "الجنوب العالمي" ولا البحث عن نفوذ هناك.

لكن هذا ليس واقعياً، فلا أوروبا تستطيع الاستغناء عن المظلة النووية الأميركية ودور واشنطن في مواجهة روسيا ودعم أوكرانيا ضد الحرب الروسية، ولا الشرق الأوسط قابل لإدارة أزماته وصراعاته من دون الدور الأميركي، إذ كلما حاولت أميركا التخفف من أعبائها في الشرق الأوسط لحق بها إلى واشنطن، لا بل إن إسرائيل التي تتوحش في قصف غزة ولبنان وسوريا وصولاً إلى قطر في محاولة لاغتيال قادة "حماس" في الدوحة، تحتاج إلى قوة أميركا لحمايتها، أما "الجنوب العالمي" فإن اللامبالاة به غلطة استراتيجية وجيوسياسية كبيرة لأن الصين وروسيا والهند هي الأقدر على لعب أوراقه على طاولات الأزمات والتسويات.

قبل أعوام قليلة كانت سوزان شيراك تصف الصين بأنها "قوة عظمى هشة"، وكانت بكين تقول "لسنا قوة عظمى" بل جزءاً من الجنوب العالمي، لكن واشنطن تعرف أن الصين قوة عظمى أبعد من أن تكون هشة، وأن أميركا نفسها مرشحة لأن تصبح قوة عظمى هشة بعدما قامت بدور "قوة عظمى مارقة".

اقرأ المزيد

المزيد من آراء