ملخص
أثارت فاجعة مجزرة مسجد معسكر أبو شوك بمدينة الفاشر ردود فعل غاضبة على مستوى دارفور والسودان. وعلى رغم عدم صدور بيان رسمي من "الدعم السريع" فإن منصاتها نشرت تصريحاً مقتضباً لمستشار قائد الجماعة الباشا طبيق، وصف فيه خبر استهداف المسجد بأنه "دعاية رخيصة لتغطية هزائم الجيش وحلفائه".
أعلن الجيش السوداني تصديه مع القوات المشتركة والمساندة لهجوم مترافق مع قصف مكثف بالمدفعية الثقيلة وبالمسيرات الانتحارية والاستراتيجية شنته قوات "الدعم السريع" على منطقة سوبر كامب، المقر السابق لبعثة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور "يوناميد" بالجهة الشمالية الغربية للمدينة. وأوضح بيان للفرقة السادسة - مشاة للجيش بمدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور، أن الهجوم استهدف الاستيلاء على الموقع وتحويل الأنظار عن الهزائم المتكررة التي تعرضت لها "الدعم السريع" في مدينة الفاشر، مؤكداً تكبيد القوات المهاجمة خسائر فادحة، شملت مقتل وإصابة المئات من عناصرها، وتدمير عدد من المركبات المصفحة والاستيلاء على أخرى، وندد البيان بقصف "الدعم السريع" مسجد منطقة الصافية أثناء صلاة فجر الجمعة، مما أدى إلى مقتل أكثر من 75 مواطناً وإصابة آخرين، مؤكداً أن الأوضاع ما زالت تحت السيطرة.
سيطرة وتراجع
في المقابل بثت "الدعم السريع" مقاطع فيديو على مواقعها بمنصات التواصل الاجتماعي، تؤكد فيها سيطرتها على مقار سلاح المهندسين والسلاح الطبي والمقر السابق لبعثة "يوناميد" شمال غربي المدينة، حيث كانت تتخذها القوات المشتركة مركزاً لها. وكانت هذه القوات أعلنت خلال الأسابيع الماضية عن تمكنها من التوغل داخل عدد من الأحياء بالفاشر واقترابها من مقر قيادة الفرقة السادسة - مشاة بالمدينة.
وأفادت مصادر ميدانية بأن اشتباكات عنيفة دارت بين الجانبين داخل مخيم أبو شوك شمال الفاشر قصفت خلاله مسيرات الجيش، بصورة مكثفة مواقع "الدعم السريع" شمال المدينة وتمكنت من إجبارها على التراجع عن موقع "يوناميد" وأجزاء كبيرة من معسكر أبو شوك بالمدينة. وكشفت المصادر عن إسقاط دفاعات الجيش الجوية طائرة مسيرة استراتيجية يرجح أنها التي ارتكبت مجزرة المسجد بالفاشر.
ومنذ أكثر من عام ونصف العام تتواصل المواجهات العسكرية بين الجيش السوداني وحلفائه من جهة، و"الدعم السريع" من الجهة أخرى في مدينة الفاشر آخر معاقل الجيش في الإقليم.
حصار وجوع ومرض
بدورها وجهت تنسيقية لجان مقاومة الفاشر انتقادات حادة للسلطة المركزية وقيادات دارفور، وقال بيان للتنسيقية "إن الخناق قد ضاق واشتد الحصار والموت في كل زاوية، بينما تركت الفاشر التي تقاتل نيابة عن الجميع منذ أكثر من عامين ونصف العام، وحيدة بين مطرقة الميليشيات وسندان الخذلان الرسمي، في وقت يختنق فيه الأطفال بالجوع وتتم تصفية الأمهات في مراكز الإيواء ويقتل الشيوخ بدم بارد".
ويعيش العالقون بالفاشر أوضاعاً إنسانية بالغة الصعوبة وسط تفشي الجوع والمرض نتيجة انعدام السلع الغذائية والخدمات الأساسية بسبب المواجهات المستمرة والحصار الخانق. في وقت واصل فيه وباء الكوليرا انتشاره السريع في مختلف أنحاء دارفور، وارتفعت محصلة الوفيات إلى 515، ووصل عدد الإصابات إلى 12305 وفق آخر تحديث للمنسقية العامة للنازحين بدارفور.
غضب وإدانات
أثارت فاجعة مجزرة مسجد معسكر أبو شوك بمدينة الفاشر ردود فعل غاضبة على مستوى دارفور والسودان. وعلى رغم عدم صدور بيان رسمي من "الدعم السريع" فإن منصاتها نشرت تصريحاً مقتضباً لمستشار قائد الجماعة الباشا طبيق، وصف فيه خبر استهداف المسجد بأنه "دعاية رخيصة لتغطية هزائم الجيش وحلفائه".
وندد مجلس السيادة الانتقالي باستهداف المسجد معتبراً أنها جريمة يندى لها جبين الإنسانية.
ودانت حكومة السودان استهداف المسجد وقالت إنها جريمة تجسد انتهاكاً صارخاً لكل الأعراف الدينية والمواثيق الدولية التي تحمي دور العبادة والمدنيين.
ووصف رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس الهجوم المسير على المسجد بأنه جريمة حرب وعمل همجي يندرج ضمن الجرائم ضد الإنسانية والانتهاكات على الأساس العرقي، بهدف التغيير الديموغرافي عبر سياسة الحصار والتجويع.
واعتبر بيان لوزارة الخارجية أن تمادي "الدعم السريع" في ارتكاب هذه الجرائم الإرهابية "نتيجة مباشرة لتراخي المجتمع الدولي حيال جرائمها غير المسبوقة، وتغاضيه عن استهانتها بقرارات الشرعية الدولية، بخاصة قرار مجلس الأمن رقم 2736 في يونيو (حزيران) من العام الماضي المطالب بإنهاء حصار الفاشر ووقف الهجوم عليها".
ودانت حكومة إقليم دارفور ما وصفتها بالمجزرة البشعة التي ارتكبتها "الدعم السريع" في مدينة الفاشر محملة قيادتها كامل المسؤولية الجنائية، ومطالبة بالتدخل الفوري للمجتمع الدولي والجهات المعنية لوقف هذه الانتهاكات وحماية المدنيين.
ووصف بيان للقوات المشتركة لحركات الكفاح المسلح حادثة استهداف المسجد بأنها مخالفة لقانون الوجود والقوانين الإنسانية والدينية والوجدان السليم.
وقالت المقاومة الشعبية بدارفور إن هذه الجريمة الوحشية "تمثل تجاوزاً سافراً لكل القيم السماوية والأعراف الدولية، وإعلاناً واضحاً لحرب لا تستثني بيتاً من بيوت الله ولا حرمة من حرمات الدين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كردفان المشتعل
في محور كردفان المشتعل منذ أسابيع عدة دارت مواجهات عسكرية عنيفة بمنطقة جبرة الشيخ غرب منطقة عدر السدر تمكن خلالها الجيش من تدمير مجموعة من مدرعات "الدعم السريع" في شمال كردفان، وفق مصادر ميدانية أضافت أيضاً أن قوات الجيش تواصل تقدمها الميداني من أجل تمديد نطاق سيطرتها بالمنطقة، بعد تكبيدها "الدعم السريع" خسائر فادحة في العتاد والأرواح، في وقت يواصل فيه الطيران الحربي غاراته الجوية مستهدفاً تجمعات وتحركات هذه القوات بشمال وغرب كردفان.
ومنذ أسابيع يشهد هذا المحور تصعيداً عسكرياً متزايداً، وتتواصل فيه المعارك بين الجيش السوداني و"الدعم السريع".
حميات الضنك والملاريا
صحياً وفي وقت تكافح فيه السلطات الصحية بولاية الخرطوم للسيطرة على حميات الضنك والملاريا بتكثيف حملات مكافحة النواقل بالرش الضبابي الجوي والأرضي، قرع منبر "ميثاق أهل الجزيرة" ناقوس الخطر إزاء تدهور الوضع الصحي بالبلاد، والذي بلغ مرحلة تهديد حقيقي للأمن القومي الصحي، جراء الانتشار الوبائي المتسارع لحمى الضنك في ولايتي الخرطوم والجزيرة، وبدء تمدده الخطر ليشمل ولايتي نهر النيل والنيل الأبيض. وأعرب المنبر عن قلقه البالغ مطالباً رئيس مجلس السيادة، ورئيس مجلس الوزراء، بالتدخل العاجل وإعلان حالة الطوارئ الصحية القصوى في الولايات المتأثرة، وتخصيص الموارد اللازمة لمكافحة الوباء ومحاسبة المسؤولين المقصرين في وزارة الصحة.
تنسيق أميركي - أفريقي
وسط هذه الأجواء حض رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي محمود علي يوسف أصحاب المصلحة السودانيين على لعب دور بناء في إنهاء الصراع في البلاد، داعياً إلى إنشاء حكومة انتقالية بقيادة مدنية في السودان. وأكد يوسف، خلال إحاطة مشتركة مع المستشار الأول لشؤون أفريقيا بالخارجية الأميركية مسعد بولس في مقر الاتحاد الأفريقي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أن الاتحاد الأفريقي يواصل إشراك أصحاب المصلحة السودانيين للتوصل إلى وقف لإطلاق النار ودعم الحوار الذي يقوده السودانيون للمساعدة في إنهاء الحرب وتنظيم الانتخابات وتمكين المدنيين من حكم البلاد. وجدد رئيس المفوضية التزام الاتحاد الأفريقي الراسخ بدعم الحلول الأفريقية للتحديات في القارة.
وفي تصريح صحافي مشترك لكل من يوسف وبولس جدد الأخير التزام الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي بتعزيز شراكتهما في مختلف المجالات بهدف بناء أفريقيا مستقرة ومزدهرة. وأوضح المستشار الأميركي أن خريطة الطريق التي أقرتها مجموعة دول الرباعية أخيراً لإنهاء الحرب في السودان تتضمن إطاراً زمنياً واضحاً، لافتاً إلى أن الوقت قد حان لعودة أكثر من 10 ملايين نازح سوداني إلى ديارهم، مشدداً على أن تدهور الوضع الإنساني في السودان وموت عشرات الآلاف، بخاصة الأطفال، بسبب الجوع، يتطلبان من العالم معالجة فورية.
تزايد المسيرات
في الأثناء حذر المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك من تزايد استخدام المسيرات، بخاصة في الهجمات على المرافق المدنية، مما يؤثر في "مناطق كانت سابقاً بمنأى نسبياً عن الصراع في شمال وشرق السودان"، ولفتت المفوضية إلى أن أطراف النزاع واصلت شن هجمات في مناطق مكتظة بالسكان باستخدام القصف المدفعي والغارات الجوية والطائرات المسيرة، ونفذت اعتداءات أدت إلى سقوط ضحايا وإصابات جماعية معظمها في دارفور وكردفان والخرطوم.
وندد تقرير للمفوضية السامية للنصف الأول من العام الحالي، بتفاقم الطابع الإثني لحرب السودان، مبيناً أن الإفلات من العقاب يؤجج دورات الانتهاكات والتجاوزات في وقت ترتكب فيه فظائع إجرامية في ظل الوضع الكارثي. وأعرب تورك عن قلقه إزاء تفاقم النزاع في السودان، والارتفاع الحاد في وفيات المدنيين وسط تصعيد الطابع الإثني وتفاقم الأزمة الإنسانية، ما يرتب أخطاراً جسيمة على الاستقرار والتماسك الاجتماعي على المدى الطويل.