Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل خسرت أميركا سباق الطاقة النظيفة لمصلحة الصين؟

مع تزايد اعتماد ترمب على الوقود الأحفوري تطرح واشنطن وبكين رؤى متنافسة لمستقبل السوق

أنتجت الصين 277 غيغاواط من طاقات الرياح والشمس خلال الأشهر السبعة الأولى من هذا العام (أ ب)

ملخص

تشير تقديرات "بلومبيرغ" إلى أن السيارات الكهربائية ستشكل 27 في المئة من مبيعات السيارات الأميركية بحلول 2030، بانخفاض عن النسبة المتوقعة البالغة 48 في المئة في العام الماضي.

من المفترض أن يصبح مستودع ضخم بمساحة 1.3 مليون قدم مربع (قدم مربع واحد = 0.092903 متر مربع) شمال مدينة دنفر رمزاً للتصنيع المتطور، إذ أشاد حاكم كولورادو، جاريد بوليس، بخطة شركة مقرها كاليفورنيا لبناء مصنع بطاريات في الموقع باعتباره دفعة لـ"تغذية المستقبل بالطاقة".

لكن آفاق النمو الضعيفة أصلاً لقطاع السيارات الكهربائية تراجعت أكثر مع تقدم مشروع قانون الضرائب الذي طرحه الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الكونغرس، ولم تنتظر شركة "أمبريوس تكنولوجيز" إقرار التشريع، بل انسحبت من كولورادو في وقت سابق من هذا العام.

وقال الرئيس التنفيذي للشركة، كانغ سون، إن "المعرفة التقنية اللازمة لمثل هذا العمل لا تزال في طور التطوير داخل الولايات المتحدة"، مضيفاً أن "دولاً أخرى قضت أعواماً في بناء صناعات بطاريات ناضجة وفعالة من جهة الكلفة، مما منحها انطلاقة قوية".

ويذكر أن ثلاثة من أصل أربعة مصانع تتعاقد معها "أمبريوس" لإنتاج بطارياتها المخصصة للطائرات المسيرة والدراجات وربما السيارات مستقبلاً، تقع في الصين.

يعكس هذا التراجع واقعاً جديداً ألا وهو أن الولايات المتحدة تخلت عملياً عن محاولتها منافسة الصين في صناعات الطاقة المتجددة التي أصبحت محركاً أساساً للاقتصاد العالمي.

وفيما يضاعف ترمب رهانه على الوقود الأحفوري، تقدم كل من الولايات المتحدة والصين رؤى متناقضة لمستقبل الطاقة، في مواجهة جديدة بين قوتين عظميين تتنافسان على النفوذ العالمي والتفوق في مجال الذكاء الاصطناعي.

لماذا تراجعت أميركا عن الاستثمار في الطاقة المتجددة؟

تراجع الولايات المتحدة عن الاستثمار في الطاقة المتجددة يتجاوز كثيراً مشروع قانون الضرائب الذي يقلص دعماً يقدر بأكثر من 400 مليار دولار، إذ شددت الوكالات الفيدرالية القواعد الخاصة بالمشروعات الجديدة، فيما ألغت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب أخيراً ضمانة قروض بمليارات الدولارات لخط نقل كهرباء في الغرب الأوسط، وأوقفت مشروع مزرعة رياح شبه مكتمل قبالة سواحل رود آيلاند، وألغت تمويلاً بقيمة 3.7 مليار دولار لتقنيات تهدف إلى خفض الانبعاثات الصناعية.

هذا التذبذب انعكس بقوة على الاستثمارات، فوفقاً لـ"معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" ومجموعة "روديوم"، ألغت الشركات في الربع الثاني من العام عدداً من مشروعات التصنيع الأخضر يفوق ما أعلن عنه للمرة الأولى على الإطلاق.

وهوت استثمارات الكهرباء النظيفة بنسبة 51 في المئة مقارنة بالربع السابق، ورصدت منظمة "E2" نحو 22 مليار دولار من مشروعات السيارات الكهربائية والبطاريات والطاقة الشمسية والرياح وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة التي جرى تأجيلها أو إلغاؤها في النصف الأول من العام.

في المقابل، يضغط ترمب على شركاء التجارة في أوروبا وآسيا لشراء النفط والغاز الأميركي لتجنب رسوم جمركية أعلى، لكن التهديد الأكبر على المدى الطويل يبقى في التكنولوجيا الصينية.

وتلقي الوتيرة السريعة لاعتماد السيارات الكهربائية في الصين وأماكن أخرى بظلال ثقيلة على مستقبل الطلب على النفط، فعلى رغم أن الغاز الطبيعي سيظل يستخدم لعقود مقبلة، فإن التنافسية المتزايدة للألواح الشمسية والبطاريات قد تقلل تدريجاً من حجم الطلب العالمي عليه.

أنتجت الصين 277 غيغاواط من طاقات الرياح والشمس خلال الأشهر السبعة الأولى من هذا العام، وهو ما يعادل أربعة أضعاف الإضافات المتوقعة على مستوى جميع مصادر الطاقة في الولايات المتحدة بحلول عام 2025، بحسب محللين فيدراليين، ومن شأن ذلك أن يمنح بكين أفضلية كبيرة في سباق الذكاء الاصطناعي الذي يلتهم الطاقة.

وضاعفت الشركات الصينية قدراتها الإنتاجية من البطاريات والألواح الشمسية، وضخت صادرات ضخمة إلى الأسواق العالمية. ووفقاً لبيانات "بلومبيرغ" ارتفعت الحصة السوقية العالمية للصين في هذه التقنيات إلى 75 في المئة أو أكثر.

وقال والي أدييمو، الذي شغل منصب نائب وزير الخزانة الأميركي في عهد الرئيس جو بايدن، لصحيفة "وول ستريت جورنال"، إن الدول "ستصبح أكثر اعتماداً على التكنولوجيا الصينية لتشغيل اقتصاداتها وصناعة السيارات التي يقودها الناس"، مضيفاً أن ذلك "يمنح الصين نقاط ضغط حقيقية على الساحة العالمية".

كيف تعززت ثورة الطاقة النظيفة في الصين؟

شكلت الجغرافيا مسارات متباينة لاستراتيجيات القوتين العظميين، فالولايات المتحدة غنية بالنفط والغاز، بينما تعتمد الصين على الواردات، ففي اجتماع مع فريقه الاقتصادي عام 2014، دعا الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى "ثورة" في نظام الطاقة الوطني، ومن خلال السيطرة على سلسلة إنتاج معدات مثل الألواح الكهروضوئية وتوربينات الرياح، راهنت الحكومة على أنها ستخفف من تحديات أمن الطاقة وتخلق وظائف في الوقت نفسه.

وعلى رغم استمرار الشركات الصينية في بناء محطات الفحم، تدفقت مليارات الدولارات من الدعم الحكومي إلى شركات مثل "جينكوسولار" وشركة تصنيع البطاريات "كونتيمبوراري أمبريكس تيكنولوجي"، وقد تبع ذلك موجة من الابتكار.

وأكدت الشركتان أنهما تسعيان إلى الابتكار، مشيرتين إلى أن تقديم الحكومات دعماً مالياً للصناعات الناشئة أمر شائع حول العالم.

وبحلول عام 2023، أصبح إنتاج الوحدة الشمسية في الصين أرخص بنسبة 65 في المئة مقارنة بكلفتها في الولايات المتحدة، وفقاً لشركة الاستشارات في مجال الطاقة "وود ماكنزي". وأشارت شركة "CATL" إلى أنها أنفقت أكثر من 2.6 مليار دولار على البحث والتطوير خلال العام الماضي وحده، مع فريق يضم أكثر من 20 ألف موظف.

وقالت المحللة في مركز "كلايميت إنريجي فاينانس"، كارولين وانغ، إن التوسع في مشاريع الطاقة المتجددة بالصين أدى أخيراً إلى تشغيل أسطولها الضخم من محطات الفحم الرائدة عالمياً بأقل من نصف طاقته، وأضافت "إنهم يتصدرون العالم بفارق مذهل يفوق الخيال".

وتشير التقديرات إلى أن انبعاثات الصين تراجعت بنسبة واحد في المئة خلال النصف الأول من العام، في وقت باتت فيه نحو نصف السيارات الركابية المبيعة في البلاد العام الماضي تعمل بالكهرباء بالكامل أو هجينة قابلة للشحن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتمثل قدرة الصين على بناء وتشغيل قدرات هائلة في مجال الطاقة بمختلف أنواعها رصيداً استراتيجياً بينما تستعد لمرحلة مستقبلية سيكون فيها الذكاء الاصطناعي المحرك الأساس للطلب على الكهرباء، فمن المتوقع أن يقفز استهلاك مراكز البيانات للطاقة بمعدلات من خانتين سنوياً خلال الأعوام المقبلة.

ومع فائض الإنتاج وحروب الأسعار داخل السوق المحلية، يتجه المصنعون الصينيون إلى الأسواق الخارجية، وهو ما ساعد شركة "بي واي دي" على تخطي "تيسلا" لتصبح أكبر منتج عالمي للسيارات الكهربائية، فيما عززت "CATL" مكانتها كأكبر مصنع للبطاريات في العالم، وارتفعت صادرات الصين من السيارات الكهربائية والهجينة القابلة للشحن بنحو 25 في المئة العام الماضي لتصل إلى 1.3 مليون سيارة.

وقال المتخصص في سوق الطاقة الصينية لدى مجموعة "لانتاو"، ديفيد فيشمان، للصحيفة "الصين لا تسعى إلى تصدير التكنولوجيا النظيفة بدافع أيديولوجيا التغير المناخي، بل لأن شركاتها تريد ممارسة الأعمال التجارية".

وقال الرئيس التنفيذي لشركة "غرينيرجي"، ديفيد رويز دي أندريس، وهي مطور لمشروعات الطاقة في أميركا اللاتينية والولايات المتحدة وأوروبا "لا يمكننا الاعتماد فقط على الإنتاج القادم من الصين، لكن في الوقت الراهن، إذا أردنا تسريع التحول الطاقي، فإن أوروبا ليس لديها بديل في الأعوام القليلة المقبلة".

وتكشف محفظة الشركة كيف تنقسم الخيارات بين الدول، ففي تشيلي، استخدمت الشركة معدات صينية في محطات ضخمة للطاقة الشمسية وتخزين البطاريات في صحراء أتاكاما، إذ تربط البلدين علاقات وثيقة، وتمتلك شركات صينية حصصاً واسعة من شبكة الكهرباء التشيلية وتستورد الليثيوم والنحاس منها.

وباعت شركة "بي واي دي" في تشيلي أكثر من ضعف عدد المركبات الهجينة القابلة للشحن مقارنة بـ"تيسلا" خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام.

وتتسم المواقف في أوروبا بالحياد النسبي، فبينما لا يمتلك الاتحاد الأوروبي جداراً جمركياً شبيهاً بالولايات المتحدة، يشعر بعض المسؤولين بالقلق من الأخطار المرتبطة بالتكنولوجيا الطاقية الصينية، ويعملون على تعزيز شبكات الكهرباء لمواجهة التهديدات السيبرانية.

وقال عضو البرلمان الأوروبي الهولندي، بارت جروثيوس، إن هناك قلقاً من أن المحولات الكهربائية - وهي الأجهزة التي تربط محطات الرياح والطاقة الشمسية بالشبكة - التي تصنع في الصين، قد تتحكم من بعد لتعطيل شبكات الطاقة، وأضاف "يجب أن نكون يقظين للغاية في شأن الاعتماد المفرط على دول مثل الصين".

لماذا تشعر واشنطن بالقلق؟

كثيراً ما كانت واشنطن قلقة في شأن سيطرة الصين على التقنيات الحيوية، لكن الدفع نحو فصل سلاسل التوريد عن الصين لم يعد مرتبطاً بمحاولة موازية لدعم تصنيع الطاقة النظيفة في الولايات المتحدة، فبدلاً من ذلك، يضغط الرئيس ترمب لزيادة إنتاج واستخدام الوقود الأحفوري.

وتعهدت الولايات المتحدة بتسريع الموافقات على محطات تصدير الغاز الطبيعي الجديدة، وأطلقت مبادرة لتسريع مشروعات الطاقة، واستهدفت معايير الانبعاثات للسيارات. وتشير تقديرات "بلومبيرغ" إلى أن السيارات الكهربائية ستشكل 27 في المئة من مبيعات السيارات الأميركية بحلول 2030، بانخفاض عن النسبة المتوقعة البالغة 48 في المئة في العام الماضي.

وفي مقابلة تلفزيونية حديثة، علق وزير التجارة هوارد لوتنيك على تفوق الصين في قطاع السيارات الكهربائية قائلاً "هم يحاولون دائماً أن يجعلونا نشتري سياراتهم لأنهم لا يملكون النفط، وسنساعدهم إذا فعلنا ذلك."

وفي الوقت نفسه تعرض وزارة الطاقة الأميركية ضمانات قروض بقيمة 200 مليار دولار لمشروعات البنية التحتية للطاقة، بما في ذلك الفحم، الذي تراجع استخدامه بسبب انخفاض كلفة الغاز الطبيعي.

وعلى الصعيد المحلي، يرى وزير الطاقة كريس رايت أن تعزيز إنتاج النفط والغاز الرائد عالمياً سيساعد في خفض كلفة الطاقة وتلبية الطلب المتصاعد من مراكز البيانات، أما على الصعيد الدولي، فانتقد اللوائح البيئية التي قد تعوق صادرات الولايات المتحدة.

وقال المسؤول السابق في مجلس الهيمنة الوطنية على الطاقة في عهد ترمب والمستشار الكبير في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، ريتشارد جولدبرغ "النفط والغاز صديقنا الآن، إنه أعظم أصولنا لاستخدامه وتوسيعه وإيجاد طرق لتوليد الطاقة لأنفسنا حتى ننتقل إلى الطاقة النووية المتقدمة."

ويرى بعض المستثمرين أن سوق الطاقة النظيفة ستتكيف لتغطية فجوة الطلب المتزايدة مع نمو مراكز البيانات، وتجاوزت الكهرباء المتجددة بالفعل الفحم والطاقة النووية، وتبقى الطاقة الشمسية المصدر الأكبر للإنتاج الجديد للطاقة.

وقال جوناه غولدمان من شركة الاستثمار "جينيريتكابيتال"، "لو ذهبت للنوم قبل يوم من إقرار قانون المناخ في عهد بايدن واستيقظت أمس، لما زلت تصدق أن الانتقال نحو الطاقة النظيفة يحدث بالفعل."

وفي الوقت الحالي، تتقدم شركات الطاقة النظيفة بخطى متعثرة، فشركات مثل "ألتيرناتيف إنيرجي ساوث إيست" في جورجيا تتسابق لتركيب الألواح الشمسية على الأسطح قبل انتهاء الدعم الحكومي بنهاية العام، وبعد ذلك، يتوقع الرئيس التنفيذي مونتانا بوش أن ينخفض الطلب السكني بما يصل إلى 90 في المئة.

وقال بوش "قيادة بلدي تقف ضدي في كثير من النواحي، الدول الأخرى لا تتباطأ".

اقرأ المزيد